تتركّز عمليّة تخصيب اليورانيوم في رفع نسبة المادّة القابلة للانشطار فيه، وهي عملية مُكلِفة تحتاج ميزانيّة وطنيّة كبيرة

يثير المصطلح العلمي "تخصيب اليورانيوم"، منذ انطلاق العصر النوويّ، الهلع والرعب عند الناس. تتناول وسائل الاتّصال والساسة هذا الموضوع كثيرًا وخاصّةً في الفترة الأخيرة بما يتعلّق بإيران، إذ أنّه يُعتبر -أي تخصيب اليورانيوم- مرحلة ضروريّة في الطريق إلى صناعة القنبلة النوويّة. ما هو التخصيب وما الحاجة له؟ ما علاقة ذلك بقدرة البشريّة على استغلال الطاقة الهائلة الكامنة في نواة الذرّة؟

انشطار اليورانيوم
اليورانيوم هو أحد العناصر الفلزيّة الثقيلة والنشطة إشعاعيًّا، وهو موجود في أسفل الجدول الدوريّ للعناصر - عدده الذرّيّ 92 أي يوجد 92 بروتونًا في نواته، وهو العنصر الأخير في الجدول  الموجود في الطبيعة بكمّيّات كبيرة. العنصر غير نادر الوجود في الكرة الأرضيّة وتوفّر احتياطيّاته كمّيّات كبيرة يمكن استخدامها لفترة طويلة، إذا تمكّنّا من استحضاره من ماء البحر بشكل خاصّ. 

عند تحلُّل اليورانيوم إشعاعيًّا، أي عندما يُطلق بشكل تلقائيّ جسيمات أو أشعة كهرومغناطيسيّة نتيجةً لتفكّك نواته؛ تنبعث كمّيّة كبيرة من الطاقة ولكنّه لا يختلف بذلك عن مواد أخرى نشطة إشعاعيًّا. ما يميّز اليورانيوم هو أنّه قابل لأنّ يمرّ بعمليّة أخرى لا علاقة لها بالنشاط الإشعاعيّ، تُسمّى الانشطار النوويّ. تسمّى المادّة التي يمكن أن تنشطر نواتها بالمادّة القابلة للانشطار. عنصر البلوتونيوم (عدده الذري 94) غير الموجود في الطبيعة هو المادّة القابلة للانشطار الأكثر رواجًا، عدا عن اليورانيوم، وتستحضر غالبيّته صناعيًّا في المفاعلات النوويّة.  

تحتوي نواة الذرّة على البروتونات ذات الشحنة الكهربائيّة الموجبة والنيوترونات عديمة الشحنة الكهربائيّة. يحدث الانشطار في نواة الذرّة. يحدّد عدد البروتونات نوع العنصر وهو الذي يُملي صفاته. تتميّز نظائر (إيزو توبات) معيّنة للعنصر بقابليّة الانشطار. تحتوي نويات نظائر العنصر القابلة للانشطار على نفس العدد من البروتونات، لكنّها تختلف بعدد النيوترونات. تكاد تتطابق الصفات الكيميائيّة لنظائر العنصر ولكنّها قد تختلف كثيرًا بالخواص النوويّة مثل النشاط الإشعاعيّ. 

في جميع ذرات الكربون، على سبيل المثال، هُناك ستّة بروتونات وفي معظمها ستة نيوترونات وتسمّى  هذه الكربون-12. تحتوي بعض ذرات الكربون على سبعة نيوترونات (الكربون-13) ويحتوي البعض الآخر على ثمانية نيوترونات (الكربون-14). الكربون-14 نشيط إشعاعيًّا ويتيح ذلك استخدامه في تأريخ البقايا القديمة من المواد العضويّة وذلك وفقًا لوتيرة تحلّله الإشعاعي. 

דיסק עשוי אורניום מועשר מתכתי | US Department of Energy
العنصر الأخير في جدول العناصر الدوريّ الموجود بكمّيّات كبيرة في الطبيعة، والأهمّ من ذلك أنّه قابل للانشطار. قرصٌ مصنوع من اليورانيوم الفلزيّ المُخصّب. | US Department of Energy

هناك احتمال كبير لانقسام نواة ذرّة العنصر القابل للانشطار إلى جزءين غير متتطابقين عند اصطدام نيوترون حرّ بها، كما تنطلق نيوترونات أخرى، نيوترونين أو ثلاثة، عندما يحدث الاصطدام. تنطلق خلال هذه العمليّة المسمّاة الانشطار النوويّ كمّيّة هائلة من الطاقة تفوق كثيرًا كمّيّة الطاقة التي تنطلق من التفاعلات الكيميائيّة، كالاحتراق. أمّا سبب ذلك فهو أنّ الروابط العاملة داخل نواة الذرّة أقوى بكثير من القوى الكيميائيّة العاملة بين الذرّات.

