كم مرّة ينبغي علينا الاستحمام أو غسل الشعر في الأسبوع؟ هل الصابون الذي نستخدمه مناسب لنوعيّة البكتيريا المتواجدة على بشرتنا؟ ما هي درجة حرارة الماء المثاليّة للحفاظ على صحّة البشرة؟ أسئلة وأجوبة عن عادات الاستحمام

الجلد هو أكبر عضو في جسم الإنسان، بالرغم من أنّ الكثير منّا لا يعتقده عضوًا إطلاقًا، إلّا أنّه يلعب دورًا مهمًّا في الحفاظ على صحتنا. للجلد دور مهمّ في حمايتنا من البكتيريا وغيرها من الالتهابات؛ ينظّم حرارة الجسم ويعمل مع الجهاز العصبيّ في السيطرة على أحاسيس اللمس، الألم، الحرارة والبرد.

نحن ندرك أهميّة صحّة وسلامة الجلد الضروريّة بالنسبة لنا بالشكل القاسي عند حالات الحروق والأمراض الجلديّة الصعبة فقط. هل الأنشطة اليومية أيضًا تستطيع أن تؤذي الجلد وتضعفه؟ هل نحن نظيفون أكثر ممّا ينبغي؟

استحمام واحد أو اثنان!

يعتاد معظمنا على الاستحمام يوميًّا، لكن يتبيّن بأنّ الاستحمام بكثرة قد يكون مضرًّا للبشرة، مسبّبًا لجفافها ويؤدّي إلى إزالة مجموعة من البكتيريا الجيّدة الّتي نحتاجها لإبقاء الجلد بصحّة جيّدة. يوصي الأطبّاء بالاستحمام مرّتين أو ثلاث في الأسبوع، وهناك أيضًا من يوصون بغسل الجسم يوميًّا بالماء فقط واستخدام الصابون لتنظيف المناطق الحسّاسة فقط، أو تلك الّتي تتراكم عليها الأوساخ. قد نتمكّن من تطبيق هذه النصيحة في فصل الشتاء في هذه البلاد، ولكن عند التفكير بفصل الصيف سنقوم برفضها فورًا.

تقوم الحيوانات مثل الخيول والخنازير والفيلة بغسل جلدها في حمام من طين ووحل. الفرضيّة لمثل هذه السلوكيّات تنبع من مميّزات تطوّريّة، مثلًا في الرمال تتواجد البكتيريا الّتي تتغذّى على العرق لتحصل على الطاقة الّتي تحتاجها من مادّة الأمونيا (الّتي تُفرَز مع العرق) كبديل للكربون الموجود في السكريّات. وجود مثل هذه البكتيريا على الجلد يأتي بالفائدة للحيوانات، بحيث أن قيامها بذلك يمنع تراكم الأمونيا السامّة التي تلحق الضرر بخلايا الجلد.

يعتقد بعض الناس أنّ سلبيّات الاستحمام تفوق إيجابيّاته، ويفضّلون اتّباع أسلوب حياة قليل الاستحمام، ويقومون بتوفير احتياجاتهم الصحيّة عن طريق استخدام مُنتجات ومُستحضرات تحتوي على بكتيريا ذات فائدة، كتلك التي تقوم بتحليل الأمونيا على سبيل المثال. ولكن لا يزال بإمكاننا اتّخاذ تدابير صحيّة لفائدة بشرتنا دون اتّباع هذا النمط الصحيّ الصارم، من خلال ضبط درجة حرارة الماء، اختيار الصابون المناسب ووتيرة استخدامه الصحيحة دون أن تلزمنا بالتّخلي عن متعة الاستحمام، نستطيع الشعور بالنظافة وحماية صحّة البشرة.

