تعهّدَ منظّمو المونديالِ في قطر أن تقفَ موازنةُ انبعاثِ مركّباتِ الكربون خلالَ دوري البطولة على الصِّفر. هل سينجحون في ذلك؟

يُعتبرُ فوزُ قطر في استضافةِ مونديالِ 2022م حدثًا تاريخيًّا؛ فهذه هي المرّةُ الأولى التي يُقامُ فيها المونديال في الشّرقِ المتوسط، في دولةٍ عربيّةٍ. كانت قطرُ سبّاقةً في تعهُّدِها أن تكونَ موازنةُ انبعاثِ مُركّباتِ الكربون خلالَ الحدثِ الضّخم صفرًا. فهل ستقدرُ على الإيفاء بهذا التّعهُّد؟ 

تَعدادُ الكربون

تتمُّ إعادةُ موازنةِ انبعاثاتِ غازاتِ الاحتباسِ الحراريّ، وفقًا لتصريحاتِ منظِّمي المونديال، على أربع مراحل: زيادة وَعي ذوي الشّأن للقضيّةِ المطروحة، واختبار العواملِ التي تُؤدّي إلى انبعاثِ غازاتِ الدَّفيئة، وتقليل انبعاثِ هذه الغازات، وتعويض ما تبقّى من الانبعاثاتِ. تكمنُ أهمّيةُ إعادةِ الموازنةِ في تقليصِ الأزمةِ المناخيّةِ، والإيفاءِ بالتّعهّدِ المناخيّ للاتّحادِ الدّوليّ لكرةِ القدم (الفيفا). 

قالَ المهندس عبدُ الرّحمن المفتاح (Al Miftah)، خبيرُ البيئةِ والاستدامة المُكلّفِ من قبلِ المنظّمين في قطر:

"انصبّت استعداداتُنا لفعالياتِ كأسِ العالمِ في كرةِ القدمِ على بناء إرثٍ دائمٍ ومستدام". وتابعَ قائلًا: "تُسهمُ مُبادراتُ الاستدامةِ التي قمنا بتطبيقِها في المشاريعِ المختلفةِ في الرُّؤيةِ الوطنيّةِ 'قطر 2030'، وتُؤثِّرُ إيجابيًّا في كيفيّةِ تنظيمِ الأحداثِ الرّياضيّةِ الكبيرة". 

يُقدّرُ المنظّمون أنّ كمّيةَ غازاتِ الدّفيئةِ التي ستنبعثُ خلال مبارياتِ كأسِ العالم، التي ستستمرُّ شهرًا كاملًا تُعادلُ 3.6 مليون طن من غاز ثنائي أكسيدِ الكربون، على الرّغمِ من الجهودِ المبذولةِ لتقليصِ الانبعاثات. تُعادلُ هذه الكمّيّةُ ما يُؤدّي نصفُ مليون إسرائيليّ إلى انبعاثِه من كربون خلال سنةٍ كاملة. ينجمُ نصفُ إجمالي الكمّيّةِ المنبعثةِ من غازاتِ الدفيئة عن الرحلاتِ الجويّةِ الدوليّة، التي ستُقِلُّ الأعدادَ الكبيرةَ من الزائرين المتوقّع حضورُهم المونديال. وينجمُ ربعُ الانبعاثِ عن بناءِ ثمانيةِ استادات ضخمةٍ وغيرِها من المباني، وينجمُ 20 بالمئةِ من الانبعاث عن توطينِ 1.5 مليون سائحٍ في الفنادق في قطر خلالَ البطولة. 

للمقارنة، قدّرت الفيفا أنّ البصمةَ الكربونيةَ لبطولةِ كرةِ القدمِ السّابقةِ التي أُجريت في روسيا في سنة 2018م، تُعادلُ 2.1 مليون طن من غاز ثنائي أكسيدِ الكربون، وانبعثَ حوالي 2.7 مليون طن منه خلالَ البطولةِ التي أجريت في البرازيل قبل ذلك بأربع سنين.