أضف إلى ذلك، أنّ النيوترونات الإضافيّة التي تنطلق في عمليّة انشطار نواة الذرّة تصطدم بنويات مجاورة أخرى، وقد تؤدّي إلى انشطارها وتتواصل العمليّة بما يشبه السلسلة التي تغذي نفسها، لذلك، تُسمّى هذه بالعمليّة المتسلسلة. يمكن أن يتعاظم التفاعل المتسلسل بسرعة فائقة ويبلغ عددًا هائلًا من الانشطارات خلال أقلّ من جزء من مليون من الثانية، وذلك ما يحدث في التفجير النووي. يمكن التحكّم بعمليّة الانشطار بأن تحدث بشدّة ثابتة نسبيًّا، ذلك ما يجري عادةً في المفاعلات النوويّة التي تستخدم فيها الطاقة المنطلقة في عمليّة الانشطار لإنتاج الحرارة واستخدام الحرارة في إنتاج الكهرباء.

הנייטרון (כדור אדום) פוגע בגרעין האורניום וזה מתפרק לשניים, ופולט שלושה נייטרונים | Shutterstock, adison pangchai
العمليّة التي تنطلق خلالها كمّيّة هائلة من الطاقة: انشطار نواة اليورانيوم-235. يصطدم نيوترون (الكرة الحمراء) بنواة اليورانيوم وتنقسم إلى نواتين جديدتين وتنطلق ثلاثة نيوترونات | Shutterstock, adison pangchai

تخصيب اليورانيوم: التركيز على الشيء المهمّ
توجد عقبة كبيرة في طريق استخدام الطاقة الكامنة في نواة اليورانيوم. يتكوّن اليورانيوم الطبيعيّ من نظيرين رئيسيّين: غالبيّته العظمى - 99.3 في المائة - من النظير يورانيوم-238، غير القابل للانشطار ولا المرور بتفاعل نوويّ متسلسل في أيّة حال. الباقي، سبعة أجزاء من الألف فقط من اليورانيوم الموجود في الطبيعة هو من النظير يورانيوم-235 القابل للانشطار، وهو المادّة الطبيعيّة الوحيدة التي تتمتّع بهذه الصفة أي قابليّة الانشطار. 

لا يكفي هذا التركيز المنخفض من اليورانيوم-235 لتكوين تفاعل متسلسل بقدر كافٍ، عدا عن عدد قليل جدًّا من المفاعلات التي تمّت ملاءمتها لذلك خصيصًا. يتطلّب تسهيل حدوث التفاعل المتسلسل تخصيب اليورانيوم - أي زيادة تركيز النظير يورانيوم-235 في اليورانيوم الخام. يعلو سؤالان بهذا الخصوص: الأوّل هو لأيّة نسبة تخصيب يجب أن يُخصّب اليورانيوم، ويتطرّق السؤال الثاني إلى كيفيّة تنفيذ عمليّة التخصيب.

تتعلّق الإجابة عن السؤال الأوّل بالاستخدام المرغوب ونوعيّة التفاعل المتسلسل. تكفي نسبة 3-5 بالمائة من التخصيب في مفاعلات إنتاج الكهرباء، وقد ذُكر آنفًا أنّ بعض المفاعلات تعمل حتّى باستخدام اليورانيوم الطبيعيّ غير المُخَصّب. توجد أيضًا مفاعلات، المفاعلات السريعة، تتطلّب نسبةً أعلى من التخصيب، لكنّها لا تفوق عادةً العشرين بالمائة. تشذّ المفاعلات الصغيرة، مثل تلك التي تُشغّل الغوّاصات والسفن الكبيرة، حاملات الطائرات مثلًا، عن ذلك، إذ يستخدم اليورانيوم المخصّب إلى مستوى أعلى بكثير قد يفوق نسبة التسعين بالمائة، وذلك لأنّ مستوى التخصيب العالي يتيح المجال أمام بناء مفاعل صغير الحجم.

