تشير دراسة جديدة إلى وجود صلة واضحة بين الاستهلاك المفرط للملح وتطوّر مرض السكّريّ من النوع الثاني
بغضّ النظر عمّا كان الطعام الذي قمنا بطهيه، خبزه أو تقطيعه، غالبًا قد قمنا بإضافة الملح إليه. يُعدّ ملح الطعام، أو باسمه الكيميائي - كلوريد الصوديوم (NaCl)، أحد أكثر التوابل شيوعًا والأكثر استعمالًا. وإذا كنتم تعتقدون أنّ كلّ الملح الذي تأكلونه يأتي من الملح، الذي أضفتموه بنفسكم أثناء الطهي أو أثناء الوجبة، فهذا ليس هو الحال. يحتوي كل طعام نتناوله تقريبًا على الملح حتى قبل إضافة الملح إليه - بكمية كبيرة في الأطعمة المصنعة وكمية صغيرة نسبيًا في الأطعمة غير المعالجة أو المعالجة قليلًا - مثل الخضراوات، اللحوم، البيض، منتجات الألبان، المكسرات وغيرها. كلّ ما نأكله ويكون مصدره من كائن حي، ويحوي على الملح لأنّ جميع الكائنات الحيّة تحتاج إلى الملح.
يلعب ملح الطعام، والأملاح الأخرى مثل كلوريد الكالسيوم، كبريتات المغنيسيوم وغيرها، أدوارًا حيويّة في جسم الإنسان. فهي تشارك في توازن السوائل، في انقباض العضلات، في نقل أوامر الأعصاب، في توازن الحموضة، في الحفاظ على بيئة خلويّة مستقرّة وأكثر من ذلك. إنّ انتهاك توازن الأملاح قد يؤدّي إلى الإضرار بهذه العمليّات الحيويّة، ويعرّض حياتنا للخطر. لذلك، على الرغم من أهمّيّة الملح وفوائده، إلّا أنّ الاستهلاك المفرط للملح قد يضرّ بالصحة، ويسبّب ارتفاع ضغط الدم ومضاعفات طبّيّة أخرى. ولهذا السبب، وبسبب كثرة الأطعمة الغنيّة بالملح في قائمتنا اليوم، فإنّ التوصية المقبولة هي تقليل استهلاكها قدر الإمكان.
العلاقة بين الملح وارتفاع ضغط الدم معروفة منذ عدّة عقود. لكن هل الإفراط في تناول الملح مرتبط بمرض آخر، والذي يُعدّ من أكثر الأمراض انتشارًا في العالم الغربيّ؟ أشارت دراسة نُشرت مؤخّرًا إلى وجود علاقة مُفاجِئة بين الاستهلاك المفرط لملح الطعام ومرض السكّريّ.
الملح موجود بكّميّات كبيرة في الأطعمة المصنّعة. خطّ إنتاج للأرغفة في المصنع | Cergios, Shuttersyock
كيمياء الملح
كلوريد الصوديوم، الذي نسميه ببساطة "الملح"، ينتمي إلى عائلة كيميائيّة أوسع - عائلة الملح. الأملاح هي موادّ مكوّنة من أيونات موجبة وسالبة، أي جزيئات ذرّيّة ذات شحنة كهربائيّة غير متعادلة. تتجاذب الأيونات ذات الشحنات المعاكسة (الموجبة والسالبة) لبعضها البعض، والأيونات ذات الشحنة نفسها تتنافر. تكون الغالبيّة العظمى من الأملاح صلبة في درجة حرارة الغرفة، وترتّب نفسها في بُنية بلّوريّة متكرّرة ومرتّبة، تتكوّن من أيونات مرتبطة ببعضها البعض بواسطة روابط أيونيّة. في ملح الطعام، كلّ أيون صوديوم موجب محاط بستّة أيونات كلور سالبة، وكلّ أيون كلور سالب محاط بستّة أيونات صوديوم موجبة. بهذه الطريقة، يتمّ الحصول على شبكة ثلاثيّة الأبعاد ثابتة للغاية، تتكوّن من وحدة هيكليّة متكرّرة على شكل مكعّب.
