الاختلافات الحقيقيّة بين الفُصّ الأيمن والأيسر من الدماغ، والعلاقة بين حجم الدماغ والذكاء، وما هي النسبة المئويّة من الدماغ الّتي نستخدمها حقًّا؟ ستّة أخطاء شائعة تتعلّق بالعضو المختبئ في جمجمتنا

يتمتّع البشر بالتفكير التجريديّ، وبقدرة متطوّرة للغاية على التعبير عن الذات وموهبة لحلّ المشكلات المعقّدة، بخلاف ما لدى الحيوانات الأخرى. بُنِيت واستندت الحضارة الإنسانيّة في عالمنا على هذه القدرات، إلى جانب العديد من القدرات الأخرى. يُعتبر الدماغ البشريّ، قبل كلّ شيء، مصدر مهارات التفكير الخاصّة بالبشر.

يتلقّى الدماغ الرسائل والإشارات من الأعضاء الحسّيّة، وينقل الإشارات ويتحكّم بجميع أجهزة الجسم. تتّضح أهميّة الدماغ، من بين أمور أخرى، بأنّه على الرغم من أنّ كتلته تصل إلى حوالي 2% فقط من كتلة الجسم، فإنّه يستهلك حوالي خُمس الطاقة الّتي يُنتجها الجسم. فلا عجب إذًا أن يثير الدماغ البشريّ اهتمامنا بشكل كبير، وغالبًا ما نقوم بذكره في المناقشات حول الوعي، الذاكرة والأخلاق. يتيح لنا البحث المكثّف في هذا المجال أن نفهم بشكل أفضل من ذي قبل كيف يعمل الدماغ البشريّ وكيف يرتبط بقدراتنا على التفكير والتعبير. في كثير من الأحيان تجبرنا هذه الأفكار على التخلّي عن سلسلة من "الحقائق المقبولة" حول الدماغ، والّتي كانت تُعتبر حتّى الآونة الأخيرة أمرًا مفروغًا منه.

الادّعاء الأوّل: نحن نستخدم فقط عشرة بالمائة من دماغنا

ليس معروفًا تمامًا ما هو سبب نشوء الاعتقاد الخاطئ بأنّ البشر يستخدمون فقط 10% من خلايا أدمغتهم، لكن من الواضح تمامًا سبب سحر هذا الادّعاء لنا. بإمكانكم أن تحسبوا الإمكانات الهائلة للمهارات والقدرات الّتي قد تكمن في تلك التسعين بالمائة الّتي من المفترض أنّنا لا نقوم باستخدامها. تمنحنا هذه الفكرة الأمل في أنّه ربّما يكون هذا حاجزًا سنتغلّب عليه في المستقبل من خلال تقنيّات "تحرير الدماغ"، أو نمضي قدمًا في سير تطوّرنا البشريّ. من يدري إلى أيّة مناطق جديدة ومدهشة سنكون قادرين بعد ذلك على توسيع مدارك وقدرات التفكير البشريّ؟

قد يكون أصل هذا الادّعاء هو المفهوم الشائع بأنّ الخلايا العصبيّة تشكّل حوالي 10% من جميع الخلايا في الدماغ، وقد اتّضح أنّ أصل هذه النسبة خاطئ أيضًا. أمّا الاحتمال الآخر مرتبط بحقيقة أنّ مناطق معيّنة من الدماغ تعمل بجهد أعلى من مناطق أخرى، في أيّ وقت معيّن. قد تكون النظريّة من عام 1890 مصدر إلهام لهذا الرأي. في ذلك الوقت، درس علماء النفس من جامعة هارفارد حالة صبيٍّ موهوبٍ بذكاء عالٍ بشكل استثنائيّ، واستنتجوا أنّ البشر لديهم إمكانات عقليّة عالية جدًّا، وأنّنا نستخدم جزءًا صغيرًا منها فقط. من السهل أن نتخيّل كيف تبلورت هذه النظريّة عبر السنين وخضعت لتغييرات، ومن خلال استنفاذ هذه الإمكانات، استطعنا التوصّل إلى ادّعاءات تخصّ استخدام الدماغ. 

