أطراف صناعيّة تقرأ الأفكار، هياكل خارجيّة روبوتيّة، واقع افتراضيّ وحتّى أطراف صناعيّة رياضيّة: تقنيات تساعد على إعادة التأهيل والعودة إلى النشاط بعد الإصابة

يُعدّ مسار عمليّة إعادة التأهيل جزءًا أساسيًّا من عملية التعافي للأشخاص الذين تضرّرت قدراتهم الوظيفيّة، نتيجة مرض أو إصابة. إنّها عمليّة شموليّة، حيث تتناول جميع الجوانب الجسديّة والنفسيّة والذهنيّة للشخص، وتهدف إلى إعادة الفرد للأداء الأمثل، ليتمكّن من العودة إلى حياة كاملة ومستقلة.

عديدة هي المجالات التي تنخرط تحت مظلّة إعادة التأهيل، منها إعادة التأهيل العظميّ، والتي تركّز على الجهاز العضليّ الهيكليّ بعد الإصابات والعمليّات الجراحيّة، بينما تسعى إعادة التأهيل العصبيّ لتحسين أداء الجهاز العصبيّ للأشخاص، الذين يعانون من سكتة دماغيّة أو إصابات دماغيّة أخرى، أمّا إعادة التأهيل التنفّسيّ فهي موجّهة لتحسين أداء الرئتين وعضلات التنفّس للمرضى، الذين يعانون من أمراض في الجهاز التنفّسيّ، أو يتعافون من تخدير طويل الأمد.

يبدأ معظم المرضى عمليّة إعادة التأهيل في المراحل المتقدّمة من التعافي بعد المرض أو الإصابة، أي بعد استقرار وضعهم الصحّيّ. وفقاً لطبيعة الإصابة وشدّتها، يمكن للمريض أن يخضع للتأهيل في منزله، أو في مركز طبّيّ مجتمعيّ مثل صناديق المرضى، أو في إطار المكوث المؤقّت أو طويل المدى في المستشفى، أو في مؤسّسة طبّيّة متخصّصة في التأهيل. تختلف مدّة العلاج وكثافته من شخص لآخر، وقد تمتدّ مدّة العلاج ما بين أسابيع قليلة ألى أشهر عديدة.

تتطلّب إعادة التأهيل، على كلّ أشكالها، فريقًا مهنيًّا متنوّعًا، الّذي يشمل أطباء ومعالجين فيزيائيّين، معالجين بالعمل، معالجين نفسيين وأخصائيّين آخرين. يعمل الجميع معًا لهدف واحد، إلّا أنّه رغم الحاضنة المهنيّة، يتحمّل المرضى أغلب الجهد، فتتطلّب إعادة التأهيل لذلك جهودًا جسديّة ونفسيّة كبيرة، وبالتالي يُعتبر الحافز عنصرًا حيويًّا لنجاحِ العمليّة.

على الرغم من أنّ المؤسّسات الطبّيّة تحدّد مدّة فترة إعادة التأهيل، فإنّه من الصعب قياس الإمكانيّة التأهيليّة لشخص ما بدقَّة. إعادة التأهيل هي عمليّة معقّدة يمكن أن تساعد شخصًا يعاني من إعاقة على تحسين قدراته، أو منع التدهور في أدائه في أيّ مرحلة من حياته. لهذا السبب، يستثمر الطبّ الحديث وصناعة التكنولوجيا الطبّيّة موارد هائلة، في تطوير تقنيات متقدّمة تساعد المستفيدين من إعادة التأهيل على تحقيق أقصى استفادة، ليصبحوا أكثر استقلاليّة، رغم إصاباتهم.

مع بداية العام الجديد، سنستعرِضُ بعض التقنيات التأهيليّة المُتاحة اليوم، التي تساعدنا على البدء من جديد.