כור גרעיני ניסיוני זעיר שהיה בשימוש ב"פרויקט מנהטן" לפיתוח הפצצה הגרעינית במלחמת העולם השנייה | Los Alamos National Laboratory
تتطلّب الاستخدامات المختلفة تركيزًا مختلفًا من نظائر اليورانيوم. الفرن النوويّ التجريبيّ المصغّر الذي استُخدمَ في "مشروع مانهاتن" لتطوير القنبلة الذرّيّة في الحرب العالميّة الثانية. | Los Alamos National Laboratory 

تتطلّب القنابل النوويّة مستويات عالية من التخصيب: بالرغم من أنّه يمكن اعتبار اليورانيوم المخصّب لدرجة عشرين بالمائة أو أكثر سلاحًا إلّا أنّ بناء قنبلة من اليورانيوم بهذه الدرجة من التخصيب ليس عمليًّا ويحتاج إلى ما لا يقلّ عن مئات الكيلوغرامات من اليورانيوم. 

من هُنا، يتمّ تخصيب اليورانيوم المعدّ للاستخدام العسكريّ إلى درجة تفوق تسعين بالمائة. يُعتبر مستوى التخصيب 93.5 بالمائة، في الولايات المتّحدة الأمريكيّة مثلًا، نسبةً تقنيّةً للاستخدام العسكريّ. كانت نسبة تخصيب اليورانيوم في القنبلة الذرّيّة التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية سنة 1945 

80 بالمائة فقط ذلك لأنه لم يكن هناك متّسع من الوقت لتخصيب اليورانيوم إلى مستوى أعلى. فيما لو استخدمت نفس كمّيّة اليورانيوم، لكن بمستوى تخصيب تسعين بالمائة لكانت شدّة انفجار القنبلة التي ألقيت على هيروشيما مضاعفة

كيف يُجرى تخصيب اليورانيوم؟
السؤال الثاني - كيف يُخصّب اليورانيوم - هو أكثر تعقيدًا. تتشابه نظائر اليورانيوم فيما بينها بالخواص الكيميائية إلى حدٍّ كبير ممّا يجعل استخدام التفاعلات الكيميائيّة للفصل بينها غير ناجع بتاتًا، في حين يختلف الأمر في العناصر الأخفّ من اليورانيوم. يتطلّب الفصل بين نظيرَي اليورانيوم المتشابهين كثيرًا في خواصهما استغلال الفروق البسيطة في صفاتها الطبيعية عامّةً وفي الكتلة بشكل خاصّ. ليس ذلك سهلًا لأنّ الفرق بين كتلتي النظيرين، اليورانيوم-235 واليورانيوم-238 لا يبلغ الواحد والنصف بالمائة. 

تعتمد جميع طرق تخصيب اليورانيوم على هذا الفرق البسيط. يُنتج مركّب من اليورانيوم وعنصر الفلور لأنّ غالبية طرق التخصيب تتطلّب وجود اليورانيوم في الحالة الغازيّة. المركّب الناتج هو سداسيّ فلوريد اليورانيوم، وهو مادّة سامّة جدًّا تؤدي إلى التآكل لكن من السهل تحويلها إلى الحالة الغازيّة. توجد أفضليّة أخرى لهذا المركّب وهي أنّه يوجد للفلور في الطبيعة نظير واحد فقط؛ لذلك يعود الاختلاف في كتل جزيئات مركّب سداسيّ فلوريد اليورانيوم لاختلاف نوعيّة نظير اليورانيوم فيها فقط. 

الطريقة الأكثر رواجًا ونجاعةً لتنفيذ عمليّة الفصل هي أجهزة الطّرد المركزيّ. يُدخل الغاز بهذه الطريقة إلى أسطوانة يبلغ طولها بضعة أمتار تدور بسرعة فائقة تصل مائة ألف دورة في الدقيقة تقريبًا. هكذا يتمّ الفصل - يتجمّع النظير الأثقل في الجزء الخارجيّ من الأسطوانة ويتجمّع النظير الخفيف في مركزها.   