بغضّ النظر عن الأسباب، فإنّ الدراسات الحاليّة للتصوير بالرنين المغناطيسيّ الوظيفيّ (fMRI) للدماغ تُظهر بوضوح أنّه أثناء الراحة وأثناء المهام المركّزة، يستخدم البشر أكثر من عشرة بالمائة من أدمغتهم في نفس الوقت، وأنّ جميع أجزاء الدماغ نشطة بمستويات مختلفة، حسب وظيفتها. على سبيل المثال، تنشط المناطق المختصّة بالتعرّف على الوجوه بقوّة أكبر عندما نرى أشخاصًا أو صورًا لأشخاص، بينما في ظروف أخرى يقلّ نشاطها.

تتطلّب العديد من المهام اليوميّة عمل مناطق عديدة من الدماغ معًا بطريقة متزامنة. أي عندما يزداد النشاط في منطقة ما، فإنّ المناطق الأخرى المتّصلة بها في نفس الشبكة العصبيّة ستزيد أيضًا من نشاطها، ومن ثمّ ستنخفض بطريقة منسّقة. يسمح هذا النمط الديناميكيّ للعمليّة بانتقال المعلومات بين مناطق مختلفة من الدماغ. أحيانًا تعمل أجزاء مهمّة من الدماغ بجهد عالٍ في نفس الوقت، دون تنسيق، فعلى سبيل المثال، تعمل العديد من الخلايا العصبيّة معًا بطريقة غير منضبطة في مرض الصرع (Epilepsy)، والّذي يتجلّى في تشنّجات وفقدان السيطرة على عضلات الجسم.


ما هي نسبة الدماغ الّتي نستخدمها؟  نستخدم كلّ أجزاء الدماغ، حتّى لو كان هناك نشاط متزايد في جزء معيّن في بعض الأحيان. صورة بالأشعّة السينيّة للدماغ البشريّ | Shutterstock, Jalisko

الادّعاء الثاني: يتميّز المبدعون باستخدام "الفصّ الأيمن من الدماغ"، بينما المنطقيّون يتميّزون باستخدام "الفصّ الأيسر"

يتكوّن دماغنا من نصفين، يُسمّيان نصفي الكرة المخيّة (cerebral hemispheres)، ومن المعتاد أن ننسب التفكير التحليليّ إلى النصف الأيسر من الدماغ، والتفكير الإبداعيّ والفنّيّ إلى النصف الأيمن. لا تختلف هذه الاعتقادات عن الواقع؛ لأنّ هناك بالفعل اختلافات بين نصفي الدماغ، لكنّها غير دقيقة للغاية.

يوجد في دماغ الإنسان مناطق تتخصّص في وظائف معيّنة أو تمكّن قدرة معيّنة. على سبيل المثال، في القرن التاسع عشر، أدرك الطبيب الفرنسيّ پول پيير بروكا (Paul Broca) أنّ منطقة معيّنة في الجانب الأيسر من الدماغ، والّتي سُمّيت باسمه، تلعب دورًا أساسيًّا في استخدام اللغة. اتّضح أنّ الأشخاص الّذين تضرّرت منطقة بروكا في دماغهم يعانون من الحبسة الكلاميّة (Aphasia): ضعف شديد في القدرة على الكلام، والّذي يتجلّى في صعوبة إيجاد المفردات وتجميع الجمل وفقًا للقواعد الصحيحة. يوجد نوع آخر من الحبسة الكلاميّة، والّتي سببها تلف منطقة قريبة على الجانب الأيسر من الدماغ، والّتي تُسمّى منطقة فيرنيك. قبل بضعة أشهر، تصدّرت هذه الظاهرة عناوين الصحف عندما عُرف أنّ الممثل بروس ويليس يعاني منها.

ومع ذلك، فإنّ فهم وإنتاج اللغة هو نشاط معقّد للغاية، لا يقتصر على مناطق فيرنيك وبروكا فقط. تشارك العديد من مناطق الدماغ في عمليّات المعالجة اللغويّة، وقد يؤدّي تلف أيّة منها إلى حدوث عجز في إنتاج  الكلام، الكتابة أو فهم اللغة. على الرغم من أنّ جزءًا كبيرًا من المعالجة اللغويّة يحدث في الجانب الأيسر من الدماغ، إلا أنّه يدمج نصفي الكرة المخيّة إلى حدٍّ ما.

للجانب الأيمن من الدماغ أيضًا وظائف معيّنة، فعلى سبيل المثال، تتخصّص منطقة القشرة الأمام-حركيّة (premotor cortex) اليمنى بفكّ تشفير المشاعر في تعابير الوجه. كما واكتُشِف  أنّ منطقة القشرة الحزاميّة الأماميّة في الدماغ (anterior cingulate cortex -ACC) مسؤولة عن معالجة الموسيقى. حتّى في هذه المناطق، لا يعمل الجانب الأيمن من الدماغ بمفرده، ويبدو أنّ عمل كلا الجانبين ضروريّ للاستجابة البشريّة السليمة.

