לא מפורסם

نَسمَعُ في هذه الأيّام، المرة تلوَ الأخرى، عَن إطلاقِ قذائفَ صاروخيّة من غزّة، ونسمعُ عَنِ اعتراضاتٍ ناجحةٍ لمنظومة "القُبّة الحديديّة". سأشرحُ لكم في هذا المقال، عَن طيرانِ القذائفِ الصَّاروخيّة وَمَسارِها اعتمادًا على مبادئَ فيزيائيّة أساسيّة. مِنَ المُهمّ التّشديدُ على أنّني لا أعرفُ منظومة القُبّة الحديديّة، وليسَت لَدَيَّ معلوماتٌ خاصّةٌ عَنِ اعتراضِ الصَّواريخ.

تعالَوْا نفترِضْ أنَّ منظومتنا لاعتراضِ الصَّواريخ مُجهَّزة بأجهزةِ رادار ممتازة. يُطلِقُ جهازُ الرَّادار أشعّةً ألكترومغناطيسيّة في كلّ اتّجاه، وعندما تصطدِمُ بأجسامٍ موجودةٍ في طَريقها، كقذيفةٍ صاروخيّة، مثلًا، أُطلقَت نحوَ الجوّ، فإنّ الأشعّة المنعَكِسَة منها تكشِفُ بدِقّةٍ مُتناهية أين يتواجَدُ هذا الجسم وما هي سُرعته. والآنَ، يجبُ أن تؤدِّيَ المنظومةُ مُهمَّتَيْنِ: أن تَعرِفَ، وبسرعَةٍ، أين تتواجدُ القذيفةُ الصَّاروخيّة وأصابَتها؛ وفي أيِّ مكانٍ مِن مسارها يجبُ إطلاقُ صاروخِ الاعتراض.

وَعليهِ، سَتَكُونُ مُهمَّتُنا الأولى فهمَ أيّة حركةٍ مِنَ المتوقَّعِ أن تُنفِّذَها القذيفةُ الصَّاروخيّة، وذلك اعتمادًا على مبادئَ فيزيائيّة. وللتَّبسيطِ، نبدَأُ بالوَصفِ الأساسيّ والأبسط لحركةِ القذيفةِ الصَّاروخيّة، وبعدها نُفكِّر في الظُّروفِ الحقيقيَّة، والّتي تُطلَقُ فيها القذائف الصَّاروخيّة، ونفهَمُ لماذا تنجَرُّ إلى مَسارٍ أكثرَ تعقيدًا وأكثرَ صُعوبةً للمُشاهَدةِ والتَّحليل.

القَذيفَةُ الصَّاروخيَّةُ وَمَسارُها
القذيفةُ الصَّاروخيّة عبارةٌ عن جسمٍ (غالبًا ما يكونُ أسطوانيًّا) ذِي قوّةِ دَفعٍ، يُطلَقُ مِن موضعٍ أو مِن راجمةِ صواريخَ خاصّة. وبخلافِ الصّواريخ، فَليسَ فيها جهازُ توجيهٍ، بمعنى أنَّها لا تَقُومُ بتصحِيحِ المسار خِلالَ طيرانها، بل إنّما تَطيرُ في مَسارٍ باليستيّ (أي ذاتيّ الدَّفع) عاديّ، والّذي سنقومُ بِشَرحِهِ حالاً. تتركّزُ المادّة المتفجِّرة في الجزء العُلويّ منها، والمهيّأة للانفجار عندَ إصابةِ الهدف والتَّسبب بالأضرار. يُسمَّى هذا الجزء "الرّأسُ الحربيّ".

هنالِكَ قذائفُ صاروخيّةٌ كثيرةٌ وَبأنواعٍ مُختلفة. تختلِفُ عن بعضها البعضِ بحجمِ الجسم، وبحجمِ الرَّأس الحربيّ ووزنِهِ، وبقدرتها على التَّحرُّكِ، وكذلك بأقصى مسافةٍ يُمكن أن تَصِلَ إليها أيضًا.

