ما الذي يعطي الأجبان المتعفنة رائحتها الكريهة النفّاذة، ولمَ نحبها على الرغم من ذلك؟

ما هي العلاقة بين حمّامات الحمّة السورية، الجوارب الرياضية وجبنة "لِمبورغر" المعروفة برائحتها الرهيبة؟ يتّضح أن مصدر الرائحة الشديدة المنبعثة من هذه الأشياء الثلاثة هو نفس المصدر. هل معنى ذلك أننا، عندما نأكل جبنة "لِمبورچر" والأجبان الشبيهة بها، نأكل شيئًا شبيهًا بالجوارب؟ الإجابة، بمفهوم معين، هي نعم. لكن، لكي نفهم، بشكلٍ أعمق، العلاقة بين الجبنة التي تنبعث منها الرائحة الكريهة وبين الجوارب، علينا أن نوضّح ما هي الأجبان ذات  الرائحة الكريهة وما الذي يُكسِبها هذه الرائحة الشديدة.

تنتمي  غالبية الأجبان ذات الرائحة الكريهة  إلى عائلة الأجبان التي تُسمّى "الأجبان المغسولة". في عملية إنتاجها، بعد إدخال الجُبنة إلى الإطار المناسب، يجري غسلها بمحلول يحتوي ، عادةً، على ماء الملح وتضاف أحيانًا إضافاتٌ مثيرة أخرى، مثل البراندي أو النبيذ.   

الرهبان النباتيون الذين عاشوا في فرنسا وبلجيكا في العصور الوسطى واستخدموا الأجبان كمصدرٍ للزلال (البروتين)، كانوا هم أول من فكّرَ في الدمج بين الأجبان والنبيذ في بداية عملية إنتاج الأجبان. اعتاد هؤلاء الرهبان على إنتاج الأجبان والنبيذ والجِعة في الطوابق السفلية من مساكنهم، وفي مرحلة معيّنة أخذوا ينقعون الأجبان في المشروبات الكحولية وأصبح ذلك جزءًالا يتجزأ من عملية الإنتاج.  الأسماء التي أعطيت لقسمٍ من الأجبان المغسولة، مثل الجبنة الإنجليزية "الأسقف النّتِن"، يمكن أن تشهد على تاريخها المُتصل بالكنيسة.

 

 تفضيلٌ مصحّح لصالح البكتيريا

ما هي الفائدة من غسل الجبنة؟ الغسل بماء الملح والبراندي، على سبيل المثال، يضيف للجبنة المذاقات المميّزة لهذه السوائل، ويُكَوّن، أيضًا،  بيئةً محيطةً رطبةً ومالحةً على السطح الخارجي للجبنة. هذه البيئة المحيطة الرطبة والمالحة هي بمثابة أرض خصبة مثالية لتكاثر البكتيريا Brevinbacterium Linens (أو باختصار B. Linens).
بشكل مُشابه  لطريقة تحضير الخيار المكبوس، تعيق الظروف الخاصة التي تنشأ على السطح الخارجي للجبنة تطوّر معظم أنواع البكتيريا والعفن وتُهيئ الأرضية لترعرع بكتيريا B. Linens، وهذا ما نريده. عندما تستوطن هذه البكتيريا على السطح الخارجي للجبنة، هي وبعض أنواع الخميرة والعفن، تقوم بتحليل الزلاليات (البروتينات) والدهنيات، التي تُعتبر مُركّبات رئيسية في الأجبان، وتحولها إلى جزيئات أصغر، تصدر منها روائح شديدة وتُكسِب الجبنة مذاقًا قويًّا، حارًّا ومميَّزًا.

إن التركيبة الدقيقة للمحلول الذي تُغسل به الجبنة، ومٌُدَّة تعتيقها، يُحَدِّدان  أيةَ جبنة سنحصل عليها، ولكن ما يميز غالبيّة هذه الأجبان هو ما يشبه الغشاء القاسي الذي يوجد في داخله جبن سائل تقريبًا  يُشبه في ملمسه جبنة البري أو جبنة الكممبير. 

إحدى المواد المسؤولة عن الرائحة الشديدة للأجبان المغسولة هي الحمض الأميني مِثيونين، الذي يشكّل إحدَى لَبِنات  الأساس في مبنى زلاليات الأجبان، وهو يحتوي على عنصر الكبريت. تقوم بكتيريا B. Linens بتحليل المثيونين إلى مركّبات كبريتية مثل الميثان - ثيئول، ثنائي ميثيل - الكبريت، وثنائي ميثيل - ثلاثي الكبريت. هذا، بالمُناسَبة، هو  مصدر التشابه بين رائحة الأجبان وبين الروائح المنبعثة من حمّامات الحمّة السورية: مياه عيون الحمة السورية، أيضًا، غنيّةٌ بالكبريت.

 

جوارب برائحة الجبنة 

وماذا عن  الجوارب؟ في جسم الإنسان بعض الأماكن التي توجد فيها ظروف تُذكِّر بالسطح الخارجي للأجبان المغسولة. تتكوّن تحت الإبطين وفي كفات القدمين بيئة محيطة رطبة ومالحة توفِّرُ  أرضًا خصبة لتكاثر البكتيريا. من بين هذه البكتيريا تلك المسمّاة B. Epidermidis وتوجد لها صلة قرابة بـِ B. Linens. تتغذى بكتيريا القدمين على الزلاليات والدهنيات الموجودة في جلد الإنسان وتُطلق مركّبات كبريتية مشابهة لتلك التي تُنتجها بكتيريا B. Linens عندما تُحلّل زلاليات الجبنة. 

إذا كان ذلك كريهًا  لهذه الدرجة، لماذا يُحِبُّ  الناس، على الرَّغم من ذلك، أكل الأجبان ذات الرائحة الكريهة؟  في مقطع الفيديو المرفق نشاهد أشخاصًا من شركة "سانت جيمس" يشرحون: "توجد  أجبان عندما نشمّها نتساءَل كيف يمكن لأحدٍ أن يأكل شيئًا كهذا؟'، لكن، كلما كُنَّا  بجانب هذه الأجبان لمدة أطول، تغيّرموقفنا واعتقدنا أن الأمر ليس مخيفًا لهذه الدرجة، وعندها سنكون مُتحمِّسين لأكل الجبنة وسوف نحب مذاقها الرائع،  وكلما كان الطعم أطيب، ازدادت رغبتنا في أكلها . 

يعرض جيمس وونغ تفسيراً علميًّا لهذا اللغز: "عندما نأكل الجبنة كريهة الرائحة تنتشر جزيئات الرائحة داخل الفم وتصل إلى القسم الخلفي من الأنف. هناك يتم استيعابها عن طريق مُستَقبِلات الرائحة ذاتها، لكن، يقوم المخ، بشكل غريب، بترجمتها بصورة مختلفة عما لو تم استيعابها  مباشرةً عن طريق الجزء الأمامي من الأنف". هذه الظاهرة تُسمّى "الشمّ الخلفي"، وفي نطاقها يقوم المُخ بدمج الرائحة الشديدة مع المذاق الطيب للجبنة، الموجود على مُستقبِلات الطعم في اللسان. يوجد لهذا الدمج تأثير كبير على الطريقة التي نختبر بها طعم الجبنة. 

 
 
 
 
الترجمة للعربيّة: خالد مصالحة
التدقيق اللغوي: خالد صفدي
التدقيق العلمي: رقيّة صبّاح
 
 
 

0 تعليقات