الآلة الذّكية الّتي حملت عضوات حركة سافرجت النّسويّة البريطانيّة إلى البرلمان، الأجهزة الموفّرة للوقت والحبة المُحرّرة. تكريمًا ليوم المرأة العالمي: تقنيات ساعدت النّساء في نضالها من أجل المساواة في الحقوق

منذ منتصف القرن التّاسع عشر حتّى يومنا هذا، شهد العالم العديد من الانقلابات: ظهرت أساليب حكم عدّة ومن ثمّ اختفت، تقدّم الطّبّ بسرعة فائقة، زاد متوسّط ​​العمر المتوقع بعشرات السّنين، وصلنا إلى الفضاء، طوّرنا شبكات اجتماعيّة والمزيد. اثنتان من الانقلابات الكبرى الّتي غيّرت حياتنا على نطاق واسع هما التّطوّر العلميّ والتّكنولوجيّ الّذي حدث خلال هذه الفترة والتّقدّم الهائل الّذي حدث في وضع النّساء في المجتمع الغربيّ. وعندما تحدث عمليّتان مركزيّتان بالتّوازي، سيكون هناك حتمًا العديد من العلاقات المتبادلة بينهما.

استمر النّضال العامّ من أجل حقوق المرأة وقدرتها على تحقيق نفسها لسنوات عديدة، وقد كان ناجحًا للغاية. أثناء ذلك، عرفت النّساء كيفيّة استخدام الإمكانيّات الّتي تتيحها التّقنيات الجديدة للتّخلّص من تقييدات الأعراف الاجتماعيّة الرّاسخة والهياكل الاقتصاديّة الظّالمة، وفتح الأبواب الّتي كانت مغلقة في وجههن. ابتداءً بالدّراجات، مرورًا بالأجهزة الكهربائيّة المنزليّة وصولًا إلى حبوب منع الحمل - شرعنا في دراسة الدّور الّذي تلعبه بعض الاختراعات البارزة في تغيير الهياكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة.

الدّرّاجات: عجلات حرّيّة الاختيار

الاختراع: الدّرّاجات هي وسيلة نقل بسيطة للغاية ومتطوّرة بصورة مفاجئة أيضًا. تتكوّن بالأساس من عجلتين متّصلتين ببعضهما البعض في عمود، وتُشغّل بقوّة العضلات، مع مقعد ثابت وآليّات لتحسين السّلامة واستغلال القوّة. لكنّها في الوقت نفسه ليست فقط وسيلة نقل رخيصة وصغيرة الحجم بشكل خاصّ، لكنها أيضًا آلة ناجعة ومميّزة.

ترجع هذه الكفاءة إلى حقيقة أنّ الدّرّاجة هي نوع من أنواع المدوار المنقلب الجيروسكوب - جهاز يحافظ على ثباته بفضل حقيقة أنّه يدور، كما يفعل البلبل على سبيل المثال. ستسقط الدّراجات الثّابتة على الفور إذا لم نثبّتها، لكن أثناء الرّكوب تدور العجلتان بسرعة؛ بالتّالي تصبحان جيروسكوبات تسعى جاهدة للبقاء منتصبةً، وتقوم بتثبيت الجهاز بأكمله والرّاكب أو الرّاكبة الّذين يستخدمونه.

يُنسب اختراع الدّراجة إلى البارون كارل فون درايس (von Drais) من ألمانيا، الّذي طوّر في عام 1818 وسيلة نقل بسيطة ذات عجلتين، بدون دوّاسات، والّتي دُفعت بمساعدة القدمين نحو الأرض على غرار السّكوتر. على مدار العقود التّالية، أضيفت العديد من التّحسينات إليها والّتي أصبحت في النّهاية الدّرّاجات الحديثة الّتي نعرفها. قام العمود المرفقيّ والسّلسلة بتحريك القوّة الدّافعة لوسيلة النّقل من العجلة الأماميّة إلى الخلفيّة، كما أضيفت الدّوّاسات، الإطارات المطاطيّة المنتفخة، هيكل الشّاسيه الحديث، مكابح اليد وغيرها.