מטוס עם הלוגו של מונדיאל קטאר 2022 | צילום: Bradley Caslin, Shutterstock
ينبعث جزءٌ كبيرٌ من غازاتِ الدّفيئةِ من رحلاتِ الطّيران. في الصورةِ: طائرةٌ عليها شعارُ مونديال قطر 2022 | تصوير: Bradley Caslin, Shutterstock

التعويضُ الكربونيّ الكبير

تترتّبُ هذه الفجوةُ جزئيًّا عن أنّ قطرَ هي دولةٌ صغيرةٌ افتقرت للاستاداتِ والبنى التحتيّةِ، اللازمةِ لإقامةِ مثلِ هذا الحدثِ الكبير قبل فوزها في استضافته. أقيمت الاستاداتُ الضّخمةُ الفاخرةُ لألعابِ كأس العالمِ خصّيصًا، وقد لا تُستخدمُ بعد انتهائه. نَسبَ المنظّمون، على الرّغمِ من ذلك، ثُمنَ إجمالي غازاتِ الدّفيئةِ المنبعثةِ خلال بناءِ الاستاداتِ للألعابِ ذاتها فقط، أمّا الباقي فهم ينسبونه للاستخداماتِ المستقبليّةِ التي لا تُشكّلُ جزءًا من البطولةِ ومن بصمتها الكربونيّة. 

شكّكَ تحليلٌ مُستقلٌّ أُجريَ في الآونةِ الأخيرةِ في التقديرتِ التي تُقلّلُ من مقدارِ الانبعاثاتِ الكربونيّةِ، وعرضَ تقديرًا يزيدُ مليونَ طنٍّ من ثنائي أكسيد الكربون عل الأقلّ عن التّقديرِ الرّسميّ. لا تشملُ حساباتُ الانبعاث عمليّاتِ البناء المُلوِّثةِ التي بدأت في أنحاءِ البلادِ على نطاقٍ واسعِ، وشملت الفنادقَ والقطارَ تحت الأرضي والشّوارعِ وغيرِها، والتي يأملُ القطريّون الاستمرار في استخدامِها بعدَ انتهاء البطولة بشكلٍ مُكثّف. تزدادُ البصمةُ الكربونيّةُ نتيجةً لبعدِ قطر عن مراكزِ كرةِ القدم في أوروبا وجنوبِ أمريكا، الأمر الذي يستوجبُ قدومَ معظم الزائرين عبرَ رحلاتٍ جويّةٍ طويلة. 

يمكنُ تثبيتُ ثنائي أكسيدِ الكربون من الغلافِ الجوّيّ، أو تقليصُ الانبعاثِ في أماكنَ أخرى للتعويضِ عن أطنانِ غازاتِ الدفيئةِ، المنبعثة خلالَ المونديال لتتوازنَ الكمّياتُ، وتُصلُ نتيجةُ الموازنةِ إلى الصِّفر. يمكنُ تقليلُ كمّيّةِ ثنائي أكسيدِ الكربون في أماكنَ بعيدةٍ ورخيصةٍ، للتعويضِ عن الكمّياتِ المنبعثةِ في المونديال، لأنَّ هذا الغاز يختلطُ جيّدًا بالهواءِ في الجو. الفكرةُ بكلِّ بساطةٍ هي: يمكنك أن تدفعَ الأموال لمن يقومُ بتقليصِ الانبعاثاتِ الخاصّةِ به، مقابلَ أن يُحسبَ هذا التقليص في موازنةِ الانبعاثاتِ الخاصّةِ بك، في حالِ لم تنجح في تقليصِها بنفسِك. تقولُ أنيا كولموس (Kollmuss) السويسريّة، وهي مُحلّلةُ للسّياسات تُجري دراسةً حول التجارةِ في انبعاثاتِ غازاتِ الدّفيئة: "يمكنُ تقليلُ الانبعاثات في أيِّ مكانٍ على سطحِ الكرةِ الأرضيّة، واذا كانَ رصيدُك من المالِ محدودًا؛ فمن المنطقِ تقليلُ الانبعاثاتِ في المكانِ الأرخص". 

يُسمّى هذا الحسابُ "المُقايضة" أو "تعويض الكربون"، وهو ما يتيح مرونةً في تقليصِ انبعاثِ غازاتِ الدّفيئة في أنحاءِ العالم. يبلغُ حجمُ تداولِ مُبادلات (أو مقايضات) انبعاثاتِ الكربون في العالم حوالي مئة مليار دولار في السنة. تُموّلُ هذه الأموالُ مشاريعًا مختلفةً منها التّحوُّلُ إلى الطاقاتِ المتجدّدةِ وغرسِ الغاباتِ والمحافظةِ عليها وحرقِ الميثان، غاز الدّفيئة القويّ، قبل أن يصلَ إلى الغلافِ الجوّيّ.

