بغضّ النّظر عن غرابتها، إلّا أنّنا نجدها في كلّ مكان حيث نلتفت، من الضّوء واللّون، إلى التّصوير الطّبّيّ حتّى الإلكترونيّات الأساسيّة: إنّها ميكانيكا الكمّ، الّتي على الرّغم من كونها "عجيبة" إلّا أنّه قد أصبح لديها العديد من التّطبيقات في حياتنا اليوميّة حاليًّا
ميكانيكا الكمّ هي نظريّة عجيبة وغامضة، إذ ليس للأشياء في عالمها موقع محدّد، تتحوّل الأمواج فيها إلى جسيمات والعكس صحيح، كما يمكن تغيير خصائص الجسم بمجرّد النّظر إليه. إنّها غريبة وعجيبة إلى درجة نكاد نجزم أنّها لا تنتمي إلى عالمنا هذا، إلّا أنّ حدسنا هذا لا يقرُب للواقع بصلة، فعالمنا مليء بالظّواهر الكمّيّة، الّتي تشكّل أسس الطّبيعة الّتي نعيش فيها والعديد من التّكنولوجيّات الّتي تخدمنا.
لقد سبق وخضنا في المبادئ الأساسيّة لميكانيكا الكمّ في مقالات سّابقة. تصف النّظريّة عالم الجزيئات الصّغيرة جدًّا أو الخفيفة جدًا، مثل الذّرّات، الإلكترونات والضّوء. في العالم الكمّيّ تعمل الخصائص الّتي تصف حالة الجسم الفيزيائيّ، مثل الموقع أو السّرعة، بشكل مختلف عمّا عهدنا، فتارة تسلك هذه الجزيئات الصّغيرة سلوك الجسيمات، أي سلوك المادّة الّتي تتحرّك في الفضاء، وتارة أخرى سلوك الموجة، أي انتشار الجزيئات في الفضاء دون أن تتحرّك المادّة من مكانها، مثل ارتفاع وانخفاض الموج على سطح الماء. من المعتاد النّظر إلى الإلكترونات كجسيمات مادّيّة، وكضوء فوق موجيّ، ولكن ميكانيكا الكمّ تبيّن لنا أنّ الواقع أكثر تعقيدًا، فهي تُظهر أنّ للإلكترونات خصائص الموجة وخصائص الضّوء المركّب من جزيئات (جُسيمات) تُسمّى الفوتونات. يُطلق على هذه الخاصّيّة اسم اِزدواجية الموجة - الجسيم .
تسري قوانين ميكانيكا الكمّ على جميع الأجسام في الكون، ولكنّها ملموسة فقط في حال الأجسام الخفيفة أو الصّغيرة جدًّا. أمّا الأجسام الّتي نواجهها في حياتنا اليوميّة، مثل المسامير، الصّخور، والبشر، فهي تحتوي على عدد ضخم من الذّرّات، وهي لذلك ثقيلة جدًّا بالنّسبة لميكانيكا الكمّ، وتبعًا لذلك تضعف الآثار الكمّيّة في هذا الأجسام الاعتياديّة بشكل كبير ولا تكاد أن تكون محسوسة. من ناحية أخرى، تمتثل الذّرّات الفرديّة، الإلكترونات، أو الفوتونات لتأثيرات ميكانيكا الكمّ بحساسيّة عالية. حتّى نعثر على الظّواهر الّتي تظهر فيها الآثار الكمّيّة، يجب علينا البحث عن الظّواهر الّتي تتأثّر بحركة جزيئات الكمّيّة أمثال جزيئات الضّوء، الإشعاع، أو التّدفّق الكهربائيّ للإلكترونات في المادّة.