دفعت الرّاحة الغالبة وكفاءة النّماذج الجديدة في التّسعينيات ممّا يُعرف الآن بالعصر الذهبي للدّرّاجات، أو ازدهار الدّرّاجات (Bicycle Boom). هرع النّاس إلى الشّوارع والطّرق بحثًا عن مزايا وسائل النّقل الفعّالة، المتاحة وغير المكلفة الّتي توفّرها لهم السّيارة ذات العجلتين والّتي حلّت محلّ الحصان والعربة باهظة الثمن. بهذه الطّريقة، يستطيع العمّال الانتقال بسهولة من الضّواحي إلى أماكن العمل في مراكز المدينة، وقد تطوّرت ثقافة التّرفيه والتّسلية للشّباب؛ وهكذا فُتحت أبواب جديدة للنّساء في اللّحظة التّاريخيّة الأكثر ملاءَمةً.

امرأة تتعلّم ركوب الدّرّاجة في تولوز، فرنسا، 1895 | ويكيبيديا، مشاعات عامّة
جميع البدايات صعبة: امرأة تتعلّم ركوب الدّرّاجة في تولوز، فرنسا، 1895 | ويكيبيديا، مشاعات عامّة

المساهمة: في العقد الأخير من القرن التّاسع عشر، نضجت عمليّتان غير مرتبطتين على ما يبدو في الولايات المتّحدة، بريطانيا وبعض دول أوروبا الغربيّة: بدأ يحتلُّ استعمال الدّرّاجات نطاقًا أوسع؛ حتّى وصلت حركة سافرجت الّتي تدعو النّساء إلى مقدّمة المنصّة العاملة. غذت العمليّتان بعضهما البعض، لدرجة أنّ الدّرّاجة أصبحت رمزًا للمرأة الجديدة الّتي تدافع عن حقوقها.

على سبيل المثال، في عام 1896، كتبت القائدة والنّاشطة الاجتماعيّة الأمريكيّة سوزان ب. أنتوني  (Anthony): "أعتقد أنّ الدّرّاجات ساهمت في تحرير النّساء أكثر من أيّ شيء آخر في العالم. تملؤني السّعادة في كلّ مرّة أرى فيها امرأة تركب درّاجة. تعطيها شعورًا بالثّقة بالنّفس والاستقلاليّة بمجرّد جلوسها على المقعد. وها هي تمضي قدمًا: تجسيد الأنوثة المحرّرة من الأغلال".

كانت الأعراف الاجتماعيّة في العصر الفيكتوريّ، في بريطانيا بشكل أساسيّ ولكن أيضًا في الولايات المتّحدة وأوروبا الغربيّة، تجبر النساء، خاصّة من الطّبقات المتوسّطة والعليا، أن يكنّ ربّات بيوت ويركزن على الأعمال المنزليّة وتربية الأطفال. المرأة الّتي مع ذلك أرادت "الخروج إلى العالم" للعمل، الدّراسة والحفاظ على الرّوابط الاجتماعيّة الحرّة أو العمل في المجال العامّ والسّياسيّ، وجدت نفسها تواجه حواجز اجتماعيّة، ثقافيّة واقتصاديّة. أحدها كان التّنقل: كانت حركة المرور في المدن تعتمد بشكل أساسيّ على الخيول والعربات الّتي كان توافرها محدودًا وتكلفتها مرتفعة - وفي معظم العائلات كان المال تحت سيطرة الرّجل.

قدّمت الدّراجة لأوّل مرّة وسيلة نقل غير مكلّفة نسبيًّا ومتاحة للاستخدام اليومي لأيّ غرض: العمل، التّرفيه والرّياضة. لقد فتحت الفضاء العام للعديد من النّساء وساعدتها في الكفاح من أجل مكانهنّ فيه دون الحاجة إلى مرافقة رجل. في المقابل، بدأوا تغييرًا مهمًّا بنفس القدر في مجال آخر - الموضة.