האצטדיון האייקוני לוסייל, לוסייל, קטאר | צילום: Firas Abousido, Shutterstock
أقيمت الاستاداتُ الضّخمةُ والفاخرةُ للمونديال خصّيصًا وانبعثت كمّياتٌ كبيرةٌ من غازاتِ الّدفيئةِ خلال عمليةِ بنائِها. في الصورة: استاد لوسيل الأيقوني (الشّهير) في لوسيل، قطر | تصوير: Firas Abousido, Shutterstock

هُناكَ مجالٌ للشكّ!

تبدو فكرةُ مُبادلةِ الكربون سليمةً إلّا أنّ مشاكلَ كثيرةً قد تقفُ أمامَ تطبيقِها الفعليّ. تمَّ في دراسةٍ فحصُ مبادلاتِ كربون واسعةِ النّطاقِ في إطارِ برنامجٍ رائدٍ للأممِ المتحدةِ، تبيّنَ فيها أنَّ 85 بالمئةِ من المُبادلاتِ التي اُدِّعِيَ أنّها أُجريت لم تؤُدِّ إلى تقليصٍ حقيقيٍّ في انبعاثاتِ غازاتِ الدّفيئة، أي أنَّ المبالغَ المدفوعةَ لم تُستخدَم في تمويلِ خطواتٍ إضافيّةٍ، لتقليصِ انبعاثاتِ غازاتِ الدّفيئةِ إلى الجوِّ، تتعدّى ما قد تمّ اجراؤُه بدونها. خلصت هذه الدّراسةُ إلى نتيجةِ أنَّ احتمالَ تنفيذِ مشروعٍ في مجالِ الطّاقةِ بفضلِ الدّعمِ المالي لآليّةِ المبادلةِ وحدها هو احتمالٌ قليل. يجب فحصُ عدّةِ أمورٍ في برامجِ المُبادلة. المسألةُ الأولى هي: هل تُؤدّي المبادلةُ إلى تقليلِ الانبعاثِ الجديدِ الذي كان سيحدثُ بدونِها؟ مثلًا، لا يُعقلُ دفعُ المالِ لشركةٍ مقابلَ بناءِ حقلٍ لاستغلالِ الطاقةِ الشّمسيّةِ كانت ستقيمه بطبيعةِ الحالِ واحتسابِ ذلك مُبادلة. المسألةُ التّاليةُ هي: هل المُبادلةُ دائمة؟ يجب التيقُّن ألّا تعودُ غازاتُ الدّفيئةِ إلى الجو. مثلًا، إذا تمّ غرسُ غابةٍ من الأشجار، يجب حمايتُها من قطعِ أشجارِها ومن الحرائق لئلّا يعودَ الكربون الذي قد تمَّ تثبيته في الغابةِ ثانيةً إلى الجو. من المهمّ أيضًا التأكُّد من أنَّ المُبادلةَ احتُسبت مرّةً واحدة: لا يمكنُ بيعُ المُبادلةِ ذاتِها لأطراف مختلفة أو احتسابُه ضمن عِدّة حسابات. وأخيرًا، من المهمّ توخّي الحذر بألّا ينساب انبعاثُ غازاتِ الدّفيئةِ إلى مكانٍ آخر، وألّا يُلحِقَ الانبعاثُ أضرارًا. لا يُحسَبُ منعُ قطعِ أشجارِغابةٍ ما، مثلًا، عمليّةَ مبادلةٍ إذا أدّى ذلك إلى قطعِ أشجار غابةٍ أخرى. 

لذلك صاغَ عددٌ من العلماءِ من جامعةِ أكسفورد أربعةَ مبادئ مِفتاحيّةٍ لمُبادلةٍ موثوقةٍ يمكن الاعتماد عليها لانبعاثات الكربون، والتي تؤدّي إلى تقليصِ الأزمةِ المناخيّةِ فعلًا. المبدأ الأول: تُجرى المُبادلةُ الحقيقيّةُ بعدَ استنفادِ جميعِ الطّرقِ البسيطةِ لتقليصِ انبعاثاتِ الكربون من قِبلِ الطّرفِ المُلوِّث الذي يسعى إلى مبادلةِ انبعاثاتِه مع الاخرين؛ المبدأ الثاني: إزالةُ الكربونِ مباشرةً من الجوّ؛ الثالث: خزنُ الكربونِ الذي أُزيل بشكلٍ دائم؛ أمّا المبدأ الرابع فهو تشجيعُ التجارةِ في المُبادلاتِ التي تؤدي إلى ضبطِ موازنةِ الانبعاثاتِ على الصِّفر.

