هل هو نِسبيّ أم مُطلق؟ الجهدُ المبذول لمعرفة ما هو الزمن، من الخلاف بين أفلاطون وأرسطو إلى الجدل بين الفيزيائيّ أينشتاين والفيلسوف هنري بيرجسون، مرتبطٌ أيضًا بمسألة من هو المخوَّل لاتّخاذ القرار: الفيزياء أم الفلسفة

في 6 نيسان 1922م التقى للمرّة الأولى العالِمان: ألبرت أينشتاين، أعظم فيزيائيّ في القرن العشرين، والفيلسوف الفرنسيّ هنري بيرجسون (Bergson)، الذي سوف ينال لاحقًا جائزة نوبل للآداب عن كتاباته وأفكاره. في الاجتماع الذي عُقد برعاية الجمعيّة الفلسفيّة الفرنسيّة، ناقش بيرجسون كتابه الذي نُشر في بداية ذلك العام. في ذلك الكتاب، انتقد بحدّةٍ مفهومً فكرة الزمن الناشئ عن نظريّة النسبيّة الخاصّة والعامّة لأينشتاين، والذي أعاد تشكيل بعض أسس الفيزياء. في نهاية المحاضرة، اكتفى أينشتاين، الذي كان جالسًا بين الجمهور، بإجابةٍ موجزة: "زمن الفلاسفة لم يعد قائمًا". 

رمز الجدلُ بين الاثنين إلى الخلاف المتزايد بين الفيزياء والفلسفة، بشكل عامّ وبصورة خاصّة فيما يتعلّق بالزمن. لكن هل الفجوة بين مجالات التفكير هذه كبيرة جدًا حقًّا؟ وهل كان أينشتاين مُحقًّا في ادّعائه أنّ الطريقة التي يفكّر بها الفلاسفة حول المفاهيم العلميّة لا أهمّية لها؟

אנרי ברגסון (שמאל) ואלברט איינשטיין | מקורות: Natata, Naci Yavuz, Shutterstock
لخّص لقاء بين العملاقين حجم الفجوة الهائلة بين الفيزياء والفلسفة. هنري بيرجسون (من اليسار) وألبرت أينشتاين | المصادر: Natata ، Naci Yavuz، Shutterstock
 

زمن التغيير

ظهرت النقاشاتُ حول مسألة جوهر الزمن في كتابات الفلاسفة الذين سبقوا سقراط، في منطقة اليونان وتركيا حوالي القرن الخامس قبل الميلاد. خلال هذه الفترة، كانت الفيزياء جزءًا لا يتجزّأ من الفلسفة، وهي مجال المعرفة الذي يتعامل مع فهم عالم الواقع.

كان هيراقليطس أحد أبرز الفلاسفة قبل سقراط الذين تعاملوا مع مسألة الزمن، وكان معروفًا بقوله "Panta rei"، بمعنى أنّ كلّ شيء يتدفّق. وفقًا لرأيه، يُعدّ التغيير جزءًا أساسيًا من الطريقة التي تُوجد بها الأشياء في العالم. إضافةً إلى ذلك، يُنسب إليه القول: "لا أحد يجتاز نفس النهر مرّتين". أحد التفسيرات المقبولة لهذه الجملة هو أنّ النهر يتغيّر في كلّ لحظة، لذلك حتّى لو بدا لنا أنّنا نقف عند نفس النقطة في النهر، فإنّ الوقت يمرّ، ونهر الثانية الماضية هو ليس النهر الذي يجري الآن. أصبحت هذه الأفكار إلى حدٍّ كبير عنصرًا مركزيًا في مفهوم الوقت حتّى في العصر الحديث. وِفقًا للفيزياء الحديثة، يجب أن يتضمّن وصفُ الحدث في الواقع كلاً من المكان والزمان، لأنّ الزمن، مثلما ادّعى هيراقليطس، عنصرٌ ضروريّ في وصف حالة العالم.

