خلال شهر رمضان، نصوم لمدّة 30 يومًا فقط، لكن ما الّذي يحدث للأشخاص الّذين يتّبعون الصّيام كأسلوب حياة؟ كشفت نتائج علميّة أن حمية الصّيام الخاضعة للرّقابة قد تكون مفيدة للصّحّة، وقد تقلّل من نسَب الإصابة بأمراض القلب. لكن ماذا عن المخاطر؟ لا بدّ من أخذها أيضًا بعين الإعتبار.

يحلّ شهر رمضان مرّة واحدة في العام، لكن البعض يتّبع الصّيام كأسلوب حياة على مدار السّنة أو لفترات طويلة منها. يصومون بانتظام، على مدى أشهر طويلة، لأسباب صحّية. ولكن هل من الصّحّيّ حقًا اتّباع نظام غذائيّ مبنيّ على الصّيام؟ تعالوا بنا لنتعرّف على أشخاص يصومون طوال العام، في محاولة لفهم كيفيّة تأثير الصّيام عليهم.

أوّلاً، يتوجّب توضيح الفرق بين الصّيام البسيط والتّجويع الفعليّ. يُعرَّف الصّيام عند البشر على أنّه تجنّب كامل أو استهلاك خفيف جدًّا للأطعمة والمشروبات (أقلّ من 200 سعرة حراريّة في اليوم) لفترة تتراوح بين 12 ساعة حتّى ثلاثة أسابيع. من ناحية أخرى، فإن التّجويع هو نقص غذائيّ مستمرّ والّذي يمكن أن يؤدّي إلى إنهيار أنسجة الجسم وحتى إلى الموت.

بعد 12-24 ساعة من بداية الصّيام، يمكن ملاحظة انخفاض في مستويات السّكّر في الدّم، مصحوبًا بإنخفاض في الجليكوجين - المادّة المستخدمة لتخزين السّكّر في خلايا الكبد. في هذه المرحلة، يبدأ الجسم في استخدام الجلوكوز(السّكّر) المخزّن في أماكن أخرى في الجسم، ويبدأ في إنتاج الطاقة من أجسام الكيتون أيضًا، وهي جزيئات تُنتج من تحلّل الدّهون والأحماض الدُّهنيّة الحُرّة.

من المعروف الآن، أن الانتقال إلى استخدام الدّهون لتكوين أجسام الكيتون يسبّب تغييرات في بعض المسارات الأيضيّة والعمليّات الخلويّة، وبالتّالي، فإنّه يحثّ الجسم على مقاومة الضّغط والإجهاد على سبيل المثال. قد يكون هذا هو الأساس للتّأثيرات الصّحّيّة الإيجابيّة المنسوبة إلى حميات الصّيام. حيث قد تؤدّي هذه التّغييرات الخلويّة إلى تحسين القدرة على التّعامل مع أمراض كالسّرطان والألزهايمر.

الطّريقة الرّئيسيّة المستخدمة اليوم لحمية الصّيام هي طريقة "تقييد السُّعرات الحراريّة"، حيث يتمّ فيها تقليل السُّعرات الحراريّة اليوميّة إلى 60-85 بالمائة من السُعرات الحراريّة الموصّى بها. هذه الطّريقة مفيدة بالفعل لإنقاص الوزن، لكن من الصّعب جدًّا المثابرة عليها. كبديل، تمّ اقتراح طريقة "الصّيام المتقطّع"، حيث يتناوب مستخدموها بين يوم من الأكل المُنتظم ويوم من الصّيام التّامّ، حيث لا يأكلون فيه إطلاقًا، أو يأكلون كمّيّات قليلة جدًّا. هنالك بالطّبع تنوّع في طرق الصّيام، كدورات صيام من 2-4 أيّام تليها 2-4 أيّام من الأكل على سبيل المثال.

التّأثيرات الصّحّيّة لحميات الصّيام

هل حميات الصّيام فعّالة حقًا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل هي صحّيّة؟ الإجابات على هذه الأسئلة متنوّعة.

لقد وجدت الدّراسات الّتي أجريت على فئران وجُرذان، العديد من التّأثيرات المفيدة للصّيام. فيما بينها: إطالة متوسّط ​​العمرالمتوقّع للفرد، تحسين القدرة على التّفكير، تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب، السّكريّ، السّرطان، الزّهايمر والباركنسون. ومع ذلك، فإنّ الصّورة أكثر تعقيدًا عند البشر. من الصّعب استخلاص استنتاجات واضحة حول الفائدة الصّحّيّة لهذه الأنظمة الغذائيّة بالنّسبة لنا، وذلك ببساطة بسبب نقص التّجارب السّريريّة الخاضعة للرّقابة الّتي تخصّ الموضوع. وليس أقلّ أهمّيّة ممّا ذُكر: لا توجد بيانات بحثيّة موثوقة وكافية حول مدى سلامة هذه الأنظمة الغذائيّة.

كإستراتيجيّة لإنقاص الوزن، وجدت الدّراسات المراجِعة أنّ نظام "الصّيام المتقطّع" لمدّة 8-12 أسابيع قد أدّى بالفعل إلى فقدان معتدل للوزن. يُعتبرهذا النّظام الغذائيّ فعّالاً بعد أن وُجد أنّ معظم الوزن المفقود من خلاله هو من كتلة الدّهون فيما تمّ الحفاظ على الكتلة "النّحيفة" (مثل كتلة العضلات) بشكل جيّد.

من حيث التّأثيرات المفيدة، فقد وُجد أنّ حمية الصّيام عند الإنسان تقلّل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدّمويّة. أمّا فيما يتعلّق بمرض السّكّريّ، فإنّ النّتائج أقلّ وضوحًا، ولكن بعض الدّراسات وجدت تأثيرات مفيدة للحمية على المؤشّرات المتعلّقة بالمرض. تشير الدّراسات الوبائيّة الّتي أجريت على مجموعات عرقيّة تمارس الصّيام يومًا واحدًا في الشّهر إلى أنّ الصّيام بكمّيّة محسوبة ودقيقة قد يكون مفيدًا للصّحّة.

وبالرّغم من ذلك، من المهمّ معرفة أنّه من الممكن أن تكون للصّيام آثار ضارّة أيضًا إذا ما كان متكرّرًا وطويلًا جدًّا. هذه الأعراض تشمل  الصّداع، الإغماء، الضّعف، الجفاف وآلام الجوع. يمكن أن يؤدّي الصّيام المفرط أيضًا إلى سوء التّغذية، اضطرابات الأكل، زيادة الميل للعدوى وتلف الأعضاء الدّاخليّة.

من الممكن أن تؤثّر حمية الصّيام المتقطّع غير المتوازنة سلبًا على بعض الأنظمة كالسّاعة البيولوجية، جهاز الغدد والجهاز الهضميّ، والّتي تتأثّر بعادات الأكل. لذلك من المستحسن لأيّ شخص يسعى إلى اتّباع نظام غذائيّ كهذا أن يخضع لمراقبة طبيب أو مختصّ تغذية سريريّة عن كثب خلال ال 4-6 أسابيع الأولى من حمية الصّيام. ما تزال هناك حاجة لمزيد من البحوث على البشر لفهم مقدار فائدة الصّيام والتّوازن المطلوب بين التّأثيرات المفيدة والأضرار الّتي يمكن أن تسبّبها كمّيّة السّعرات الحراريّة غير الكافية.

0 تعليقات