أدّت هذه الاختلافات وما شابهها، إلى الاعتقاد بأنّ الجانب الأيمن من الدماغ هو المسيطر لدى الأشخاص الّذين يميلون إلى الفنّ، بينما يستخدم الأشخاص التحليليّون الجانب الأيسر أكثر. في دراسة أُجريت عام 2013، حاول الباحثون اختبار الادّعاء بأنّ هناك أشخاصًا لديهم جانب واحد من دماغهم مسيطر أكثر من الآخر. للقيام بذلك، قاموا بفحص أدمغة أكثر من ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 7 و 29 عامًا باستخدام جهاز التصوير بالرنين المغناطيسيّ الوظيفيّ (fMRI) وفحصوا نشاطها أثناء الراحة. لم تظهر النتائج أيّ دليل على وجود ميل لنشاط الدماغ الأيمن أو الأيسر. لذا، على الرغم من وجود وظائف دماغيّة أكثر ارتباطًا بنصف كرويّ معيّن، فإنّ هذا لا يعني أنّ لدى الناس جانبًا مهيمنًا وجانبًا ليس كذلك.


لدى معظم الناس توجد مناطق مهمّة لتطوير اللغة في النصف الأيسر من الدماغ. ومع ذلك، فإنّ المعالجة اللغويّة، مثل العديد من العمليّات المعقّدة الأخرى، تشمل كلا نصفي الكرة المخيّة. رسم توضيحيّ لجزء الدماغ حيث توجد منطقة بروكا، الّتي تعتبر مهمّة لإنتاج الكلام | Kateryna Kon. Science Photo Library

الادّعاء الثالث: الدماغ الكبير يشير إلى ذكاء عالٍ

يبدو منطقيًّا أن نعتقد أنّ هناك وجود علاقة بين حجم الدماغ وعمق التفكير. بعد كلّ شيء، كلّما زاد حجم الدماغ زاد تشعّب شبكة الاتّصال بين الخلايا العصبيّة فيه. لذلك، من المحتمل أن يكونوا أذكياء أكثر من اللازم، أليس كذلك؟

هناك العديد من الأمثلة في الطبيعة والّتي تدحض وجود علاقة بسيطة بين حجم الدماغ والذكاء. على سبيل المثال، أدمغة الفيلة والحيتان أكبر بكثير من دماغ الإنسان، ومع ذلك يُظهر البشر قدرات عقليّة تفوقها بكثير.

قد يكون هناك عامل آخر أكثر أهميّة من حجم الدماغ وحده. لقد وجدت الدراسات علاقة جزئيّة بين الذكاء وعدد الخلايا العصبيّة في الدماغ وكثافتها، ومستوى اتّصال الخلايا العصبيّة ببعضها البعض- أي مدى جودة اتّصال الخلايا وكمّيّة المعلومات الّتي يمكن أن تمرّ بينها. حيث من الممكن أن يكون حجم الدماغ مؤشّرًا إلى حدّ ما على الذكاء، لكن لا يمكن استنتاج أنّه هو الّذي يحدّده.

من الواضح أنّ العديد من العوامل الأخرى تشارك في تحديد الذكاء بما يتجاوز حجم الدماغ، وبعضها لا نعرفه حتّى الآن، والدليل على ذلك، هو أنّ أدمغة الأشخاص الّذين تمّ اعتبارهم أذكياء بشكل خاصّ ليست أكبر من الأدمغة الأخرى. فقد كان دماغ الفيزيائيّ ألبرت أينشتاين صغيرًا نسبيًّا ووزنه 1230 جرامًا فقط، مقارنة بمعدّل وزن دماغ الرجل البالغ 1376 جرامًا. بشكل عامّ، لا يوجد حاليًّا دليل قويّ يزضّح لنا الاختلافات في الذكاء بين الناس وفقًا للخصائص الجسديّة مثل حجم أدمغتهم وأجسادهم.