أشارَ مؤلّفو وثيقةِ المبادئِ المذكورةِ إلى ضرورةِ خَلْقِ "الطّلبِ على إزالةِ غازاتِ الدّفيئةِ من الجوّ وتخزينِها طويلِ المدى… لأنه يتوجّب ضبطُ تلك الانبعاثاتِ التي يتعذَرُ علينا تقليصُها في الوقتِ الحالي حتّى الصفر" وذلك لتحقيقِ اتفاقيّة باريس. وأضافَ هؤلاء أنّ من الأهمّيةِ بمكانٍ دمجُ الحلولِ التي تعتمدُ على الطبيعةِ مثلَ الاستعادةِ البيئيّةِ أو إعادةِ التّحريج، وفي الوقت نفسِه، تشجيعُ طرقِ تخزينِ الكربون لآلافِ السنين.

פליטות פחמן במקום אחד מקוזזות על ידי קיבוע פחמן וצמצום פליטות במקום אחר | איור: VectorMine, Shutterstock
"إذا تعذَّرَ عليك تقليصُ انبعاثاتكِ الخاصّة، بإمكانك أن تدفعَ الأموالَ لِآخر ليقلّصَ هو من انبعاثاتِه". المُبادلة: تعويضُ انبعاثاتِ الكربون في مكانٍ ما عن طريق تثبيتِ الكربون وخفضِ الانبعاثاتِ في مكانٍ آخر | التخطيط: VectorMine, Shutterstock

غابةٌ وسطَ الصحراء؟

كان المشروعُ الرّئيسيّ الّذي روّجَه منظّمو المونديال غرسَ آلافِ الأشجارِ حول الملاعبِ المُقامة. تستوعبُ الأشجازُ ثنائي أكسيدِ الكربونِ من الجوِّ في عمليّةِ التمثيلِ الضّوئيّ، وتستخدمُه في إنتاجِ السُّكّريّات. لذا فإنَّه من المفروضِ أن يُقلّلَ غرسُ الأشجارِ من كمّيةِ مجملِ غازاتِ الدّفيئةِ المنبعثةِ خلال الحدث و قد تفي، بذلك، بمبادئ المُبادلةِ الموثوقة. 

في دراسةٍ أجراها باحثون غالبيّتهم قطريّون قائمون على تنظيمِ الحدثِ سنة 2021م، قُدّرت كمّيةِ ثنائي أكسيدِ الكربون التي يمكن أن تُثبِّتَها الأشجارُ التي سيتمُّ غرسها. في هذه الدّراسة، تمَّ اختبارُ حوالي 3500 شجرةٍ من أنواع محلّيّةٍ غُرِست ونُمّيت لصالحِ الحدث، وملاءَمةُ المعلوماتِ المناسبةِ من أنحاءِ العالمِ للظروفِ المناخيّةِ الصّحراويّةِ في قطر. تبيّنَ من هذا الفحص أنّ كلَّ شجرةٍ قادرةٌ على استيعابِ حوالي 30 كيلوغرامًا من الكربون في السّنةِ (بالمتوسّط) طوالَ حياتها. يمكنُ أن تستوعبَ جميعُ الأشجارِ معًا (3500 شجرة) حوالي مئة طن من الكربون في السنة. 

لكنّ في الأمرِ ما يعيقُ تنفيذَه: تقتضي تنميةُ الأشجارِ في الصّحراء تزويدَها بكمّيّاتٍ وافرةٍ من الماءِ والسّمادِ. يمكنُ تحليةُ الماء لسَقْيِ الأشجارِ في الصحراء، إلّا أنّ ذلك يتطلّبُ الكثيرَ من الطاقةِ التي تُكوّنُ كمّياتٍ كبيرةً من غازاتِ الدّفيئة. وجدَ الباحثون أنَّ تحليةَ مياهِ البحرِ تُكوّنُ كمّيةً من غازاتِ الدفيئةِ، الّتي تُعادلُ ضعفَيْ الكمّيةِ التي تستطيعُ جميعُ الأشجارِ استيعابَها.