وَلِكَي نفهَمَ مَسارَ القذيفةِ الصّاروخيّة، نفترِضُ أنّها جِسمٌ بَسيطٌ جدًّا. ويَتِمُّ تحدِيدُ زاويتها عَنِ الأرض عِندَ إِطلاقها، ويَدفَعُها المحرِّكُ بقوّةٍ ثابتةٍ مُنذُ لحظةِ تشغيلِهِ، وحتَّى توقُّفِهِ عَنِ العَمَل. تستمِرُّ بعدها القذيفَةُ الصَّاروخيّة بحركةٍ حُرّةٍ بتأثيرِ قوّةِ الجاذبيّة. بَعدَ أن نفهَمَ هذه الحركةَ، ومتى يُمكن فهمُ أين سَتصيبُ القذيفةُ الصّاروخيّة، سَنُحاوِلُ فَهمَ لماذا يَصعُبُ تحدِيدُ مَسارها واعتراضها فعليًّا.


إِطلاقُ قذيفةٍ صَاروخيّة فجر 5 من صنع ايراني

المَرحَلَةُ الأُولى: الإقلاعُ وَالتَّسَارُع
في المرحلة الأُولى تُطلَقُ القذيفةُ الصَّاروخيّة مِن راجمةٍ مُوَّجَهَةٍ بزاوية معيّنة عَنِ الأرض، وَيَدفَعُها المحرِّكُ إلى الأعلى بهذه الزّاوية. وليسَ كقذيفةٍ يُطلقها مِدفَعٌ، فإنَّ مُحرِّكَ القذيفةِ الصّاروخيّة يستمِرُّ بالعمل فترةً مِنَ الزّمن بعدَ خُروجها مِنَ الرَّاجمة، ويمنحُهَا تَسارُعًا. في هذه المرحلة، وبالنَّموذَجِ الأبسَطِ سَنَتَجَاهَلُ تأثيرَ الهواءِ على القذيفةِ الصَّاروخيّة، وسنتَطَرَّقُ إلى القُوَّتَيْنِ المؤثِّرَتَيْنِ عليها: المحرِّكُ الّذي يَدفَعُها إلى الأمامِ، وقوّة الجاذبيّة الّتي تجذِبُها إلى الأَرض.


مَرحَلةُ التَّسارُع. مُحرِّكُ القذيفةِ الصّاروخيّة يَدفَعُها إلى الأعلى بزاويةِ الإطلاق. مِنَ اليَمين: القُوى المؤثرّة على القذيفةِ الصّاروخيّة.

المَرحلةُ الثّانية: السُّقوط الحُرّ

بعدَ نفادِ الوَقودِ مِنَ المحرِّكِ (لا ينبعِثُ المزيدُ مِنَ اللَّهبِ والغازات)، تؤثِّرُ قوَّتانِ على القذيفةِ الصّاروخيّة فقط: قوّةُ الجاذبيّة والاحتكاكُ مَعَ الهواء، والّذي سَنَتَجَاهَلُهُ حاليًّا. في الوَقتِ الّذي يتوقَّفُ فيهِ المحرِّكُ عَنِ العَمَلِ، تتحرَّكُ القَذيفةُ الصّاروخيّة بالزّاوية والسُّرعة الّتي اكتسَبَتها حتّى نهاية مَرحلَةِ التَّسارُع. وَمِن أجلِ فَهمِ الحركة الّتي تقومُ بها القذيفة الصّاروخيّة، سَنقسِمُها إلى مِحوَرَيْنِ مُتَعَامِدَيْنِ، حيثُ تقومُ القذيفةُ الصّاروخيّة، في كلّ محورٍ، بحركةٍ غيرِ مرتبطةٍ بحركتها في المحور الآخَر. نسمِّي المحورَ العَمودِيّ (مِن الأعلى إلى الأسفل) محورZ ، ونسمِّي المحور الأفُقِيّ محور X.

في المحوَرِ الأُفُقيّ الحركَةُ بسيطَةٌ جِدًّا: لا تؤثّرُ على القذيفة أيّة قوةٍ في هذا الاتّجاهِ، لذا فإنَّها سَتَستَمِرُّ بالتَّحرُّكِ بِسرعةٍ ثابتةٍ، بالسّرعةِ نفسِهَا الّتي عِندَ توقّفِ المحرِّكِ عَنِ العمل، حتّى تصطدِمَ بالأرض في أعقابِ حركتها بالمحورِ العَمُودِيّ. المسافةُ الّتي ستقطعُها القذيفةُ الصَّاروخيّة في هذا المحور، هِيَ: Vt أي سرعتها في هذا المحور مضروبةً الزّمن الّذي استغرقتهُ الحركة. يَتَحدَّدُ هذا الزّمنُ حسبَ الحركةِ في المحور العموديّ.

