نحن نعيشُ على الكرة الأرضيّة، لكنّنا تخيّلناها بواسطة خطوط مستقيمة: خطوط الطول، وخطوط العرض وخطّ الاستواء. فكيف يتوافق ذلك رياضيًّا؟

سارَ دبٌّ كيلومترًا واحدًا جنوبًا بخطّ مستقيم، ثمّ توجّه غربًا، وسار مرّةً أخرى مسافة كيلومترٍ واحدٍ بخطّ مستقيم، ثمّ استدار شمالًا، وسار مرّة أخرى لمسافة كيلومترٍ واحدٍ بخطّ مستقيم، ثم رَجع إلى النّقطة الّتي بدأ منها. ما هو لون الدّب؟ 

هذا اللّغز مشهورٌ جدًّا، وله إجابة واحدة صحيحة مقبولة، وعددٌ لا حصرَ له من الإجابات الأخرى مع القليل من التّذاكي. وعندما ننظر إلى المسألة بمزيد العناية سيكون عددُ الإجابات الصّحيحة صفرًا. 

דוב לבן | Olga Lebedeva, Shutterstock
يسير بهذه الطّريقة وبشكلٍ دائريّ وإلى أين سيصل؟ الدّب الأبيض | Olga Lebedeva, Shutterstock
 

الإجابة الصّحيحة

لنبدأ من الإجابة المنتشرة (وغير الدّقيقة)، وهي على النّحو التّالي: عندما نتخيّل مسار الدّب، يتمّ إنشاء رسم تخطيطيّ مثل هذا، وفقط بطريقةٍ ما يجب أن تتّصل نقطة البداية بنقطة النّهاية. من الواضح أنّه أمر مستحيل، حتّى نتذكّر أنّنا لا نعيش على خريطة مسطّحة، وإنّما على كرة. لذلك بدأ الدّب في القطب الشّماليّ. مشى كيلومترًا واحدًا جنوبًا، واستدار يسارًا ومشى كيلومترًا واحدًا غربًا، ثمّ اتّجه شمالًا كيلومترًا واحدًا. نظرًا لأنّه طوال مسيرته غربًا بقي على بُعد كيلومترٍ واحدٍ من القطب، فإنّه عندما سارَ شمالًا عاد إلى القطب الشّماليّ، أي إلى نقطة البداية. والدّب بالفعل لونه أبيض، لأنّه يعيش في القطب. 

نحن نعرف هذه الظّاهرة من الخرائط الّتي يتمّ فيها "رسم" القطب الشّماليّ بأكمله في أعلى الخريطة، وهناك نقطتان تبدوان بعيدتَين على الخريطة وهما ملتصقتان ببعضهما البعض تقريبًا في الواقع. 

أين يقع القطب الشّماليّ على هذه الخريطة؟ يجب أن يكون بطريقةٍ ما في جميع المربّعات العلويّة في كلّ الحالات والأزمنة. هذا ما يحدث عندما نَرسم خريطة الكرة الأرضيّة على جسم ثنائيّ الأبعاد كالمُستطيل: يجب أن تكون هناك بعض التّشوّهات، وأكثرها انتشارًا وسهولةً هو "استطالة" الخريطة كلّما ابتعدنا عن خطّ الاستواء.

מפת חצי כדור הארץ הצפוני | Porcupen, Shutterstock
تشويه "يسود" القطب الشّماليّ في الجزء العلويّ من الخريطة. خريطة العالم | Porcupen, Shutterstock 

إجابات صحيحة لا حصر لها

لن يتمكّن المتذاكون من العثور على إجابة واحدة فقط، بل على عددٍ لا نهائيٍّ منها: الحيلة هي إيجاد وضعٍ لا يؤثّر فيه المشي غربًا في مكانِنا. عندما نسير غربًا على سطح الكرة الأرضيّة، فإنّنا نسير جزءًا من مسار دائريّ. إذا كان هذا المسار قريبًا بدرجة كافية من أحد القطبين، فإنّ السّير "كيلومترًا واحدًا غربًا" سيكمل دائرة كاملة. لذلك؛ إذا بدأنا من نقطة تبعد كيلومترًا واحدًا شمالَ هذا الطّريق الدائريّ، ومن هناك نسير باتّجاه الجنوب، ثم نتّجه غربًا ونسير كيلومترًا آخر- سنعود في نهاية المشي غربًا إلى النّقطة الّتي بدأنا فيها السّير غربًا، وعلينا أن نسير كيلومترًا شمالًا للعودة إلى نقطة انطلاق المسار بأكمله. الآن لم يعد من الممكن معرفة لون الدّب؛ لأن مثل هذا المسار لا يمكن أن يتمّ إلّا بالقرب من القطب الجنوبيّ، لحظة، هل توجد دببة هناك؟