بعد ما يقرب من مئتي عام، طوّر أفلاطون وتلميذه أرسطو مفهوم الزمن. وكالمعتاد، كانت آراؤهما متضاربة. وفقًا لموقف أرسطو، الذي سيُطلق عليه لاحقًا "الاختزاليّة" نسبةً للزمن، فإنّ الزمن ليس سوى النسبة بين ترتيب أحداث الأشياء. أي أنّه وفق نهجه، يتم قياس كل حدث بالنسبة إلى أوقات وقوع أحداثٍ أخرى، ولا شيء غير ذلك، لذلك يكفي أن أقول إنّني استيقظت في الصباح بعد ثماني ساعات من ذهابي للنوم، وبعد ساعةٍ واحدة تناولتُ وجبة الفطور، وهكذا دواليك. الزمن شيء نسبيّ. من ناحية أخرى، اعتقد أفلاطون بفكرة الزمن المطلق: هناك زمن مطلق يُمكن فيه قياس جميع الأحداث الزمنيّة بالنسبة له. يمكن التمثيل لذلك، كما لو قمنا بإعادة تصفير الساعة في بداية الوجود، ومنذ ذلك الحين، يمكن قياس كلّ حدث بمقدار الزمن الذي مرّ منذ ذلك الحين.

بالإمكان التفكير في العديد من الأسباب لقبول ورفض كلّ واحد من الأساليب، ويكون سرد جميع الحجج المؤيّدة والمعارضة لكلّ منها بصورةٍ سريعة. يكفي القول إنّه منذ أفلاطون وأرسطو حتى اليوم، ظلّت هذه المواقف في قلب الخطاب حول طبيعة الزمن الفلسفية. علاوةً على ذلك، فإنّ هذه الأفكار هي أيضًا محورُ نقاش محتدم بين أعظم العقول العلميّة، حول كيفيّة تعامل الفيزياء مع الزمن.

הרקליטוס | מקור: Science Photo Library
تعامل مع مسألة الزمن، ووفقًا لمفاهيمه، التغيير هو جزءٌ أساس من الطريقة التي توجد بها الأشياء في العالم. هيراقليطس | المصدر: Science Photo Library
 

وقت للتفكير

بعد مرور حوالي 1800 عام، اندلعت واحدة من أشهر المبارزات الفكرية في تاريخ العلم، بين الفيزيائي إسحاق نيوتن والفيلسوف المعاصر له جوتفريد لايبنيتس. إلى جانب الجدل الشهير بينهما حول مسألة أيٍّ منهما كان أول من توصّل إلى مبادئ التفاضل والتكامل، اختلف الاثنان حول العديد من القضايا الأخرى. من بينها أيضًا مسألة الوقت. كان نيوتن أفلاطونيًا، حيث دعا إلى الزمن المطلق، بينما كان لايبنيتس اختزاليًا واعتقد أنّ الزمن نسبيّ، وحاول كلّ منهما إثبات أنّ الفيزياء كانت إلى جانبه.

اعتقد نيوتن أنّه يجب أن يكون هناك زمن ومكان مطلقيْن في العالم، حتّى يكون بالإمكان قياس كلّ الحركة الموجودة في العالم بالنّسبة لهما. لإثبات موقفه، صاغ نيوتن تجربة فكريّة تتمحور حول دلو مملوء بالماء معلّق على حبل. وأوضح أنّه بمجرّد أن نقوم بتحريك الدلو يتغيّر شكل الماء، ولهذا فإنّنا يجب أن نستنتج أنّ حركة الماء بالنسبة للدلو الدوّار ليست هي التي تصنع الأثر، بل حركتها بالنسبة للزمان والمكان المطلقين.

ادّعى لايبنيتس، على عكسه، أنّه لا يوجد مكان وزمان مطلقين، بل نسبيّين فقط. وقد بنى ادّعاءه على مبادئ فلسفيّة، على رأسها ما أسماه "مبدأ السبب الكافي". يمكن صياغة صيغة مبسّطة من هذا الادّعاء على النحو التالي: تخيّلوا عالمًا مُطابقًا لعالمنا، باستثناء أنّ كلّ ما حدث فيه حدث قبل ثانية واحدة. وفقًا للايبنيس، لا توجد طريقة للتمييز بين هذا العالم وعالمنا. لذلك، لا يمكن أن يكون كلاهما متواجديْن، وإنّما هما العالَم ذاته. من هذا يمكننا أن نستنتج أنّ عالمنا موصوف بالعلاقة بين الأزمنة فقط، وليس بالزمن المطلق الذين وقعت فيه الأحداث.

إذا وضعنا جانبًا مواقف لايبنيتس ونيوتن للحظة، فمن المثير للاهتمام طرحُ سؤال أعمق الآن: هل من المعقول أن نفرض على قوانين الفيزياء أفكارًا فلسفيّة؟ وهل اعتباراتٌ مثل التناظر أو تجريبُ الفكرة مثلما صاغها لايبنيتس ونيوتن شرعيّة عندما نناقش العالم الحقيقيّ؟ يبدو أنّ الإجابة إيجابية إذا ما اعتمدنا على التاريخ. وفي هذه الحالة، كانت أفكار لايبنيتس، المدعومة بحجّة فلسفيّة خالصة، هي الأفكار التي اجتازت اختبار الزمن وتبنَّتها الفيزياء.

