في الأشهر الأولى من الحياة بعد الولادة، ينام الأطفال بشكلٍ متقطّع طوال اليوم. لماذا يحصل هذا ومتى سيحظى الوالدان بالنّوم ليلةً كاملةً؟

توق العديد من الآباء الجدد إلى النّوم ليلاً بشكلٍ منتظم - فقط بضع ساعات متواصلة - ولكن دون جدوى. هذا بالطبع "ذنب" المولود الجديد: في الأسابيع والأشهر الأولى من حياتهم، يكون نوم الأطفال مختلفًا تمامًا عن نوم البالغين. إلى أيّة درجة يختلف؟ في البداية، يقضي الأطفال وقتًا أطول في النّوم مقارنة بالبالغين. حتّى جيل شهرين، ينام الأطفال بمعدّل 14.6 ساعة في اليوم، بعد 3 أشهر من الولادة - يهبط المعدّل إلى ى 13.6 ساعة، وأيضًا من جيل سنة إلى سنتين، يبلغ متوسّط ​​عدد ساعات النّوم في اليوم أكثر من 12 ساعة. ومع ذلك، هناك تباين كبير بين النّاس: في الأشهر الأولى من الحياة(الولادة)، تتراوح مدّة نوم الأطفال الإجماليّة بين 9 و- 20 ساعة في اليوم. ميزة أكثر ارتباطًا بالوالدين المنهكَيْن هي أنَّ نوم الأطفال يكون متقطّعًا لفترات قصيرة، يدوم في البداية أقلّ من ساعة في المعدّل. حتّى في جيل متأخّر ( سنة واحدة أو أكثر)، يستمرّ العديد من الأطفال في الاستيقاظ مرّة واحدة على الأقلّ أثناء الليل.

תינוק ערני ואימא עייפה |  kryzhov, Shutterstock
يتميّز نوم الأطفال بأنّه متقطّع لفترات قصيرة، كما يستيقظ معظم الأطفال الّذين تبلغ أعمارهم سنة وأكثر، مرّة واحدة على الأقلّ في الليلة. طفل مُستيقِظ وأمّ مُتعبَة |  kryzhov, Shutterstock

معدة صغيرة وغياب السّاعة البيولوجيّة

السّبب الأبرز لأنماط نوم الأطفال المتقطّعة هو الحاجة إلى الطّعام. يحتاج الأطفال إلى النّموّ؛ ولهذا فهُم يحتاجون من ضمن الأمور الأخرى، إلى تناول الطّعام. إنّ سعة معدتهم قليلة، لذا يتعيّن عليهم تناول العديد من الوجبات الصّغيرة - وللقيام بذلك عليهم الاستيقاظ. سبب آخر واضح هو "عدم الشّعور بالرّاحة"، على سبيل المثال عند التّسنين. هناك فرضيّة أخرى مفادها أنَّ النّوم الخفيف نسبيًّا للأطفال هو في الواقع آليّة للحماية من انقطاع النّفس النّوميّ وموت المهد (الموت السّريريّ)؛ من الصّعب الاستيقاظ من النّوم العميق، وبالتّالي فهو يزيد من خطر عدم استيقاظ الطفل حتّى لو كان يعاني، لسبب ما، من انقطاع في النّفس؛ لذلك ينام الأطفال بعمق لفترات قصيرة متقطّعة فقط. 

ينام الأطفال أكثر، وبصورة متقطّعة أيضًا أكثر من البالغين، إضافة إلى ذلك، فهُم ينامون في أوقات مختلفة خلال اليوم. يتمّ التّحكّم في دورة النّوم واليقظة عند البالغين من خلال النَّظم اليوماوي (Circadian Rhythm)، وهي آليّة داخليّة تُنظّم الدّورات الفيزيائيّة الّتي تستمرّ حوالي 24 ساعة. كما أنَّ السّاعة البيولوجيّة الدّاخليّة تُنظّم دورات الجوع والشبع، إفراز الهرمونات وغيرها. تتكيّف الساعة البيولوجيّة مع العوامل الخارجيّة بشكلٍ أساسيّ من خلال الاستجابة للضوء. بفضل هذا التكيّف، نحن ننام غالبًا في الليل ونستيقظ أثناء النهار.

كل هذا لا ينطبق على الأجنّة في بطون أمهاتهم والأطفال حديثي الولادة. عندما يكون الجنين في الرّحم، يقوم جسم الأمّ بتزويده بإشارات دوريّة على شكل هرمونات وموادّ أخرى تعبر من خلال المشيمة. بعد الولادة، يطوّر الطفل تدريجيًّا، كلًّا من قدرته على تنظيم مواعيد الدّورات اليوميّة وقدرته على مزامنة ساعته البيولوجيّة بواسطة الضوء.

حتّى تثبيت الدّورات اليوميّة، لا يُفضّل الأطفال بالضّرورة النّوم ليلاً أكثر من النّوم أثناء النهار - يتمّ توزيع فترات النّوم المتقطّعة بشكل متساوٍ جدًّا على مدار اليوم. يكتسب الطفل تدريجيًّا تفضيلًا للنّوم ليلًا، عادةً خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حياته. يلعب هرمون الميلاتونين (Melatonin) دورًا مهمًّا بشكل خاصّ في تكوين هذا التفضيل، والّذي يُفرز خلال الظلام ويشجّع على النّوم، وهرمون الكورتيزول (Cortisol) الّذي يُفرز في الصّباح ويشجّع على الاستيقاظ. تظهر الدّورات اليوميّة الّتي تفرز هذين الهرمونين وتستقرّ تدريجيًّا ما بين عمر 8 أسابيع حتّى 12 أسبوعًا.