الطبّ الحديث وصناعة التكنولوجيا الطبّيّة يستثمران موارد ضخمة لتطوير وسائل تساعد المتأهلين ليكونوا أكثر استقلاليّة. شخص مع إعاقة يمشي باستخدام هيكل خارجيّ. | المصدر   Shutterstock, VE.Studio

البدلات الحيويّة والأنظِمة الروبوتيّة

يُعدُّ المشي من القدرات الأساسيّة للإنسان، فهو لا يسمح بالتنقّل بحرّيّة فحسب، بل يُتيح أيضًا المشاركة في الحياة الاجتماعيّة والعائليّة. كما تُعتبر هذه القدرة مؤشّرًا مهمًّا على جودة الحياة وطولها، حيث يُلاحظ أنّ الأشخاص الذين يقلّلون من ممارسة المشي يكونون أكثر عرضةً للإصابة بأمراض مختلفة وتدهور في وظائفهم الجسديّة.

مثل كافّة أشكال إعادة التأهيل، فإنّ استعادة القدرة على المشي تُعدّ عمليّة تدريجيّة، حيث يضطرّ المرضى في بعض الحالات إلى تعلّم المشي من جديد، خطوةً بخطوة، ما يستلزم الكثير من الدعم. إحدى التقنيات الفعّالة المستخدمة لتدريب المشي هي الهياكل الخارجيّة الروبوتيّة (exoskeleton)، وهي عبارة عن هيكل صلب بمفاصل صناعيّة يُثبت على جسم المريض، ليساعدَه جزئيًّا أو كلّيًّا في تحريك أطرافه.

تم تصميم بعض هذه الهياكل الخارجيّة خصّيصًا لأغراض إعادة التأهيل، وتُستخدم لفترة محدودة تحت إشراف مختصّين، بينما توجد دعامات أخرى مصمّمة لتمكين المستخدم من المشي بشكل مستقلّ في الحياة اليوميّة. من الأمثلة البارزة على هذا النوع نظام لوكومات (Lokomat)، الذي تمّ تطويره لتعليم المشي والتدريب عليه، ويُستخدم اليوم في العديد من مؤسّسات التأهيل حول العالم.

يتألّف نظام لوكومات من جهاز مشي، رافعة وأذرع روبوتية، تُثبّت على ساقي المريض. تعمل الرافعة على دعم وزن المريض فوق جهاز المشي، بينما تحرّك الأذرع الروبوتيّة ساقي المريض بتناسق على المسار. نظرًا لكون نظام لوكومات محوسبًا، فإنه يسمح لفريق التأهيل بالتحكّم في درجة الدعم المقدّم للمريض، والتحكّم في سرعة وتيرة المشي، وكذلك تحديد مستوى الوزن الذي يمكن للمريض تحمّله تدريجيًّا على ساقيه، بهدف تقليل الاعتماد على الدعم الخارجيّ تدريجيًّا، ليتمكّن من استعادة قدراته الذاتيّة في المشي.

بطبيعة الحال، لا يُمكن تحقيق هذا الهدف بشكل كامل دائمًا، خاصّةً للأشخاص الذين يعانون من إصابات حادّة في الحبل الشوكيّ، لكن يمكن للنظام أن يشكّل لهم وسيلة علاجيّة لتحسين اللياقة، تقوية العضلات ومنع المضاعفات الناجمة عن الجلوس لفترات طويلة، والأهمّ من ذلك، يمنح هذا النظام المرضى المصابين بالشلل فرصةَ تجربة المشي بوضعيّة قائمة، ممّا يسهم في تحسين حالتهم النفسيّة ويزيد من حافزهم للعناية بأنفسهم.

فيديو يظهر نظام Lokomat أثناء العمل:

هناك نوع آخر من الهياكل الخارجيّة الاصطناعيّة الذي قد يكون مفيدًا خارج نطاق إعادة التأهيل. ففي عام 2012، تمكّنت الفارسة كلير لوماس  (Claire Lomas) من إنهاء ماراثون لندن، بعد أن أصيبت بشلل في الأطراف السفلية إثر حادث ركوب، لتصبح أوّل شخص يُكمل ماراثونًا كاملًا باستخدام أطراف صناعيّة. واصلت كلير لوماس بعد هذا الإنجاز، المشاركة في عدة منافسات، وأصبحت ناشطة بارزة في مجال أبحاث إصابات العمود الفقريّ. للأسف، في الثاني والعشرين من أغسطس من هذا العام، توفّيت كلير في حادث مأساويّ في الأردن عن عمر يناهز 44 عامًا.