إنّ خاصّيّة أخرى لملح الطعام هي سهولة الذوبان. عندما نضع كمّيّة صغيرة من ملح الطعام في الماء، فإنّه يذوب بسرعة، أي أنّ الأيونات التي كانت مرتبطة ببعضها البعض بإحكام تنفصل عن بعضها البعض، ويختفي الهيكل الشبكيّ للملح. السبب في ذلك هو قطبيّة جزيئات الماء: فكلّ جزيء ماء له مساحة ذات شحنة سالبة صغيرة، ومناطق ذات شحنة موجبة صغيرة. المناطق ذات الشحنة الموجبة تواجه الأيون السالب في الملح، وتكوّن غلافًا من عدّة جزيئات ماء حولها، والمناطق ذات الشحنة السالبة تواجه الأيون الموجب في الملح، وتكوّن غلافًا من عدة جزيئات ماء حولها، وبذلك تفصل أيونات الملح عن بعضها البعض.
مورد قيّم في التاريخ القديم. طبّاخ ينثر الملح على الوجبة | wavebreakmedia, Shutterstock
من البحر إلى الطاولة
المصادر الرئيسة لملح الطعام هي المحيطات والبحار. من المؤكّد أنّ معظمنا قد تذوّق مياه البحر - نأمل أن تكون بكمّيّة صغيرة - وشعر بطعمها المالح. ينشأ هذا الطعم بشكل طبيعيّ من الأملاح الذائبة في الماء، والتي تبلغ في المتوسّط حوالي 3.5 بالمائة من وزن ماء البحر. الطريقة الرئيسة لاستخراج الملح من مياه البحر هي التبخير: حيث تضخّ مياه البحر في برك ضحلة، ويتبخّر الماء بفضل حرارة الشمس وحركة الرياح. بعد تبخّر الماء، يتحوّل الملح الذي أُذيب فيه إلى بلورات صلبة يمكن تجميعها، وهي مرحلة تُسمّى "حصاد الملح". بعد الحصاد، يُغسل الملح ويُصفّى ويُجفَّف، ثم يُعبَّأ أخيرًا في المنتج المألوف الذي نشتريه في أكياس أو صناديق.
إنّ المفهوم القائل بوجود إمكانيّة لإنتاج الملح بواسطة تبخير الماء المالح ليس بالأمر الجديد. بالفعل في زمن مصر القديمة، أُنتِج الملح بواسطة تبخّر الماء من دلتا نهر النيل، حيث اختلطت مياه النهر بمياه البحر. لكن في تلك الأيام لم تكن عمليّة التبخّر وجمع الملح متطوّرة وفعّالة كما هي اليوم، لذلك كان الملح موردًا قيّمًا. يدّعي البعض أنّ الكلمة اللاتينيّة التي تعني "راتب"، "salarium" (التي نشأت منها الكلمة الإنجليزية "salary") أصلها من كلمة "sal" التي تعني "الملح"، لأنّ الراتب كان يستخدمه الجنود الرومان لشراء الملح الثمين والضروريّ. اليوم، يعدّ الملح منتجًا رخيصًا للغاية وحاضرًا على كل طاولة تقريبًا. مع ذلك، فقد حافظ على مكانته المركزيّة والمحترمة، وذلك بفضل خصائصه الطهوية المرغوبة. ليست الملوحة فقط واحدة من الأذواق الأساسيّة التي لها مستقبلات ذوق خاصّة في اللسان، ولكنّ الملح قادر على جعل الطعام اللطيف أكثر قبولًا للحنك: فهو يعزّز ويبرز النكهات الأخرى، يقلّل المرارة ويزيد الحلاوة.
المصادر الرئيسة لملح الطعام هي المحيطات والبحار. تبخير ملح البحر وحصاده | nymphoenix, Shutterstock
قوّة جاذبيّة الملح
في التاريخ القديم، غالبًا ما استخدِم الملح لحفظ الطعام لفترة طويلة. في تلك الأيّام، لم تكن تقنيات التبريد المتطوّرة التي نستخدمها اليوم قد اخترعت بعد، ولم يكن من الممكن منع نمو البكتيريا والكائنات الحيّة الدقيقة الأخرى، بواسطة وضع الطعام في الثلاجة أو الفريزر. حتّى اختراع الثلاجة عام 1850، أطال البشر العمر الافتراضيّ للأطعمة الرطبة بطرق أخرى، بما في ذلك حفظها في محلول ملحيّ، ممّا يقضي على البكتيريا. كيف يفعل المحلول الملحيّ ذلك؟ الجواب هو التناضح (osmosis). التناضح هو مرور المذيب، في حالتنا الماء، من محلول ذي تركيز ذائب منخفض عبر غشاء، إلى محلول ذي تركيز ذائب أعلى، حتّى يتساوى تركيزا المحلوليْن.