في المحورِ العَمودِيّ، الحركةُ بسيطةٌ نسبيًّا أيضًا. تؤثِّرُ فيهِ قوّةٌ وحيدَةٌ، هِيَ قوّة الجاذبيّة، ولذا تتسارَعُ القذيفةُ الصّاروخيّة باتّجاه الأرض بتسارُعِ السُّقوطِ الحرّ (g، 9.8 مترًا للثّانية تربيع تقريبًا). ولأنّه في اللّحظة الّتي توقّف فيها المحرِّكُ عَنِ العمل لا زالت لديها سرعةٌ نحوَ الأعلى، فإنّها سَتَستَمِرُّ بالتَّحرُّك نحوَ الأعلى، لكنّها سَتَتَباطَأُ حتّى تَصِلَ إلى أعلى ارتفاعٍ، وتبدَأُ عندها بالسُّقوطِ نحوَ الأسفلِ حتَّى تصطدِمَ بالأَرض. يكونُ مَسارُ القذيفةِ الصّاروخيّة في هذه المرحلة على شَكلِ قَطعٍ مُكافِئ.

المرحلة الثّانية: بعد نفادِ الوقود من مُحرِّك القذيفةِ الصّاروخيّة، فإنّها تَسقُطُ سُقوطًا حُرًّا بتأثيرِ قوّة الجاذبيّة فقط.

 

 


مسارُ قذيفةٍ صاروخيّة أثناءَ السُّقوطِ الحرّ، بِدونِ مُقاومةِ الهواء.

الانحِرافاتُ عَنِ المَسارِ المِثاليّ

وَصَفنا حتّى الآنَ مَسارًا بسيطًا للغاية. سَنَرى أنّ كلّ رادارٍ يستطيعُ أن يُحدِّدَ مكانَ القذيفةِ الصّاروخيّة بدّقّةٍ في الهواء، يُمكنُهُ، وبشكلٍ فوريّ أن يحسِبَ مسارَها الدَّقيقَ حتّى الوصولِ إلى نقطةِ الإصابة. هنالكَ عواملُ كثيرةٌ تؤثّر، وبشكلٍ فعليٍّ، على حركةِ القذيفة الصّاروخيّة أثناءَ طَيَرانها.

أحدُ العَواملِ المهمّة هُوَ مُقاومةُ الهواء. تؤثّر قوّتان على القذيفةِ الصّاروخيّة أثناءَ حركتِها في الهواء. الأُولى هي قوّة الرَّفعِ، وهي قوّة مُهمَّة جدًّا للأجسام الطّائرة الكَبيرةِ ذاتِ الأجنحةِ كالطّائرات، لكنّها مُهمَلَةٌ عِندَ الحديثِ عَن قذيفةٍ صاروخيّة صغيرةٍ، وَلَن نَتَطرَّقَ إليها هنا. القُوّةُ الثّانية هِيَ قُوّة الاحتكاكِ مَعَ الهواء، وهي ليست قوّةً ثابتةً، فهي تتعلَّقُ بسرعةِ القذيفةِ الصّاروخيّة. كلّما كانَتِ القذيفةُ الصّاروخيّة ذاتَ سرعةٍ أكبر، كانَت قوّة الاحتكاكِ أكبرَ، وتؤثّر بِعكسِ اتّجاه حركتها.

يمكِنُ تقليلُ قوّة الاحتكاكِ بواسطةِ تصميمٍ صحيحٍ وديناميكيّة هوائيّة للقذيفة الصَّاروخيّة، لكن لا يُمكنُ إخفاؤها نهائيًّا. تُغيِّر هذه القُوّة الحركة البسيطة، نسبيًّا، والّتي وَصفناها سابقًا: فهي تُبطِئُ القذيفةَ الصَّاروخيّة، وتتسبَّبُ بوصولها إلى ارتفاعٍ قليلٍ نسبيًّا، والسُّقوط أقرب قليلًا إلى نُقطةِ الإطلاق. أَضِفْ إلى ذلك، أنَّ هذه القوّة مُتعلِّقةٌ بكثافةِ الهواء أيضًا، والّتي لَيسَت مُتجانِسَةً على طُولِ المسار.

