حتّى عندما تتشابه النوتات الموسيقيّة، فإنَّ أصوات كلّ آلة تختلف فيما بينها. لماذا؟ بسبب مجموعة التردّدات والسعات المكوّنة للنغمات الّتي تصدرها

عندما نعزف نوتة معيّنة على البيانو، على سبيل المثال "دو"، يمكننا تمييزها في حال عُزِفت ذات النوتة على القيثارة أو الكمان أو أيّة آلة موسيقيّة أخرى. الفرق في النغمات المسموعة يُسمّى "تدرّجًا"، ولكلّ آلة موسيقيّة تدرّج موسيقيّ خاصّ بها. لنفس السبب يمكننا تمييز أصوات شخصَين حتّى لو قالا نفس الجملة بالضبط.

لفهم ماهيّة هذا الاختلاف في التدرّج بين الآلات المختلفة؛ علينا فهم معنى الموجات. الموجة هي اسم عامّ لظاهرة يتغيّر فيها اضطراب معيّن في وسط معيّن في الزمان أو المكان. نحن نعرف الكثير من الأمثلة عن الأمواج في الحياة اليوميّة، على سبيل المثال، الأمواج البحريّة، وهي عبارة عن تغيّر في منسوب المياه الّتي تتقدّم نحو الشاطئ، وفي ملاعب كرة القدم نرى أحيانًا موجة مشجّعين تتحرّك في جميع أنحاء الملعب بينما ينهض المتفرّجون من مكانهم، واحدًا تلو الآخر.

الأصوات الّتي نسمعها هي أيضًا موجات - موجات صوتيّة، أي تغيّرات في ضغط الهواء وكثافته بحيث  تستطيع آذاننا الشعور بها. عندما نعزف على آلة موسيقيّة ننشىء موجات، فيها يهتزّ الهواء القريب منها وتنتج الموجات الصوتيّة الّتي نسمعها. ميزتان مهمّتان للموجات في هذا السياق هما التردّد- عدد المرّات الّتي يتغيّر فيها الضغط ويهتزّ الهواء في وحدة زمنيّة، والسعة (Amplitude)- الّتي تصف حجم التغيّرات في الضغط الّذي تنتجه الموجة. في حالة الموجات الصوتيّة، فإنَّ التردّد هو الّذي يحدّد مدى  الصوت المسموع، والسعة هي الّتي تحدّد شدّته.

​הצלילים שאנו שומעים הם גלי קול, שינויים בלחץ ובצפיפות האוויר סביבנו, שאוזנינו חשות | Christoph Burgstedt, Science Photo Library
الأصوات الّتي نسمعها هي موجات صوتيّة، تغيّرات في الضغط وكثافة الهواء من حولنا، تشعر بها آذاننا | Christoph Burgstedt, Science Photo Library

 

التردّد الأساسيّ والانسجام 

يمكن التعامل مع كلّ موجة صادرة عن آلة موسيقيّة كما لو كانت صادرةً عن مجموعة متنوّعة من الموجات الأصغر بتردّدات وشدّة مختلفة. يُطلق على التردّد الأدنى اسم التردّد الأساسيّ للآلة الموسيقيّة، ويرجع ذلك إلى طول الوتر والحنق أو طول أنبوب الهواء في الآلة النفخيّة. عندما نحنق على الوتر، فإنَّ التردّد الأساسيّ هو التردّد ذو السعة الأكبر، وهذا هو الّذي يحدّد النغمة الّتي نسمعها - دو، ري إلخ.

بقيّة التردّدات هي مضاعفات كاملة للتردّد الأساسيّ، وتُسمّى الانسجام، أو النغمات العليا (Overtones). تعتمد شدّة هذه الأصوات على الموجة الّتي تصدرها الآلة، وهي الّتي تدرج نغمة الصوت المسموع.

