لقد توصّلَ الفيزيائي الألماني ماكس فون لووي (von Laue) قبل 99 عاماً ألى أن الذرات في المواد الصلبة البِلَّوْرية تنتظم في مبانٍ دورية. عند إرسال أشعة سينية ( أشعة إكس) باتجاه بِلّوْرة ما، فإنّ الذرات تُبعثِر هذه الأشعة فتتكوّن على الشاشة الموجودة خلف العينة بنية تداخلٍ - منظومة فيها تكرار لمواقع معتمة وأخرى مضاءة. تتكرر النقاط المضاءة مُكوّنة بنية ذات تماثل دوراني؛ أي أنه من الممكن إدارة منظومة النقاط حتى تعود لتظهر تماماً بهيئتها الأصلية. ولكن العلم اكتشف أن هناك زوايا استدارة معينة للإدارة تناسب ذلك. بتعبير آخر، هناك زوايا متاحة للاستدارة، وهي تلك التي تعكس التماثل الداخلي للبلورة: تماثل مضاعف (أي استدارة بمقدار 180 درجة، مرتين لإكمال دورة واحدة)، وتماثل ثلاثي (120)، ورباعي (90)، وسداسي (60). التماثلات الأخرى للاستدارة لا تتوافق مع ضرورة أن تكون البلورة دورية، ذلك لأنه لا يمكن، مثلاً،  تكوين شكل متكرر/ دوري يكرر نفسه تمامًا بواسطة مخمّسات.

في شهر أبريل من العام 1982 ألقى البروفيسور دان شيختمان، بواسطة المجهر الإلكتروني، نظرة على بلورات لسبيكة (مخلوط من فلزات) جديدة من الألومنيوم والمنغنيز كان قد حضّرها في مختبره. كوّنت هذه المادة صورة تداخل حادّة كالبلورات العادية، ولكنها أبدت تماثلاً دورانياً خماسياً. وكما قيل آنفاً فإن هذا التماثل الخماسي لم يتوافق مع النموذج العلمي السائد آنذاك الذي اعتبر ذلك أمراً مستحيلاً.

لقد قام البروفيسور بفحص احتمال أنّ الذي رآه هو عبارة عن "بلورات توائم" - تقارب بضع بلورات لتبدو كبلورة واحدة - ولكنه كلما حاول إقناع نفسه أنه "لا يوجد شيء من هذا القبيل"، ازداد إيمانه بأنه توصّلَ إلى اكتشاف علمي جديد.

بلورة - كوازي لسبيكة هولميوم، مغنيسيوم وخارصين (Ho-Mg-Zn) ذات تماثل دودكا هيدرولية (20 وجه). أخذت الصورة من ويكيبيديا.

صورة التداخل لـِ Ho-Mg-Zn. تم التقاط الصورة ومعالجتها من قبل Material Scientist. من ويكيبيديا.

 

بدأ البروفيسور شيختمان بحملة مضنية ليحظى بدعم للنتائج التي توصّلَ إليها. ومن الجدير بالذكر أنه أُبعِدَ من فريق الأبحاث الذي كان يعمل معه بحجة أنه فضحَ زملاءه. في نهاية الأمر وبمساعدة بضع علماء آخرين نجح في نشر نتائج بحثه التي توصّل إليها في شهر نوفمبر- تشرين الثاني في المجلة ذات الهيبة والصيت Physical Review Letters.

عرضَ البروفيسور شيختمان في مقالته نموذجاً (موديلاً) سمّاه كوازي - بلورات ("وكأنها بلورات"). البُنيات التي تُمّيّز الكوازي - بلورات تعيد إلى الذاكرة نماذج فسيفساء من القرون الوسطى، على الرغم من أنها ليست ذات صفة دورية إلّا أنها منتظمة، أي أنها تنصاع لقانون رياضي ما. يتعلق البعد بين الذرات في البلورة بعدد يُسمّى النسبة الذهبية؛ وهو عبارة عن عدد كَسريّ يساوي تقريباً 1.6، وهو الحدّ المقارب للنسبة بين الحدود المتعاقبة في منظومة "فيبوناتشي".

لقد أجبَر هذا الاكتشاف المثير العلماءَ على تغيير التعريف الأساسي للبلورة: فبدلاً من التعريف التقليدي للبلورة بأنها "المادة التي تنتظم فيها الذرات في بُنية منتظمة ودورية ثلاثية الأبعاد"، أصبحت صياغة التعريف: "المادة الصلبة التي تُبدي صورة تداخل مُتفَرّدة"، أي منظومة نقاط منفصلة الواحدة عن الأخرى.  

منذ أن توصل البروفيسور شيختمان إلى اكتشافه سنة 1982 قامت مئات من فرق الأبحاث في أنحاء العالم بتركيب كوازي - بلورات، كما وتم في السنين الأخيرة اكتشاف كوازي - بلورات طبيعية. يضفي المبنى الذري الخاص للكوازي - بلورات على المادة صفات خاصة، مثل المتانة العالية التي تُمَكّن من استخدامها كجسيمات لتقوية الفولاذ، وفي نفس الوقت، صفات الهشاشة (قابلية التفتت) ورداءة التوصيل الحراري، والتي تُمكّن من تحويلها إلى عازلات حرارية أو مُحوّلات الحرارة إلى كهرباء.

يشرح الفيديو التالي ببساطة اكتشاف البروفيسور شيختمان. لمشاهدة الكتابات المرافقة للعرض باللغة العربية انقروا على المستطيل في الجهة اليمنى السفلى لشاشة العرض واختاروا Arabic .

 

تم انتاج هذا الفيديو من قبل Moleclues وتمت ترجمته من قبل طاقم موقع دافيدسون أون لاين

الترجمة للعربيُة: خالد مصالحة

 

0 تعليقات