استخدمت كلير نظام "ReWalk"، الذي طُوِّر في إسرائيل بقيادة المخترع ورائد الأعمال "عمّيت جوفر" وطُرِح في الأسواق عام 2014. صُمّم هذا النظام للاستخدام اليوميّ، ممّا يمنح استقلاليّة وظيفيّة للأشخاص الذين لا يستطيعون المشي بشكل مستقلّ. يُرَكّب الهيكل الروبوتيّ على الأطراف السفليّة والحوض، ويعتمد على مستشعرات تحدّد اتّجاه الحركة بناءً على حركة جذع المستخدم، ممّا يسمح بتحريك المفاصل الاصطناعيّة تبعًا لذلك. وتوضع البطارية التي تشغل الهيكل في حقيبة ظهر، ممّا يتيح للمستخدم التنقّل بحرّيّة دون الحاجة للاتّصال المستمرّ بالكهرباء.

ورغم الفوائد الواضحة لهذه التقنيّة، إلّا أنّ هناك بعض العيوب الملحوظة؛ فالنّظام مكلف وضخم وثقيل للغاية، كما أنّه ليس مستقرًا بشكل كافٍ، ممّا يستدعي استخدام عُصيّ للمشي كدعمٍ إضافيٍّ. مع ذلك، يستمرّ تطوير التكنولوجيا؛ حيث أصبحت النماذج الأحدث من "ReWalk" أخفّ وزنًا وأكثر كفاءةً، وأضيفت لها وظائف متقدّمة، مثل الصعود والنزول على الدرج، ممّا يجعل متابعة هذه التطوّرات مثيرًا للاهتمام.

في عام 2012، استخدمت كلير لوماس نظام "ReWalk" لإشعال الشعلة في حفل افتتاح الألعاب البارالمبيّة، ممّا أبرز الإمكانات الكبيرة لهذه التكنولوجيا في تغيير حياة المصابين.

وأيضًا: الواقع الافتراضيّ

لا تقلّ أهمّيّة إعادة تأهيل الأطراف العلويّة واستعادة التحكّم المستقلّ بالذراعيْن، وخاصّة اليدين، عن أهمّيّة القدرة على المشي، حيث تتوفّر اليوم مجموعة متنوّعة من الأنظمة الروبوتيّة المصمّمة للمساعدة في إعادة تأهيل حركة الكتف، الذراع، اليد والأصابع.

من بين هذه الأنظمة نجد "أماديو" (Amadeo)، المخصّص لإعادة تأهيل اليد والأصابع، و"أرماو" (Armeo)، الذي يركّز على إعادة تأهيل الكتف والذراع. يتألّف كلّ نظام من حاسوب، شاشة وهيكل روبوتي يتلاءَم مع الذراع أو اليد، بحيث يدعم وزنها ويتيح للمريض إجراء التمارين التأهيليّة. خلال العلاج، يُطلب من المريض تنفيذ حركات مثل ضمّ الأصابع إلى قبضة أو رفع اليد لأخذ شيء من رفّ مرتفع، ويقوم الروبوت بمساعدة المريض على تنفيذ هذه الحركات.

إحدى أهمّ المزايا لهذه الأنظمة هي قدرتها على تحديد مستوى الدعم المطلوب للمريض بدقّة تامّة لتحقيق المهام. هذا الجانب ضروريّ، إذ أنّ تقدّم المريض يتطلّب منه بذل جهد لتحقيق أكبر قدر من الحركة بشكل مستقلّ. في جلسات العلاج التقليديّ، يتولّى المعالج البشريّ توجيه المريض، لكنّ القدرة البشريّة في تحديد القوة اللازمة قد لا تكون بنفس دقّة الأنظمة الروبوتيّة المتقدّمة، ممّا قد يؤدّي إلى تقديم دعم أكبر من اللازم، وبالتالي تقليل كفاءة التمرين.

ميزة إضافيّة لهذه الأنظمة هي تقديم التغذية مرتدّة الفوريّة، حيث يحصل المريض على تقييم لأدائِه مباشرة، بما يشمل تفاصيل الأخطاء الحركيّة والاقتراحات للتحسين. كما يتمّ تعزيز الحافز لدى المريض من خلال دمج التدريب مع ألعاب حاسوبيّة طوّرت خصّيصًا لهذا الغرض. بعض الأنظمة تتيح أيضًا استخدام تقنية ثلاثيّة الأبعاد، ممّا يسمح بمحاكاة مواقف حقيقيّة تتطلّب استخدام اليد المصابة. أظهرت الأبحاث أنّ تدريب اليد المصابة باستخدام هذه الأنظمة الروبوتيّة، يسهم في تحسين القدرات الحركيّة لدى المرضى بشكل ملحوظ.