האיזוטופ הקל יותר, אורניום-235, נוטה להתרכז במרכז הגליל. תרשים של צנטריפוגת גז | Wikipedia, Inductiveload
الطّرد المركزيّ هي الطريقة الأكثر نجاعةً وانتشارًا لتخصيب اليورانيوم. يتجمّع النظير الخفيف، اليورانيوم-235 في مركز الأسطوانة. يصف التخطيط جهاز الطرد المركزي الغازي. | Wikipedia, Inductive Load

راج في الماضي استخدام طريقة انتشار الغاز في عمليّة الفصل إلّا أنّها تكاد لا تستخدم اليوم. تعتمد هذه الطريقة على مبدأ انتشار المواد من المنطقة التي يكون فيها التركيز عاليًا إلى المكان الذي يكون فيه التركيز منخفضًا. تمرُّ جزيئات سداسي فلوريد اليورانيوم، في عملية انتشار الغاز، من خلال حاجز فصل فيه خروق صغيرة. تتحرّك الجزيئات الخفيفة بسرعة أكبر من الجزيئات الثقيلة، الأمر الذي يؤدّي إلى أن تكون جزيئات الغاز الموجودة خلف الحاجز أكثر خصوبةً قليلًا من جزيئات الغاز التي لم تمرّ. 

القاسم المشترك بين الطريقتين هو أنّ الفصل فيهما بعيدٌ عن أن يكون فصلًا تامًّا ولا يكون الناتج مكونًا من اليورانيوم-235 الغازيّ واليورانيوم-238 الغازيّ كلًّا على انفراد، إنّما ناتج غازي يحتوي على نسبة من اليورانيوم-235 أعلى بقليل من النسبة البدائيّة وناتج غازيّ آخر فيه نسبة أقلّ قليلًا. سبب ذلك هو الفرق البسيط، كما ذكر سابقًا، بين كتل الجزيئات وسرعتها: الفرق بين سرعة الجزيئات، في طريقة انتشار الغاز، التي تحتوي على نظيريْ اليورانيوم هو صغير جدًّا. لذلك، توجد حاجة لآلاف المراحل من عمليّات الفصل، الواحدة تلو الأخرى. ولا يتمّ تخصيب اليورانيوم بطريقة الطرد المركزيّ من مرحلة فصل واحدة، إنّما يتطلّب ذلك منظومة من آلاف أجهزة الفصل الطاردة عن المركز الذي يمرّر فيها الغاز من جهاز فصل إلى آخر فتزداد نسبة تخصيبه قليلًا كلّ مرّة.

عمليّات تخصيب اليورانيوم مكلفة جدًّا لأنّها تستهلك كمّيّات كبيرة من الطاقة. تتطلّب عملية الفصل بالاعتماد على الطرد المركزيّ، على سبيل المثال، دوران آلاف الأجهزة بسرعة عالية في آن واحد ولفترة طويلة. أمّا في عمليّة انتشار الغاز فيجب ضغط الغاز من جديد بعد كلّ مرحلة لكي تكون وتيرة الانتشار مقبولة. تستهلك طريقة انتشار الغاز ما يقارب 50 ضعفًا من كمّيّة الكهرباء بالمقارنة مع طريقة الطرد المركزيّ، الأمر الذي يجعل الأولى أقل تفضيلًا.

הצנטריפוגות המודרניות קצרות יותר אך עדיין גובהן כמה מטרים | United States Department of Energy
منظومة الطرد المركزي في مصنع تخصيب اليورانيوم في أوهايو في الولايات المتحدة الأمريكية في سنوات الثمانين من القرن العشرين. الأجهزة الحديثة أقل ارتفاعًا إلّا أنها تصل، مع ذلك، إلى ارتفاع بضعة أمتار | United States Department of Energy

هاتان هما الطريقتان الرئيسيّتان لتخصيب اليورانيوم. توجد طرق أخرى لكنّها ليست قيد الاستخدام. من هذه الطرق الفصل الكهرومغناطيسي، وهو مكلف جدًّا ويستهلك كمّيّات أكبر من الطاقة، ومنها عملية الفصل بالليزر، ما لم تنضج التكنولوجيا الخاصّة بها بعد. 