עצים וצמחייה אחרת סביב אצטדיון אל-ג'אנוב, אל-וכרה, קטאר | צילום: Fauzan Fitria, Shutterstock
تتطلّبُ تنميةُ الأشجارِ في المدينةِ الصحراويّةِ كمّيّةً كبيرةً من الطاقةِ وتُقلّلُ بذلك من الفائدةِ المناخيّةِ التي يمكنُ أن تُجنى من غرسِ الأشجار. في الصوره: أشجارٌ ونباتاتٌ أخرى حول استادِ الجنوب، في مدينةِ الوكرةِ في قطر | تصوير: Fauzan Fitria, Shutterstock

وجدَ الباحثون إمكانيّةً أفضل: تدويرُ مياهِ مجاري الدّوحةِ، العاصمة، وريِّ الأشجارِ بمياهِ الصّرفِ الصّحّيّ المُعالجةِ والمُنقّاة. هذه هي خطّةُ عملِ مُنظّمي المونديالِ أيضًا. مع ذلك، فإنّ لتنقيةِ مياهِ الصّرفِ الصحّي ونقلِها بطاقةُ سعرٍ كربونيّة، قدّرها الباحثون بحوالي ثلثِ إجماليّ ما ستثبتُه الأشجارِ. يؤدّي إنتاجُ السّمادِ الصّناعي واستخدامُ السّمادِ العضويّ في المشروعِ إلى انبعاثِ ما يُعادلُ 42 طنًّا من الكربون في السنة. أشارَ الباحثون إلى أنّ هذه التقديراتِ يشوبُها الكثيرُ من عدمِ اليقينِ، وخلصوا إلى أنّ 80 بالمئةِ من الكربون الذي ستستوعبُه الأشجارُ يُستغلُّ لصالحِ الريِّ والتّسميدِ، وأنّ آلافَ الأشجار سوف تستوعبُ نحو 23 طنًّا من الكربون فقط في السنة. إذا اعتمدنا افتراضَ الباحثين المتفائلِ بأنّ متوسّط حياة الأشجارَ هو 130 سنة تقريبًا، فإنَّ قدرةَ االمشروعِ بأكملِه على استيعابِ الكربون لا تتعدّى 3000 طن خلال فترةِ وجوده. تُعادلُ هذه الكمّية عُشرًا بالمئةِ من مجملِ الانبعاثاتِ النّاجمةِ عن ألعابِ كأسِ العالم.

أشارَ الباحثون إلى أنَّ الأشجارَ، على الرّغمِ من أنّها تُثبِّتُ كمّياتٍ قليلةً من الكربون بالنّسبةِ لهذا الحدثِ الضخم، فإنّها تُسهمُ في رفاهيّةِ السُّكانِ والزّائرين بعدّةِ طرقٍ، مثل توفيرِ الظلالِ اللطيفةِ والمناطقِ الخضراء وتقليصِ تلوُّثِ الهواء. وماذا إذا غُرست ملايينُ الأشجارِ في صحاري قطر؟ هل ستستوعبُ هذه الأشجار كمّيةً من الكربون تكفي للتعويضِ عمّا ينبعث من المونديال؟ يتضّحُ، وبشكلٍ غير متوقّع، أنّ غرسَ الأشجارِ سيعملُ على زيادةِ حِدّةِ المشكلة، لأنَّ لونَ الأشجارَ أغمقُ من الأرضِ الصحراويّةِ فاتحةِ اللون، بالتّالي فإنّها تمتصّ المزيدَ من الأشعّةِ، وتؤدّي إلى تسخينِ بيئتِها المحيطة. هذا يعني أنّه عندما تُبرّدُ الأشجارُ بيئتَها المحيطةِ شيئًا فشيئًا نتيجةَ استيعابِها ثنائي أكسيدِ الكربون، فإنّ البيئةَ تَسخُنُ نتيجةَ امتصاصِ الأشجارِ الأشعةَ. 