لا تدعهم يخدعونك

الصابون هو ملح من المعادن والحوامض الدهنيّة، والذي يتشكّل من مزيج بين مادة حمضيّة ومادة قلويّة في عمليّة تُسمَّى التصبّن.تتكوّن المادّة الحمضيّة من جزيئات الدهون والجليتسرول، والتي تمنح الصابون الملمس الزيتي. المادة القلويّة المعدنيّة الأساسيّة هي في معظم الأحيان هيدروكسيد الصوديوم أو باسمه الأكثر شهرة الصودا الكاوية. عندما يتمّ خلط المادة الحمضيّة بالمادة القلويّة المعدنيّة, تنفصل الحوامض الدهنيّة عن الجليتسرول لترتبط مع الجزء الهيدروكسي للصوديوم، هذا التفاعل ينتج عنه الملح والذي نسمّية نحن "بالصابون".

تتكون جزيئات الصابون من جزء غير قطبي ( بشكل حرفي "كارهة للماء" أي قابلة للذوبان في الدهون) وجزء قطبي ("محبّ للماء" أي قابل للذوبان في الماء). عندما نغتسل بالصابون يرتبط الجزء غير القطبي بالدهون والأوساخ، والجزء القطبي يرتبط بجزيئات الماء ممّا يسمح بغسل الأوساخ والدهون مع تيار الماء. الماء وحده لا يكفي لإزالة الأوساخ الزيتية لانّ الماء والدهون لا يختلطان معًا.

سائل أم صلب؟ هذا هو السؤال

بعد أن أدركنا أنّه من المستحيل إزالة الأوساخ بدون صابون، كيف نعرف نوع الصابون الذي علينا استخدامه؟ خلال العشرين سنة الماضية حلّ الصابون السائل أو المستحلب محلّ الصابون الصلب، و لتحديد أيّهما أفضل يمكنك إلقاء نظرة على قائمة المكوّنات في كل مُنتَج.

تحتوي المستحلبات السائلة على مواد فعّالة بتركيز أعلى من تلك الّتي في الصابون الصلب؛ ولهذا قد يتعرّض الجلد بشكل أكبر للتهيّج. بالإضافة إلى ذلك، فإنّها تتطلّب إضافة المثبّتات للحفاظ على شكل السائل المتجانس. كما أنّ الصابون السائل يحتوي على مواد تساعد على لزوجتها فيكون من الصعب إزالتها بالماء. نتيجة لذلك، بقايا هذه المواد الفعّالة تؤدّي إلى تفكيك المواد البيولوجيّة الموجودة على الجلد وتسبّب تهيّجًا وتغييرات في حموضة الجلد. وكل ذلك يؤدّي إلى جفاف الجلد، ممّا يجعله أكثر عرضةً للتشقّقات وبالتّالي أكثر عرضةً للعدوى. يتمّ إضافة المرطّبات إلى الكثير من مستحضرات الاستحمام للتعويض عن فقدان الرطوبة الّتي تسبّبها.

في بعض الحالات، لا تُصنع مستحلبات الاستحمام من الصابون لكن تُعرَّف كمنظّفات اصطناعيّة، وهي مواد تشبه الصابون ولكن مركّبها القلوي ليس من المعادن، إنّما في العادة يتكوّن من أكاسيد الكبريت. يحتوي معظمها على مادة دوديسيل كبريتات الصوديوم الّتي تُستخدم للتنظيف وكناتج للرغوة والّتي تعمل كالصابون (بشكل كيميائي)، ولكنّها أكثر قابليةً للذوبان في الماء. حاولت العديد من الدراسات تحديد ما إذا كان استخدام دوديسيل كبريتات الصوديوم آمنًا، ووجدوا أنّ استخدامه بتركيزات عالية يمكن أن يسبّب تهيّج الجلد لكن لا يوجد دليل على أنّه سامٌّ أو مسبّب للسرطان، وبالتّالي تمّت الموافقة على استخدامه التجاري.