عندما نضع طعامًا رطبًا مثل اللحوم والأسماك في محلول يحوي تركيزًا عاليًا من الملح، فإنّ أيّ بكتيريا تعلق في المحلول ستفقد الماء إلى بيئتها، بسبب التركيز العالي للملح فيه، وسوف تجفّ وتموت. وكذلك الكائنات الحيّة الدقيقة الأخرى التي تفسد الطعام، مثل الفطريات. تعدّ البكتيريا والكائنات الحيّة الدقيقة الأخرى السبب الرئيسيّ لفساد الطعام، وتدميرها يطيل مدّة صلاحيّتها بشكل كبير. حافظ البشر عبر التاريخ بهذه الطريقة على الخضار والأسماك واللحوم خلال الفترات التي تتوافر فيها، ليأكلوها في المواسم التي يصعب العثور فيها على الطعام.
الكائنات الحيّة الدقيقة التي تفسد الطعام تجفّ وتموت في بيئة عالية الملوحة. مرطبانات من الأطعمة المخلّلة |Melnikov Dmitriy, Shutterstock
المملحة مُذنِبة؟
على الرغم من أهمّيّته الكبيرة في أجهزة الجسم المختلفة، إلّا أنّ جسم الإنسان لا يخزّن الملح في داخله عند الحاجة إليه، كما يخزّن الدهون مثلًا. لهذا السبب نحتاج إلى إمدادات ثابتة من الملح في نظامنا الغذائيّ. مع ذلك، صار من الواضح في العقود الأخيرة أنّ الإفراط في تناول الملح يسبّب أمراضًا مختلفة، وخاصة ارتفاع ضغط الدم. ضغط الدم هو الضغط الذي يمارسه الدم على جدران الأوعية الدموية. عندما يكون ضغط الدم أعلى من الطبيعيّ مع مرور الوقت، قد تتضرّر الأوعية الدمويّة أو تندب أو حتّى تتمزّق، ممّا يؤدّي إلى تلف تدفّق الدم الطبيعيّ. إنّ تدفق الدم عبر أنسجة الجسم يزوّدها بالمواد المغذّية والأكسجين، ويقوم بتدفِئتها أو تبريدها ويزيل الفضلات منها، ولذلك يتجلّى تلف تدفّق الدم في اعتلال العديد من أجهزة الجسم مثل القلب، الدماغ والكلى، العينين وأكثر من ذلك. فكيف يسبّب الملح بالضبط ارتفاع ضغط الدم؟ التفسير بسيط نسبيًّا. يُمتصّ الماء والملح الموجود في طعامنا عبر الجهاز الهضميّ إلى مجرى الدم. عندما يرتفع تركيز الملح في الدم يتكوّن محلول مركّز يتحرّك فيه الماء، فيزداد حجمه. ارتفاع حجم الدم في الأوعية الدموية في الجسم يعني ارتفاع ضغط الدم.
إذا كان الأمر كذلك، فهل الحلّ هو إزالة المملحة عن الطاولة؟ أيضًا، ولكن ليس ذلك فقط. المملحة ليست هي العدو الحقيقيّ. كمّيّة الملح الموصى بها للشخص البالغ والأصحّاء في المناخ الإسرائيلي هي 1500 ملجم يوميًّا - أكثر بقليل من نصف ملعقة صغيرة من الملح - بحدّ أقصى 2400 ملغم. إنّ استهلاك الملح الذي يأتي من تمليح الأطباق أثناء الطهي، بالإضافة إلى كمّيّة الملح التي نضيفها من المملحة أثناء الوجبات، يبلغ بالمعدّل حوالي 15 بالمائة فقط من إجمالي استهلاكنا من الملح. أي أنّ تأثير استخدام المملحة على إجمالي استهلاك الملح منخفض نسبيًّا. غالبيّة استهلاك الملح، على الأقل 75%، يأتي من الأطعمة المصنّعة، مثل الأطعمة المطبوخة الجاهزة، الوجبات السريعة، السلطات المشتراة، المقرمشات والوجبات الخفيفة، الأسماك المدخّنة، الصلصات، الخضراوات المعلبة، الأجبان المالحة وغيرها. لهذا السبب، وبسبب المخاطر الصحّيّة المرتبطة بالإفراط في استهلاك الملح، تبذل العديد من دول العالم، بما في ذلك إسرائيل، حاليًّا جهودًا كبيرة لتقليل استهلاك الأطعمة التي تحوي على نسبة عالية من الملح. وذلك من خلال المعلومات والعلامات السلبيّة (مثل الملصق الأحمر الموجود عندنا) على الأطعمة التي تحوي على نسبة عالية من الملح، مقارنة بالعلامات الإيجابيّة على الأطعمة الصحّيّة.