وجدَ الباحثان أيال روتنبرغ ودان يكير من معهد وايزمان أنّ غابةَ عتير الواقعة في أطرافِ الصحراءِ بالقربِ من مدينةِ بئرِ السبع في البلاد تُسخّنُ المناخَ، ويتغلبُ عاملُ التبريدِ التراكميّ الناجمُ عن تثبيتِ الهيدروجين على عاملِ التسخينِ بعدَ مرورِ عشراتِ السنين. أفادَت دراسةٌ مُكَمّلةٌ أنَّ تأثيرَ عاملِ التّسخينِ في الأماكنِ فاتحةِ اللون يستمرُّ، على ما يبدو، زمنًا يزيدُ كثيرًا عن متوسّطِ عمر أشجارِ الغابةِ المتوقّع. لذلك، في حين يُسهِمُ غرسُ الأشجارِ في المناطقِ الخضراء أو غامقةِ اللونِ في تقليص التغيُّراتِ المناخيّةِ، فإنَّ غرسَ الأشجارِ في الصحراءِ قد يجلبُ ضررًا أكثر من الفائدة، من المنظار المناخيّ.

יער יתיר | צילום: Roni Ben Ishay, Shutterstock
قد يزيدُ غرسُ الأشجارِ في الصّحراءِ من احترارِ الكرةِ الأرضيّة. في الصورة: غابة يتير| تصوير: Roni Ben Ishay, Shutterstock

هل الطّاقة هي عنوان اللُّعبة؟

تعهّدَ المنظِّمون، إلى جانبِ غرسِ الأشجارِ الهادفِ إلى ضبطِ موازنةِ الانبعاثاتِ إلى الصّفر، إقامةَ الاستادات وفقًا للمعاييرِ المناخيّةِ المتشدّدة، والتّقليلَ من رحلاتِ العملِ الجوّيّةِ، واستخدامَ الطّاقةِ المُتجدِّدة خلال بناءِ الاستاداتِ وتشغيلِها، وإقامةَ منظومةٍ من النّقليّاتِ والمواصلاتِ العامّةِ تشملُ قطارًا تحت الأرضِ وقطارًا خفيفًا، وتشجيعِ استخدامِها بدلًا من استخدامِ السيّاراتِ الخصوصيّة. لكن، على الرغمِ من كلِّ هذه الجهود، وكما ذُكرَ أعلاه، تنبعثُ من البطولةِ الجاريةِ ملايينُ الأطنانِ من غازاتِ الدّفيئة. 

خطّطَ المنظّمون أيضًا حثَّ الزّائرين على مُبادلةِ انبعاثاتِهم ودعمِ مشاريعِ المُبادلةِ ومؤازرتها، وتطويرِ سوقٍ تجاريٍّ تطوّعيٍّ لتمويلِ مُبادلاتٍ أخرى في المنطقة. تُفيدُ التّجاربُ السّابقةُ أنَّ مساهمةَ الفعالياتِ التطوّعيّةِ في ضبطِ موازنةِ الانبعاثات إلى الصفرِ قليلةٌ جدًّا. حاولَ منظّمو الألعابِ التي أقيمت سنة 2018م في روسيا أيضًا تشجيعَ الزّائرين على مُبادلةِ رحلاتِهم الجويّةِ المُلوِّثة، إلّا أنّ إجمالي مبادلاتِ الجمهور بلغَ نحو 16 ألف طن من الكربون فقط - عُشرٌ بالمئةِ من الانبعاثاتِ المنسوبةِ لجمهورِ زائري البطولة. يمكن أن تزدادَ الآمالُ بنجاحِ المُبادلةِ إذا مُوّلت مشاريعُها الكبيرة. 

تعتمدُ غالبيّةُ مشاريعِ مُبادلةِ الانبعاثاتِ التي صرّحَ بها المنظّمون حتّى الآن على التّحوُّلِ للطّاقاتِ المتجدّدة. قد تعمل مثلُ هذه المبادراتِ على ضبطِ انبعاثاتِ غازاتِ الدّفيئةِ في كأسِ العالم نحوَ الصفر إذا وُجدَ العديدُ منها، إلّا أنَّ اختيارَ المنظّمين لمبادراتٍِ لا تفي بالمعاييرِ المُتّبعةِ، ولا تخضعُ لمتابعةِ هيئةٍ مستقلّةٍ ورقابتها يؤدّي إلى ازديادِ حِدّةِ التساؤل: هل حسابُ المبادلةِ هو حسابٌ موثوقٌ يمكنُ اعتماده؟

