تبيّن أنّ وسائل الوقاية ضدّ COVID-19 قد أدّت، أيضًا، إلى انخفاض انتشار الإنفلونزا في الفصول الباردة في النّصف الجنوبيّ من الكرة الأرضيّة. نأمل أن يحدث هذا ببلادنا أيضًا!

أعلنت منظّمة الصّحّة العالميّة في نهاية شهر آب د أنّ عام 2020 يشهد انخفاضًا ملحوظًا في انتشار الإنفلونزا في النّصف الجنوبيّ من الكرة الأرضيّة،  مقارنة بفصل الشّتاء في السّنوات الماضية. يُعزى هذا الانخفاض المفاجئ بشكل أساسيّ إلى وسائل الوقاية الّتي تستعملها معظم دول العالم ضدّ فيروس كورونا المستجدّ SARS-CoV-2المسبّب لوباء COVID-19. هل يمكن توقّع حصول هذا الانخفاض في إسرائيل في الشّتاء القادم أيضًا؟

تتسبّب الإنفلونزا جرّاء ثلاثة أنواع رئيسيّة من الفيروسات، أوّلها (النوع A) وهو الأكثر شيوعًا وخطورة. يمكن أن يصاب الإنسان بالفيروس عندما يتعرّص لمرضى آخرين أو لحيوانات مصابة بالفيروس - خاصّة الطّيور والخنازير. يتعافى المريض عادةً خلال أسبوع تقريبًا، أمّا الفئات المعرّضة لخطر الإصابة، مثل النّساء الحوامل، البالغين فوق سنّ ال 65 عامًا، المرضى المزمنين والأطفال، فقد يعانون من مضاعفات تشكّل خطرًا على حياتهم وتتطلّب العلاج.

 

الإنفلونزا مقارنةً بالكورونا

ينتقل فيروس الإنفلونزا وفيروس SARS-CoV-2 من شخص إلى آخر بنفس الطّريقة. تنتشر العدوى عندما يتنفّس الشّخص شظايا لعابيّة تحتوي على جزيئات الفيروس، انبعثت من مريض في محيطه. بما أنّ هذا اللّعاب ينتشر بالأساس من خلال السّعال أو العطس، فإنّ خطر الإصابة بالعدوى يقتصر عادةً على مسافة مترين من المريض - المسافة القصوى الّتي تصل إليها شظايا اللّعاب. يبدو أنّه من الممكن الإصابة بكلا المرضين، أيضًا، عند لمس أسطح عليها قطرات لعاب مصابة بالفيروس ومن ثم إدخال اليد الملامِسة للفيروس للفم، الأنف أو العينين. يصمد فيروس الكورونا أكثر وقتًا  خارج الجسم من فيروس الإنفلونزا، ويمكن أن يعيش على أسطح زجاج أو خشب حتّى خمسة أيّام، في حين أنّ فيروس الأنفلونزا لن يصمد إلّا لبضع ساعات.

تتشابه أعراض المرضين إلى حدّ كبير وتشمل الحمّى، وجعًا  في العضلات، السّعال، سيلان الأنف، فقدان الشّهيّة والإعياء. في الحالات الأكثر حرجة، يمكن أن يتسبّب التهاب رئويّ يشكّل خطرًا على حياة المريض. يمكن أن يؤدّي فيروس الكورونا، أيضًا، إلى مضاعفات أكثر خطورة، مثل متلازمة الضّائقة التّنفسيّة الحادّة Acute respiratory distress syndrome -‏ ARDS، الفشل الكلويّ وإصابة في الدّماغ.

من بين الفروق الملحوظة بين الفيروسين  مدّة الحضانة، أي الفترة بين الإصابة بالفيروس وظهور الأعراض. خلال فترة الحضانة لا يعاني المريض من أعراض المرض، ولكنّه  بعد مرحلة ما يمكنه أن يصيب الآخرين بالعدوى. فترة حضانة فيروس الإنفلونزا قصيرة نسبيًّا وتستمرّ حتّى معدّل أربعة أيام. أمّا معدّل ​​فترة حضانة فيروس الكورونا فهو خمسة أيّام، ولكنّها يمكن أن تستمرّ حتّى أسبوعين، يمكن أن يشعر المصاب خلالها سليمًا ولكنّه قد يصيب أشخاصًا آخرين.

 נגיפים הגורמים למחלות במערכת הנשימה ובמעי | איור: Kateryna Kon / Science Photo Library
يمكن أن يسبّب كلّ من فيروس الإنفلونزا وفيروس الكورونا التهابًا  في الرّئتين يشكّل خطرًا على حياة المريض. الفيروسات المسبّبة لأمراض في الجهاز الّتنفسيّ والأمعاء | رسم توضيحيّ: Kateryna Kon / Science Photo Library

من بين الاختلافات الملحوظة الأخرى  معدّل عدد الأشخاص الّذين يصيبهم الشّخص المريض بالفيروس ​​في حالة عدم وجود مؤثّرات أخرى،  ويُسمّى، أيضًا، عدد التّكاثر الأساسيّ (R0 .(R0 للإنفلونزا هو 1.3، أي أنّ الشّخص المريض يصيب بالمعدّل  شخصًا- شخصين، وثلاثة أشخاص يصيبون أربعة مرضى جدد. أمّا R0 لفيروس الكورونا فهو حوالي 2.5 إلى 3 وحتّى أكثر. أي أنّ فيروس الكورونا معدٍ  أكثر من  ضعفَيْ قدرة إعداء فيروس الإنفلونزا، وينتشر بسهولة إذا لم يلتزم المصاب بالحجر الصّحّيّ،  ولم يتّخذ وسائل الوقاية مثل قناع الفم والأنف.

