هل هناك حقًّا مادّة مظلمة في الكون، والتي يظهر وجودها لنا فقط من خلال حركة الأجسام الأخرى؟ غير مؤكّد!

في سنة 1933م قاس عالم الفلك السويسري فريتز زفيكي (Zwicky) سرعة حركة الأجسام المضيئة في عناقيد المجرّات، واكتشف تناقضًا بين ما كان متوقعًا وفّقًا لقوانين الفيزياء وبين المراقبة الفعليّة. أدّت هذه المراقبة إلى فرضيّة حول وجود المادّة المظلمة - مادّة موجودة في جميع أنحاء الكون، لكن لا يمكن رؤيتها لأنّها لا تبعث أو تبتلع الإشعاع الكهرومغناطيسيّ. اليوم، بعد مرور عشرات السنين من المراقبات وتحسين النظريّة، هناك إجماع في المجتمع العلميّ على أنّ المادة المظلمة والطاقة المظلمة تشكّلان حوالي 85 في المئة من إجمالي المادّة في الكون، أي حوالي خمسة أضعاف من كمّيّة المادّة العاديّة التي نعرفها ونراها. لكن هناك أيضًا فيزيائيّون قد اقترحوا فرضيّات أخرى، والتي تشرح هذه المراقبات دون افتراض وجود مادّة غامضة لا يمكن رؤيتها. في سنناقش هذه المقالة الفرضيّة الأبرز فيما بينها، نموذج يسمّى الديناميات النيوتونية المعدلة (MOND ,Modified Newtonian Dynamics).

פריץ צוויקי | מקור: Science Photo Library
أدّت المراقبات التي قام بها إلى فرضيّة حول وجود المادّة المظلمة. فريتز زفيكي | المصدر: Science Photo Library
 

حسابات متضاربة

جاءت أوّل وأقوى الدلائل على وجود المادّة المظلمة، من التقليل من قدر كتلة الأجرام السماويّة. كيف يمكن تقدير كمّيّة الكتلة في جرم سماويّ؟ لنفترض أنّنا نشاهد السماء من خلال التلسكوب، وننظر إلى عناقيد المجرّات. إذا كان تلسكوبنا جيّدًا بما فيه الكفاية، يمكننا رؤية العديد من النقاط الساطعة: تسطع المجرات والنجوم في عنقود. وفقًا لحجم النقاط ولونه، يمكننا الوصول إلى تقدير قريب لكتلة الأجسام التي تمثّلها. هناك طريقة أخرى لتقدير كتلة الأجسام وهي قياس سرعة حركتها وتسارعها، وبمساعدة قوانين الفيزياء لاستنتاج الكتلة المناسبة للحركة بهذه السرعة والتسارع. أجرى زفيكي هذه المقارنة في عنقود المجرّات كوما (Coma)، ورأى أن النتيجتين غير متطابقتين!

بعد حوالي ثلاثين عامًا، قامت عالمة الفيزياء الفلكية الأمريكية فيرا روبين (Rubin)، بفحص سرعة دوران النجوم حول مراكز المجرّات التي تنتمي إليها. تجذب الكتلة الموجودة في وسط المجرّة النجوم الموجودة حول المجرّة وتسرع من حركتها. وفقًا لقوانين نيوتون، نتوقّع أن نجد أنّه كلّما كان النجم بعيدًا عن مركز المجرّة، ستكون سرعة دورانه أبطأ. فحصت روبن هذه النتائج، والتي تسمّى أيضًا منحنيات الدوران، واكتشفت أنّ سرعة الدوران تظلّ ثابتة حتّى على مسافات كبيرة من مركز المجرّة.

أدّت هاتان الدراستان بالباحثين إلى استنتاج مفاده أنّه لا بدّ من وجود كتلة ناقصة، وقاموا لسنوات عديدة بتزويد أقوى الدلائل على وجود المادّة المظلمة.

משוואות המכניקה הקלאסית | Lia Koltyrina, Shutterstock
لا تملك قوانين نيوتون القدرة على شرح نتائج فيرا روبين وفريتز زفيكي وهناك حاجة إلى تفسير آخر. معادلات الميكانيكا الكلاسيكية | Lia Koltyrina, Shutterstock
 