يؤدّي استهلاك كمّيّات كبيرة من الملح إلى الإصابة بأمراضٍ مختلفة، وخاصّة ارتفاع ضغط الدم. ملح منثور على الطاولة ويُشكل صورة قلب | Sharif Pavlov, Shutterstock
الدراسة الجديدة: مرض السكّريّ المالح؟
عندما نفكّر في مرض السكّريّ لدى البالغين، والذي يُسمّى أيضًا مرض السكّريّ من النوع 2 (diabetes type 2)، ربما نتخيّل شخصًا يعاني من زيادة الوزن، ويحتاج إلى كمّيّات كبيرة من الأطعمة الحلوة السكّريّة. من ناحية أخرى، ربّما لن نفكّر في الملح كسببٍ للمرض. لكن في السنوات الأخيرة، أجريت دراسات لفحص العلاقة بين ملح الطعام والأمراض الأيضيّة، مثل السمنة والسكّريّ لدى البالغين وغيرها. في دراسة جديدة، فحص الباحثون ما إذا كانت هناك علاقة بين عادات استهلاك الملح المختلفة، وخطر الإصابة بمرض السكّريّ - وتوصّلوا إلى نتائج مثيرة للاهتمام.
أُجريت الدراسة في جامعة تولين في نيو أورليانز بالولايات المتّحدة، وراجعت البيانات الطبّيّة لنحو 400 ألف بالغ، تتراوح أعمارهم بين 37 وَ 73 عاما لمدًة 12 عامًا تقريبًا. اختار الباحثون المشاركين الذين كانوا يتمتّعون بصحّة جيّدة عند بدء الدراسة، ولا يعانون من مرض السكّريّ أو أمراض الكلى المزمنة أو السرطان أو أمراض القلب والأوعيّة الدمويّة. لعزل تأثير الملح على الإصابة بمرض السكّريّ عن الأسباب الأخرى لهذا المرض -قدر الإمكان-.
فحص الباحثون تأثير استهلاك الملح على خطر الإصابة بمرض السكّريّ بعدّة طرق. أوّلًا، طُلب من المشاركين في الدراسة الإجابة عن عدّة أسئلة متعدّدة الاختيارات. تناول أحد الأسئلة الرئيسة عادات استهلاك الملح، حيث طُلب من المشاركين الاختيار بين أربع إجابات لسؤال ما إذا كانوا يضيفون الملح عادةً عند تناول الطعام: دائمًا، في معظم الحالات، أحيانًا أو أبدًا. وأكّد الباحثون أنّه على ما يبدو، فإنّ الإجابة على هذا السؤال تُظهر فقط مقدار الملح الذي يضيفه الشخص إلى طعامه أثناء الوجبات، وهي كمّيّة تعتبر ضئيلةً بالنسبة إلى إجمالي استهلاك الملح. لكن من الناحيّة العمليّة، أوضح الباحثون أنّ الأمر ليس كذلك: فقد وجدوا علاقة بين كمّيّة الملح التي يضيفها الناس إلى طعامهم أثناء الوجبة وإجمالي استهلاكهم من الملح، ومن هُنا فإنّ الإجابة عن هذا السؤال تعكس بشكل جيّد إجمالي استهلاك الملح للمشارك، وليس فقط كمّيّة الملح التي يضيفها من المملحة. وقد تمّ تعزيز هذه النتيجة بعد إجراء اختبارات عشوائيّة لكمّيّة الملح في عيّنات بول المشاركين في الدراسة. عند المشاركين في الدراسة الذين تبيّن أنهم لا يضيفون عادةً الملح إلى الطعام أثناء الوجبة، عُثرت على كمّيّات منخفضة من الملح في اختبارات البول، والتي تعتبر اختبارات موثوقة، وقد تشير إلى انخفاض إجمالي استهلاك الملح، ولذلك تعامل الباحثون مع الإجابات عن هذا السؤال كمؤشّر موثوق على إجمالي تناول الملح للمشاركين.
