تَعي الأشجارُ والشُّجيراتُ وحتّى الأعشابُ بيئتَها المحيطةَ و"تتصرفُ" وفقًا للتغيُّرات التي تحدث فيها على الرغمِ من افتقارِها لجهازٍ عصبيّ.

النّباتات كائناتٌ فريدة. فهي لا تستطيعُ، بخلاف قسمٍ كبيرٍ من الحيوانات، الهجرةَ إلى موطنٍ جديد، بل تبقى مثبتةً إلى نفسِ المكان عندما تسوءُ الظّروفُ البيئيّة المحيطةُ بها. ضرورةُ التعاملِ مع درجاتِ الحرارةِ المتطرّفةِ والجفافِ والكائناتِ الضّارّةِ أو العلاقاتِ المتبادلةِ مع المُلقِّحات تُلزمُها الإحساسَ بما يدورُ حولَها واتخاذِ القرارات المناسِبة. كيف للنّباتات أن تقوم بمثلِ هذه العمليّاتِ، في حين أنّها لا تملكُ حواسّ أو جهازًا عصبيًّا كالّذي يتمتّع به الحيواناتُ ويستخدمُها لهذا الغرض؟

تطوّرت، مع مرور الزمن، آليّاتُ حِسٍّ وردودُ فعلٍ بديلةٌ كثيرةٌ عند النباتات، وذلك لتتمكّنَ من التّأقلمِ مع مجموعةٍ واسعةٍ من الأخطارِِ والظروفِ البيئيّةِ. هذه الآلياتُ مُتاحةٌ بفضلِ عدّةِ أمورٍ، على رأسها منظومةٌ جينيّةٌ (مورثيّة) هائلةٌ تحوي جيناتٍ كثيرةً تُساعدُ النبتةَ، على ما يبدو، بالإحساسِ بالتّغيرات البيئيّة المحيطةِ وردِّ الفعلِ عليها.

מדבר יהודה | hermitis, Shutterstock
تواجه النّباتاتُ في البلاد تحدّياتٍِ كبيرةً في صراعِ البقاءِ تتمثّلُ في الحرارةِ وجفافِ الهواءِ والتُّربة. في الصورة: صحراء يهودا | hermitis, Shutterstock

 

الروتينُ اليوميّ عندَ النّبات

يتوجَّبُ على النّباتات التّعاملُ مع الحياةِ اليوميَّة، ناهيك عن الأزماتِ التي تهيجُ بها. تديرُ النّباتات كالإنسان، رتابَةَ حياةٍ دوريّةٍ على مدار اليوم. تقف عمليّةُ التّمثيل الضّوئيّ في مركز هذه الرّتابة، إذ تستخدمُ النّباتاتُ الطاقةَ الشّمسيّة لتبني جزيئاتِ السُّكّر من ثنائي أكسيدِ الكربون، الذي تستوعبه من الهواء ومن الماء الذي تمتصُّه الجذورُ من التُّربة. 

يجب أن تتفتّحَ ثغورُ الأوراقِ في ساعاتِ الصّباحِ الباكرةِ - الثغورُ هي ثقوبٌ صغيرةٌ موجودةٌ على سطح الورقةِ الخارجيّ، وظيفتُها إتاحةُ دخولِ ثنائي أكسيدِ الكربون إلى الورقة - لتحدثَ عمليّةُ التمثيلِ الضّوئيّ. تبدأُ أشعّةُ الشّمسِ بالسّقوطِ على الأوراقِ مع بزوغِ الفجرِ، وتزدادُ نسبةُ أمواجِ الأشعةِ الزّرقاءِ في ضوءِ الشّمس، تدريجيًّا مع تقدُّمِ ساعاتِ الصّباح. في خلايا الأوراق بروتينٌ يستوعبُ الضّوءَ (فوتو ريسيبتور) حسّاسٌ للضّوءِ الأزرق اسمه فوتو تروبين. من ضمن وظائف هذا البروتين إتاحةُ دخولِ ذراتِ البوتاسيوم إلى الخلايا المُجاورةِ للثّغور، المُسمّاة بالخلايا الحارسة، الموكّلةِ بفتحِ الثّغورِ وإغلاقها. تستوعبُ الخلايا الحارسةُ الماءَ كردِّ فعلٍ لدخولِ البوتاسيوم، وتتمدّدُ فتنفتح الثُّغور. 