قيّدت ملابس النّساء في العالم الغربيّ في العصر الفيكتوريّ الحركة بشدّة. تضمّنت الكورسيهات بمستويات مختلفة من الرّاحة والإحراج، فساتين وتنانير طويلة ومركّبة، والّتي تضمّنت عدّة طبقات من التّنانير الدّاخليّة والأطواق المعدنيّة لتشكيل شكلها (كرينولين). في مثل هذه الملابس، كان من الصّعب القيام بعمل بدنيّ أو الجري - وكان من المستحيل تمامًا ركوب الدّرّاجة. حتّى لو تمكّنت بالفعل من الجلوس عليها، فإنّ القماش الزّائد قد تشابك في العروات والعجلات والدّوّاسات. قالت النّاشطة في حركة سافرجت فرانسيس ويلارد عام 1895 في كتابها "عجلة في داخل عجلة: كيف تعلّمت ركوب دراجة": "إذا أرادت النّساء الركوب، فعليهن انتقاء ملابس أكثر منطقيّة".

إعلان لدرّاجات نسائيّة في الصّحيفة الأميركيّة في-1904 | ويكيبيديا, مشاعات عامّة
يخرجن لطريق جديدة. إعلان لدرّاجات نسائيّة في الصّحيفة الأميركيّة في-1904 | ويكيبيديا, مشاعات عامّة

ذكرت ويلارد أيضًا أنّ التّغيير أمر لا مفرّ منه، وأنّ العقل السّليم يجب أن يسود على التّقاليد - وهي على حقّ! تكيّفت أزياء النّساء مع الدّرّاجات وأصبحت أكثر راحة: مع التّنانير الخفيفة والسّراويل - نوع من البناطيل المريحة المنفوخة والمستوحاة من تركيا والّتي طوّرت في منتصف القرن التاسع عشر كبديل للسّراويل الدّاخليّة المرهقة، وقد أصبحت الآن أيضًا ملابس عالية المستوى، لتصبح لاحقًا بناطيل حديثة. في نفس الفترة، سُجّل عدد غير قليل من براءات الاختراع لحلول الملابس الّتي أتاحت تكييف الموضة الحاليّة لركوب الدّرّاجات - على سبيل المثال، الأربطة الّتي تجعل من الممكن ربط حافّة التّنورة الطّويلة أثناء الرّكوب.

تشرح النّاشطة الاجتماعيّة هيلا بينوفيتش-هوفمان، صاحبة المدوّنة النّسويّة "فان دير غراف أختك": "أكثر الأشياء الّتي ساهمت في تحرير المرأة هي التّغييرات في الموضة". "ساعد الانتقال إلى الفساتين الصّغيرة والمنطقيّة في أواخر القرن التّاسع عشر بشكل كبير في تنقّل النّساء، ومن ثمّ الانتقال إلى الفساتين الفضفاضة والمريحة في أوائل القرن العشرين."

بالنّسبة للنّضال من أجل حقوق المرأة، وحركة سافرجت النّسويّة على وجه الخصوص، أصبحت الدّرّاجات مثالًا للنّضال من أجل الحرية. أصبحت ترمز إلى المثل الأعلى للمرأة الجديدة - امرأة شابّة، متعلّمة، رياضيّة، مهنيّة وتطمح إلى زواج متساوٍ. ليس من قبيل الصّدفة أنّ الصّور المرئيّة للمرأة الجديدة من تلك السّنوات أظهرت دائمًا أنّها كانت تركب درّاجة.

الدّراجات والسّراويل رسم توضيحيّ: فريدريك بوير، مشاعات عامّة
مع الدّرّاجة أيضًا، جاء التّغيير في الموضة: الدّراجات والسّراويل رسم توضيحيّ: فريدريك بوير، مشاعات عامّة

احتضنت نشاطات حقوق المرأة الدّرّاجة بحرارة. في يونيو 1894، انطلقت آني لندنديري كوبشوفسكي (Kopchovsky)، وهي أمٌّ لثلاثة أطفال من أصول يهوديّة ليتوانيّة، في رحلة إعلاميّة لمدّة 15 شهرًا حول العالم على درّاجة هوائيّة، لإثبات أنّ المرأة لا يمكنها تحقيق ما لا يقلّ عن الرّجال. بعد مرور حوالي 15 عامًا، أثارت البريطانية أليس هوكينز غضب المحافظين عندما تجرّأت على ارتداء السّراويل خلال جولة مظاهرة حول مدينة ليستر كجزء من حملة لمنح النساء حقّ التّصويت. وهذان فقط مجرّد مثالين بارزين.