هذا العدد مهمّ جدًّا. إذا تابعنا عشر دورات في سلسلة العدوى للفيروسين، سنكتشف أنّ فيروس الإنفلونزا يصيب 56 مريضًا جديدًا فقط، بينما يصل SARS-CoV-2 إلى 15,893 شخصًا. يتأثّر R0 بشكل كبير بوتيرة الاتّصال بين الأشخاص ومن عوامل بيئيّة أخرى، ولهذا قد يختلف بين الدّول وبين فئات سكّانيّة مختلفة.

الفرق الثّالث بين الفيروسين هو احتمال دخول المستشفى بسبب المضاعفات. حوالي %2 من مرضى الإنفلونزا  يحتاج سنويًّا إلى تلقّي العلاج في المستشفى، بينما احتمال دخول مرضى الكورونا إلى المستشفى يقدّر بحوالي %20-30. بالتّالي، فإنّ نسبة الوفيات  جرّاء COVID-19 أعلى بكثير من الإنلفونزا، ووفقًا للتّقديرات الحاليّة، تبلغ نسبة الوفيات  من بين مجمل عدد المشخّصين حوالي %3.4 أو %1-0.5 عند الأخذ بعين الاعتبار نسبة المصابين غير المشخّصين  العالية. أمّا نسبة الوفيات  جرّاء الإنفلونزا  فتبلغ أقلّ من %0.1 من المشخّصين. بالأرقام، يلقى كلّ عام 650-300 ألف شخص مصاب بالإنفلونزا حول العالم حتفه. مرّت حوالي ثمانية  أشهر منذ تفشّي فيروس الكورونا المستجدّ في أواخر كانون الأوّل 2019، وتوفّي حتى الآن أكثر من 900 ألف شخص.

 

 

اِنخفاض المراضة في فصل الشّتاء

بما أنّه لم يكتمل بعد تطوير التّطعيم ضدّ الكورونا، وبحسب معرفتنا لا يوجد أيّ شخص محصّن ضدّ الفيروس، فإنّ الطّريقة الأنجع للحدّ من انتشار المرض هي عزل المرضى، وكلّ من كان على اتّصال معهم. اِتّخذت الدّول المختلفة خطوات أخرى لإيقاف سلسلة العدوى، مثل واجب وضع القناع، حظر التّجمهر، إلغاء المناسبات الجماعيّة، وإغلاق الأماكن العامّة المكتظّة. يُعتقد أنّ هذه الإجراءات الوقائيّة الّتي اتّخذت  ضدّ انتشار فيروس الكورونا أجدت نفعًا، أيضًا،  في الحدّ من الإصابة بالأمراض المُعدية الأخرى في جهاز التّنفّس، بما في ذلك الإنفلونزا.

طرأ في النّصف الجنوبيّ للكرة الأرضيّة، حيث فصل الشّتاء على وشك الانقضاء، في الأشهر الأخيرة انخفاض ملحوظ في نسبة الإصابات بالإنفلونزا مقارنةً بالسّنوات الماضية. عند مقارنة نسبة الإصابة بالإنفلونزا في شتاء 2019 و2020 في الدّول الّتي فيها فصل الشتاء بين الأشهر أيّار وأيلول، فإنّ الفرق ملحوظ للغاية. 

في أستراليا، مثلًا، أُحصي حوالي 132 ألف مريض بالإنفلونزا و 430 حالة وفاة في عام 2019. هذا الشّتاء، انخفض عدد المرضى إلى 21 ألف فقط، توفّي منهم 36 فقط. وفقًا لأقوال بن مارايس (Marais)، خبير في الأمراض المعدية في جامعة سيدني وطبيب أطفال في مستشفى Westmead في أستراليا: "عدد المصابين بالأمراض الفيروسيّة هذا العام منخفض بشكل خاصّ. عادةً في مثل هذا الوقت من السّنة، تمتلئ بالكامل جميع أقسام الأطفال في المستشفى بالمرضى، وهذه السّنة هي خالية من المرضى".

شهدت دول أخرى، أيضًا، في النّصف الجنوبيّ للكرة الأرضيّة، مثل جنوب أفريقيا، الأرجنتين وتشيلي، انخفاضًا كبيرًا في انتشار مرض الإنفلونزا هذا الشّتاء. كان عدد الإصابات  عام 2019 أعلى بعشرات الآلاف وأكثر من شتاء عام 2020.