إنّ قوانين الفيزياء التي نصوغها اليوم ليست حسّاسة لهذا الزمن المطلق أو ذاك، ولكن للاختلافات الزمنيّة فقط. في الواقع، شكّلت أفكارُ لايبنيتس الأساسَ لوجهة النظر الحديثة في الفيزياء، التي تولي أهمّيّة كبيرة للتماثلات. عندما يتحدّث الفيزيائيّون عن التماثلات، فإنّهم يشيرون إلى الطرق التي يمكن من خلالها تغيير مشكلة جسديّة دون تغيير النتائج. أحد أسباب أهمّيّة التماثلات لعلماء الفيزياء هو أنّها تساعد في حلّ المشكلات. لنفرض أنّنا نريد تحليل حركة كرة ملقاة على ارتفاع. ادعى لايبنيتس أنّ هناك تناسقًا في العالم يتعلّق بالوقت الذي تحدث فيه الأحداث، وأنّ الزمن المطلق عند إلقاء الكرة ليس مهمًا. لذلك يكفي تحليل حركة الكرة مرّة واحدة، وستكون الحركة كما هي إذا رميناها اليوم أو بعد عام.

في بداية القرن العشرين، اكتشفت عالمة الرياضيات الألمانية إيمي نويثر أنّ للتماثلات أهمّيّة أكثر عمقًا في الفيزياء. فقد أثبتت أنّ هناك علاقة بين التماثلات الفيزيائيّة والكمّيّات الثابتة، أيّ المكوّنات التي لا يمكن أن تتغيّر. على سبيل المثال، ينبع كلّ قانون حفظ الطاقة وقانون حفظ الزخم من تناظرات العالم، تمامًا مثل تمييز لايبنيتس بأنّه لفهم واقعنا ليس هناك حاجة للزمن المطلق، بل للاختلافات بين الأوقات فقط.


اكتشفت إيمي نويثر أنّ بعض قوانين الطبيعة مرتبطة بالتناظرات الفيزيائية. قانون حفظ الطاقة معروض باستخدام بندول الكرة | New Africa, Shutterstock
 

الوقت الحقيقيّ

حان الوقت للعودة إلى النقطة التي بدأنا فيها؛ ففي سنة 1905م، نشر أينشتاين نظريّة النسبيّة الخاصّة، وبعد مرور عشر سنوات استكمل أيضًا نظريّة النسبيّة العامّة. غيّرت كلتا النظريتين علاقتنا بالوقت تمامًا، مادّيًا وفلسفيًّا. على الرغم من ردّ فعله المهين لبيرجسون، كان أينشتاين الفيزيائي فيلسوفًا أيضًا، خصّص مساحة كبيرة في أفكاره لتجارب فكريّة وأسئلة تتجاوز مجال الفيزياء البحتة.

وفقًا لقوانين الفيزياء التي نعرفها، تكون السرعة دائمًا نسبيّة: فعندما تسير سيارتان باتّجاه بعضهما البعض بسرعة 50 كم/ساعة، يشعر الركاب في كلّ منهما أنّ السيارة الأخرى تتّجه نحوهم بسرعة سرعة 100 كم/ساعة. تمّت صياغة النظريّة النسبيّة الخاصّة، لشرح كيف يمكن أن تكون سرعة الضوء في الفراغ كمّيّة مطلقة وليست كمّيّة نسبيّة، وهذا يعني أنّه بغضّ النظر عن السرعة التي نتحرّك بها وفي أيّ اتجاه، إذا قمنا بقياس سرعة الضوء سنحصل دائمًا على نفس النتيجة - حوالي 300 ألف كيلومتر في الثانية.

كان استنتاج أينشتاين أنّ الطريقة الوحيدة للتوفيق بين الأشياء، هي إذا كان المكان والزمان مرتبطين بشكل عميق. يمكن وصف كلّ حدث وفقًا لموقعه في المكان والزمان، لكن هذا الوصف يعتمد على المراقب الذي قام بقياسه. وفقًا لنظريّة النسبيّة الخاصّة، لكلّ مراقب ساعته الخاصّة، التي تتحرّك معه وتدقّ بمعدله الخاصّ الذي يختلف عن معدّل مراقب آخر. عندما يتحرّك الشخص بسرعة عالية جدًّا، تقصر المسافات التي سوف يقيسها، وسيكون الزمن الذي سيقيسه أطول مقارنةً بذلك الذي يقيسه الشخص الذي يكون في حالة الراحة.