لا يقتصر استخدام الواقع الافتراضيّ في إعادة التأهيل على الأنظمة الروبوتيّة فقط، بل يشمل مجالات أخرى من إعادة التأهيل، حيث يتيح تمثيل مواقف حياتيّة يوميّة يصعب محاكاتها في غرفة العلاج التقليديّة. على سبيل المثال، يمكن للمريض التدريب على المشي باستخدام قدم صناعيّة في بيئة تحاكي شوارع مزدحمة أو طرق غير مستوية، أو التمرّن على قيادة سيّارة باستخدام اليد المصابة.


يُستخدم الواقع الافتراضي على نطاق واسع في جميع مجالات إعادة التأهيل. فتاة ذات يد اصطناعية ترتدي نظارات واقع افتراضي كجزء من تدريب على استخدام يدها | Shutterstock, vk_st

 

أطراف صناعيّة تتحرّك بقوة العقل

عالم الأطراف الصناعيّة لا يتوقّف عن التجدّد. الأطراف الصناعيّة الحديثة مصنوعة من موادّ خفيفة ولكنّها قويّة، مزوّدة بأجهزة استشعار وحواسيب صغيرة. تحتوي على مفاصل متحرّكة، ماصّات للصّدمات، وآليّات للتحكّم والمراقبة تحاكي حركة العضلات، بل وأحيانًا غلاف صناعيّ يحاكي شكل الجلد الطبيعيّ. أحد الأسباب للتنوّع الكبير هو أنّ الأطراف الصناعيّة الجيّدة تُقاس بطرق عديدة، تهدف كلّها لتحقيق أمر رئيسيّ: التكيّف الأمثل مع احتياجات المستخدم، بحيث تتيح له أفضل مستوى من الأداء الوظيفيّ.

هناك سمتان أساسيّتان للأطراف الصناعيّة هما مصدر الطاقة وآليّة التحكّم. مصدر الطاقة هو العنصر الذي يحرّك الطرف الصناعيّ – وهي الوظيفة التي تقوم بها العضلات في العضو البيولوجيّ. آليّة التحكّم هي العنصر الذي يحدّد الحركة المطلوبة وينفّذ الأمر، وفي العضو البيولوجيّ، هذا العنصر هو الجهاز العصبيّ.

طُوِّرت الأطراف الصناعية الميو-إلكترونية (myoelectric)، وهي كلمة تعني "عضلات كهربائيّة"، لأوّل مرّة للأشخاص الذين فقدوا أطرافهم العلويّة في أواخر الأربعينيّات من القرن الماضي، ولكن منذ ذلك الحين وحتّى اليوم، قفزت التكنولوجيا قفزات هائلة. يُشغّل الطرف الصناعيّ بواسطة بطاريات، والتحكّم في حركته يعتمد على مستشعرات EMG، وهي مستشعرات خاصّة وظيفتها التقاط الإشارات الكهربائيّة من العضلات. تُثبت هذه المستشعرات على الجلد، أعلى منطقة البتر قليلًا، وتقيس الإشارات الكهربائيّة الصادرة من العضلات المجاورة عند تنشيطها.

عندما يفكر شخص بُتِر جزء من جسده في تحريك العضو المفقود، تستجيب العضلات المتبقّية في منطقة الجذم للأمر العصبيّ الصادر من الدماغ، وتحاول الانقباض أو الارتخاء بحسب الحركة المطلوبة. تستغلّ مستشعرات الطرف الصناعيّ الميو-إلكتروني هذه الخاصيّة؛ فتلتقط النشاط الكهربائيّ الذي يحدث في هذه العضلات عند انقباضها، وتترجمه إلى أوامر تشغيل تُنقل إلى المفاصل الاصطناعيّة للطرف الصناعيّ. في حالات البتر أسفل المرفق، على سبيل المثال، يُترجم النشاط الكهربائيّ في العضلات المتبقّية المسؤولة عن ثني وبسط معصم اليد، الموجودة في منطقة الساعد، إلى الحركة المناسبة في الطرف الصناعيّ، ممّا يسمح للشخص الذي تعرّض للبتر بالتحكّم في حركة معصم اليد الروبوتيّة. أمّا في حالة البتر فوق المرفق، تُستخدم العضلات المتبقّية في الذراع، التي كانت مسؤولة عن ثني وبسط المرفق البيولوجيّ، بنفس الطريقة للتحكّم في المرفق الروبوتيّ.