هناك أيضًا ادّعاءات ضد الصابون الصلب بأنّه يسبّب جفاف الجلد مقارنةً بالصابون السائل (والذي كما ذكر أعلاه، يحتوي على مرطّب)، ولكن يوجد صابون صلب يحتوي على زيوت طبيعيّة وجليتسرين ممّا يساعد في الحفاظ على ترطيب الجلد. التوصية هي باستخدام صابون يحتوي على أقل كميّة من المكوّنات الصناعيّة وعلى مركّبات الصابون الحقيقي، بإضافة الزيوت التي تمنح البشرة الرطوبة التي تحتاجها.

​مجفّفات البشرة؟ الصابون الصلب | تصوير Shutterstock
مجفّفات البشرة؟ الصابون الصلب | تصوير Shutterstock

كم مرّة يجب غسل الشعر في الأسبوع؟

لعلّكم قد سمعتم أنّه من الأفضل عدم غسل الشعر كثيرًا، إلّا أنّه لا توجد إجابة محدّدة لعدد المرّات الّتي علينا فيها غسل الشعر. تفرز الغدد الدهنيّة في الجلد سائلًا دهنيًّا يُسمّى الزهم (الدهن) ووظيفته هي جعل الشعر دهنيًّا، تنعيم البشرة ومنع جفافها. يحتوي الزهم على الحوامض الدهنيّة الّتي تقضي على البكتيريا وتمنع تراكمها على سطح الجلد.

تقوم المستحضرات مثل الشامبو بمحاصرة الدهون الزائدة والأوساخ، ثمّ غسلها من الشعر. ولكنّ إزالة الدهون من الشعر بشكل كامل قد تكون ضارّةً. إنّ الأشخاص الذين لديهم شعر ناعم وزيتي أو أولئك الذين يمارسون الرياضة ويعرقون بكثرة عليهم غسل شعرهم أكثر لإزالة الدهون الزائدة. للأشخاص الذين لديهم فروة رأس دهنيّة، من المحبّذ غسل شعرهم يوميًّا، لكن لأشخاص آخرين، كثرة غسل الشعر قد تسبّب لهم جفاف فروة الرأس وظهور القشرة.

لا توجد توصية محدّدة لعدد المرّات المناسب لغسل الشعر، ولكن إذا كان ملمس الشعر يبدو دهنيًّا أو عند الشعور بالرغبة في حكّ فروة الرأس أو رؤية أوساخ، اذًا فقد حان وقت غسل الشعر.

الماء الساخن أم البارد؟

في هذه الحالة، التوصية حاسمة، وهي أنّ الحمام الساخن يمكن أن يؤدّي إلى تهيّج وإحمرار الجلد، حكّة وحتّى تقشرّه، مثلما يحدث في حروق الشمس. ماء ذو درجة حرارة مرتفعة قد يؤدّي إلى إعاقة توازن رطوبة الجلد الطبيعيّة، إزالة الزيوت والبروتينات الطبيعيّة المتواجدة عليه والّتي تحافظ على صحّته.

يؤدّي الماء الساخن إلى فتح مسامات الجلد والسماح لتبخّر الماء من الخلايا؛ ممّا يتسبّب في جفاف الجلد، الأمر الذي يؤدّي إلى زيادة إنتاج دهون الجلد للتعويض عن فقدان الرطوبة.

يوصي أطباء الجلد بالاستحمام بالماء الدافئ بدلًا من الماء الساخن، كما أنّهم يوصون بالاستحمام بالماء البارد في نهاية الحمام؛ من أجل إغلاق مسامات الجلد وبالتالي تقليل تبخّر الماء من الخلايا. لذلك إذا خرجتَ من الحمام وكان لون جلدك أحمر كجراد البحر (لوبستر) اذًا فجلدكَ يعاني.

العيش في تكافل

النظام الأكثر تعقيدًا في أجسامنا هو نظام الكائنات الحيّة الدقيقة، التي يُطلق عليها أيضًا "الميكروبيوتا". مئات الملايين من البكتيريا مختلفة الأنواع تسكن في أجسامنا وعلى سطح جلدنا، بعضها مفيد لنا، بعضها ضارّ وبعضها لديه القدرة على أن يكون ضارًّا في حالة ضعف الجهاز المناعيّ.