عَزمُ الدَّوَرَان

تطرَّقنا إلى القذيفةِ الصّاروخيّة حتّى الآن، وكأنّها تتحرَّكُ في بُعدَيْنِ فقط. عموديّ (Z) وأفقيّ(X) وبالطّبع هنالك محورٌ إضافيّ، (Y) ولكن لم تَكُنْ في تحليلنا أيّة قوّة يُمكنها تدويرُها ولو قليلًا بهذا الاتّجاه. السّببُ هو أنّنا تطرَّقنا إلى القذيفة كَجِسمٍ بسيطٍ بدون مبنًى، كَشيءٍ يُشبه النُّقطة أو الخطّ. لكنّ للقذيفةِ الصّاروخيّة، عمليًّا، حَجمًا ومبنًى مُعقّدًا، لذا فالقُوى المؤثّرة عليها ليست مُتجانِسَةً، ويُمكِنُ أن تَكُونَ أقوى كثيرًا في أَحدِ جوانبها. سَيَقُودُنا هذا الأمرُ إلى عزم دوران نهائيّ يطمحُ إلى تَدويرِ القذيفة الصّاروخيّة ويجعلُها تنحرفُ عن مسارها.

من أجلِ فهمِ سَبَبِ كونِ القُوى غير المتجانسة، تجعلُ القذيفةَ الصّاروخيّة تنحَرِفُ عن مسارها، تخيَّلوا هذا الوَضع: نفترِضُ أنّكم تَقِفُونَ وأيديكُم مُشرَّعةٌ على الجوانب، وصديقانِ يدفعانِكُم مِن أطراف أيديكم. إذا دَفَعَ الصَّديقان بالقُوّةِ نفسِها فَسَتَتَحرّكُونَ إلى الخلف، ولكن إذا كانَ أحدُهما أقوى، وَدَفَعَ بقوّةٍ أكبر، فستكتشِفُونَ أنّكم لا تتحركون إلى الخلفِ فحسب، بل وتدورونَ أيضًا. وكأنّ أحدَ طَرَفَيْ جسمكُم يحاوِلُ التَّحرُّكَ أسرعَ مِنَ الطَّرفِ الآخَر. الأمرُ نفسُهُ يَحدُثُ للقذيفةِ الصّاروخيّة، والّتي تكونُ القُوى المؤثّرة عليها مِن كلّ جوانبها غيرَ متماثلة.

يمكِنُ لانحرافاتٍ كهذه أن تُكَوَّنَ بسببِ مَوضعِ إطلاقٍ غير مثاليّ، أو مبنًى مُحرِّكٍ غيرِ مُكتمِلٍ، أو مقاومةِ هواءٍ في حالة أنَّ الاحتكاكَ مع الهواء غَيرُ متجانِسٍ في الأجزاءِ المختلفةِ مِنَ القَذيفةِ الصَّاروخيّة. نَجِدُ مِن بينِ العوامل المؤثّرة، مبنى القذيفة الصّاروخيّة، وخللاً في التّصنيعِ، وظروفَ الطّقس (كالرِّياحِ، والمنخَفَضاتِ، وما شابَهَ ذلك).

هذِهِ الظّاهرة غير مُهمَلَةٍ، ويتوجَّبُ على مُطوِّري القذائفِ الصّاروخيّة مواجَهَتُها. إحدى الطّرائِقِ المتعارفِ عليها هِيَ القيامُ بإضافةِ أجنحةٍ صغيرةٍ على جوانبِ القذيفة الصّاروخيّة. احتكاكُ الهواء بهذه الأجنحة، يتسبَّبُ بِدَورانِ القذيفة حَولَ نفسِها خلالَ طَيَرانها. هنا سنُبقي لكُم سؤالًا مفتوحًا: لماذَا تُصَعِّبُ حقيقةُ دورانِ القذيفة الصّاروخيّة حَولَ نفسِها انحرافَها عَن مسارها؟ (فكِّروا في قوانينِ الحِفظ). إن كنتُم تعرفونَ الإجابة، فَأَنتُم مَدعُوُّونَ لكتابتها كتعليقٍ على هذا المقال، وَسَنَتَدَاوَلُ ذلك.