تتضاءلُ نسبةُ الأشعّةِ الزّرقاء من مجملِ الأشعةِ التي تستوعبها الأوراق، عندما توشكُ الشّمسُ على الغروب. يقلُّ تدفُّقُ البوتاسيوم إلى الخلايا الحارسةِ في هذه المرحلةِ، ويخرجُ الماءُ منها فتتقلّص الخلايا وتُغلقُ الثّغور

يُساهمُ هذا المُستقبِلُ أيضًا في نموِّ النّبتة باتّجاه الضّوء. عندما تمتصُّ بروتينات فوتو تروبين الموجودةُ في الجزء العلويّ من النّبتةِ الضوءَ الأزرقَ القادم من اتّجاهٍ معيّن، تحدثُ سلسلةُ تفاعلاتٍ تؤدّي إلى زيادةِ اتّساع الخلايا على الطرف المعاكس من السّاق. ينحني السّاقُ نتيجةً لذلك، وينمو باتّجاه الضّوء. 

كيف تستدلُّ الجذورُ على النموِّ إلى الأسفل؟ في الخلايا الموجودة على أطراف الجذور، في المنطقة المسمّاة قمّة الجذر، تتواجد الستاتو ليتات، وهي عضِيّاتٌ تحوي حبيباتِ النّشا التي تترسّبُ في الأسفل نحو قوّة الجاذبيّة. يؤدّي ترسُّبُ حبيباتِ النّشا إلى انطلاقِ هورمون اسمُه أكسين، باتّجاه منطقة استطالة الجذر، فيما إذا نما الجذر بصورة غير عموديّة. يُضعِفُ هذا الهرمون جُدرانَ خلايا الجزءِ العلويِّ من منطقةِ الاستطالةِ، ويُمَكِّنها من الاستطالةِ أكثر من الخلايا الموجودةِ في الجزءِ السُّفليّ، فينحني الجذرُ إلى الأسفل، نحو قُوّةِ الجاذبيّة.

פיוניות על עלה של סמבוק שחור | Power and Syred, Science Photo Library
ثغورٌ على السطحِ الخارجيّ من ورقةِ البلسانِ الأسود. الثّغور هي عبارةٌ عن ثقوبٍ صغيرة موجودة على السّطحِ الخارجي لِأوراقِ النباتاتِ وظيفتُها إدخالُ ثنائي أكسيد الكربون لِعمليّةِ التّمثيلِ الضَّوئي | Power and Syred, Science Photo Library 

 

القرارات ساعةَ الضّيق: القحطُ والجفافُ والحرارةُ

يتوجّب على النّبتةِ، مثلما يتوجّب على الحيوان، تشخيصُ حالاتِ الضّيقِ أوّلًا كي تتمكّنَ من مجابهتِها، ثُمَّ ترُدُّ عليها بالشّكلِ الأنسبِ الذي يزيدُ من احتمالِ بقائها على قيد الحياة. القحطُ هو مصدرُ الضائقةِ الأكثرُ رواجًا في بلادِنا الحارّةِ والجافّةِ. يتّصفُ مناخُ بلادِنا بموسمٍ ماطرٍ وحيدٍ في فصلِ الشِّتاء، يتبعُه موسمٌ جافٌّ قد يطولُ ويبلغُ عشرةَ أشهرٍ متتاليةٍ في بعض الأماكن. هناك نباتاتٌ قادرةٌ على إنبات الجذورِ عميقًا في داخلِ الأرض، فتصلُ إلى المياهِ المخزونةِ هناك، في حين تضطرُّ نباتاتٌ أخرى إلى التّعاملِ مع حالاتِ الجفافِ بطرقٍ أخرى. 