الناتج الجانبي من عملية التخصيب هو اليورانيوم المُنضّب أي اليورانيوم-238 النقي تقريبًا، ويحتوي على كمّيّات قليلة جدًّا من اليورانيوم-235، وهو ينتج بكمّيّات كبيرة. يكاد استخدام اليورانيوم المنضّب في الأفران النوويّة أو في تطوير الأسلحة معدومًا، لكنّ نشاطه الإشعاعيّ أقلّ من اليورانيوم الطبيعيّ وسعره رخيص لكونه ناتجًا مرافقًا. توجد لليورانيوم المنضّب استخدامات في المجالات المدنيّة والعسكريّة وغيرها مثل الدروع الواقية للدبابات والوقاية من الاشعاع والرصاص مخترق الدروع.  وغيرها من الاستخدامات التي تعتمد على خواص اليورانيوم الكيميائيّة والهندسيّةـ فهو فلز متين وثقيل ذو كثافة عالية جدًّا.

 

כתוצר לוואי, תהליך ההעשרה מפיק כמות גדולה למדי של אורניום מדולל: מתכת זולה, צפופה וחזקה. קליע מאורניום מדולדל | Wikipedia, Choihei
تنتج كمية كبيرة من اليورانيوم المُنَضَّب كناتج مرافق في عملية التخصيب وهو فلز رخيص متين وذو كثافة عالية. رصاصة مصنوعة من اليورانيوم المنضب | Wikipedia, Choihei

تخصيب اليورانيوم على النطاق العالميّ
للغالبية العظمى من الدول التي تمتلك الأسلحة النووية القدرة على تخصيب اليورانيوم بقدر كبير. لبعض الدول، منها ألمانيا وهولندا واليابان، القدرة على تخصيب اليورانيوم ولكنّها لا تستغلّ هذه القدرة في تطوير الأسلحة النوويّة. تمتلك روسيا، من بين سائر الدول، القدرة الأكبر على تخصيب كمّيّات كبيرة من اليورانيوم خلال فترة قصيرة، تليها شركة أورينكو التي تمتلكها عدّة حكومات أوروبيّة.  

تكاد خمس الدول النووية العظمى - الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا - لا تُصَنّعُ اليورانيوم المخصب للاحتياجات العسكريّة وقد توقفت، تقريبًا، عن تطوير أسلحة نوويّة جديدة.

بالرغم من ذلك لا داعي للقلق، فهي تمتلك مُجمّعات هائلة من القنابل كانت قد كدّستها خلال الحرب الباردة ولا حاجة لها بإنتاج أسلحة جديدة. 

من هنا فإنّ غالبيّة العمليّات التي تجرى اليوم تُنتِج اليورانيوم المخصّب حتّى نسبة خمسة بالمائة أو أقلّ، وذلك لاستخدامه كوقود للأفران النووية. مصدر نسبة كبيرة من الوقود النووي الذي استُخدم في العقود الأخيرة هو اليورانيوم المخصّب بنسبة عالية، والذي كان قد أُعدّ للقنابل النوويّة أصلًا وتمّ تفكيكها ثمّ خُلط مع اليورانيوم الطبيعي حتّى الحصول على نسبة التخصيب المنخفضة المناسبة لتشغيل الأفران.

צנטריפוגות גז במפעל להעשרת אורניום ברוסיה | Sputnik, Science Photo Library
تتقدم روسيا الدول التي تمتلك أدوات وأجهزة تخصيب اليورانيوم. أجهزة الطرد المركزي الغازي في مصنع تخصيب اليورانيوم في روسيا | Sputnik, Science Photo Library

استخدمت الباكستان، مع بدء تطوير خطتها النوويّة، أجهزة الطرد المركزيّ في عمليّة تخصيب اليورانيوم. من المحتمل أنّ دولة الباكستان نجحت في الحصول على خطط بناء وتشغيل أجهزة الطرد المركزيّ بفضل عالم باكستانيّ كان يعمل لدى شركة أورينكو الأوروبية في سبعينيات القرن العشرين ونقل منها الخطط خدمةً لوطنه. هناك ادّعاء بأنّ هذه الخطط بيعت لاحقًا لدول أخرى، منها إيران. 

تقاس قدرة التخصيب بوحدات العمل الفاصلة (SWU). يمكن حساب كم SWU نحتاج لتخصيب اليورانيوم من مستوى إلى آخر بواسطة أدوات سهلة متوفرة اليوم، أو حساب كمية خام اليورانيوم اللازمة للوصول إلى مستوى التخصيب المرغوب بواسطة كمٍّ معيّن من وحدات العمل الفاصلة. 

