من بين آلاف أنواع الثدييات المعروفة لدينا، يتميّز الإنسان بقلّة شعر جسمه. كيف ومتى فقد البشر شعر أجسادهم؟

فَقَدَ أسلاف الإنسان معظم شعر أجسامهم، باستثناء شعر الرأس الذي ربما يحمي الدماغ من أشعة الشمس المباشرة، التي قد تتسبّب في ضربة الشمس (Heat Stroke)، وشعر العانة (Pubic hair) الذي يحمي الأعضاء التناسليّة، بالإضافة إلى الشعر الذي يغطي أجزاء الجسم الأخرى بشكل متفرّق. يتميّز الإنسان بقلّة الشعر الذي يغطي جسمه، مقارنةً بآلاف الثدييات الأخرى التي نعرفها. تحاول العديد من الفرضيّات شرح كيف ومتى فقدنا معظم شعر الجسم، وتفسير الفوائد التطوّريّة التي منحتها لنا هذه الميزة.

وفقًا لإحدى الفرضيّات، كان أسلاف الإنسان والقردة العليا المنقرضة (Hominidae - بشرانيات) يعيشون في بيئة مظلّلة وباردة نسبيًّا محاطة بالأشجار. عندما بدأ البشر بالمشي على القدمين، انتقلوا إلى بيئة أكثر دفئًا - السافانا، وفقدوا معظم شعر أجسادهم كوسيلة للتكيّف مع الحرارة. مع ذلك، تفتقر هذه الفرضيّة إلى تفسير كيف يقوم الجسم الذي فقد الشعر بتعويض الحرارة في الليل البارد.


من بين آلاف أنواع الثدييات التي نعرفها، يبرز الإنسان في قلّة شعر جسمه. أقارب عائلتنا، الغوريلا، يتباهون بفروهم المتشابك | Shutterstock, Kiki Dohmeier

وفقًا لفرضيّة أخرى، كانت هناك فائدة للطفرة التي تسبّبت في فقدان الشعر لدى البشر، لأنّ ذلك جعلهم أقلّ عرضة للطفيليّات الشائعة في البيئات الدافئة، مثل البراغيث، القرّاد والسوس. منذ أن بدأ الإنسان في استخدام النار وارتداء الملابس، كان الكائن الثديي الوحيد القادر على البقاء على قيد الحياة دون شعر الجسم. وفقًا لهذه الفرضيّة، فإنّ أحفاد هؤلاء البشر الذين ليس لديهم شعر يتمتّعون بميزة وراثيّة: يفضّل الإناث والذكور شركاء حياتهم الذين يفتقرون إلى شعر الجسم، لأن ذلك يعكس حالة بشرتهم، ممّا إذا كانت نظيفة، صحّيّة وبدون جروح.

هناك أيضًا فرضيّة قديمة التي لم تدعمها النتائج، مفادها أنّ أسلافنا عاشوا في الماضي البعيد في بيئة من المياه الضحلة. تقترح هذه الفرضيّة أنّه بسبب طفرة جينيةّ، فإنّ البشر الذين لديهم جلد أكثر عزلة، طبقة دهنيّة أكثر سُمكًا، وشعر أقلّ، مثل بعض الثدييات البحريّة، يتميّزون بمعدّلات بقاء أعلى - وبالتالي انتشرت هذه السمة بين السكّان. كما ذكرنا، تمّ التخلّي عن فرضيّة القرد المائيّ، لأنّها لا تستند ولا تتوافق مع المعرفة الحاليّة حول البيئة المعيشيّة التي تطوّر فيها الإنسان.

اقترحت فرضيّة أخرى أنّ التواصل وفهم مشاعر الآخرين يكون أسهل عندما يكون الوجه قليل الشعر. يفترض مارك تشانغيزي (Mark Changizi)، باحث في تطوّر الدماغ، أنّ قلّة الشعر ترتبط بقدرة الإنسان على الرؤية. تحتوي أعيننا على ثلاثة أنواع من مستقبلات الألوان، والتي تمكّننا من التعرّف على تدرّجات ظلال الألوان لوجه الشخص الذي أمامنا، وبالتالي التعرّف على المشاعر بطريقة غير لفظيّة. على سبيل المثال، يمكن أن يشير الوجه الأحمر إلى الغضب، والوجه الخجول إلى المودّة، والوجه الأزرق إلى المرض. يمكن ملاحظة هذه التغييرات في لون الوجه فقط عندما يكون خاليًا من الشعر.