تُضافُ إلى ذلك مشكلةُ جفافِ الهواءِ في مناخِ البلاد. تفقدُ النّباتاتُ، عندما يكونُ الهواءُ جافًّا جدًّا في أيّامِ موجاتِ الشّردِ في الربيعِ والخريفِ، كمّياتٍ كبيرةٍ من الماءِ الذي يتبخّرُ كلّما انفتحت الثّغورِ لصالحِ عمليّةِ التّمثيل الضّوئيّ. 

ردُّ الفعلِ الفوريّ هو انغلاقُ الثّغور الذي يحدثُ بسبب النّقصِ المتزايدِ في ضغطِ البُخارِ في الهواء - أي الدّمجِ بين درجة حرارةِ الهواءِ ونسبة الرّطوبة، العامِلان اللذان يُحدّدان سرعةَ تطايرِ الرطّوبةِ من خلالِ الثّغورِ إلى الخارجِ. يتكدَّس الهرمون ABA في خلايا الأوراق عندما يكونُ الهواءُ ساخنًا وجافًّا، ويزيد هذا الهرمون من حامضيّةِ الخلايا. ينطلقُ الماءُ من الخلايا الحارسةِ نتيجةً لذلك، فترتخي هذه الخلايا وتلتصقُ ببعضها البعض وتؤدّي إلى انغلاق الثُّغور، فيتوقّفُ التبخُّرُ السّريع. 

تثيرُ هذه الآليّةُ الانطباعَ بأنَّ ضغطَ البخارِ عاملٌ مركزيٌّ في تنظيمِ عمليّةِ التّمثيلِ الضَّوئي في النباتات. وفعلًا، فقد صدَّقَت دراسةٌ جديدةٌ نُشرت في مجلّةِ Nature Communications، وجرى فيها تحليل مُعطياتٍ عن استيعابِ ثنائي أكسيدِ الكربون في المنظوماتِ الإيكولوجيّةِ المختلفةِ في أنحاءِ العالم، على هذا الافتراض. وُجدَ أنَّ النّقص في ضغطِ البخارِ العالي يُؤدّي إلى انخفاضِ عمليّةِ التمثيلِ الضوئي، حتّى وإن كانت رطوبةُ التُّربةِ عاليةً، في حين لا يُؤثّرُ جفافُ التُّربةِ في التّمثيلِ الضوئيّ، إلّا عندما يبلغُ الجفافُ انحضاضًا حادًّا جدًّا. 

كيفَ يؤثِّرُ، على الرغمِ من ذلك، جفافُ التُّربةِ في النّباتات؟ نلاحظُ دائمًا كيف تذبلُ النّبتةُ المزروعةُ في الأصيصِ، وتموتُ إذا نسينا سَقيَها. الإجابةُ على هذا السؤال هي أنَّ النّباتاتِ تشعرُ فعلًا برطوبةِ التُّربةِ، ويكونُ لها ردُّ فعلٍ على ذلك، لكن ليس حتمًا عن طريقِ إغلاقِ الثُّغور. 

للهرمون ABA في هذه الحالةِ أيضًا وظيفةٌ هامَّةٌ، إلى جانب منظومةٍ متكاملةٍ من الهرموناتِ الأخرى التي تُفعّلُها النّبتةُ - موادٌّ تتحرّكُ ما بين أعضاءِ النّبتةِ وتنقلُ الرسائلَ والتّعليماتِ إلى الخلايا. تنجمُ عن هذه العمليّاتِ المشتركةِ تفاعلاتٌ متنوعّةٌ في كثيرٍ من أجزاءِ النّبتةِ وتؤثِّرُ، من ضمن أمورٍ أخرى، على هيكلِها. تُقلّلُ جذورُ النّبتةِ من تشعّباتِها - الجذور الثّانويّة التي تنطلقُ من الجذرِ الرّئيس- عندما ينخفضُ مخزونُ الماءِ المتوفّر في التُّربة، فتستطيل بوتيرةٍ أسرع. يزدادُ بذلك احتمالُ بلوغِ الجذرِ إلى الأعماقِ، حيثُ طبقاتِ التُّربةِ التي لم تجفّ بعد. أضف إلى ذلك، أنَّ الجذورَ الثانويّةَ التي تكونُ قد تكوّنت هي جذورٌ صغيرةٌ، وتتّجهُ إلى العُمقِ هي الأخرى. كما أنّ الجذرَ الذي يصادفُ منطقةً رطبةً في التُّربةِ، أو أنّه يشعرُ برطوبةٍ في جانبٍ واحدٍ فقط، يتعاظمُ تشعّبُه في هذه المنطقةِ لزيادةِ سطحِ تلامسِهِ مع الماءِ الذي في التُّربة.