تلتقط الحساسات النشاط الكهربائي الذي يبث في العضلات وتترجمه إلى أوامر تشغيل تُنقل إلى المفاصل الصناعية للطرف الاصطناعي. رجل ينشر الخشب باستخدام يد اصطناعية | Philippe Psaila / Science Photo Library

 

التطوّرات في معالجة البيانات والذكاء الحسابيّ والذكاء العميق

شهدت التطوّرات في تحليل البيانات والخوارزميّات الحسابيّة والتعلّم العميق تقدّمًا كبيرًا، ممّا أتاح تحسين المبدأ الأساسيّ للأطراف الصناعيّة الكهربائيّة العضليّة (الميو-إلكترونية)، التي كانت في السابق تؤدّي حركات بسيطة مثل ثني أو بسط المفصل فقط. بفضل هذه التطوّرات، يمكن الآن تصميم أطراف صناعية قادرة على التحرك بأنماط تشغيل معقّدة ومتعدّدة، استنادًا إلى الإشارات الكهربائيّة المتزامنة القادمة من عدّة عضلات.

لكن، يأتي هذا التعقيد بتكلفة، وهي الحاجة إلى تدريب مكثّف لاستخدام الطرف الصناعيّ بفعاليّة. يحتاج المستخدم إلى فترة تدريب طويلة نسبيًّا لتفعيل مجموعات العضلات المطلوبة بشكل منفصل، وبتوقيت دقيق لتحريك الطرف الصناعيّ في الاتّجاه المرغوب. غالبًا ما يتطلّب ذلك تفكيرًا إبداعيًّا معقّدًا، إلى جانب دافعيّة عاليّة واستعداد لبذل الكثير من الجهد في التعلّم، ولهذا فإنّ هذا النوع من الأطراف الصناعية قد لا يناسب الجميع. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال الأطراف الصناعية تواجه تحدّيات في تنفيذ الحركات المعقّدة التي تتطلّب تحريك عدّة مفاصل في وقت واحد. قدرة استشعار الإشارات الكهربائيّة باستخدام مستشعرات خارجيّة محدودة أيضًا، حيث تكون الإشارة الكهربائيّة الصادرة من العضلات القريبة من الجذم ضعيفة ومليئة بالتشويش. علاوة على ذلك، قد تؤثّر بعض العوامل مثل التعرّق أو زيادة الوزن على جودة القياس الكهربائيّ، مما يقلّل من دقّة الحركة.


يمكن تصميم أطراف اصطناعية قادرة على الحركة وفقًا لأنماط تشغيل متنوعة، بناءً على الإشارات الكهربائية التي تصل في الوقت نفسه من عدة عضلات. امرأة تستعرض قدرات يد اصطناعية ميو-الكترونية | Philippe Psaila / Science Photo Library

قراءة العضلات

للتغلّب على هذه العوائق، يجرى العمل على تقنيات مثل زرع الأقطاب الكهربائيّة تحت الجلد، بالقرب من العضلات التي تتحكّم بالطرف الصناعيّ أو حتّى بداخلها، لقياس الإشارة الكهربائية بشكل أكثر كفاءَة. هناك خيار آخر لا يزال قيد البحث، ويتمثّل في استخدام زراعة مغناطيسيّة صغيرة. قام باحثون من المعهد التقني لماساشوستس (MIT) بزراعة حبيبات مغناطيسيّة صغيرة داخل العضلات المتبقّية في منطقة الجذم، وأظهروا أنّه عندما تتقلّص العضلات، تتحرّك هذه الحبيبات داخلها. قياس حركة هذه المغناطيسات يتيح تحديد العضلات المنقبضة بدقّة، وإرسال تعليمات الحركة المناسبة إلى آليّات الطرف الصناعيّ. 