يبلغ إجمالي قدرة التخصيب في العالم اليوم بضع عشرات ملايين SWU معظمها في روسيا وأوروبا الغربية ويتمّ التخصيب في جميعها تقريبًا بأجهزة الطرد المركزيّ. نحتاج إلى أكثر من مائة ألف SWU في السنة لتخصيب اليورانيوم إلى مستوى التخصيب المنخفض المناسب لتزويد الوقود لمحطات الطاقة النوويّة، وتُكرّس جلّ جهود تخصيب اليورانيوم في العالم لهذا الغرض.

تُبذلُ كمّيّة كبيرة من الطاقة في عمليّة تخصيب اليورانيوم لاستخدامه كوقود نوويّ، لكنها أقلّ كثيرًا من كمّيّة الطاقة التي تُنتجها محطة توليد الطاقة النوويّة من هذا الوقود. على الرغم من ذلك، فإنّ اليورانيوم المخصّب غالي الثمن بسبب التكاليف الأوّليّة الباهظة التي تبذل في عملية إنتاجه. يكلّف اليورانيوم المخصب إلى المستوى المناسب لإنتاج القنبلة النوويّة أموالًا طائلة ويصعب تقدير ثمنه بدقّة لأنّ التجارة به غير متاحة في السوق الحرّة.

الحالة الإيرانية

تمتلك إيران اليوم، حسب المعلومات المتوفرة من المصادر المعلنة، فرنًا نوويًّا واحدًا من صنع روسي موجود في مدينة بوشهر. يُستخدم اليورانيوم المخصّب بمستوى منخفض الذي تزوده روسيا  في تشغيل هذا الفرن المُعدّ لإنتاج الكهرباء.

لا تكفي قدرة التخصيب التي تمتلكها إيران اليوم والمُقدّرة ببضع عشرات آلاف SWU لتوفير الوقود للفرن. يمكن الافتراض أنّ تكاليف اقتناء إيران وقود نووي من روسيا أقل من تكاليف إنتاجه بنفسها. يتضح من ذلك أنّ مشروع التخصيب الإيراني مُعدٌّ للأغراض العسكرية. 

لا توجد لدى إيران اليوم، وفقًا لما هو معروف من المصادر العلنية، كمية من اليورانيوم المخصب تكفيها لبناء قنبلة نووية، ويبدو أنّ إيران لم تقم بتخصيب اليورانيوم لمستوى يفوق العشرين بالمائة، ما لا يكفي لتصنيع سلاح نووي يمكن استخدامه فعليًّا. مع ذلك، أعلنت إيران في شهر نيسان/أبريل هذا العام أنها شرعت في تخصيب اليورانيوم إلى مستوى ستين بالمائة بوتيرة تصل إلى تسعة غرامات في الساعة، ويسهل كثيرًا، بناء على ذلك، بلوغ مستوى تسعين بالمائة وهو المستوى المطلوب لتصنيع القنبلة النووية .  يكفي، من الناحية العملية، مستوى التخصيب الذي أعلنت إيران الشروع بتنفيذه لبناء قنبلة نووية ولكنها تحتاج كمية مضاعفة من اليورانيوم المخصب بالمقارنة مع مستوى التخصيب المتعارف عليه. 

מפעל להעשרת אורניום באיראן | Digital Globe, Eurimage,  Science Photo Library
أعلنت إيران في شهر نيسان/أبريل هذا العام أنها شرعت في تخصيب اليورانيوم إلى مستوى ستين بالمائة. مصنع تخصيب اليورانيوم في إيران | Digital Globe, Eurimage, Science Photo Library

تخصيب عناصر أخرى
الغاية من تخصيب عنصر اليورانيوم واضحة ومعروفة. ماذا بالنسبة للفصل بين نظائر العناصر الأخرى؟ يتمّ هذا الفصل في عناصر كثيرة، بمقادير منخفضة - بضع غرامات. تستخدم، مثلًا، نظائر الكربون والأكسجين غير النشطة إشعاعيًّا كثيرًا في تعليم ذرات الجزيئات، ثم يستخدم الباحثون هذه الجزيئات في التجارب التي تجرى في البيولوجيا الجزيئيّة. خُصّبَ عنصر الكالسيوم أيضًا بكمّيّات قليلة سابقًا لأبحاث كاستخدام أحد نظائره لاستحضار العناصر الثقيلة جدًّا. يبرز تخصيب عنصر السيليكون ضمن هذه الفئة، إذ يتمّ الحصول على كتلة مكونة من نظير واحدٍ فقط (تقريبًا) من بين ثلاثة النظائر الموجودة في السيليكون الطبيعي. التوصيل الحراري لهذا السيليكون أفضل من السيليكون الطبيعيّ بفضل المبنى البلوري الأكثر تكاملًا الذي يتمتع به النظير النقي. توجد أهمّيّة بالغة لهذه الصفة في صناعة الرقائق والحواسيب الكوانتية التي من المتوقع بناؤها في المستقبل. 