שריפת יער בכרמל | wideweb, Shutterstock
تحوي بذورُ بعضِ النّباتاتِ إنزيماتٍ "تستيقظُ" كردِّ فعلٍ لموادَّ موجودةٍ في الدُّخان أو أنها تنطلقُ من المادّةِ المحروقةِ على وجه الأرض وتُهيِّءُ البذرةَ للنُّبوت. في الصورة: حريقٌ في غاباتِ الكرمل | wideweb, Shutterstock 

 

القرارات عند الضّيق: الحرائق

تنشبُ الحرائقُ في الغاباتِ والأحراشِ في البلادِ في فصلِ الخريفِ بشكلٍ خاصّ، قبلَ المطرِ الأوّل. تصعبُ السيطرةُ على النّارِ إذا اشتعلت في هذه الفترةِ، التي تكون فيها النباتات قد جفَّت تمامًا، وأصبحت غنيّةً بالموادِّ سريعةِ الإشتعال التي تتأجّجُ بها النّيران. لذا، تُشّكِّلُ استطالةُ موسمِ الجفافِ تهديدًا آخر على النّبات. 

للنّباتات التي تنمو في المناطقِ كثيرة الحرائق ولا تستطيعَ تفادي النّارِ المُشتعلةِ، طرقٌ خاصّةً لِنشرِ بذورِها وإنباتها. تُنتجُ أنواعٌ كثيرةٌ من الأشجارِ الصّنوبريّة، مثل صنوبر حلب (يُسمّى في البلاد صنوبر القدس) الشّائعِ في بلادنا، نوعيْن من الأكواز - أكوازٌ عاديّةٌ تُطلقُ بذورَها بشكلٍ فوريٍّ، وتُهيّءُ الفرصةَ لِتجدُّدِ الحُرش من عامٍ إلى عام، وأكوازٌ سيروتينيّة تبقى مقفلةً لعدّةِ سنين، وتتفتّحُ عند التعرُّض لدرجاتِ حرارةٍ عاليةٍ، مثل تلك التي تتكوّن عندَ حدوثِ حريقٍ كبير. تُخلِّفُ الأشجارُ المشتعلةُ بهذه الطريقةِ وراءها احتياطيًّا من البذور، يتيحُ المجالَ لِتجدُّدِ الإنباتِ بسرعةٍ وبعد فترةٍ وجيزةٍ من الحريق، حتّى وإن كان الحريقُ قد أتى على الحُرشِ بأكمله. تُلاحَظُ، بفضلِ ذلك وبعد حدوثِ الحرائقِ في الغاباتِ في البلاد، براعمُ الصنوبر نابتة بكثافةٍ في المساحاتِ المحروقةِ من الغاباتِ. 

لدى نباتاتٍ أخرى، تلك التي تنمو في الأماكنِ المعرّضةِ للحرائق، مُلاءماتٌ أخرى تتمثّلُ في آليّاتِ إنباتٍ خاصّةٍ بالحرائق. فقشرةُ بذرةِ هذه النّباتات قاسيةٌ وجافةٌ إلى حدٍّ كبير، الأمر الذي يُعيقُ "استيقاظها" من سباتها ونموّها. تنشقُّ هذه القشور في درجاتِ الحرارةِ العاليةِ، التي تسودُ عند حدوث الحريق، وتستوعبُ الماءَ وتنمو. 