حتّى عام 1920، توّج نضال سافرجت النّسويّ بالنّجاح في معظم الدّول الدّيمقراطيّة، وسمح للنّساء بالتّصويت والتّرشّح. تمّ تحقيق هذا الحقّ السّياسيّ الأساسيّ بفضل النّضال السّياسيّ الحازم تحت قيادة نسائيّة، عرفت أنشطتها كيفيّة الاستفادة بشكل جيّد من جميع الأدوات المتاحة لها - بما في ذلك السّيارة المريحة ذات العجلتين الّتي جاءت في الوقت المناسب تمامًا.

تعرّض كات يونغنيكل (Jungnickle) من جامعة غولد سميث في لندن كيف قامت النساء بتحسين ملابسهنّ من أجل ركوب الدّرّاجات:

الغسّالة الكهربائيّة

الاكتشاف: الغسّالة الحديثة عبارة عن جهاز يعتمد على أسطوانة معدنيّة تدور داخل خزّان المياه. نضع في داخلها الملابس والأقمشة الأخرى الّتي تحتاج إلى التّنظيف أثناء دورانها، يحبس الماء والصّابون جزيئات الغبار والدّهون الملتصقة ببعضها؛ وهكذا نقوم بتنظيف الأقمشة.

سُجّلت براءات الاختراع الأولى للغسّالات اليدويّة في وقت مبكّر من القرن الثّامن عشر، وفي منتصف القرن التّاسع عشر دُمجت المحركات البخارية. لكن، جميع هذه الأجهزة كانت مرهقة في الاستخدام، وتتطلّب تشغيل قوّة العضلات في دوران الأسطوانة، أو استخدام محرّكات بخاريّة صناعيّة ضخمة. فقط عندما طُوّرت الغسّالة الكهربائيّة في النّصف الأوّل من القرن العشرين، ودمجت مع ابتكار ثوريّ آخر - أنابيب المياه المنزليّة، تمكّن الاختراع حينها دخول المنازل.

جاء الاختراق العظيم للجهاز في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي في الولايات المتّحدة، وبعد ذلك بقليل في المملكة المتّحدة، إسرائيل ودول أخرى. وبذلك تكون قد غيّرت أنماط الحياة الّتي تمّ تأسيسها منذ قرون. 

المساهمة: في عام 2009، قبيل اليوم العالميّ للمرأة، أصدرت المجلّة الإيطاليّة L'Osservatore Romano، النّاطقة شبه الرّسمية بلسان الفاتيكان، بيانًا استفزازيًّا أثار قدرًا كبيرًا من الغضب: "ساهمت الغسّالة في تحرير النّساء بقدر كبير من حبوب منع الحمل والحقّ في الإجهاض"، بشّرت الصحيفة متصفحيها. عبرت الرّسالة بالطّبع عن معارضة الكنيسة الكاثوليكيّة لأفكار تنظيم الأسرة وحقّ المرأة في جسدها، وكانت المقارنة نفسها أيديولوجيّة بالكامل، ولا تستند إلى أيّ مقارنة بحثيّة. مع ذلك، كان لها جوهر واحد من الحقيقة: الغسّالة، إلى جانب الأجهزة المنزليّة الأخرى، لعبت دورًا مهمًّا في عمليّة دخول النّساء إلى سوق العمل وفي تغيير علاقات القوة بين المرأة والرجل في مؤسّسة الأسرة.

مثل جميع الحرف اليدويّة، كان يعتبر غسيل الملابس حتّى القرن العشرين "عملاً نسائيًّا" في العالم الغربيّ، ولم يكن الرّجال يشاركون فيه على الإطلاق. كان الغسيل اليدويّ حرفة مملّة تتطلّب النّقع، الغليّ، الفرك القويّ للأقمشة والشّطف والعصر والتّعليق حتّى يجفّ. حتّى تطوير أنابيب المياه الجارية في المنازل، كان على النساء أن يأخذن ملابس الأسرة لغسلها بالقرب من مصدر للمياه مثل النّهر، الذّهاب إلى المغاسل العامّة الّتي تضمّنت وسائل مساعدة موفّرة للوقت والعمل، أو ضخّ حوالي 180 جالونًا من المياه للغسيل العاديّ و حملها إلى المنزل بقوة عضلاتهنّ. أولئك الّذين استطاعوا الحصول على خدمات المغاسل المحترفة، هم الأشخاص الّذين عملوا بأجور زهيدة، في ظروف يُرثى لها ودون أيّ تقدير.

