من ميزان الحرارة الزّئبقيّ القديم النّاجع إلى الأجهزة السّريعة الّتي تعمل بدون لمس وتُستخدم اليوم في مداخل المجمّعات التّجاريّة: هناك طرق عديدة لقياس درجة الحرارة. ما هي طريقة عملها؟
قبل فترة وجيزة، كان يُحفظ ميزان الحرارة في خزانة الأدوية ويُخرج منها فقط في حالة يُخشى أن يكون أحد أفراد العائلة مريضًا. أمّا في الآونة الأخيرة، بعد تفشّي وباء COVID-19، تحتلّ هذه الأجهزة مكانًا أكبر في حياتنا. نحن مطالَبون بقياس الحرارة قبل الذّهاب إلى المدرسة، وفي مدخل الحوانيت وأماكن العمل. هناك عدّة أنواع موازين حرارة، وأبرزها الميزان الّذي يستند في عمله على الأشعّة تحت الحمراء ويعمل دون الالتماس المباشر مع الجسم المُراد قياس حرارته.
لفهم كيفيّة عمل ميزان الحرارة، يجب أن نفهم أوّلًا ما الّذي يتمّ قياسه. درجة الحرارة هي مؤشّر لكميّة الطّاقة الحراريّة المخزونة داخل الجسم. تُخزين الحرارة كحركة ميكروسكوبيّة للجسيمات الّتي تكوّن المادّة - الذّرّات والجزيئات. كلّما كانت درجة حرارة الجسم أعلى؛ زادت سرعة حركة الذّرّات. تعتمد حركة الذّرّات على حالة المادّة - عندما تكون المادّة في حالتها الغازيّة، مثل الهواء في الغرفة، ستتحرّك الجسيمات في جميع جوانب الغرفة. يمكن أن تتحرّك الجزيئات في الهواء بسرعة عالية جدًّا - حيث يبلغ معدّل سرعتها في درجة حرارة الغرفة حوالي 1,800 كم/ساعة. كلّما ارتفعت درجة الحرارة؛ تزداد سرعة حركة الجسيمات في الهواء. أمّا في الحالة الصّلبة، تهتزّ الذّرّات في مكانها، وكلما كانت درجة حرارة المادّة أعلى- مثل جلد الإنسان - اهتزّت الجزيئات فيه أسرع.
عندما نقرّب جسمين من بعضهما، على سبيل المثال عندما نضع وعاءً ساخنًا على مسطّح رخاميّ فاتر، تتصادم الجسيمات الّتي تهتزّ ببعضها البعض، نتيجةً لذلك تتباطأ الجسيمات في الجسم السّاخن وتتسارع الجسيمات في الجسم البارد. هذا ما يحصل على المستوى المجهريّ في عمليّة نقل الحرارة من جسم إلى آخر، الّتي تنتهي عندما تتساوى درجة حرارة الجسمين. إذًا تتحدّد درجة الحرارة حسب كميّة الحرارة المخزونة في الجسم.
هناك عدّة وحدات لقياس درجة الحرارة، وأكثرها شيوعًا هو المقياس المئويّ، الّذي تحدَّد وفقًا لنقطة تجمّد وغليان الماء في ضغط جوّيّ عاديّ على مستوى سطح البحر. 100 درجة مئويّة هي درجة الحرارة الّتي يغلي فيها الماء و0 درجة مئويّة هي درجة الحرارة الّتي يتجمّد فيها الماء.
الطّريقة الأقدم والأكثر شيوعًا لقياس درجة الحرارة تعتمد على استخدام مستشعِر يُربط بالمواد المُراد قياسها. المستشعِر هو مركَّب يملك خاصّة معيّنة يمكن قياسها بسهولة، والّتي تتغيّر حسب درجة الحرارة. بالبداية ننتظر إلى أن تتساوى درجة حرارة المستشعِر مع درجة حرارة المادّة، ثم نقوم بقياس هذه الخاصّة. إذا تمّ تعيير المستشعِر مسبقًا بواسطة قياس درجة حرارة أجسام معروفة - مثل الماء في حالته الصّلبة أو الغازيّة، يمكن الحصول على جهاز لقياس درجة الحرارة.