تحوي بذورُ أنواعٍ أخرى من النّباتاتِ إنزيماتٍ "تستيقظُ" كردَّ فعلٍ للموادِّ الموجودةِ في الدّخانِ، أو أنّها تنطلقُ من الموادِّ المحترقةِ على سطحِ الأرضِ، وتُهيّءُ البذرةَ للنموّ. وُجدَ أنّ هاتين الآليّتين تُشجّعان إنبات بذورِ أنواعٍ كثيرةٍ من النباتات، التي تنمو في المناطقِ التي يسودُ فيها المناخ شرق-الأوسطي، بعدَ أن تعرّضت للحرائقِ المتكرّرةِ على مرِّ السنين. ذلك لدرجةِ أنّ بعضَها يستوجبُ نشوبَ الحرائقِ لينمو.

אצטרובלי אורן | Olena Sapehin, Shutterstock
تُنبِتُ أنواعٌ كثيرةٌ من الصنوبريّات نوعيْن من الأكواز: الأكوازُ العاديّة - وهي التي تنفتح كلَّ عام، والأكواز السيروتينيّةُ - التي لا تنفتحُ إلّا بعدَ حدوث الحريق. في الصورة: أكوازُ الصّنوبر | Olena Sapehin, Shutterstock 

 

 العلاقاتُ المتبادلةُ مع الحيوانات

تُديرُ النّباتاتُ علاقاتٍ مُعقّدةً مع الكائناتِ الحيّةِ أيضًا. ورغم عدم قدرتها على التنقّل من مكانٍ إلى آخر، فإنّ لديها آليّاتِ ردود فعلٍ متقنةٍ أخرى. يهربُ الحيوانُ عندما يرى أو يشمُّ أو يسمعُ حيوانًا مفترسًا بالقربِ منه. تفتقرُ النّباتاتُ لجميعِ هذه الحواسّ، ما "يضطرُّها" إلى استخدامَ طرقٍ أخرى لتشخيصِ الكائناتِ والأجسامِ الضّارّة. تكمنُ الطّريقةُ الفوريّةُ بالضّررِ الذي يصيب النّبتة، عندما يقضمها حيوانٌ آكلُ العشبِ مثلًا. تؤدّي هذه الإصابة إلى انطلاقِ العديدِ من الهرموناتِ المتنوّعةِ، من ضمنها حمض الساليسيليك وحمض الجاسمونيك و - ABA. يُمكنُ أن تُشخّصَ بعضُ البروتيناتِ الموجودةِ على خلايا النبتةِ، أحيانًا، جزيئاتٍ خاصّةً بكائنٍ ضارٍّ معيّن، البروتينات المخاطيّة أو الفيرومونات مثلًا، فتستطيعُ النّبتةُ تكوين آليّات دفاعٍ ملائمةٍ لذلك الغازي المهاجم. 

وتتشاركُ النّباتاتُ فيما بينها. تُطلقُ نباتاتٌ كثيرةٌ جزيئاتٍ متطايرةً إلى الهواءِ كردِّ فعلٍ على هجومٍ ما. كشفت الدّراساتُ أنّ النباتاتِ المجاورةَ تلتقطُ هذه الجزيئاتِ، وتقومُ بردِّ فعلٍ مناسب - مثل إنتاج موادّ سامّةٍ أو مُرّةِ المذاق، لردعِ الحيوانِ المهاجمِ عن أكلها. وتُنتجُ النّباتاتُ أيضًا بروتيناتٍ وإنزيماتٍ قادرةً على مُحاربة الكائنِ المُهاجم، من خلال إماتةِ الخلايا أو الأعضاء التي هُوجمت والتّضحيةِ بها مثلًا. 