على الرغم من أن هذا الوصف للعالم يبدو غريبًا، فقد تمّ تأكيد نظريّة النسبيّة بمساعدة العديد من التجارب. من وجهة نظر أكثر فلسفيّة، نظريّةُ النسبيّة الخاصّة هي إلى حدٍّ ما نظرية اختزاليّة متطوّرة: كلّ ما هو مطلوب لوصف الكون هو قائمة بالأحداث، والمكان والزمان اللذين حدثت فيهما نسبةً إلى مراقب غير متواجد في حالة تسارع. يبدو أنّه تمّ توجيه ضربة قاضية للأفكار الأفلاطونيّة! لكن عندما نأخذ في الحسبان نظريّة النسبيّة العامّة، يصبح الواقع أكثر تعقيدًا.

وسعّت نظريّةُ النسبيّة العامّة نظريّةَ النسبيّة الخاصّة وتعاملت مع تأثير التسارع والجاذبيّة، وفقًا لتساوي كلّ منهما مع الآخر، على المكان والزمان. عندما نصعد في المصعد، نشعر كما لو أنّنا نُسحب إلى أسفل. وفقًا لنظريّة النسبيّة العامّة، هذا الشعور ليس عرضيًّا، وقوانين الفيزياء هي ذاتها عندما نتسارع وعندما نكون بجانب جسم ذي كتلة تسحبنا. لذلك، لا يتغيّر الزمان والمكان مع سرعة المراقب فحسب، بل يعتمدان أيضًا على مدى قربنا من الأشياء ذات الكتلة الكبيرة. على سبيل المثال، تدقّ ساعة شخص ما على الأرض أبطأ قليلاً من ساعة رائد فضاء موجود في الفضاء، بعيدًا عن أيّ جسم ذي كتلة كبيرة. علاوةً على ذلك، تتنبّأ النسبيّة العامّة بأنّ الكون يتمدّد، وبالتالي فإنّ المسافة التي قمنا بقياسها بالأمس والمسافة التي سوف نقيسها غدًا ليستا متماثلتين.

התפשטות היקום | מקור: Mark Garlick, Science Photo Library
وفقًا لنظرية النسبية العامة، يستمر الكون في التوسع، وبالتالي فإنّ المسافة المَقيسة اليوم تختلف عن المسافة المقيسة غدًا. توسع الكون | المصدر: Mark Garlick, Science Photo Library
 

تصوّر الزمن المطلق

مع ذلك، فإنّ لمفهوم الزمن المطلق ما يتشبّث به: هناك أحجام يمكن لجميع المراقبين الاتّفاق عليها حتّى في نظريّة النسبيّة، على سبيل المثال الزمن الذي يُقاس من قبل مراقب غير متحرّك، ويُعرف بـ "الزمن المناسب". بالإضافة إلى ذلك، في إطار الأدوات الرياضيّة المستخدمة لتحليل النسبيّة العامّة، من الممكن تحديد نظام مرجعيّ "يتحرّك مع الكون"، بحيث يكون مراقب هذا النظام المرجعي في حالة راحة مقارنة بتوسّع الفضاء. إذن، ربّما بعد كلّ شيء، هل هناك مبرر للحديث عن مكان وزمان مطلقيْن؟

بالإضافة إلى الزلزال الناجم عن النسبيّة الخاصّة والعامّة في عالم الفيزياء، كان لها أيضًا تأثير عميق في المناقشة الفلسفيّة لمفهوم الزمن. رسّخ أينشتاين، ربما لأول مرة، مفهومَ الزمن في تفسير ماديّ يُحدّد بالضبط ما يتضمّنه وما لا يتضمنه. كان انتقاد بيرجسون لأفكار أينشتاين يمسّ إلى حدّ كبير هذا التقسيم، حيث ادّعى أنّ زمن أينشتاين دقيق فعليًا ويعطي تنبّؤات علميّة دقيقة، لكنّه غريب جدًّا ومختلف عن الطريقة البديهيّة التي ندرك بها ماهيّة الزمن.