بلّورات نانويّة لموادّ فائقة التوصيل تشعّ فوتونات جرّاء تحفيزها. يمكن استخدامها في تطبيقات عدّة مثل مصابيح الLED, الحواسيب، والألواح الشّمسيّة. | المصدر: Thomas Deerinck, Science Photo Library
الطّبيعة الكمّيّة للضّوء واللّون
عندما نرى كرة حمراء، على سبيل المثال، فإنّ ما نراه حقًّا هو أشعّة الضّوء ذات الطّول الموجيّ ( 0.0007 مليمتر تقريبًا) المطابق للّون الأحمر المنعكس من الكرة إلى أعيننا. تتعرّف مستقبلات ضوئيّة في أعيننا على هذا الطّول الموجيّ، فيترجم دماغنا هذه الإشارات الّتي يتلقّاها منها ويخبرنا: "الكرة حمراء". لكنّ السّؤال المطروح هو: ما الّذي جعل الكرة تعكس أمواجًا بهذا الطّول الموجيّ بالتّحديد؟ إذ إنّ الشّمس الّتي تضيء الكرة ترسل إليها إشعاعًا كهرومغناطيسيًّا يتكوّن من جميع أطوال الموجات في نطاق الضّوء المرئيّ، فلماذا لا تعكس الكرة أشعّة ضوء بجميع الألوان أيضًا؟
تكمن الإجابة في ازدواجيّة الموجة - الجسيم: تتكوّن أمواج الضّوء من فوتونات تحمل كمّيّات متفاوتة من الطّاقة وتتحرّك بموجات بأطوال مختلفة. تصطدم هذه الفوتونات عند وصولها إلى الكرة الحمراء بالذّرّات الّتي تتكوّن منها الكرة، حيث تحتوي هذه الذّرّات على إلكترونات تحوم في مستويات طاقة محدّدة ومسموحة ( يُسمح للإلكترونات التّواجد فيها)، وفي حال كانت للفوتونات طاقة تتكافأ مع تلك الّتي تحتاجها الإلكترونات لمغادرة مستوى الطّاقة الّتي تتواجد به، ستمتصّ الإلكترونات الفوتون، وتنتقل بطاقته إلى مستوى طاقة أعلى. كما تستطيع الإلكترونات الاهتزاز أو الانتقال بين الذّرّات بهذه الطّريقة. وفي حال لم تتكافأ طاقة الفوتون مع طاقة الإلكترونات في المادّة، سينعكس الفوتون من المادّة، ليتّجه نحو أعيننا مثلًا.
وهكذا ندرك أنّ حُمرة الكرة تنشأ من خلال امتصاص الإلكترونات فيها للفوتونات صاحبة الطّاقة المناسبة للّون الأخضر أو الأزرق، على سبيل المثال، ولكن ليس الفوتونات ذات الطّاقة المناسبة للّون الأحمر. فما الّذي يحدّد أيّ فوتونات سيتمّ امتصاصها في الكرة وأيّها سيتمّ عكسها منها؟ هذا يعتمد بالفعل على التّكوين الدّقيق للذّرّات في المادّة. المغزى المركزيّ هنا هو النّظر إلى أمواج الضّوء أيضًا كجسيمات، أي كمقادير مستقلّة من الطّاقة. ولم يكن هذا المفهوم ممكنًا إلّا بفضل إزدواجيّة الموجة - الجسيم.
تستطيع إلكترونات الطابة الحمراء امتصاص طاقة الفوتونات التي لديها الطاقة الملائمة للون الأخضر أو الأزرق ولكن تعجز عن امتصاص طاقة الفوتونات الملائمة للون الأحمر | رسم: نوعا فلدمان
الانصهار النّوويّ في نواة الشّمس
يمكننا أيضًا اتّخاذ أشعّة الشّمس كأحد أبرز الظّواهر اليوميّة الّتي توضّح المبادئ الكموميّة. تزخر نواة شمسنا بذرّات الهيدروجين الّتي تتّسم كلّ منها بكتلة محدّدة بطبيعة الحال، وهناك، في عمليّة تعرف بالاندماج النّوويّ، تتحوّل كتلة الأربع ذرّات هيدروجين إلى ذرّة هيليوم واحدة. تنصّ مبادئ النّظريّة النّسبيّة على أنّ الكتلة والطّاقة تتكافآن، أي أنّه يمكن اعتبار كتلة ذرّة الهيدروجين كمقدار محدّد من الطّاقة، بالتّالي وعند حدوث عملية الاندماج النّوويّ في نواة الشمس تتحوّل كتلة وطاقة ذرّات الهيدروجين سويًّا إلى ذرّات هيليوم. ونظرًا إلى أنّ كتلة ذرّة الهيليوم الّتي تنتج من الاندماج النّوويّ أقلّ قليلًا من مجموع كتلة ذرّات الهيدروجين الّتي أنشأتها، فهذا يعني أنّ طاقتها أقلّ هي الأخرى، وتبعًا لذلك من الطّبيعيّ أن تُطلق الكتلة/الطّاقة الزّائدة في الفضاء، وهي حقًّا تنبعث من الشّمس فتصلنا وتمدّنا بالضّوء والحرارة.