فرضيّة أخرى هي أنّ قلة شعر الوجه تساعد في التواصل وفهم مشاعر الشخص الآخر. شخص لديه شعر كثيف في الوجه - ولكن لديه ما يكفي من الجلد المكشوف لاكتشاف المشاعر| Shutterstock, Volodymyr TVERDOKHLIB

إذا كان الأمر كذلك، فمن غير الواضح بعد ما هي الآليّة التطوريّة التي أدّت إلى انخفاض نموّ الشعر في جسم الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، هناك سؤال مختلف، لكنّه ذو أهمّيّة كبيرة - ما هي التغيرات الجينيّة والجزيئيّة التي تؤدّي إلى اختلاف أنماط نمو الشعر في الحيوانات المختلفة؟ حاول باحثون من الولايات المتحدة قبل بضع سنوات تسليط بعض الضوء على هذا السؤال.

محفز الصلع

بحثت الدراسة الاختلافات بين البروتينات الموجودة في الجلد الأخمصيّ (Plantar skin)، الذي يغطّي كفّات الأرجل لدى بعض الثدييات. ينمو الشعر بشكل مختلف على الجلد الأخمصيّ لكل حيوان ثديي، وبالتالي، فإنّ كمّيّة كلّ بروتين من هذه العائلة قد تشير إلى دوره في تحديد آليّة نموّ الشعر.  

لا ينمو الشعر على الجلد الأخمصيّ لدى البشر أو حتّى لدى الفئران، على عكس الدببة القطبيّة والأرانب، حيث ينمو فراؤها على الجلد الأخمصيّ. أظهرت الدراسة أن الجلد الأخمصيّ للأرانب يحتوي على القليل من البروتين المعروف باسم Dickkopf 2، بينما يحتوي الجلد الأخمصي للفئران على كمّيّة كبيرة من هذا البروتين. لذلك، افترض الباحثون أنّ هذا البروتين يمنع سلسلة من العمليّات التي تؤدّي إلى نموّ الشعر.


لا ينمو الشعر في أقدام الإنسان وأقدام الفأر، على عكس الدببة القطبيّة. مخلب مشعر للدبّ القطبيّ| Shutterstock, Heather M Davidson

لفحص هذه الفرضيّة، قام الباحثون بتخليق فئران مصابة بطفرة جينيّة، التي تمنع إنتاج بروتين Dickkopf 2. أظهرت النتائج نموّ الشعر على الجلد الأخمصيّ لهذه الفئران، ممّا يعزّز الفرضيّة القائلة بإنّ لهذا البروتين دور مهمّ في منع نموّ الشعر. مع ذلك، كان الشعر الذي نما في تلك المناطق أقلّ كثافة وأقصر، مقارنة مع الشعر الموجود في مناطق أخرى من جسم الفأر، ممّا يُشير إلى وجود عوامل أخرى تؤثّر على نموّ الشعر.

ما تزال الصورة الكاملة للمسارات الجزيئيّة التي تؤدّي إلى تأخير أو تعزيز نموّ الشعر غير واضحة تمامًا، لكن يمكن أن تكون البروتينات التي تعمل بشكل مماثل لـ Dickkopf 2 لدى البشر تمنع نموّ الشعر في أجزاء أخرى من الجسم أيضًا، بما في ذلك الرأس - وبالتالي يسبّب الصلع. قد تساهم هذه النتيجة في البحث عن تطوّر الشعر، أو غيابه، عند الإنسان والحيوانات الأخرى، كما قد تساهم في فهم ظاهرة الصلع، وإيجاد الحلول لها.

0 تعليقات