ميزان الحرارة الزّئبقيّ:
قديم وموثوق ولكنّه خطير
أوّل جهاز شاع استعماله لقياس درجة الحرارة هو ميزان الحرارة الزّئبقيّ، الّذي ما يزال قيد الاستخدام حتّى اليوم. طُوِّر على يد الفيزيائيّ الهولنديّ دانييل غابرييل فهرنهايت في القرن الثّامن عشر- الّذي طوّر أيضًا سلّم فهرنهايت لقياس درجة الحرارة منافسًا للدّرجة المئويّة.
يعتمد ميزان الحرارة الزئبقيّ على زجاج كرويّ مجوّف يحتوي على زئبق، متّصل بأنبوب دقيق. الزّئبق هو المعدن الوحيد السّائل في درجة حرارة الغرفة وبالضّغط الجوّي العاديّ. يتغيّر حجم الزّئبق حسب درجة حرارته. عندما يسخن، يكبر حجمه وينتقل السّائل الفضّيّ إلى الأنبوب. تشير الوحدات المكتوبة على الأنبوب إلى درجة الحرارة.
إنّ ميزان الحرارة الزّئبقيّ موثوق ولا يحتاج إلى بطاريّات. نقصه الأكبر هو أنّه يعتمد على الزّئبق - وهو معدن سامّ للغاية. طالما ميزان الحرارة كامل، لا خطر في استخدامه. أمّا إذا انكسر، ممكن أن يصاب المتعرّض له بتسمّم. تُسوّق اليوم في الصّيدليّات مقاييس حرارة مشابهة لميزان الحرارة الزّئبقيّ، ولكنّها تحتوي على كحول مصبوغ بالحبر، ممّا يجعل استخدامها أكثر أمانًا.
ناجع ودقيق لكنّه ممكن أن يكون خطرًا إذا انكسر. ميزان حرارة زئبقيّ مع قطرات زئبق | الصّورة من: bergia, Shutterstock
ميزان الحرارة الرّقميّ:
رخيص، متوفّر وسريع
بدأ استخدام موازين الحرارة الرّقميّة في أواخر القرن العشرين ويشيع اليوم استعمالها المنزليّ والطّبّيّ. تعتمد هذه الموازين على سلك معدنيّ الّذي تتعلّق مقاومته لمرور التّيّار الكهربائيّ بدرجة الحرارة: فكلّما ارتفعت درجة الحرارة، تهتزّ الجسيمات أكثر، وتزداد المقاومة الّتي تعمل على حركة الشّحنات الكهربائيّة (الإلكترونات) في المادّة وتقل موصليّتها.
يتواجد السّلك في أحد أطراف ميزان الحرارة، وعندما يلامس الجسم - مثلًا عندما نضعه في الفم- تنتقل الحرارة من الجسم إلى طرف الميزان إلى أن تتساوى درجات حرارتهما، فتتغيّر مقاومة السّلك وفقًا لذلك. يحتوي مقياس الحرارة على شريحة إلكترونيّة تشغل جهدًا كهربائيًّا على السّلك وتقيس التّيّار النّاتج. تقوم الشّريحة، المعيّرة مسبقًا، بحساب المقاومة وتقدّر درجة الحرارة وفقًا لذلك. موازين الحرارة هذه قادرة على توفير نتائج القياس خلال ثوانٍ وهي رخيصة جدًّا.
تعتمد على تغيّر المقاومة الكهربائيّة لسلك معدنيّ. فتاة تقيس حرارتها بواسطة ميزان حرارة رقميّ | الصورة: sirtravelalot ،Shutterstock
ميزان حرارة بدون لمس:
آمن وسريع لكنّه ليس دقيقًا
أدّت المطالبة بقياس درجة الحرارة عند دخول الأماكن العامّة، بسبب وباء الكورونا، إلى انتشار ميزان الحرارة الّذي يعمل بدون لمس. تختلف آليّة عمله تمامًا عن مقياسَي الحرارة السابقَيْن، حيث لا يتطلّب الملامسة المباشرة مع الجسم المراد قياس حرارته، وإنّما يقيس الأشعّة المنبعثة من الجسم، بحيث يكفي توجيه الجهاز على الشّخص للحصول على النّتيجة.