بين جلدنا وبين الكائنات الحيّة الدقيقة التي تعيش على سطحه علاقة يستفيد منها كلا الطرفين. فالجلد ينتج موادّ مثل الدهون (الزهم)، البروتينات (خلايا الجلد الميتة) والمعادن (العرق) الّتي تعود بالنفع لهذه البكتيريا. من جهة أخرى، هذه البكتيريا هي خط الدّفاع الأوّل ضد استيلاء الأعداء الضارّين مثل الفطريات أو البكتيريا الضارّة، فكثرة وكثافة هذه الميكروبيوتا لا تسمح للكائنات الحيّة الدقيقة الأخرى بالاستقرار على الجلد. بالإضافة إلى ذلك، تتغذّى البكتيريا الموجودة على الجلد على المواد السامّة مثل الأمونيا، وبالتّالي منع تراكمها. هناك أيضًا دراسات تشير إلى أنّ بعض البكتيريا الموجودة على الجلد يمكنها أن تساعد جهاز المناعة على الاستجابة بشكل أفضل للتهديدات المحتملة. 

في دراسة أجريت في مستشفى أوبيرلانديا في البرازيل بحثوا كيفيّة تأثير تهيّج وجفاف أيدي الممرّضات بعد غسل اليد المتكرّر على البكتيريا الضارة، في محاولة لمعالجة مشكلة العدوى في المؤسّسات الطبيّة. أظهرت النتائج أنّه لدى الممرّضات اللواتي لديهنّ أيدي جافّة ومتشقّقة، كان هناك زيادة في معدل البكتيريا الضارّة من مجموع البكتيريا الكليّ. الاستنتاج هو أنّ غسل الأيدي بكثرة قد غيّر الميكروبيوتا التي تعيش على الجلد.

حموضة الجلد هي عامل مهم في الحفاظ على صحّته. الجلد هو حمضيّ، ان كانت درجة حموضته ما يقارب الخمس وحدات من الرقم الهيدروجيني (كلّما كانت قيمة الرقم الهيدروجيني أقل من سبعة، كلّما كان الجلد أكثر حموضة)، يكون الجلد أكثر صحيًّا من حيث وظائفه ورطوبته وبنيته. أي أنّ الجلد السليم هو جلد حمضيّ. تؤثّر درجة الحموضة بشكل كبير على البكتيريا الموجودة على جلدنا، حيث تساعد الظروف الحمضيّة على إبقاء البكتيريا على الجلد بينما الظروف القلويّة تحفّز على إبعادها.

دراسة قامت بفحص تأثير الماء والصابون على مستوى حموضة الجلد، وجدت بأنّ الصابون يمكن أن يقلّل من حموضته (جعله أكثر قلويًّا) وأنّ التأثير يستمرّ لعدّة ساعات متواصلة. وجدت أيضًا أنّ الماء وحده قلّل من حموضة الجلد ولكن لفترة زمنيّة قصيرة.

مسألة توازن

على الرغم من أنّ ثورة النظافة في القرن العشرين قد نجحت في القضاء على العديد من الأوبئة، وحسّنت بشكل كبير من مستوى المعيشة، ولكنّها جلبت معها أيضًا أسلوب حياة مفرطًا يضرّ بأجسامنا ويجعلنا أكثر حساسيّة للبيئة. يبدو أنّه لا توجد إجابة محدّدة عن السؤال حول روتين النظافة الصحيّة الجيّدة. عوامل متغيّرة مختلفة مثل الطقس، بيئة المعيشة والحالة الصحيّة تستطيع التأثير عليه كثيرًا. قم بتجربة روتين مختلف للاستحمام حتى تجد طريقة تجعل بشرتك تبدو صحيّة شكلًا وملمسًا. تذكّر بأنّ الحقيقة تشبه الصابون في الحمام، دائماً نحاول الوصول اليه وهو يحاول الهرب من بين الأصابع.

0 تعليقات