كيف يتمّ التعبير عن كلّ هذا في الواقع في الآلات الموسيقيّة؟ عندما نعزف نغمة الدو على البيانو، فإنَّ آليّة البيانو تضرب بمطرقة صغيرة على الوتر المناسب. تُنتِج الضربة موجة معيّنة في الوتر، نحسبها كاهتزازات في تركيبة معيّنة من التردّدات- خاصّةً التردّد الأساسيّ، ولكن أيضًا انسجامات إضافيّة عند التردّدات العليا. في المقابل، فإنَّ الحنق على أوتار الجيتار يخلق تركيبة مختلفة من الانسجامات، بعضها أقوى وبعضها أضعف. يُنتِج الفرق بين هذه التردّدات موجة واحدة في البيانو وموجة أخرى مختلفة عنها في القيثارة، ولكن نظرًا لأنَّ التردّد الأساسيّ هو نفسه، في كلتا الحالتين نسمع النغمة دو.

يتمثّل الاختلاف الأساسيّ هنا في أنَّ كلّ آلة تهتزّ أوتارها بشكلٍ مختلف، وبالتالي يختلف التركيب الانسجاميّ الناتج أيضًا. في الواقع، كلّ طريقة نهزّ بها الوتر، تنتج عنه تركيبة انسجاميّة مختلفة قليلًا؛ ممّا يغيّر تدرّج نغمة الصوت. لذلك يمكن للآلات الموسيقيّة المختلفة أن تعزف نفس النوتة وتبدو مسموعة مختلفة تمامًا عن بعضها البعض.

تعتمد نسبة شدّة الانسجام المختلفة أحيانًا على الوقت أيضًا، وقد يؤثّر هذا أيضًا على تدرّج نغمة الصوت. في الواقع، الطريقة الأساسيّة للتعرّف على آلة موسيقيّة تنبع من العلاقة بين شدّة التردّدات المختلفة لفترة قصيرة في بداية سماع النغمة. لهذا السبب، إذا قمت بعزف نوتة موسيقيّة على آلة معيّنة، ثم قمت بتشغيل تسجيلها، فسيبدو الصوت كما لو عُزِفَ على آلةٍ أخرى. ستظلّ الانسجامات المكوّنة لنغمة الصوت كما هي، لكن سيتغيّر حجم اتّساعها بنمط مختلف بمرور الوقت، وسيبدو الصوت مختلفًا بالنسبة لنا.

פסנתר כנף | Matthew Hamlyn, Shutterstock
تهتزّ أوتار كلّ آلة موسيقيّة بشكل مختلف وتنتج تركيبة منسجمة بشكل مختلف. بيانو ذو جناح | Matthew Hamlyn, Shutterstock 
 

عناصر "غير منسجمة"

في المحصّلة، تختلف الآلات الموسيقيّة أيضًا عن بعضها البعض في العناصر "غير المنسجمة"، وهي أصوات لا ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالتردّد الأساسيّ أو النغمات العليا للآلة. على سبيل المثال، هناك أهميّة أيضًا لصوت نفس العازف أو الصوت الناتج عن الإصبع أثناء تحرّكها على وتر القيثارة. تعطي جميع هذه العناصر معًا كلّ آلة التوقيع الصوتيّ الّذي نعتاد على نسبه إليها.

نحن نعرف اليوم كيفيّة استخدام هذه الأسس لإصدار أصوات الآلات الموسيقيّة بواسطة الوسائل الرقميّة، دون الحاجة إلى أوتار وأنابيب الآلات الموسيقيّة الميكانيكيّة الّتي تهزّ الهواء من أجلنا. لإنشاء صوت يشبه الجيتار، نضيف فقط الانسجامات بدرجات الشدّة المناسبة للحصول على صوت يشبه الحنق على القيثارة. إذا أردنا صوتًا يشبه البوق، نضيف تركيبة الانسجامات المناسبة للبوق، وهكذا.

 

0 تعليقات