فيديو يوضّح كيفيّة عمل طرف صناعيّ باستخدام الزرعات المغناطيسيّة:

هناك تحسين آخر لقدرات التحكّم في الأطراف الصناعيّة يأتي من إجراء جراحيّ، يُعاد فيه توصيل الأعصاب الحركيّة، ويُعرف باسم "إعادة تعصيب العضلات المستهدفة" (Targeted Muscle Reinnervation) أو TMR اختصارًا. طُوِّر هذا الإجراء في بداية الألفيّة الثانية، وتظهر المراجعات الحديثة للأبحاث أنّه يحقّق نتائج إيجابيّة.

في هذا الإجراء، تُؤخَذ نهايات الأعصاب التي كانت تتحكم في عضلات اليد المبتورة، وتُنقَل إلى منطقة صغيرة محدّدة في نسيج عضلة سليمة في مكان آخر من الجسم. نتيجةً لذلك، هذا الجزء من العضلة سينقبض استجابةً للإشارات العصبيّة التي كانت موجّهة أصلاً لعضلات اليد المبتورة. عادةً ما يُستخدم لهذا الغرض جزء صغير من عضلة كبيرة مثل عضلة الصدر الكبرى (pectoralis major)، لضمان أن تظلّ معظم نسيج العضلة محتفظة بوظيفتها العاديّة.

يمكن اعتبار هذا الإجراء بمثابة إعادة توجيه للأعصاب المقطوعة نحو هدف جديد. فعندما يفكّر المستخدم في تحريك اليد المبتورة، تتسبّب الأعصاب في انقباض الجزء العضليّ الذي أُعيد توصيله. بالنسبة للمستشعرات الموضوعة فوق هذا الجزء، يصبح من الأسهل بكثير اكتشاف الإشارة الكهربائيّة وترجمتها إلى حركة في الطرف الصناعيّ، نظرًا لأنّ العضلة سليمة وتعمل بشكل جيّد، مقارنةً بالعضلات الجزئيّة المتبقّية في منطقة البتر. علاوةً على ذلك، فإنّ توصيل الأعصاب المقطوعة بعضلة جديدة يسهم في تحسين جودة حياة الأشخاص المبتورين، حيث يخفّف من الآلام العصبيّة وآلام الأطراف الوهميّة.


إعادة توصيل الأعصاب: يد اصطناعية تُشغَّل باستخدام حساسات موضوعة على عضلة الصدر، حيث تم توصيل الأعصاب التي كانت تتحكم باليد قبل البتر | Philippe Psaila / Science Photo Library

الحواس الصناعيّة

رغم التقدّم الكبير الذي تحقّق في العقود الأخيرة في تحسين قدرة الحركة للأطراف الصناعية والتحكّم فيها، إلّا أنّ التحدّيات المتعلّقة بإعادة التأهيل الحسّيّ لا تزال كبيرة، حيث إنّ التغذية مرتدة الحسّيّة التي نتلقّاها من أعضائنا تمكّننا من الشعور بالألم ودرجة الحرارة، والتمييز بين اللمسة الخفيفة والقويّة، والتعرّف على الملمس، وهي ضروريّة لتخطيط الحركة، والتحكّم في قوة العضلات والحصول على تغذية مرتدة حول كيفية الأداء.

إحدى التقنيات التي تُطوَّر حاليًّا في هذا المجال هي "إعادة تعصيب الحواسّ المستهدفة" (Targeted Sensory Innervation) أو TSR، وهي تقنيّة تعتمد، كما هو الحال في TMR، على إعادة توصيل الأعصاب، ولكن هنا يكون التركيز على أعصاب الحواس بدلًا من الحركة. في هذه العمليّة، تُنقل الأعصاب الحسّيّة التي يُفترض أن تستقبل المعلومات من العضو المبتور، وتُزرع تحت الجلد في منطقة أعلى الجذم بقليل. بعد التعافي، يُفسّر التحفيز الحسّيّ في هذه المنطقة في دماغ المريض، كما لو أنّه جاء من العضو المفقود. على سبيل المثال، يمكن نقل أعصاب الحواس من أصابع اليد المبتورة إلى منطقة في الساعد أعلى الجذم، ثم تزويد اليد الصناعيّة بحسّاسات تضغط على الجلد في مكان الزرع في الساعد، ممّا يسمح للمريض بالشّعور بملمس الأشياء باستخدام اليد الصناعيّة، بالتالي يساعده في تنظيم القوّة التي يستخدمها عند الإمساك بالأشياء.