أدمغة الحيتان أكبر بكثير من أدمغة الإنسان، ومع ذلك يُظهر البشر قدرات عقليّة تفوقها. رسم توضيحيّ يظهر دماغ الحوت الأحدب (humpback whale) | Shutterstock, BlueRingMedia

الادّعاء الرابع: شرب الكحول يقتل خلايا الدماغ

على الرغم من أنّه لا يوجد شكّ في أنّ الإفراط في استهلاك الكحول يضرّ بوظائف الدماغ، إلا أنّه يبدو أنّ الضرر الرئيس والفوريّ لا يؤثّر في سلامة خلايا الدماغ، وإنّما في وظيفتها وشبكة الاتّصالات بينها. تُسمّى هذه الروابط بين الخلايا العصبيّة نقاط الاشتباك العصبيّ، و هي أساس الاتّصال بين الخلايا العصبيّة والقدرات الحسابيّة العالية للدماغ. يؤدّي التعرّض لكميّات كبيرة من الكحول إلى زيادة تأثير الناقل العصبيّ GABA، على سبيل المثال، والّذي يمنع نقل الرسائل بين الخلايا العصبيّة. عندما تتعرّض الخلايا لـ GABA بشكل متزايد على المدى الطويل، فإنّها تستجيب لتأثيره بشكل أقلّ، ونتيجة لذلك قد يعاني الشخص من زيادة التوتّر والتهيّج. 

في النهاية، يمكن أن يؤدّي الاستهلاك المفرط للكحول بالفعل إلى تلف دماغيّ لا يمكن إصلاحه وحتّى تقلّص مناطق معيّنة من الدماغ. لذلك يبدو أنّ الكحول يؤدّي في النهاية إلى قتل الخلايا العصبيّة، لكن ليس بشكل مباشر أو فوريّ. يؤدّي استهلاك الكحول لفترات طويلة إلى عدّة تأثيرات في الجسم بحيث يزيد من  إنتاج الجذور الحرّة وتحفيز الاستجابة الالتهابيّة فتموت الخلايا كنتيجة ثانويّة. كما أنّ للكحول تأثيرًا أقوى في الأدمغة الّتي لم تنته بعد نموّها، لذا فإنّ استهلاكها من قبل الأطفال شديد الخطورة بشكل خاصّ.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدّي الاستهلاك المفرط للكحول إلى متلازمة فيرنيك- كورساكوف (Korsakoff's syndrome) الّتي تضعف الذاكرة والقدرة على تعلّم معلومات جديدة. تنتج هذه المتلازمة بسبب تلف مباشر في خلايا الأمعاء، وليس الدماغ، بحيث تتضرّر قدرة الأمعاء على امتصاص فيتامين ب1 (Vitamin B1) الّذي يدخل الجسم من خلال الجهاز الهضميّ. يعتبر هذا الفيتامين ضروريًّا لوظيفة الدماغ، وقد يتسبّب نقصه في أضرار لا رجعة فيها للعديد من العمليّات المهمّة.


الاستهلاك المفرط للكحول يضرّ بأداء الدماغ، على الأقلّ في المرحلة الأولى ولا يؤثّر في خلايا الدماغ ذاتها. نموذج للدماغ في كأس من البيرة | Shutterstock, Chizhevskaya Ekaterina

الادّعاء الخامس: نقص في السيروتونين "هرمون السعادة" يسبّب الاكتئاب

يسعى البشر بطبيعة الحال إلى تصنيف الظواهر المعقّدة وإعطائها تفسيرات بسيطة. وبالتالي، فإنّ التفسير غير الدقيق والواسع للغاية لنتائج الأبحاث المحدودة قد يدفع الناس إلى إسناد المسؤوليّة الكاملة عن السلوكيّات البشريّة المعقّدة إلى مادّة واحدة. هكذا أُطلِق على جزيء الأوكسيتوسين النشط في الدماغ اسم "هرمون الحب". وبالمثل، فإنّ الناقل العصبيّ السيروتونين، والّذي يشارك في مجموعة متنوّعة من وظائف الدماغ في العديد من مناطق الجهاز العصبيّ المركزيّ، كان يُطلق عليه في الماضي اسم "هرمون السعادة".

بدأ هذا التعريف بين السيروتونين والسعادة بعد الاكتشاف العرضيّ لعائلة مضادّات الاكتئاب الشهيرة، تشمل من بين أمور أخرى دواء بروزاك، والّتي تزيد من مستويات السيروتونين في المشابك العصبيّة في الدماغ. ولهذا، وُلدت الفرضيّة بأنّ للسيروتونين دورًا في قمع الاكتئاب، ما يعني أنّه يحسّن الحالة المزاجيّة بشكل عامّ.