حتّى بعد إضافة الأجنحة للقذيفة الصّاروخية، فإنّ هذه القذائفَ لَن تكونَ دقيقةً بشكلٍ كامِلٍ على الإطلاق، وسيلفُّ غُموضٌ مُعيّنٌ مَسارَهَا. وَدَليلُ ذلك، أنّه وَبِغياب وسائِلَ لتصويبِ المسارِ (بواسطة GPS مثلًا)، فحتَّى القذائف الصّاروخيّة المتطوِّرة مثلَ القذائف الصّاروخية من نوعِ (فَجر) الإيرانيّة، تُعاني مِن عدمِ الدِّقَّة. القذيفة الصّاروخيّة (فجر 3)، على سبيل المثال، والّتي تُطلَقُ إلى هَدَفٍ يَبعُدُ 40 كيلومترًا، سَتُصِيبُ الأَرضَ بِقُطرٍ حتّى كيلومترٍ واحدٍ عَنِ الهدف الّذي صُوِّبَت نحوَهُ. يتأثّر المكان المحدَّدُ بشكلٍ كبيرٍ مِنَ الظُّروفِ الّتي سَتُواجِهُ القذيفةَ الصّاروخيّة أثناءَ طَيَرانها. 

تَحديدُ مَوقِعِ القذيفةِ الصَّاروخيَة، وَحِسابُ مَسارِها وَاعتِراضِهَا
اِعتمادًا على هذه المعلوماتِ، فبإمكاننا أن نبدأ بفهمِ ما الّذي يجبُ أن تقومَ بهِ منظومةُ تحديدِ القذائف الصّاروخيّة واعتراضها. المرحلةُ الأولى هي مرحلةُ تحديدِ المسار. في هذه المرحلة، يتوجَّبُ على رادارِ المنظومة تحديدُ موقعِ القذيفة الصّاروخيّة، وأن يحسِبَ بِسُرعةٍ مسارَها وسُرعتها. مِنَ المرجَّحِ الافتراضُ أنّهُ يتمَّ تحديدُ موقعِ القذيفة الصَّاروخيّة مُباشرةً بعد إطلاقها، ولكن لا يمكِنُ معرفةُ مكانِ سُقوطها ما دام محرّكها يعمل، فَمِن أجلِ حِسابِ مَسارها يجبُ معرفةُ ما هي سُرعتها في بدايةِ مرحلة السُّقوط الحرّ. إذا كانَ باستطاعة الرّادار تحديدُ نوعِ القذيفة الصّاروخيّة حسب مميزاتها، فَربّما في هذه المرحلة، يمكنُ للمنظومة أن تُخمِّنَ مَتى سيتوقَّفُ مُحرّكها عَنِ العَمَل. بدونِ معلوماتٍ مُسبقة، لا توجد طريقةٌ للتنبُّؤ بمسارِ القذيفة الصّاروخيّة ما دامت لم تُنهي التَّسارعَ.

مع بدايةِ السُّقوط الحرّ، وعند تزويدِ الرّادار لِمَعلوماتٍ عَنِ ارتفاعِ القذيفةِ الصّاروخيّة وسُرعتها، يُمكنُ القيامُ بحسابٍ بسيطٍ لمسارها، دُونَ التَّطرُّقِ لمقاومة الهواء. عمليًّا، فإنّ هذا الحساب غيرُ كافٍ، ويجبُ إيجادُ طريقةٍ لمعرفة المسار الحقيقيّ والدّقيق للقذيفة الصَّاروخيّة.

تعمَلُ هنا قواعدُ رياضيّة (لوغريثمات) متطوّرة، وهي بالتّأكيد أحدُ المكوّنات الأكثر أهمّيّة لمنظومةِ "القُبّة الحديديّة". إحدى الطّرائق المعروفة لتحسين دقّة التّنبؤ بالمسار، هِيَ تقدير تأثير مقاومة الهواء حَسَبَ انحرافاتِ القذيفة الصّاروخيّة عَنِ المسار البسيط في بداية حركتها. وهكذا يمكِنُ، وبسرعَةٍ، التّحديدُ بأيّة وتيرةٍ تفقدُ القذيفة الصّاروخيّة قوّةَ الدَّفع في أعقابِ الاحتكاك مَعَ الهواء، وتقدير مَسارها مِن جديد.