على الرّغم من أنّ ذرّة الهيليوم الّتي تنتج من الاندماج النّوويّ تحتوي على طاقة أقلّ من مجموع ذرّات الهيدروجين الّتي أنشأتها، فإنّ فارق الطّاقة ليس كبيرًا بما يكفي لينشئ زخمًا يعزّز الاندماج النوويّ، الّذي يتطلّب استثمار المزيد من الطّاقة لهذا الغرض. هذا الوضع يشبه الدّفع الخفيف للكرة لتجاوز الحاجز الذي يقف في طريقها حتّى تتمكّن من الانزلاق نحو النّقطة الأدنى في مسارها المستمرّ (اُنظر الرّسم التّوضيحيّ أدناه).
اِستنادًا إلى هذه المعطيات، توقّع الفيزيائيّون أنّهم سيتمكّنون من حساب كمّيّة إشعاع الشّمس من خلال درجة حرارتها، فإذا ما تمكنّا من حساب كمّيّة الطّاقة الموجودة في الشّمس من خلال حرارتها فسوف نستطيع بالتّأكيد اكتشاف وتيرة عمليّات الاندماج النّوويّ لنحسب كمّيّة الإشعاع المنطلقة من الشّمس. إلّا أنّ النّتيجة كانت مفاجئة، إذ تبيّن أنّ الشّمس تبثّ إشعاعًا بوتيرة وطاقة تفوق ما بيّنته الحسابات. بكلمات أخرى، تبيّن أنّ مقدار عمليّات الاندماج النّوويّة الّتي تحدث في الشّمس هو بالحقيقة أكبر بكثير ممّا قدّرته الحسابات، الأمر الّذي يتضارب مع الاعتقاد أنّه ليست هناك طاقة كافية فيها لدفع ذرّات الهيدروجين للاندماج.
لتوضيح هذا التّناقض سنلجأ مرّة أخرى ازدواجيّة الموجة - الجسيم. عندما تواجه جسيمات المادّة حاجزًا من الطّاقة فمن البديهيّ أنّها تحتاج إلى قدر محدّد من الطّاقة لتتجاوزه وإلّا فستظلّ عالقًة في مكانها. لا ينطبق هذا المنطق على الأمواج، حيث يمكنها، أو بالأحرى لجزيء صغير منها، تجاوز حواجز الطّاقة الّتي تتطلّب طاقة أعلى من طاقة الموجة، كأنّها نفذت عبر الحاجز من خلال نفق، فليس الأمر بالصّدفة أنّه تمّت تسمية هذه الظّاهرة بالنّفق الكموميّ.
تقوم الجسيمات الكموميّة، الّتي تصنّف على أنّها مزيج بين الجسيم والموجة، أيضًا بالتّنافذ الكموميّ، وبالتّالي تتجاوز حواجز الطّاقة باحتماليّة\نسبة معيّنة. أي أنّ هناك احتمالًا أن تخضع ذرّات الهيدروجين للاندماج النّوويّ حتّى بدون الزّخم الخارجيّ المطلوب للاندماج. تساعدنا ميكانيكا الكمّ، أو بالأحرى، الخاصّيّة الكمّيّة لازدواجيّة الموجة - الجسيم مرّة أخرى في فهم الواقع الّذي يحيط بنا. لاحظ أنّنا قد وضّحنا ظاهرة اللّون حيث نسبنا للضّوء خصائص الجسيمات في حين أنّه عادة ما يوصف بالموجة. أمّا في حال أشعّة الشّمس، فقمنا بنسب خصائص الموجات لذرّات الهيدروجين الّتي نتعامل معها عادة كجسيمات مادّة.
صورة 580_394j: تحتاج الطّابة إلى دفعة طفيفة حتّى تنتقل من وضعيّة الأساس إلى مستوى الطّاقة النّهائيّ عبر حاجز الطّاقة | رسم: نوعا فلدمان
ميكانيكا الكمّ والتّكنولوجيا: أسس الحوسبة
بفضل المعرفة الّتي اكتسبناها في ميكانيكا الكمّ، أتيح لنا استخدامها لتطوير العديد من الأدوات والتّطبيقات التّكنولوجيّة، فقد مكّنتنا ميكانيكا الكمّ من فهم طبيعة الموادّ، والتّيّار الكهربائيّ، والجزيئات المعقّدة بشكل أعمق وأفضل لم نعهده من قبل، وأتاحت لنا استخدامها لأغراضنا.