نعلم اليوم أنّ مزاجنا مرتبط بالعديد من العوامل والعمليّات المعقّدة والديناميكيّة. لذلك، حتّى لو كان للسيروتونين تأثير مباشر، فإنّه لا يحدّد لوحده على الإطلاق ما نشعر به، ولكنّه يعمل كمكوّن واحد في نظام كبير ومتعدّد العوامل. قد نكتشف المزيد من التفاصيل القيّمة حول الأدوار الّتي يلعبها السيروتونين في دماغ الإنسان ومن الممكن أن نجد طرقًا مفيدة لاستخدامه. ومع ذلك، فإنّ الافتراض بأنّ رفع مستوى السيروتونين وحده سيكون كافيًا لتحسين مزاج الشخص، قد تمّ استبعاده بالفعل في العديد من الدراسات.


يرتبط السيروتونين بمزاجنا، ولكنّه لا يحدّد ما نشعر به على الإطلاق. رسم توضيحيّ لمناطق الدماغ الّتي ينشط فيها السيروتونين | PIKOVIT, Science Photo Library

الادّعاء السادس: يتوقّف الدماغ عن النموّ بعد البلوغ

في السنوات الأولى من حياة الطفل، ينمو دماغه ويتطوّر بسرعة كبيرة، بحيث يكبر حجمه وتزداد الروابط بين الخلايا العصبيّة. ومع ذلك، تتدهور الروابط غير المرغوب فيها بين الخلايا العصبيّة طوال الحياة وتتشكّل روابط أخرى مكانها اعتمادًا على نشاط الجسم والمؤشّرات الّتي يتلقّاها من البيئة. على مرّ السنين، حدث انخفاض كبير في معدّل نموّ وتطوّر الدماغ، لكنّ هذا لا يعني أنّ هذا التغيير ثابت، فلا يزال بإمكان الدماغ التغيير.

تستمرّ أدمغتنا في تشكيل وإنشاء روابط جديدة بين الخلايا العصبيّة طوال حياتنا، حتّى بعد سنوات عديدة من توقّفنا عن النموّ. يتمّ إنشاء نقاط الاشتباك العصبيّ الجديدة عند تعلّم مهارات وخوض تجارب جديدة تسمح لنا بمواصلة التطوّر باستمرار ككائنات قادرة على التفكير والتعلّم. تحدث عمليّات التغيير والتطوّر المستمرّة في الدماغ حتّى  لكبار السنّ. وإذا لم يكن ذلك كافيًا، خلافًا للرأي السائد، فمن الممكن أنّه حتّى في سنّ متقدّمة، تتكوّن خلايا عصبيّة جديدة في دماغنا، في المناطق الّتي تشارك في تكوين ذكريات جديدة مثلًا.


في السنوات الأولى من حياة الطفل، ينمو دماغهم ويتطوّر بسرعة كبيرة- لكنّه يستمرّ في التغيير طوال الحياة. رسم لمقطع من دماغ طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر (على اليسار)، سنتين (في الوسط)، أربع سنوات (على اليمين) | JACOPIN, Science Photo Library

دماغ الانسان

منذ فجر التاريخ، كان لدماغ الإنسان ميزة كبيرة، بفضله سمح للبشر أن يصبحوا النوع السائد على الأرض، بحيث يستخدم الطبيعة لاحتياجاته، ويستقرّ في أيّ مكان تقريبًا في عالمنا. تطلّبت هذه الإنجازات تعقيدًا هائلًا، وسيتطلّب الأمر سنوات عديدة من البحث قبل أن ننجح في فكّ رموز معظم أسرار العضو الّذي يميّزنا أكثر من أيّ شيء آخر.

من بين أمور أخرى، من المهمّ أن نفهم أنّ الدماغ لا يعمل في فراغ، ولكن كجزء لا يتجزّأ من النسيج الكامل لجميع أنظمة الجسم لدينا. لذلك ليس هناك شكّ في أنّنا سنواجه في المستقبل العديد من الادّعاءات الغريبة حول الدماغ البشريّ. في النهاية، سيتمّ دحض الكثير منها. وبعضها، كما يحدث في بعض الأحيان، سنتأكّد من صحّتها. وفي غضون ذلك، سيستمرّ العلم في أداء دوره المقصود: معرفة الحقيقة.

 

0 تعليقات