مِنَ المرجِّحِ الافتراضُ أنّه توجد في المنظومة التّنفيذيّة قواعِدُ حسابيّةٌ متطوّرة جدًّا، تحسِبُ، وبشكلٍ دائمٍ، مَسارَ القذيفة الصّاروخيّة حسب المعطيات الواردة مِنَ الرّادار. على ما يبدو، فإنّها (أي القواعد الحسابيّة) تُحدِّدُ تأثيرَ مقاومة الهواء على المسار، وتأخُذُ بعينِ الاعتبارِ معلوماتٍ قد تراكَمَت مَعَ الوقتِ عَن مساراتٍ مميّزة لقذائفَ صاروخيّة معروفة.
وبعد أن قُمنا بحسابِ مسار القذيفة الصّاروخيّة، يتوجَّبُ علينا معرفةُ هل سَتُصيبُ القذيفة الصّاروخيّة مِنطقةً مفتوحةً أو يجبُ اعتراضُها. وبناءً على معلوماتٍ عَن صاروخِ الاعتراض، يجبُ إجراءُ حسابٍ عَنِ المكان الأفضل من أجلِ تنفيذِ الاعتراض.

من المهمّ ذكرُهُ، أنّ الرّاداراتِ الفُضلى أيضًا، لا تُعطي تحليلاً كاملاً عَن مسارِ القذائف الصَّاروخيّة، حتّى إنّهُ مِنَ المستحيل تخطيطُ صواريخِ الاعتراضِ مُسبقًا، من أجلِ إصابة القذائف الصّاروخيّة المقتربة مباشرة. لذا، وحسب المعلوماتِ الّتي نُشرت عَن منظومة "القُبّة الحديديّة"، فإنّ صواريخَ الاعتراض لا تُطلَقُ منذُ البداية إلى المسار المفترضِ للقذائف الصّاروخيّة المعادِيَة، إلاّ أنّها تتلقَّى كلَّ الوقت تصحيحاتٍ مَساريّة مِنَ الرّادار، وهي مزوّدةٌ أيضًا بوسائِلِ متابعةٍ خاصّة بِها، تُحدِّدُ القذيفة الصّاروخيّة، وتُلائِمُ مَسارها إليها.

حتّى بعد هذه التَّصحيحاتِ، فإنّ الصَّواريخَ لا تُصيب القذائفَ الصّاروخيّة مباشرَةً، إنّما تقترِبُ مِنها قَدرَ الإمكانِ، وعندها تَنفَجِرُ بجانبها. مِنَ المفترضِ أن يُصِيبَ انفجارُ صاروخِ الاعتراضِ وشظاياه، الرَّأسَ الحربيّ للقذيفة الصّاروخيّة المعادِيَة وتفجيرها في الهواء. 

القبة الحديديّة| تصوير: يعقوب ستابيتشانسكي، Shutterstock
القبة الحديديّة| تصوير: يعقوب ستابيتشانسكي، Shutterstock

وَلِلإِجمَال

رأينا إذًا، أنَّ القذائفَ الصّاروخيّة هي أجسامٌ تتحكَّم بحركَتِها قُوًى بسيطةٌ نسبيًّا، كَقُوّة الجاذبيّة وقوّةِ الاحتكاك مَعَ الهواء، ولهذا ففيزيائيّتها بسيطةٌ نسبيًّا، ويبدُو أنّهُ مِنَ السَّهل تحديدُ مسارها وحسابُهُ. وبالرّغمِ مِن ذلك، فإنّه في غياب معلوماتٍ مُسبَقَة عَن أَحجَامٍ كالمبنى الإيروديناميّ للقذيفة الصّاروخيّة، وكذلك قوّة الاحتكاك وعزم الدّوران المؤثّرة عليها، تُصبِحُ المهمَّةُ أكثرَ تعقيدًا، وتتطَلَّبُ متابَعةً مُستمِرّةً للقذيفة الصّاروخيّة، وحساب مسارها بواسطة قواعِدَ رياضيّة (لوغريثمات) متطوِّرة

 

0 تعليقات