إذًا كيف يكون هناك عدد لا نهائيّ من الحلول؟ أوّلاً؛ لأنّه يتوجّب علينا تعيين نقطة البداية على بعد كيلومترٍواحدٍ شمال مسارنا الدائريّ المغلق، وهناك عدد لا نهائيّ من هذه النقاط. ثانيًا، محيط الدّائرة الّتي نمشي فيها هو كيلومترًا واحدًا. لذلك عندما نسير كيلومترًا واحدًا غربًا، نحن نكمل الدائرة بأكملها. ولكن تحتها بقليل، بالقرب من القطب الجنوبيّ، توجد دائرة محيطها نصف كيلومترٍ. عندما نسير كيلومترًا غربًا على طول هذه الدّائرة، سنكمل دورتَين منها، والسّير غربًا مرّة أخرى سيعيدنا إلى حيث بدأنا. إذا وضعنا نقطة البداية على بعد كيلومترٍ واحدٍ شمال الدّائرة الأصغر، فإنّ هذا المسار سيعيدنا أيضًا إلى نقطة البداية بالضّبط، نحن نكمل فقط دورتَين للغرب بدلًا من دورة واحدة.

من المعروف أنّ هناك دائرة أصغر قليلًا تقع جنوبًا ومحيطها ثُلث كيلومترٍ، وإذا وضعنا أنفسنا على بعد كيلومترٍ واحدٍ شمالها واتّجهنا غربًا، فإنّنا نكمل ثلاث دورات ونعود مرّة أخرى بالضّبط إلى حيث بدأنا. يمكنك متابعة هذه التّجربة الفكريّة بدائرة محيطها رُبع كيلومترٍ وخُمس كيلومترٍ، وهكذا دواليك؛ هناك عدد لا نهائيّ من هذه المسارات وفقًا لوجهة النظر الرياضيّة الخالصة. 

הליכה מערבה משלימה סיבוב סמוך לקוטב הדרומי | Harvepino, Shutterstock
لا نهاية للحلول الصحيحة لدى المتذاكين، المشي غربًا يكمل دورة بالقرب من القطب الجنوبيّ | Harvepino, Shutterstock
 

لكن في الحقيقة، لا توجد أيّة إجابة صحيحة

تكمن المشكلة في عدم صحّة أيّ واحدٍ من هذه الحلول، والسبب في ذلك هو كلمة واحدة نعتقد أنّنا نفهمها جيّدًا، لكنّ الحال ليس كذلك. حاوِلوا قراءة السّؤال الأصليّ مرّةً أخرى وفكّروا ماذا يمكن أن يكون هذا المصطلح المراوغ، تلك الكلمة المُخادِعة.

جاهزون؟ هل قرأتم؟ قد يكون البعض منكم قد اطّلع على كلمة "مستقيم". بديهيًّا، يبدو أنّه من المستحيل التّحدّث عن خطوطٍ مستقيمة على الإطلاق، لأنّنا عندما نكون على كرة مستديرة لا على خريطة مسطّحة، فماذا يعني "الذّهاب جنوبًا بشكل مستقيم"؟ الجنوب ليس مستقيمًا! إنّه مسار محدّب إلى حدّ ما؛ لأنّه على سطح الكرة الأرضيّة. لكن في الواقع ليست هذه مشكلة على الإطلاق. أي أنّه يتحوّل إلى مشكلة نوعًا ما عندما نتّجه غربًا.

يتطلّب الحديث عن خطوط مستقيمة على سطح كرويّ تعريفًا دقيقًا. ما هو بالضبط "خطّ مستقيم"؟ بإمكاننا التطرّق إلى خطّ مستقيم في المستوى بطريقتَين مختلفتَين. على الرغم من أنّنا نظنّ أحيانًا أنّ "السّير بشكل مستقيم" هو "السّير بدون انعطاف"، فقد اتّضح أنّ هناك تعريفًا آخر أكثر أهميّة: "السير بشكل مستقيم" يعني السّير في أقصر طريق يربط بين نقطتَين. يُدعى هذا الطّريق بمسار جيوديسيّ. يتلاقى هذان التّعريفان البديهيّان على مستوى مسطّح، ولكن يمكن أن يلتقيا أيضًا على أسطح منحنية، إذا كانت "لطيفة" بدرجة كافية. 

تُعتبر الكرة سطحًا لطيفًا. عندما نتواجد على كرة، فإنّ المسارات الجيوديسيّة تتواجد دائمًا على "دوائر كبيرة"، أي على أكبر دائرة تحيط بالكرة الأرضيّة "مثل خطّ الاستواء". سيكون أقصر طريق بين نقطتين على الكرة يقع دائمًا على الدّائرة الكبرى الّتي تمرّ عبرَهما. من أجل العثور على أقصر طريق بين نقطتين على نفس الدّائرة الكبيرة، يمكن ببساطة السّير على طول محيط الدّائرة بينهما. ولكن يمكن العثور عليه أيضًا حسب مبدأ "السّير بدون انعطافات". إذا سافرنا على طول دائرة كبيرة، وتابَعنا القيادة دون تحريك المِقوَد، سيكون المسار على محيط الدّائرة. 