חותמת שמייצגת איפוס פליטות פחמן דו-חמצני מטיסות | מקור: Ness_design, Shutterstock
من غير المتوقّع أن يتطوّعَ زائرو المونديال، حسب تجاربِ الماضي، مُبادلةَ غازاتِ الدّفيئةِ المنبعثةِ من رحلاتهِم الجوّيّة. في الصورة: الختم الذي يُمَثِّلُ ضبط انبعاثِ ثنائي أكسيد الكربون المنبعثِ من الرّحلاتِ الجوّيّة إلى الصّفر | المصدر: Ness_design, Shutterstock

الحقلُ الشمسيُّ الضّخم هو أحدُ مشاريعِ الطّاقةِ في قطر، غيرُ المشمول ضمن مشاريعِ مُبادلةِ الانبعاثات. تبلغُ مساحةُ الحقل 10 كيلومترات مربّعة ثُبِّتت فيها مليونان من الألواحِ القادرة على إنتاجِ الكهرباء من جهتيها ومتابعةِ حركةِ الشمس. تُقدّرُ تكلفةُ إقامةِ الحقلِ بنصفِ مليار دولار، وتبلغ قدرةُ إنتاج الكهرباء عن طريقه بِ 800 ميجا - وات. للمقارنة، تُعادلُ هذه الكمّيّةُ حوالي ثلث كمّيّةِ الكهرباءِ الشّمسيّةِ التي اُنتجت في إسرائيل سنة ،2020 وتكفي لتزويد عشرِ إجمالي كمّيّةِ الكهرباء التي تستهلكُها قطر. كميّةُ غازاتِ الدفيئةِ التي تنبعثُ من إمارة قطر النفطيّة للشخص الواحد هي الأكبرُ على نطاقٍ عالميّ، كما أنَّ أقلّ من عُشرِ في المئةِ من الكهرباءِ المستهلكةِ فيها حتّى الآن هو من الطّاقةِ المتجدّدة، الأمرُ الذي يجعلُ من مثل هذا المشروع غيرَ مفهومٍ ضمنًا. 

توقّعَ مُقيمو الحقلِ الشّمسيّ أن يُقلّلَ انبعاثَ حوالي 26 مليون طن من ثنائي أكسيدِ الكربون خلال سنةٍ من بدايةِ تشغيله. وجدَت مجموعةُ دان ياكير للأبحاثِ أنَّ كمّيّةَ الانبعاثاتِ التي تُقلِّلها هذه الألواحِ كبيرةٌ، لدرجةِ أنَّ عاملَ التبريد الذي ينجمُ عن ذلك يجعلُ من عاملِ التسخينِ الذي ينجمُ عن كون الألواحِ سوداءَ تمتصُّ الأشعةَ مُهملًا. 

لماذا لم يُشملُ الحقلُ الشّمسيّ ضِمن مشاريعِ المُبادلةِ في كأسِ العالم؟ على الرّغمِ من أنّه يُسهِمُ في تلبيةِ متطلّباتِ كهرباءِ هذا الحدثِ الضّخم، وقد أُقيمَ في هذه الفترةِ بالذّات، إلّا أنّ هذا المشروع الشّمسيّ قائمٌ بمزاياه الخاصّةِ بفضلِ جَدواه الاقتصاديةِ غيرِ العاديةِ، والزيادةِ الدّائمةِ في الطلبِ على الكهرباءِ في قطر. لم يتمّ إنشاؤه بفضلِ دعمٍ خارجيٍّ لأجلِ المُبادلة. 

هل ستنجحُ قطرُ في إنتاج أولِ بطولةٍ لكأس العالم في التاريخ خاليةٍ من الانبعاثاتِ الكربونيّةِ؟ يتعيّنُ علينا انتظار تقارير فيفا الخاصّةِ بالاستدامةِ، وفحص ما إذا كانت المشاريعُ المُدرجةِ في حساباتِ الكربون تُشكّلُ تعويضًا موثوقًا به فعلًا. قد يكون تقديرُنا للانعكاسات الإنسانيّةِ والاجتماعيّةِ والبيئيّةِ الأخرى المترتّبةِ عن الحدثِ أفضلَ بعد صدورِ تقاريرِ الفيفا. لا تدّخرُ قطرُ الأموالَ لتمويلِ الحدث، وقد يبدو الاستثمارُ في ضبطِ الانبعاثاتِ إلى الصّفرِ مُقزّمًا، أمامَ تكاليفِ الحدثِ الرياضي الأضخم في التاريخ، البالغةِ حوالي مئتي مليار دولار أمريكي

 

0 تعليقات