من أبرز الأمثلة على ذلك التّقدّم العلميّ التّكنولوجيّ الّذي شهده مجال أشباه الموصلات. أشباه الموصلات هي موادّ صلبة عازلة، أي أنّها تعجز عن إيصال تيّار كهربائيّ طالما يتمّ مدّها بجهد كهربائي ضعيف، ولكنّها تصبح موصلة للتّيّار بمجرّد أن يتجاوز الجهد الكهربائيّ حدًّا معيّنًا. في الحقيقة، تفرض الموادّ شبه الموصلة طبيعتها على الجهد الكهربائيّ، وتعمل كمفتاح كموميّ، فهي تحوّل حركة الجهد الكهربائيّ من حركة مستمرّة إلى حركة متقطّعة وتضبطها في حالتين متباينتين فقط: يوجد تيّار أو لا يوجد تيّار.
بفضل خاصّيّة المفتاح هذه، أصبحت الدّوائر الكهربائيّة المكوّنة من الموادّ شبه الموصلة تُعْتَمد بشكل أساسيّ في جميع الحواسيب والإلكترونيّات الشّائعة اليوم. فهذه الموادّ مكّنت وسهّلت عمليّة التّشفير من خلال حالتي إيصال المادّة حيث تعطى دائرة بدون تيّار الرّمز "0" والدّائرة الموصلة للتّيّار الرّمز "1". باستخدام هذين الرّمزين، 0 و 1، يتمّ تشفير/ ترميز جميع المعلومات الّتي تمرّ في الحاسوب أو تُخزن فيه. بالتّالي، ليست هناك غرابة في وجود التّرانزستورات الّتي تعتمد على الموادّ شبه الموصلة في كلّ قطعة تكنولوجيّة لدينا في المنزل أو في المكتب تقريبًا.
لكن مهلًا، ما هو التّيّار الكهربائيّ؟ تتكوّن المادّة من ذرّات، وتتكوّن كلّ ذرّة من نواة من البروتونات والنّيوترونات، محاطة بالإلكترونات الّتي تحوم حولها كأقمار صناعيّة. إذا زوّدنا الإلكترونات بقدر من الجهد ، سنتمكّن من فصلها عن النّواة وجعلها تتحرّك عبر المادّة مكوّنةً بالتّالي تيّارًا من الإلكترونات، أي تيّارًا كهربائيًّا. ترتبط الإلكترونات في الموادّ العازلة بشكل قويّ جدًّا بالنّواة، وتحتاج إلى جهد كبير جدًّا لفصلها عنها وإنشاء تيّار. أمّا في الموادّ الموصلة، فالوضع مغاير، حيث ترتبط الإلكترونات بالنّواة بشكل ضعيف ومن السّهل فصلها عنها. لكن هذا ليس كافيًا لشرح ماهيّة الموادّ شبه الموصلة، فالفيزياء الكلاسيكيّة تعجز عن شرح الانتقال الحادّ بين العزل والتّوصيل، وهذه هي بالضّبط الخاصّيّة الّتي نستفيد منها في الموصلات شبه الموصلة.
لذلك سنلجأ مرّة أخرى إلى ميكانيكا الكمّ أو بالأحرى إلى ازدواجيّة الجسيم - الموجة لنكمل شرح الموادّ شبه الموصلة. للأمواج خاصّيّة مهمّة تسمّى التّداخل، وهي تصف الطّريقة الّتي تتداخل بها عدّة أمواج معًا. يمكن أن يُنتج التّداخل بين الأمواج مجموعة من الأنماط استنادًا إلى الطّابع الدّوريّ للموجة، مثل نمط الخطوط المعروضة أدناه (اُنظر الرّسم).
بالرّغم من كون الإلكترونات جسيمات، إلّا أنّ الطّاقة المطلوبة لفصلها عن نواة الذّرّة تتصرّف كالموجة، وبالتّالي فإنّ لهذه الطّاقة (الموجة) نمطًا من الخطوط تُسمّى نطاقات الطّاقة، حيث تحتوي بعض هذه النّطاقات على الطّاقة الكافية لفصل الإلكترون، في حين لا تتمتّع النّطاقات الأخرى بالقدر نفسه ولن تنجح في فصل الإلكترونات. وفي حال خضوع المادّة لنطاق غنيّ بالطّاقة ستتحوّل بشكل حادّ من مادّة عازلة إلى موصلة، وهذا بالضّبط ما هو مطلوب للحصول على مادّة شبه موصلة.