יש מקומות שזו עדיין עבודת נשים מסורתית. אישה כובסת בנהר בהודו, 2015 | צילום: Just Another Photographer, Shutterstock
هناك أماكن لا يزال هذا العمل فيها تقليديًا للمرأة. امرأة تغسل في نهر في الهند ، 2015 | تصوير: Just Another Photographer, Shutterstock

تطلّب هذا العمل الشّاق الكثير من الوقت والكثير من العمل دون مكافأة ماليّة. تشير التّقديرات إلى أنّه في عام 1924، كان متوسّط ​​ربّة المنزل في الولايات المتّحدة يقضي 52 ساعة في الأسبوع في القيام بالأعمال المنزليّة، بما في ذلك غسل الملابس والفراش. في العديد من الأماكن، كانت النّساء تتجمّع معًا من أجل الغسل المشترك؛ لتوحيد الجهود في العمل الجادّ وتبديد بعض الملل الّذي ينطوي عليه الأمر. في الخمسينيات من القرن الماضي، كان لا يزال هناك بيوت مشتركة في إسرائيل حيث كان الجيران يتجمّعون لغسيل الملابس في الفناء.

من الصّعب تغيير مثل هذا الهيكل الاجتماعيّ الرّاسخ، حيث يكون الرّجل هو المعيل والمرأة هي المسؤولة عن الأعمال المنزليّة. كان أحد العوامل الّتي أدّت إلى التّحوّل هو تطوير الأجهزة المنزليّة. وجدت الخبيرة الاقتصاديةّ إيمانويلا كارديا (Cardia) من جامعة مونتريال في دراسة أُجريت عام 2009، بناءً على تعدادات من أربعينيّات وخمسينيّات القرن الماضي، أن تغلغل التّقنيات الجديدة في المنازل، مثل الغسّالة، الثّلاجة الكهربائيّة والفرن الكهربائيّ، كان قوّة دافعة كبيرة في عمليّة خروج المرأة إلى سوق العمل. كان هذا التّغيير بطيئًا: بينما في عام 1900، عملت 5 بالمائة فقط من النّساء الكنديّات المتزوّجات خارج المنزل، وقد ارتفع معدّلهنّ في الثّمانينيّات إلى 51 بالمائة.

هل "ساهمت" الغسّالة والأجهزة المنزليّة الأخرى مثل الثّلاجة، فرن الطّهي والمكنسة الكهربائيّة النّساء حقًا في منع حياة العمل الشاقّ في المنزل والاستغلال؟ لا شكّ في أنّها وفّرت الكثير من الوقت، وأدّت أيضًا بشكل غير مباشر إلى نموذج عائليّ أكثر مساواةً يكون فيه كلا الوالدين مسؤولين عن كلّ من سبل العيش والعمل المنزليّ ورعاية الأطفال. لكن الصّورة معقّدة. على مرّ السّنين، تمّ إجراء القليل من الأبحاث حول جدول أعمال ربّات البيوت والنّساء العاملات. حتّى اليوم، ما تزال النّساء يقمن بالكثير من الأعمال المنزليّة حتّى في العائلات الحديثة والّتي تبدو متساوية، حتّى أثناء إغلاق كورونا، وفي المقابل يخرجن للعمل خارج المنزل.

تختلف أيضًا أنماط استخدام الغسّالات والأجهزة الأخرى الموفّرة للوقت اختلافًا كبيرًا من دولة إلى أخرى. بينما في الولايات المتّحدة، بدأ الاستخدام الواسع للغسّالات المنزليّة في الأربعينيات من القرن الماضي، في المملكة المتّحدة في عام 1948 كانت هناك غسّالة ملابس في 2.8 في المائة فقط من المنازل، و استلزم الأمر انخفاضًا كبيرًا في أسعارها في السّتينيّات لإحداث تغيير كبير. يوجد في الولايات المتحدة أيضًا وحدات سكّنيّة يشترك شاغلوها في غرفة غسيل مشتركة.