تمكّن الباحثون هذا العام من استعادة حاسّة الشعور بالحرارة لدى المرضى مبتوري الأطراف، باستخدام جهاز يسخّن أو يبرد منطقة الجذم وفقًا للمعلومات الواردة من الطرف الصناعيّ.

هناك أيضًا بعض التطوّرات الأخرى التي تهدف إلى تزويد مبتوري الأطراف بحاسّة اللمس عبر الأطراف الصناعية؛ فعلى سبيل المثال، يُدرس حاليًّا إمكانية استخدام ألواح ضغط تغطّي سطح القدم الاصطناعيّة لقياس توزيع الوزن أثناء المشي، حيث تُنقل هذه المعلومات إلى مكوّنات تهتزّ موزّعة في عدّة أماكن على الجذم، ويُلتقط الاهتزاز بواسطة الأعصاب الحسّيّة الطبيعيّة في الجزء السليم من الساق. بهذه الطريقة، يمكن نقل المعلومات من الطرف الصناعيّ إلى الجهاز العصبيّ للمستخدم، ممّا يساعده على معرفة ما إذا كان وضع قدمه الاصطناعيّة صحيحًا، أو إذا كان بحاجة إلى ضبط القوة التي يضغط بها، ممّا يساهم في تحسين الأداء العام. أظهرت الأبحاث أنّ هذه التغذية المرتدة الحسّيّة تمكّن المستخدمين من المشي بشكل أسرع، وتحسين توازنهم، وتعزيز شعورهم بالأمان أثناء المشي وتقليل مخاطر السقوط.


الشعور في اليد الاصطناعية يلعب دورًا أساسيًا في تخطيط الحركات، وضبط القوة التي نبذلها باستخدام عضلاتنا، والحصول على معلومات راجعة حول كيفية تنفيذ الحركة. امرأة تستخدم يدًا اصطناعية أثناء العمل على آلة خياطة | Shutterstock, AnnaStills

ترقية جديدة في عالم الأطراف الروبوتية: الدمج داخل العظم (Osseointegration)

تشهد الأطراف الروبوتية تطورًا جديدًا من خلال إجراء يُعرف بـ "الاندماج العظمي" (Osseointegration)، يهدف هذا الإجراء إلى تحسين ثبات وراحة الطرف الصناعيّ، عن طريق توصيله مباشرة بالعظم. وقد مكّن هذا الاندماج العظميّ، عند دمجه مع تقنيّات إعادة توصيل الأعصاب، امرأة فقدت يدها فوق المرفق العام الماضي من التحكّم الكامل في أصابع يدها الروبوتيّة الخمسة.

مع تحسّن التقنيات، تتطوّر جودة التحكّم في حركة الأطراف الصناعية، ممّا يجعلها أكثر شبهًا بحركة الأطراف الطبيعيّة، حيث تُزوّد الأطراف الصناعيّة المتقدّمة اليوم بمعالجات قادرة على تحليل المعلومات الواردة من البيئة المحيطة، وتعديل حركتها في الوقت الفعليّ، لتتناسب مع أنواع مختلفة من الأسطح أو مع تغيّر إيقاع المشي. يُعفى المستخدم بهذه الطريقة من الحاجة إلى تعديل وضعيّات الطرف الصناعيّ يدويًا عند الانتقال من وضعيّة المشي إلى الجلوس، أو عند تغيير اتّجاه الحركة.

كما يتمتّع الطرف الصناعيّ الذكيّ بقدرة على تعلّم أنماط حركة المستخدم الشخصيّة، بحيث يتكيّف تدريجيًّا ليصبح أكثر توافقًا مع حركة المستخدم الطبيعيّة، ممّا يتيح تجربة استخدام أكثر إرضاءً، وهي ميزة قيمة في مجال الأطراف الروبوتيّة.