كما ذكرنا، ليس غريبًا أن يستيقظ الأطفال أثناء الليل حتّى في الأعمار المتأخّرة. إمكانيّة مثيرة للاهتمام هي أنَّ الاستيقاظ من أجل الرّضاعة في الليل يُشجّع في الواقع على النّوم. يُغيّر حليب الرّضاعة تركيبته خلال اليوم، ويحتوي الحليب الناتج ليلًا على كميّة أكبر من الميلاتونين وكذلك على المزيد من التربتوفان (Tryptophan) - وهو مصدر الميلاتونين. وبناءً على ذلك، فقد وجد أنَّ تناول الطعام ليلًا، مع التّشديد على الحليب بتركيبته الليليّة؛ تؤدّي بالفعل إلى تحسين نوم الطفل.

אם ותינוק יונק |  Tomsickova Tatyana, Shutterstock
يحتوي حليب الرّضاعة الليليّ على نسب مرتفعة نسبيًّا من هرمون الميلاتونين والتربتوفان وبالتّالي يعزّز النّوم. أمّ وطفل خلال الرّضاعة |  Tomsickova Tatyana, Shutterstock

أطفال من كوكب الزُّهرة، والدان من المرّيخ

قد تبدو هذه الاختلافات بين أنماط نوم الأطفال ونوم والديهم غريبة، وهي بالتّأكيد مُحبطة. لكن علينا الأخذ في عين الاعتبار أنَّ البشر يُولدون قبل أن يكتمل نموّهم وتطوّرهم، على غرار الكتاكيت وذريّة القوارض، لذلك قسم كبير من عمليّة نضوج أنظمتنا الجسميّة يحدث بعد الولادة. لا يقتصر الأمر على زيادة في نموّ الجسم فحسب، بل يتعلّق أيضًا بتطوّر الدّماغ، تطوير التّحكّم في أعضاء الجسم (القدرات الحركيّة)، القدرة على اكتساب اللغة والمزيد. لذلك ليس من المُستغرَب تطوّر نظام تنظيم اليقظة والنّوم تدريجيًّا أيضًا في الأشهر الأولى من الحياة (الولادة).

حقيقة أنَّ الأطفال يكملون نموّهم خارج الرّحم يفتح الباب للعوامل الخارجيّة للتأثير على عمليّات النّموّ والتطوّر. تُشير الدّراسات إلى أنَّ هذا ينطبق أيضًا على الساعة البيولوجيّة. يبدو أنَّ الأطفال الّذين يتعرّضون للكثير من الضوء أثناء النّهار، ويُمنَعون من التّعرّض للضوء في الليل، يطوّرون قدرة على النّوم بشكلٍ مُنتظََم أسرع في المعدّل ​​من الأطفال الّذين يتعرّضون للضوء بشكل أقلّ انتظامًا.

هناك مُعطًى آخر مثير للاهتمام يشير إلى وجود صلة بين التّعرّض للضوء في الطفولة والسّعة الزمانيّة للشّخص في مرحلة البلوغ. السّعة الزمانيّة هي تفضيل الشّخص للقيام بنشاط في السّاعات الأولى من اليوم ("محبّو الصّباح") أو السّاعات المتأخّرة ("محبّو الليل"). يتّضح أنَّ الأطفال الّذين يولدون في الصّيف يميلون أكثر لأن يصبحوا محبّين لليل، بينما الأطفال الّذين يولدون في الشّتاء يميلون لأن يكونوا محبّين للنهار. قد يعود ذلك لعدد ساعات الضوء الّتي يتعرّض لها الأطفال خلال اليوم. نتيجتان تدعمان هذه الفرضيّة: العلاقة بين تاريخ الميلاد والسّعة الزمانيّة تكون أكثر وضوحًا في خطوط العرض العُليا، أي تلك الأقرب إلى القطبين - حيث يكون الفرق بين عدد ساعات الضّوء في الصّيف والشّتاء أكبر؛ وفي المناطق الريفيّة - حيث يكون التّعرّض للضّوء "الصّناعيّ" ليلًا أقلّ.

وجب التّنويه (من المهمّ ذكره)، أنَّ أنماط النّوم غير المُنتظََمة للأطفال غالبًا ما تكون ميزة طبيعيّة وصحيّة ملائمة لجيلهم، وأنَّ أنماط النّوم تختلف اختلافًا كبيرًا من طفلٍ لآخر، بين البلدان، بين الثّقافات، وبين مراحل النّموّ المختلفة.

في الواقع، فإنَّ العديد من الآباء، وخاصّة في العالم (المُجتمَع) الغربيّ، يتوقّعون أن ينام أطفالهم طوال الليل في جيل  مبكّر قدر الإمكان، يمكن تفهّم الأمر تمامًا، نظرًا لتأثير نوم الطّفل على نوم والديه. ولكن حتّى لو لم تتحقّق التوقّعات بشكلٍ كامل، فيمكنهم الشعور بالرّاحة، باعتبار أنَّ هذا النّوم المتقطّع هو أمر طبيعيّ تمامًا وعابر.

0 تعليقات