تستخدم الغسّالة أيضًا كمؤشّر على الفجوات الاقتصاديّة بين الدّول: في عام 2010، لم يكن لدى حوالي 70 في المائة من سكّان العالم إمكانيّة استعمال الغسّالة، مقارنةً بالبلدان الغنية، كانت هناك غسّالة في كل منزل تقريبًا. هذه الفجوة لها تأثير كبير على مكانة المرأة في المجتمع في الدّول الفقيرة. حتّى الهياكل الاجتماعيّة المحافظة غالبًا ما تؤخّر تغلغل التّكنولوجيا حتّى بالنّسبة لأولئك الّذين يستطيعون تحمّل تكاليفها - على سبيل المثال، يخلق النّظام الطّبقيّ في الهند ضغطًا اقتصاديًّا على النّساء اللّائي يغتسلن في مومباي لمواصلة الغسيل باليد للحفاظ على مصدر رزقهنّ.

תראי... בלי עבודה! מודעת פרסומת למכונת כביסה ביתית מ-1946 | מקור: THE PRINT COLLECTOR / HERITAGE IMAGES / SCIENCE PHOTO LIBRARY
أنظري... بدون مشقّة! إعلان لغسّالة من سنة-1946 | المصدر: THE PRINT COLLECTOR / HERITAGE IMAGES / SCIENCE PHOTO LIBRARY

حبوب منع الحمل 

الاختراع: حبوب منع الحمل عبارة عن مستحضر طبّيّ يؤخذ عن طريق الفم ويحتوي على هرمونات الجنس الأنثويّة الاستروجين والبروجسترون، أو الجزيئات الاصطناعيّة القائمة عليها. دور الهرمونات هو منع عمليّة التبويض عند النّساء، أي نضوج البويضة وانتقالها من المبيض إلى الرّحم. بالإضافة إلى ذلك، يمنع البروجسترون بطانة الرحم من استيعاب البويضة المخصّبة ويسبب تغييرات في بطانة عنق الرّحم تجعل من الصّعب مرور الحيوانات المنويّة في طريقها إلى البويضة.

اكتشف دور البروجسترون والاستروجين في منع الحمل منذ ثلاثينيّات القرن الماضي، لكنّ الأمر استغرق ثلاثين عامًا إضافيًّا لتطوير بدائل لا تتحلّل بسهولة في اللّعاب أو المعدة. في السّتينيّات، وصلت إلى السّوق حبوب منع الحمل الأولى، الّتي طوّرها عالم الكيمياء الحيوية جريجوري بينكوس Gregory Pincus من معهد ورسيستر للبيولوجيا التّجريبيّة في ماساتشوستس. تحتوي الأنواع المختلفة من الحبوب على جرعات مختلفة من الهرمونين أو بدائلها، لكن الآليّة البيولوجيّة لكلّ منهما متشابهة.

المساهمة: كان لحبوب منع الحمل تأثير اجتماعيّ كبير، انعكس حتّى في اللغة - أصبح الاسم المعروف "الحبة" مرتبطًا بها فقط، دون الحاجة إلى الإشارة أي حبوب نقصد. فعاليّتها العالية في منع الحمل، إلى جانب حقيقة أنّ استخدامها تحت السّيطرة الكاملة للمرأة، ولا تتطلّب استعدادات خاصّة قبل ممارسة العلاقة الجنسيّة، أعطى المرأة السّيطرة على خصوبتها، وبالتّالي على الحرّيّة الجنسيّة.

لعبت حبوب منع الحمل دورًا مهمًّا في الثّورة الجنسيّة في أواخر السّتينيّات وفي الثّقافة المضادّة لجيل "أطفال الزّهور" في الولايات المتّحدة الأميريكيّة. كما أنّها أعطت شرعيّة لممارسة الجنس قبل الزّواج، ووفقًا لما ذكرته الخبيرة الاقتصاديّة في جامعة هارفارد كلوديا غولدين (Goldin) وزميلها لورانس إف كاتز، فقد كان لها تأثير كبير على الوضع الاقتصاديّ للمرأة في المجتمع وحتّى على تعليمهنّ. سمحت حبوب منع الحمل للنّساء بتأجيل سنّ الزّواج بشكل كبير وتكوين أسرة، دون التّخلّي عن ممارسة الجنس إذا أردن ذلك. استثمرت النّساء هذا الوقت في الدّراسات الأكاديميّة والتّقدّم الوظيفيّ.