في هذا السياق، تُبذل حاليًا جهود لتطوير أطراف صناعيّة مزوّدة بنظام تحكّم قابل للتحكم عن بُعد بسهولة، ممّا يسمح للمستخدم بتعديل خصائص الطرف الصناعيّ حسب احتياجاته. على سبيل المثال، إذا واجه المستخدم صعوبة في تحريك المفصل الصناعيّ، يمكنه بنفسه تخفيف مستوى مقاومة المفصل دون الحاجة إلى مساعدة مهنيّة.

دمج الطرف الروبوتيّ مع الذكاء الاصطناعيّ

الأطراف الصناعيّة الرياضيّة: هل تتفوّق على الأصل؟

حتّى الآن، ناقشنا التقنيات التي تدعم عمليّة التأهيل وتسهّل الحياة اليوميّة لذوي الأطراف الصناعيّة. ولا يُستغرب أنّ الطموح في هذا المجال يتركّز على تطوير أطراف صناعية تماثل العضو البيولوجيّ الأصليّ في الشكل والكفاءة. لكن، في عالم الرياضة، يختلف الوضع تمامًا. الأطراف الصناعيّة المصمّمة للأنشطة الرياضيّة تقدّم إمكانيات واسعة، إلى حدّ أنّها تفقد الكثير من الشبه بالأطراف البيولوجيّة الطبيعيّة.

تُصمّم الأطراف الصناعيّة الرياضيّة خصّيصًا لنوع معيّن من الأنشطة الرياضيّة، وتُعدّل لتتناسب مع احتياجات الرياضيّ نفسه. على سبيل المثال، قد يكون الجزء الأماميّ من القدم الصناعيّة المخصّص لسباقات الجري مرنًا وطويلًا مقارنة بالقدم الطبيعيّة، حيث ينضغط إلى الأسفل عندما يخطو الرياضيّ عليه، ثم ينطلق كزنبرك مشدود ليولّد طاقة كبيرة عند رفع القدم عن الأرض، ممّا يدفع العدّاء إلى الأمام بقوّة.


توفر الأطراف الاصطناعية المصممة للأنشطة الرياضية مجموعة هائلة من الخيارات، لدرجة أنها تكاد تمت بالصلة للطرف البيولوجي الأصلي. عداء بساق اصطناعية | Shutterstock, Real Sports Photos

يستفيد عداؤو المسافات القصيرة، الذين يركضون بسرعات عالية، من التخلّي عن الكعب، لأنّ هذا الجزء من القدم لا يُستخدم فعليًّا في الجري السريع، وإزالته تقلّل من الوزن وتزيد من الكفاءة. من جهة أخرى، يفضل سائقو الدراجات الهوائيّة قدمًا صناعيّة صلبة لتنقل حركة الساق إلى دوّاسات الدراجة بأعلى كفاءة، بينما قد يستخدم السبّاحون طرفًا صناعيًّا يشبه الزعنفة لتحقيق فعاليّة أكبر في الماء.

في الوقت الراهن، يدور نقاش واسع حول المزايا التي تمنحها هذه التقنيات للرياضيّين المستخدمين لها، ويتساءل البعض: هل توفّر هذه التكنولوجيا ميزة غير عادلة تتفوّق على القدرات البيولوجيّة الطبيعيّة؟

في عام 2008، استُبعِد العدّاء الجنوب إفريقيّ مبتور الساقين "أوسكار بيستوريوس" (Oscar Pistorius) من المشاركة في الألعاب الأولمبية، بزعم أن أطرافه الصناعية تمنحه ميزة غير عادلة مقارنةً بالعدّائين الآخرين. لكنّه تمكّن لاحقًا من كسب الاستئناف وشارك في ألعاب 2012، ليصبح أوّل رياضيّ مبتور الساقين يتنافَس في الألعاب الأولمبية العادية. ورغم أنّنا لم نتفوّق بعد على القدرات البيولوجيّة الطبيعيّة، يبدو أنّ هذا هو الاتّجاه الذي نتجه إليه.

لقد استعرضنا هنا بعض التقنيات الطبّيّة والأدوات التكنولوجيّة المتاحة اليوم في مجال التأهيل. إنّه عالم لا يتوقّف عند حدّ، بل يتطوّر باستمرار، ويثبت مرارًا أنّ التحديات تمثّل فرصًا واعدة لتحقيق إنجازات جديدة.

0 تعليقات