وتُهيّءُ النّباتاتُ أجزاءَ أو أنظمةً أخرى وتلائمُها للدّفاعِ عن نفسِها - مثلًا توفير الطاقة عن طريق إيقافِ نموّ هذه الأجزاء أو الأنظمة. وُجدَ في دراسةٍ جديدةٍ نُشرت في مجلّةِ Nature Plants أنّ إنزيمًا معيّنًا وظيفته تنظيمُ نشاطِ الجيناتِ (المورِثات) المرتبطةِ بنموِّ النّبتةِ وتطوُّرِها، يُؤثّرُ أيضًا في الجيناتِ المرتبطةِ بنظامِ الدّفاعِ عندَ النّبتة، توجدُ إذًا علاقةٌ غيرُ مباشرةٍ، لكنّها هامّةٌ، بين النّظاميْن. تُقيمُ النّباتاتُ أيضًا علاقاتٍ متبادلةً مفيدةً مع كائناتٍ حيّةٍ أخرى - فهي تُزوّدُ، مثلًا، الحشراتِ المُلقِّحةِ بالرحيقِ المُغذّي حلو المذاقِ، لتحملَ هذه الحشرات حُبيباتِ اللّقاحِ وتنقلَها من زهرةٍ إلى أخرى لإخصابها. كشفَت، على سبيلِ المثال، دراسةٌ أجريت في جامعةِ تل أبيب أنّ أزهارَِ شبِّ الّليلِ الساحلي (Oenothera drummondii) تُنتِجُ رحيقًا أكثرَ حلاوةً كردِّ فعلٍ على وجودِ المُلّقِّحات بالقرب منها. 

أسمعَ الباحثون في هذه الدّراسةِ أصواتَ طنينٍ بتردُّداتٍ مُختلفةٍ، منها ما يناسبُ طنينَ الحشراتِ المُلَقِّحةِ، ومنها ما لا يناسبها. تبيّنَ للباحثين أنَّ الأصواتَ التي ناسبَ تردّدُها طنينَ المُلقِّحاتِ جعلت الأزهارَ ترتعش، وكانت نسبةُ السُّكَّر في الرّحيقِ الذي جُمِعَ منها بعد ذلك، أعلى من نسبته في الرحيق الذي جُمعَ من الأزهارِ التي تعرّضت لأصوات الطنينِ ذاتِ التردُّدات الأخرى. خمّنَ الباحثون أنّ شكلَ زهرةِ شبِّ الّليل الساحليّ يُحوّلها إلى ما يشبهُ جهازَ استقبالٍ، يزيدُ من استيعابها لِطنينِ المُلّقِّحاتِ المناسبةِ، فتعرفُ النّبتةُ بذلك متى يتوجّبُ عليها استثمارَ المواردِ لزيادةِ حلاوةِ رحيقِها. يتطلّبُ تأكيدُ كينونةِ هذه الآليةِ، على الرّغم ممّا ذُكِر، التّحقّقَ من وجودِها في نباتاتٍ أخرى، واكتشافَ الآليةِ الدّاخليّةِ التي تُمكِّنُ النّبتةَ من ترجمةِ ارتجافِ الزهرةِ إلى القيام بالفعل المناسب. 

جميعُ ردودِ الفعل النّباتيّةِ هذه، من انفتاح الثّغورِ وانغلاقِها حتّى تغذيةِ المُلَقِّحات، عمليّاتٌ معقّدَةٌ تتطلّبُ الإحساسَ بالبيئةِ، كحاسّةِ السّمعِ والشّمِّ واللّمسِ. من السّهلِ إذًا الانجرارُ ونَسْبُ قدراتٍ أخرى للنباتاتِ مثلَ الذاكرةِ واتّخاذ القرارات. إلّا أنّ النّباتاتِ لا تُعالجُ المعلوماتِ بواسطةِ آليةِ علاجٍ معقّدةٍ، مثلما دماغِ الفقريّات الذي يُرفقُ الأحداثَ بالأحاسيس كالألمِ والخوف والفرح. يُعقَل الافتراض إذًا أنّ حِسَّ النباتات لِبيئتها المحيطةِ لا يُعبَّرُ عنه بأحاسيسَ معقدّةٍ، كالتمتّع بالأصوات والنّغمات مثلًا. 

وأخيرًا، هناك ما هو مثيرٌ للقلق: هذه الأنظمةُ أجهزةٌ دقيقة التّعقيد، وهي عُرضةٌ للإصابة. قد يصعُبُ على أنواعٍ كثيرةٍ من النّباتاتِ القيامُ بردودِ الفعلِ المناسبةِ على التغيّراتِ السّريعةِ التي تحدثُ في الظّروفِ البيئيّةِ المحيطةِ، كتلك المرافقةُ لِلأزمةِ المناخيّةِ الآنيّة، ردودِ فعلٍ تضمنُ بقاءَها على قيدِ الحياة. 

 

0 تعليقات