 

 נגיף חדש נוצר לאחר ששני נגיפים הדביקו חזיר | איור: Russell Kightley / Science Photo Library
يغيّر فيروس الإنفلونزا شكله بشكل دائم. تكوّن فيروس جديد بعدما أصاب فيروسان خنزيرًا   | رسم توضيحيّ: Russell Kightley / Science Photo Library

 

ماذا ينتظرنا؟

الأخبار السّارة هي أنّه من المتوقّع في إسرائيل، أيضًا، أن يطرأ انخفاض كبير في عدد المصابين بفيروس الإنفلونزا هذا الشّتاء، بفضل القيود الّتي فُرضت جرّاء وباء الكورونا مثل حظر التّجمهرات، التّباعد الاجتماعيّ وواجب وضع الأقنعة في الأماكن العامّة. هذه أخبار جيّدة لباقي الدّول في النّصف الشّماليّ  للكرة الأرضيّة أيضًا. تشير تقارير أوّليّة من كندا إلى انخفاض ملحوظ في عدد المصابين بالإنفلونزا مقارنة بالفترة الموازية في السّنوات السّابقة.

على الرّغم من التّأثير  الأكبر للإنفلونزا، من بين باقي الأمراض في الشّتاء، على جهاز الصّحّة، فهي ليست المرض الوحيد. بالإضافة إلى انخفاض نسبة الإصابة بالإنفلونزا، يبدو أنّ انتشار أمراض معدية أخرى آخذ بالانخفاض أيضًا. أبلغت الصّين عن تفشّي فيروس الكورونا لأوّل مرّة في أواخر شهر كانون الأوّل عام 2019 وسرعان ما فرضت عمليّات إغلاق وقيودًا أخرى على الحركة والتّجمهرات. بفضل ذلك، أبلغوا مؤخّرًا في الصّين  عن انخفاض كبير في نسبة الإصابة بمرض النّكاف الفيروسيّ Mumps (بحوالي %70) والحصبة  Measles (بحوالي %90) مقارنةً بفترة موازية من العام الماضي. اِنخفض، أيضًا، عدد  المصابين بالتهاب كبديّ فيروسيّ  بنسة تصل إلى %20 مقارنةً بعام 2019.

 

التّطعيم ضدّ الإنلفونزا

يهاجم فيروس الإنفلونزا الكثير منّا بشكل خاصّ خلال فصل الشّتاء. تشير التّقديرات إلى أنّ %9 من سّكّان العالم يصابون بالفيروس سنويًّا، أي حوالي مليارد مريض. يصاب في إسرائيل %30-20 من الأطفال، 

و %15-5 من البالغين بالفيروس كلّ عام. كما ذكرنا، من المتوقّع أن تشهد هذه السّنة انخفاضًا في نسبة الإصابات، ولكن من الجدير بالذّكر أنّ الحلّ الأنجع  للوقاية من العدوى هو التّطعيم ضدّ الإنفلونزا كلّ عام. عندما نتلقّى التّطعيم فإنّنا نحمي أنفسنا، بيئتنا وأفراد أسرتنا، وبهذا نوقف سلسلة العدوى.

عندما يغزو فيروس الإنفلونزا أجسامنا، يعمل جهاز المناعة على إنتاج خلايا دم بيضاء معيّنة  ضدّه، ويتحوّل بعضها إلى "خلايا ذاكرة" جاهزة للتّكاثر والهجوم على الفيروس إذا غزا الجسم مرّة أخرى. في التّطعيم يتمّ حقن الفيروس بصورته غير المسبّبة  للمرض، وأحيانًا يتمّ إدخال أجزاء من غشائه فقط،  لتمكين جهاز المناعة من بناء ذاكرة مناعيّة والتّعامل مع المسبّب الحقيقيّ للمرض عند الإصابة به. يجب تلقّي التّطعيم كلّ سنة من جديد، لأنّ الفيروس يتغيّر بشكل دائم، ولذلك يجب أنّ يتعرّف جهاز المناعة على سلالات الفيروس الجديدة أيضًا.

وفقًا لتقرير صادر عن وزارة الصّحّة، في شتاء 2018/2019 تلقّى حوالي 1.75 مليون شخص في إسرائيل تطعيمًا ضدّ الإنلفونزا- حوالي خمس سكّان الدّولة.  سوف يتمّ تلقّي تطعيم الإنفلونزا هذا العام ابتداءً من تشرين الأوّل 2020. توصي وزارة الصّحّة بالتّطعيم، وتخطّط حتّى لزيادة عدد جرعات التّطعيم، بهدف التّقليل من عدد مرضى الإنفلونزا بشكل أكبر، وبالتّالي تقليل العبء على المستشفيات الّتي تواجه (تستقبل) عددًا كبيرًا من مرضى الكورونا.

 

 

الترجمة للعربيّة: د. ريتا جبران
التدقيق والتحرير اللغوي: د. عصام عساقلة
الإشراف والتحرير العلمي: رقيّة صبّاح أبو دعابس

0 تعليقات