هل الحلّ موجود في التسارعات المنخفضة؟

نُشرت الصيغة الأولى من فرضية MOND في سنة 1983م من قبل مردخاي ميلغروم من معهد وايزمان للعلوم. افترض ميلغروم أنّه إذا قمنا بتغيير قوانين نيوتون، لوصف سلوك المادة عند التسارعات المنخفضة بشكل مختلف، فيمكننا تفسير نتائج زفيكي وروبن بدون المادة المظلمة. مع ذلك، نحن نعلم أن قوانين نيوتون توفر تنبّؤات ممتازة في معظم الحالات، لذا فإنّ التعديلات التي اقترحتها MOND يجب أن تحافظ على دقة قوانين نيوتون في هذه الحالات. لهذا السبب، تمّت صياغة MOND بحيث أن تكون التسارعات بالأحجام التي نواجهها في الحياة اليوميّة، تعطي الحسابات وفقًا لـ MOND نفس النتائج تمامًا مثل الميكانيكا الكلاسيكيّة التي طوّرها نيوتون. من ناحية أخرى، عند التّسارعات المنخفضة، كما سوف نقيس في حركة الأجرام السماويّة في المجرّات وعناقيد المجرّات، تكون النتائج مختلفة تمامًا - على الرغم من اختلاف التفاصيل بين الإصدارات المختلفة للفرضيّة. اتّضح أنّه بالإضافة إلى الكتلة المفقودة المفترضة في عناقيد المجرات وسرعات الدوران الأعلى من المتوقّع، يمكن لـ MOND تفسير العديد من المراقبات الأخرى، التي تراكمت على مرّ السنين والتي اعتبرت دليلاً على وجود المادّة المظلمة.

צביר הקליע | מקור: NASA Collection, Science Photo Library
توضّح مراقبة أجريت في سنة 2006م ضعف نموذج MOND. تجمّع الطلقة | المصدر: NASA Collection, Science Photo Library

 

رصاصة قاتلة

مع ذلك، فإنّ MOND ليس نموذجًا مقبولًا في المجتمع الفيزيائيّ اليوم، لعدّة أسباب. أولاً، MOND ليست نظريّة نسبيّة، أي أنّها غير مناسبة لنظريّة النسبيّة الخاصّة والعامّة. علاوةً على ذلك، تمّت صياغة MOND لتناسب تنبّؤات معيّنة، لكن ليس لدينا طريقة لشرح سبب كون تصحيح MOND هو التعديل المناسب وليس فرضيّة أخرى ممكنة: ما هي المبادئ الفيزيائيّة العميقة التي تشتقّ منها MOND؟ بمعنى ما، ترتبط المشكلتان ببعضهما، واليوم هناك العديد من المقترحات لصياغة MOND على أساس المبادئ الفيزيائيّة المقبولة ووفقًا لنظرية النسبية.

وأخيرًا، لا تشرح MOND جميع المراقبات التي تُعتبر دليلًا على وجود المادّة المظلمة. قد تفسّر المادة المظلمة بصورة جيّدة الأنماط الموجودة في إشعاع الخلفيّة الكونيّة، في حين أنّه من الصعب جدًّا تفسير هذه الظاهرة باستخدام MOND. كما يبدو أنّ MOND فشلت في شرح كلّ الكتلة المفقودة في عناقيد المجرّات، والمثال الواضح على ذلك هو مراقبة منذ سنة 2006م لتجمّع الطلقة (Bullet Cluster). لتجمّع الطلقة شكل فريد وغريب، ويظهر تحليلها أنّ معظم الكتلة موجودة في مكان لا توجد فيه مادّة عاديّة على الإطلاق. MOND غير قادرة على شرح هذه المراقبة. يعتقد العديد من الفيزيائيّين أنّه إذا فشلت MOND في تجنّب الحاجة إلى المادّة المظلمة، لكن المادّة المظلمة يمكن أن تتجنّب MOND، فليس من المؤكّد أنّ MOND فرضيّة مفيدة.

 في الختام، MOND هي فرضيّة تضيف إلى قوانين نيوتون تعديلًا يسمح بتفسير الظواهر الفيزيائيّة الفلكيّة غير العاديّة، دون الحاجة إلى المادّة المظلمة. حقّقت MOND العديد من النجاحات في وصف الظواهر السماويّة بدون المادّة المظلمة على الإطلاق، ونجاحًا جزئيًّا فقط في شرح الظواهر الأخرى. لهذه الأسباب، فإنّ MOND ليست موجودة حاليًّا في قلب الإجماع العلميّ، وليست النظريّة المقبولة من قبل مجتمع الفيزيائيين. على الرغم من ذلك، فإنّ دراسة MOND مستمرّة، ويتمّ نشر دراسات كلّ عام تظهر أن الإصدارات المختلفة من MOND تمكّنت من شرح الملاحظات غير العادية التي لا تستطيع النماذج الأخرى تفسيرها.

 

استجابة واحدة

  • 🦂

    كل الاحترام رائع