وقد ساهم تضافر جميع هذه العمليّات في كسر التّسلسل الهرميّ التّقليديّ للأسرة، حيث كانت أهمية حياة الرّجل المهنيّة تسبق تلك الخاصّة بالمرأة. لاحقًا، دفعت المنظّمات النّسائيّة ونشطاء حقوق الإنسان هذه العمليّة إلى الأمام من خلال تطوير التّشريعات الّتي تكرّس المساواة في الوضع الاقتصاديّ للرّجال والنّساء، وكذلك تعزيز مكانة الفئات المحرومة الأخرى مثل مجتمع المُثليّين.

إذا كان الأمر كذلك، فلا عجب أنّ النّاشطين في مجال حقوق المرأة قد لعبوا دورًا مهمًّا في تطوير حبوب منع الحمل. برز بشكل خاص مؤسسة حركة منع الحمل الأمريكيّة، مارغريت سانجر (Sanger)، الّتي ساعدت بينكوس في جمع المنح البحثيّة، أوّلًا من اتّحاد الأبوّة المخطّطة ثمّ لاحقًا من المتطوّعة في حركة سافجرت النّسوية كاثرين دكستر ماكورميك(McCormick). بدأت ماكورميك أيضًا التّعاون بينها وبين طبيب أمراض النّساء جون روك (Rock)  من مستشفى هارفارد للمرأة الحرّة لإجراء التّجارب الطّبّيّة اللّازمة لتطوير وسائل منع الحمل الهرمونيّة للنّساء. قال بينكوس مرارًا وتكرارًا إنّه لم يكن لينجح في المهمّة بدون مساعدة سانجر وماكورميك وروك، بل إنّه كرّس تقريرًا إلى سانجر حول تطوير حبوب منع الحمل في عام 1959.


مساهمة كبيرة في التقدّم. كاثرين ماكورميك ومجموعة مختارة من حبوب منع الحمل |المصدر: TONY FREEMAN / US NATIONAL ARCHIVES AND RECORDS ADMINISTRATION / SCIENCE PHOTO LIBRARY

أثار الانتشار السّريع لاستخدام حبوب منع الحمل جدلًا عامًّا ساخنًا وعاطفيًّا بين العناصر اللّيبراليّة والتّقدّميّة الّتي أيّدتها، والعناصر الدّينيّة والمحافظة الّتي عارضتها. فعل البابا بولس السادس المزيد عندما نشر في عام 1968 "Humanae vitae" (حياة الإنسان)، وهو إعلان رسميّ للكرسي الرّسوليّ الّذي أيّدته العقيدة الكاثوليكيّة عن قدسيّة الحياة، وقد عارضت استخدام وسائل منع الحمل. بالرّغم من ذلك، وافقت بعض الكنائس البروتستانتيّة على استخدام حبوب منع الحمل، على الرّغم من معارضة الأغلبيّة لممارسة الجنس قبل الزّواج.

هناك أيضًا ثمن يجب دفعه مقابل استخدام حبوب منع الحمل. تشتكي بعض النّساء من الآثار الجانبيّة مثل التّقلّبات المزاجيّة والنّزيف المتقطّع والصّداع والغثيان. في حالات نادرة، قد تظهر أعراض ارتفاع ضغط الدم أو فرط تخثّر الدّم، ممّا قد يؤدّي إلى الإصابة بسكتة دماغيّة. يرتبط استخدام حبوب منع الحمل أيضًا بزيادة طفيفة في خطر الإصابة بسرطان عنق الرّحم، وانخفاض خطر الإصابة بسرطان المبيض. تستخدم النّساء حبوب منع الحمل ليس فقط لمنع الحمل ولكن أيضًا للتّحكّم في توقيت الدّورة الشّهريّة وتنظيم شدّتها وحتى منع تقرّحات حبّ الشّباب في مرحلة المراهقة.