تقع جميع خطوط الطّول على الكرة الأرضيّة في دوائر كبيرة، لأنّها تمرّ عبر القطبين. لكنّ خطوط العرض ليست كذلك. حيث إنّها لا تمرّ عبر القطبين، وفي الواقع، وفقًا لتوسيع مصطلح "خطّ مستقيم" الّذي قمنا به مع الكرات، فإنّها ليست "مستقيمة". مع أنّنا رأينا أنّه من الممكن تعريف الخطّ المستقيم بطريقة تتناسب أيضًا مع المسطّحات المنحنية، فمن المهمّ معرفة اتّجاه انحنائها. تنحني الخطوطُ الطّوليّة "للدّاخل" فقط، أي جنبًا إلى جنب مع انحناء الكرة الّتي تتواجد عليها. ولهذا السّبب، فإنّه عند السّير على طول مثل هذا الخطّ، لا حاجةَ إلى تحريك المقود، حيث يلائم المسارُ نفسَه للسّطح. من ناحية أخرى، تنحني خطوطُ العرض أيضًا "إلى الجانب"، أي أنّ انحناءها الإضافيّ لا يتطابق مع انحناء الكرة. عمليًّا، يجب التّحرّك باستمرار إلى الجانب، عند السّير على خطّ العرض. 

كيف تُفسَّر هذه الظّاهرة بدون حسابات معقّدة؟ من أجل ذلك، من المهمّ أن نفهم متى يتمّ وصف "الدّوائر الكبيرة" بأنّها "مستقيمة" على الكرة. إذا بدأنا السّير في اتجاهٍ ما وأكملنا السير بشكل مستقيم دون الانحراف إلى الجوانب، فسنحيط هذه الكرة على طول هذه الدائرة الكبيرة. على سبيل المثال، بهذا الشكل:

קו אורך | Dream01, Shutterstock
خطّ الطّول | Dream01, Shutterstock

إذًا، لماذا لا يقوم خطّ العرض بنفس الشيء؟ فهو أيضًا دائرة على كرة:

קו רוחב | Dream01, Shutterstock
خطّ العرض | Dream01, Shutterstock

أحيانًا، تغيير نظرتنا يساعدنا على توضيح مسائل رياضيّة. هيّا لنغيّر وجهة النّظر- سندير الكرة بحيث تكون نقطة البداية عند القطب الشّماليّ، ونضيف "الخطوط المستقيمة" الّتي تخرج منها:

קווי אורך וקו מעגלי המתחיל בקוטב הצפוני | Dream01, Shutterstock
خطوط الطّول وخطّ دائريّ يبدأ عند القطب الشماليّ |Dream01, Shutterstock

بدأنا المشي "مستقيمًا إلى الجنوب" كما في السّابق، ولكن بدلًا من الاستمرار "مستقيمًا" إلى الجنوب، انحنى المسار إلى اليمين. وهذا يعني أنّه يمكن، بكلّ وضوح، رؤية دائرة صغيرة على كرةٍ يمكن أن تبدأ من نفس نقطة "الخطّ المستقيم"، لكنَها ستنحرف عنه فورًا. لذلك، هناك اختلافٌ رياضيّ بين خطوط الطّول وخطوط العرض. رياضيًّا، جميع خطوط الطّول متطابقة وكلّها "مستقيمة"- بينما خطوط العرض ليست "مستقيمة". هذا هو أحد الأسباب الرّئيسة لمرور مئات السّنين على نجاح البشر في قياس خطوط العرض بشكلٍ صحيح، وحتّى القيام بذلك مع خطوط الطول بنجاح: إذ أنّ التّمييز بين خطّ طول وآخر أكثر صعوبةً. هناك اختلافات أقلّ بينهما، لذلك يصعب على سفينة في وسط البحر تحديد موقعها على أيّ من خطوط الطّول هي موجودة في لحظة ما. وقد سهّلتِ الاختلافات الكثيرةُ الموجودة بين خطوط العرض الإحاطة بها والتمييز بينها.

ما زلتم غير مصدّقين؟ مسارات الطّيران، المُصمّمة بالطّبع لاتّخاذ أقصر مسار ممكن بين نقطتين على نفس خطّ العرض، لا تمتدّ بشكل "مستقيم" من الشّرق إلى الغرب على طول خطوط العرض، ولكنّها تقوم بانعطاف غريب نحو الشّمال (في نصف الكرة الشّماليّ). في بعض الأحيان تقوم الطّائرات بالطّيران شمالًا حتّى لو كانت وجهتها جنوبًا من نقطة انطلاقها! لكنّ هذا المنحنى يُعتبر غريبًا فقط إذا تمّ النّظر إليه على خريطة مسطّحة. إنّ هذه الخطوط "المنحنية" هي خطوط "مستقيمة" على الكرة الأرضيّة فقط. أي أجزاء من الدّوائر الكبيرة الّتي تقوم بإنجاز المسار الأقصر من بين جميع النقاط، لأنّه اتّضح أنّه السّير "بشكل مستقيم" على الكرة الأرضيّة ليس بالبساطة الّتي يبدو عليها. 

נתיבי טיסה על מפת העולם | metamorworks, Shutterstock

الخطوط المنحنية المتواجدة على الخارطة هي في الواقع خطوط مستقيمة. مسارات الطّيران على خريطة العالم | metamorworks, Shutterstock

 

0 تعليقات