تجربة الشّقّ المزدوج - ريثما نتوقّع الحصول على نمط معيّن (خطّين من الضّوء) على الشّاشة وفقًا للفيزياء الكلاسيكيّة، نحصل في الواقع على نمط من الخطوط المتعدّدة - الأمر الّذي تؤكّده الفيزياء الكمّيّة. | المصدر :grayjay, Shutterstock
الكمّ والتّكنولوجيا: التّوصيل بدون مقاومة
يوجد صنف آخر من الموادّ الّتي تتميّز بمستوى عالٍ من التّوصيل الكهربائي، ألا وهي الموادّ فائقة التّوصيل الّتي توصل التّيّار الكهربائيّ دون أيّة مقاومة، أي دون إضاعة أيّة طاقة. يتمّ استخدامها، من بين أمور أخرى، لإنشاء مجالات مغناطيسيّة قويّة جدًّا، في أجهزة التّصوير بالرّنين المغناطيسيّ (MRI) في المستشفيات مثلًا. يمكن أيضًا تحقيق الطّفو المغناطيسيّ باستخدام الموصلات الفائقة حيث يطفو المغناطيس في الهواء بثبات.
التّوصيل الفائق هو ظاهرة مدهشة جدًّا. تتحرّك الإلكترونات داخل المادّة لتواجه عوائق وتصادمات تؤدّي إلى فقدانها الطّاقة. بما أنّ وجود العقبات وعدم النّظام (الفوضى) هو الحال الطبيعيّة في أيّة مادة، فكيف يمكن للإلكترونات ألّا تفقد الطّاقة عندما تواجه هذه العقبات؟
تكمن الإجابة هنا، مرّة أخرى، في ازدواجيّة الجسيم - الموجة. تتحرّك الإلكترونات في الموصلات الفائقة كأزواج تُعرف بأزواج كوبر، الّتي تشكّل ما يشبه "سائل" الإلكترونات، أي حركة جماعيّة منتظمة للإلكترونات، وذلك على عكس التّوصيل العاديّ حيث يتحرّك كلّ إلكترون بشكل منفصل. تنتج عن هذا السّائل الإلكترونيّ حركة سلسة وانخفاض حادّ في التّصادمات مع المادّة يقلّص فقدان الطّاقة بشكل كبير، الأمر الّذي يجعل المادّة موصلة فائقة لا تفقد الطّاقة تقريبًا عندما يتدفّق من خلالها تيّار كربائيّ.
يتعذّر تفسير ظاهرة الأزواج من خلال التّجاذب الكهربائيّ بين الإلكترونات، علمًا بأنّ الشّحنات السّالبة تتنافر وتدفع بعضها البعض، لكن في حالة الأزواج تنجذب إلى بعضها البعض. المسؤولون عن تجاذب الألكترونات هم جزيئات (جسيمات) أخرى: هم الّذين ينقلون الصّوت داخل المادّة. هو صوت يمكن النّظر إلبه كموجة، يكون كجزيء يوصل بين إلكترونين ويسمح لهما بالحركة معًا.
هناك العديد من الأدوات التّكنولوجية الأخرى الّتي تدين بوجودها للمعرفة والفهم العميق الّذي اكتسبناه في ميكانيكا الكمّ. بينما يتيح لنا فهم العمليّات الكيميائيّة هندسة موادّ صناعيّة وأدوية، وكما يساعدنا فهم العمليّات الّتي تحدث داخل نواة الذّرّة في تطوير طرق لإنتاج الّطاقة، تتيح لنا دراسة الإشعاع تجنّب مخاطرها، ومن ناحية أخرى، توظيفها لعلاج الأمراض وما إلى ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، يتطوّر في السّنوات الأخيرة مجال تكنولوجيا حديث يستند إلى ميكانيكا الكمّ: الحوسبة الكمّيّة، الاتّصالات الكمّيّة، والاستشعار الكمّيّ. سوف تستخدم هذه التّكنولوجيّات مبادئ كمّيّة أخرى، بالإضافة إلى ازدواجيّة الموجة - الجسيم، ومن المتوقّع أن تنضج في غضون عقد أو اثنين. ولكن حتّى ذلك الحين، نحن بالفعل محاطون بالعديد من الظّواهر الطّبيعيّة والتّطبيقات الكموميّة في حياتنا اليوميّة.