سياسة التّكنولوجيا

ليس للعلم أيديولوجيّة - هو مجرّد وسيلة لفهم العالم الّذي نعيش فيه واختبار الفرضيّات. لكن التّكنولوجيا، أي الاستخدام الّذي يفعله البشر للمعرفة العلميّة، غالبًا ما تعتمد على الأشخاص الّذين يستخدمونها وعلى قيم المجتمعات الّتي تعمل فيها. المعرفة، من بين أشياء أخرى، هي القوّة، وعندما تُدمج عمدًا مع أجندة واضحة، يمكن استخدامها لتغيير الواقع - أو للحفاظ عليه.

مثال مثير للاهتمام هو تقنيّات معالجة المعادن الجديدة الّتي أُنشِئت خلال القرن التّاسع عشر. لقد سمحت من ناحية بتطوير مشدّات أكثر إحكامًا وأكثر تقييدًا، ومن ناحية أخرى اختراع الكرينولين، وهو نوع من الأقفاص المصنوعة من الأشرطة الفولاذيّة الّتي تثبت الفستان عليها.

بالنّسبة للمرأة العصريّة الّتي ترتدي الجينز أو البدلات الرياضيّة، قد تبدو الكرينولين بمثابة قفص حقيقي، لكن الفتيات في ذلك الوقت تعاملن معها بشكل مختلف: "لقد أغرمت الفتيات بالكرينولين، الّتي قامت بتحريرهنّ من الوزن الثّقيل والإرهاق النّاجم عن الطّبقات الكثيرة من التّنانير الّتي لبستها النّساء قبل ذلك"، تشرح عانبال ساجيف- ناكديمون، صاحبة موقع "ما الذي سترتديه في السّفر عبر الزّمن؟" المكرّس لتاريخ الموضة. "استاء الرجال، من ناحية أخرى، من المساحة الهائلة الّتي سمحت الكرينولين للنّساء بشغلها في الفضاء العامّ. صوّرت الرّسوم الكاريكاتورية من تلك الفترة الرّجل كشخص مسكين، يُدفع جانبًا بين النّساء اللّواتي سيطرن على الغرفة أو عربة القطار". هل حرّرت التّكنولوجيا النّساء أم قيدتهنّ؟ كلّ هذا يتوقّف على استخدامهن لها والأهمية الاجتماعية المنسوبة إليها.

קרינולינה - איור מ-1856
قفصٌ معدني أم تحرّر من حمولة القماش؟ الكرينولينا في رسم من عام 1856| صورة: ويكيبيديا

أو فكّروا في السّدادة القطنيّة أحاديّة الاستعمال. مساهمتها في تحسين جودة حياة المرأة لا جدال فيها، كما يتّضح من شعبيّتها الكبيرة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، في الدّول الفقيرة في أفريقيا، يمنع النّقص في تدابير النّظافة أحاديّة الاستعمال الفتيات من الذّهاب إلى المدرسة بانتظام، ويستخدم القوادين هذه المنتجات للسّيطرة على النّساء في الدّعارة. تكافح أماكن أخرى لتجنّب الضّرائب على السّدّادات القطنيّة والفوط الصّحيّة، كجزء من محاولة للحدّ من الفوارق الاقتصاديّة في المجتمع.

لعبت العديد من التّقنيات الأخرى دورًا في الكفاح من أجل المساواة في حقوق المرأة - على سبيل المثال، مركّبات أغذية الأطفال، الحفّاضات أحاديّة الاستعمال، آلة الخياطة وشبكة الإنترنت. لكن التّكنولوجيا ليست إلا مجرّد أداة، ويصل التّقييم الكبيرة بالفعل لأولئك الّذين عرفوا استخدامها لتحويل العالم إلى مكان أفضل. ما زال هناك طريق طويل لنقطعها وما يزال المجتمع يقيّد النّساء في طرق متنوّعة - حتّى من خلال حرمانهنّ من واحدة من أبسط مواصفات الملابس وأكثرها ضرورة، والّتي لا تتوفّر بشكل كافٍ ومناسب في ملابس النّساء: الجيب.

0 تعليقات