ينبعث من كلّ جسم أشعّة كهرومغناطيسيّة، المعروفة باسم "إشعاع الجسم الأسود". مصدر الإشعاع هو من اهتزازات/ تذبذبات الذّرّات الّتي تكوّن الجسم، وبالتّالي تتعلّق ميزات الإشعاع بدرجة حرارة الجسم. في الأجسام الحارّة جدًّا، مثل الحديد السّاخن (حوالي ألف درجة مئويّة)، جزء كبير من الإشعاع يكون في مجال الضّوء المرئيّ ولذا فإنّ الحديد يكون وهّاجًا/مضيئًا. أمّا جسم الإنسان فيصدر بالأساس أشعّة تحت حمراء، وهو نوع من الإشعاع الكهرومغناطيسيّ غير المرئيّ الّذي تكون أطواله الموجيّة أكبر من الضّوء المرئيّ.
يحتوي ميزان الحرارة هذا على عدسة تقوم بتركيز أشعّة الجسم باتّجاه المستشعِر الّذي يشعر بالتّغييرات، حتّى الطّفيفة، في درجات الحرارة. تؤدّي هذه الأشعّة المركّزة إلى سخونة المستشعِر، وهو بدوره يحوّلها إلى إشارة كهربائيّة. تقوم الشّريحة الإلكترونيّة في الجهاز بترجمة الإشارة إلى درجة حرارة وفقًا للمعايرة الّتي تُجرى مسبقًا على الجهاز. تعتبر هذه الطّريقة سريعة جدًّا وحتّى أنّها فوريّة.
تتميّز موازين الحرارة الّتي تعمل على الأشعّة تحت الحمراء عن غيرها بسرعتها واستخدامها الصّحيّ؛ لذا فهي شائعة جدًّا في أيّامنا. نقطة الضّعف الأساسيّة هو أنّ القياس يعتبر أقلّ دقّة من الموازين الّتي تعمل باللّمس.
سريع جدًّا لكنّه ليس دقيقًا. طبيبة ترتدي ملابس طبّيّة واقية وتقيس درجة حرارة شخص مشتبه أن يكون مصابًا بالكورونا | تصوير: aslysun, Shutterstock
المشكلة الرّئيسيّة هي أنّ الأشعّة المنبعثة من الجسم تعتمد أيضًا على خصائص الجلد، موقع القياس وظروف بيئيّة أخرى. تتعلّق الأشعّة أيضًا على درجة حرارة الجلد، الّتي هي أقلّ من درجة حرارة الجسم، واستنادًا عليها يقوم الجهاز بتقييم درجة الحرارة داخل الجسم. ولهذا، يعتبر هذا القياس أقلّ دقّة من القياس المباشر لدرجة حرارة الجسم. من المعتاد استعمال موازين الحرارة الّتي تعمل على الملامسة المباشرة عندما نريد الحصول على تقدير دقيق لدرجة حرارة الجسم. يجب التّنويه أنّ موازين الحرارة هذه ليست خطيرة ولا بأيّ شكل، لأنّها تقيس الأشعّة المنبعثة من جسم الإنسان ولا تصدر أشعّة أخرى منها.
هذه هي الأنواع الثّلاثة الرّئيسيّة لموازين الحرارة المستخدمة في المنزل لقياس درجة حرارة جسم. هناك أنواع موازين حرارة أخرى مستعملة لأغراض مختلفة، كالطّهي أو الاستخدام الصّناعيّ، وبعضها يعتمد على قوانين فيزيائيّة وخصائص أخرى للموادّ المتغيّرة وفقًا لدرجات الحرارة.