بعد حوالي 12 عامًا من المتابعة، تبيّن أنّ حوالي 13000 من أصل 400000 مشارك في الدراسة مصابين بمرض السكّريّ من النوع الثاني. مقارنةً بالأشخاص الذين أجابوا بـ "أبدًا" عن سؤال إضافة الملح إلى الطعام وأولئك الذين أجابوا بـ "أحيانًا"،"في معظم الحالات" "أو" دائمًا "، وجد أن خطر الإصابة بمرض السكّريّ من النوع 2 عند الأخيرين كان أعلى بنسبة 13 بالمائة، 20 بالمائة وَ 39 بالمائة (على التوالي) مقارنةً بأولئك الذين تجنّبوا إضافة الملح. وأظهر تحليل بيانات هؤلاء المشاركين والمقارنة بينهم وبين بيانات جميع المشاركين بطريقة ذات دلالة إحصائيّة، وبغضّ النظر عن المعايير الاجتماعية والاقتصادية، أنّ هناك علاقة بين زيادة استهلاك الملح وخطر الإصابة بمرض السكّريّ من النوع الثاني.
فحص الباحثون ما إذا كانت هناك علاقة بين عادات استهلاك الملح المختلفة وخطر الإصابة بمرض السكّريّ. فحص مستوى السكر في الدم باستخدام جهاز قياس السكّر | DC Studio, Shutterstock
نقاط ضعف الدراسة
تُسمى الدراسة من النوع الذي وصفناه بدراسة المجموعة النموذجيّة (cohort). الدراسات من هذا النوع في حدّ ذاتها لا تُثبِت السببيّة، أي أنها لا تثبِت أنّ فعلًا معينًا قد أحدث أيّ نتيجة؛ يمكنها فقط إثبات وجود علاقة ما بين المتغيّرات. السبب وراء عدم قدرة مثل هذه الأبحاث على إثبات العلاقة السببيّة هو احتمال وجود متغيّرات متداخلة، تُسمّى أيضًا "المربكة"، المسؤولة عن النتائج بدلًا من المتغيّر قيد الدراسة. على سبيل المثال، إذا عُثِر على صلة بين زيادة تناول الملح ومرض السكّريّ، ولكن تناول الملح يسبّب زيادة استهلاك المشروبات المُحلّاة، فقد تكون المشروبات المحلّاة هذه هي العامل الذي يزيد من خطر الإصابة بمرض السكّريّ من النوع 2، وليس الملح.
إذا كان الأمر كذلك، فمن غير الممكن أن نتعلّم من الدراسة أنّ الاستهلاك المفرط للملح يزيد من خطر الإصابة بمرض السكّريّ من النوع 2، ولكن فقط نجد علاقة بين الاثنين. للتحقّق ممّا إذا كان الاستهلاك المفرط للملح هو في حدّ ذاته عاملًا قد يزيد من خطر الإصابة بمرض السكّريّ، فيجب إجراء دراسات إضافيّة.
نقطة ضعف أخرى في الدراسة هي أنّ الباحثين لم يسألوا عن كمّيّة الملح التي أضافها المشاركون في الدراسة إلى الطعام الموجود على طبقهم، ولكن فقط عن عدد المرات التي فعلوا فيها ذلك؛ وفي كلتا الحالتين، تعتمد الإجابات على التقدير ولا تقدّم معلومات كمّيّة. لذلك، حتّى لو كان الملح يسبّب مرض السكّري بالفعل، فمن غير الممكن أن نستنتج من البحث ما هي كمّيّة الملح الموجودة في الطعام، والتي تزيد من خطر الإصابة بمرض السكّريّ. وأخيرًا، كان مجتمع البحث الذي فُحِصَ جميعًا من أصل أوروبي، لذلك ليس من المؤكّد أنّ استنتاجات البحث صالحة أيضًا للأشخاص من أصول أخرى.
على الرغم من هذه التحفّظات، فإنّ الدراسة التي وصفناها واسعة النطاق، سواء من حيث عدد المشاركين أو مدّة متابعتهم الطبّيّة. ومن المحبّذ جدًّا إجراء دراسات إضافيّة لفحص استنتاجاته، على أمل تحديد سبب مهمّ لواحد من أكثر الأمراض شيوعًا وخطورة في العالم الغربي - والعمل على الحدّ منه.