أجريَت عمليّات الفصل بكمّيّات كبيرة بلغت آلاف الكيلوغرامات في عنصرَيْ الهيدروجين والليثيوم فقط، عدا عن اليورانيوم. يستخدم الليثيوم، العنصر الثالث في جدول العناصر، وهو فلزٌ خفيف، كثيرًا في البطاريات الكهربائيّة ويستخدم أيضًا في القنبلة الهيدروجينية. يستخدم النظير الأخف من بين نظيرَيْ الليثيوم والذي نسبة انتشاره في الطبيعة هي الأقل في القنبلة الهيدروجينية. لقد أنتجت الدول النوويّة العظمى أطنانًا من الليثيوم المخصّب خلال الحرب الباردة و توقّفت عن إنتاجه كليًّا، تقريبًا، مع انتهائها. تكاد الكمّيّات المُكدّسة من الليثيوم لا تُستخدم اليوم. 

يتمّ في عملية تخصيب الهيدروجين فصل نظير الهيدروجين الثقيل وقليل الانتشار المُسمّى ديوتيريوم (الهيدروجين-2) الذي تحتوي نواة ذرّته على نيوترون واحد، عن النظير الآخر، الهيدروجين-1، الذي لا تحتوي نواة ذرّته على النيوترونات. يستخدم الهيدروجين-2 بشكل رئيسيّ في إنتاج الماء الثقيل، أي الماء الذي تحتوي جزيئاته على الديوتيريوم بدلًا من الهيدروجين العاديّ للأفران النووية. تمتلك الدول العظمى النووية مخزونًا كبيرًا من الهيدروجين المخصّب الذي يستخدم أيضًا في إنتاج القنابل النوويّة. يستخدم الديوتريوم أيضًا في فحوصات كيميائيّة معينة وفي الأبحاث البيولوجية. يمكن أن يستخدم الديوتيريوم في المستقبل البعيد في إنتاج الطاقة لكونه الوقود الرئيسيّ في عملية الانصهار أو الاندماج النوويّ.

נייטרון אחד נפלט בתהליך | Seymour / Science Photo Library
قد يُستخدم الديوتيريوم في المستقبل في عمليات الانصهار (الاندماج) النووي. يصف التخطيط هذه العملية: تنتج ذرة هيليوم عند تصادم ذرة الهيدروجين-2 مع ذرة الهيدروجين-3 وينطلق نيوترون واحد | Seymour / Science Photo Library

تُجرى عمليات تخصيب الهيدروجين والليثيوم دون الحاجة لاستخدام أجهزة الطرد المركزيّ، وتتمّ بواسطة تقنيات أخرى تعتمد على الفروق الكيميائيّة بين النظائر؛ وقد يكون ذلك لأنّ الفرق النسبيّ بين نظائر العناصر الخفيفة هو أكبر كثيرًا ممّا في العناصر الثقيلة مثل اليورانيوم، ويتجلّى هذا الفرق في الصفات الكيميائيّة للنظائر. 

يكثر استخدام تكنولوجيا الفصل بين النظائر في المجالات العسكرية النوويّة، ولها استخدامات مدنيّة. يمكن أن تكتمل الدائرة في المستقبل البعيد، ربّما بعد عدة عقود، عندما تضيء الكهرباء الرخيصة والنقية المنتَجة من الانصهار (الاندماج) النوويّ بيوتنا، ونقول حينئذ إنّ فصل النظائر تحوّل من وسيلة حربيّة إلى مصدر طاقة لا ينضبّ للاستخدام السلميّ. 

استجابة واحدة

  • אנונימי

    محمد المحمود عامل حالو زلمة