وفقًا لبيرجسون، فإنّ الزمن ظاهرة لا يتوافق وصفها العلميّ على الإطلاق مع شعور وتجربة الإنسان بها. فالزمن في تجربتنا الذاتيّة، ليس ساعة تدقّ بمعدّل ثابت في الخلفيّة، بل هو مَجمَعٌ للتجارب والمشاعر تأتي وتذهب. وبالتالي، عندما يسعى العلماء إلى مقارنة فترة زمنيّة بأخرى، فإنّهم يفوّتون المحتوى الحقيقيّ لتلك الفترات الزمنيّة التي نعيشها ونمرّ بها. عندما نضيف نظريّة النسبيّة إلى الصورة، فإنّ الزمن يبدو أكثر غُربةً عن المعنى الذي يحمله في عيون البشر. لذلك، اعتقد بيرجسون أنه حتّى لو وصفت النظريّة النسبيّة طبيعة الزمن الفيزيائية بشكل صحيح، فلا علاقة لها بطريقة إحساسنا به نحن البشر. هل نحن قادرون، أصلًا، استيعاب مفهوم الزمن هذا؟

לפי ברגסון, התיאור המדעי של תופעת הזמן ובפרט תורת היחסות מרחיקים את משמעות המושג מהדרך שבה אנו חווים אותו | CKA, Shutterstock
وفقًا لبيرجسون، فإنّ الوصف العلمي لظاهرة الزمن وعلى وجه الخصوص نظرية النسبية يبعدان معنى المفهوم عن الطريقة التي نختبره بها | CKA, Shutterstock

 

كانت هناك أزمنة

يسلّط الجدلُ بين أينشتاين وبيرجسون الضوء على الفجوة التي نشأت في الوقت الحاضر بين الفلسفة والعلم. عندما ادّعى أينشتاين أن "زمن الفلاسفة غير موجود"، يمكن فهمه على النحو التالي: هناك طريقتان للحديث عن الزمن - طريقة تحترم الحدود التي تضعها نظريّة النسبيّة وبالتالي تتوافق مع الفيزياء، وطريقة تتجاهلها. هذا التقسيم هو إلى حدّ كبير الخط الفاصل بين الفلسفة والفيزياء، أو على الأقلّ يفصل ما هو غير فيزيائيّ وما يمكن أن يكون.

من المألوف اليوم اكتشاف أوجه قصور التواصل بين الفلاسفة، الذين يحاولون التعبير عن أفكار حول القضايا المادّيّة التي تتجاوز حدود قواعد اللعبة التي تمليها الحقيقة العلميّة. مثال على ذلك حالة بيرجسون في مناقشة الزمن. من الأمثلة المعاصرة على ذلك بعض تفسيرات ميكانيكا الكم: نظريّة الكم التي تطوّرت خلال القرن العشرين، هي واحدة من أكثر النظريات الفيزيائية شمولًا ودقّة. مع ذلك، فهي نظريّة احتماليّة، ما يعني أنها لا تستطيع التنبّؤ بنتيجة التجربة، إلّا باحتماليّة معيّنة أو في المتوسّط. هناك الآن العديد من التفسيرات المحتملة التي تحاول تفسير ما يكمن وراء الأساس الاحتماليّ لميكانيكا الكم، ولكن على الرغم من أنها جزء مهمّ من القصّة الكاملة لقوانين الطبيعة، يميل الفيزيائيّون إلى النظر إليها بريبة، لأنّه لا يمكن اختبارها تجريبيًّا.

مع ذلك، فإنّ الهوة بين المجالات أقلّ عمقًا ممّا قد يمكن اعتقاده، حيث يحاول كلّ من الفلاسفة والفيزيائيين فهم العالم، على الرغم من أنّهم يفعلون ذلك بطرق مختلفة. من المستحيل فصل هذين المجالين من الفكر تمامًا، حيث أثّرا بعمق في بعضهما في العديد من الموضوعات، بما في ذلك توضيح مفهوم الزمن.

استعرضنا هنا بعض نقاط الانطلاق بين المجالات، لكن هناك قضايا أخرى طُرحت للنقاش عبر التاريخ، وبعضها لا يزال ينتظر البت فيه. على سبيل المثال، لماذا يتحرّك الزمن للأمام وليس للخلف؟ أم هل للزمن بداية أو نهاية؟ هذه أسئلة أكثر تعقيدًا ممّا تبدو للوهلة الأولى. في أغلب الأحيان، تكون المحادثة بين العوالم هي التي تجعل من الممكن الحصول على إجابة كاملة ووافية للأسئلة الصعبة، إذا خصّصنا لها الوقت فقط.

 

0 تعليقات