فريق من علماء الرياضيات والفيزياء يستنتج أنه من المحبذ تقليل كمية حبوب البن وطحنها أقل للحصول على قهوة ألذّ - وأرخص

الإسبريسو هو مشروب ينتج عن مرور المياه الحارة بضغطٍ عالٍ وسط القهوة المحمصة. وبالإضافة إلى كونه أحد أكثر مشروبات القهوة استهلاكًا، فهو أيضًا حساس جدًا للتغييرات في الطعم والجودة. حتى الآن، تُعزى الفوارق في المذاق بشكل أساسي إلى الأخطاء البشرية، ولكن ذلك ليس بالضرورة صحيحًا. فقد طوّر فريق من الباحثين نموذجًا رياضيًّا متكاملًا في عمل تجريبي، ووجد أنّ أحد الأسباب الحاسمة للاختلافات في جودة القهوة هو تغيّر وتيرة تدفق المياه، والتي ترتبط بحجم حبوب القهوة.

اكتشف الباحثون الحد الأدنى لحجم الحبوب الذي يتيح استخلاص القهوة بشكلٍ موحد، ووجدوا أن جودة القهوة تنخفض دون هذا الحجم. ولا تقلل مقاربتهم بشكل كبير اختلافات الجودة والمذاق بين المشروبات فحسب، بل تخفض أيضًا كمية القهوة اللازمة لصنع كل كوب بما يقارب الربع، مما قد يوفر على محبي القهوة بالمجمل ملايين الدولارات يوميًا.
 

عالم من القهوة

في القرن الماضي، زاد استهلاك القهوة، وتعلم المستهلكون تقدير النكهات الأكثر تعقيدًا للمشروب المر، إلى جانب آثاره الفسيولوجية المُنبِّهة. نتيجة لذلك، تساهم صناعة القهوة بشكل ملحوظ في الاستقرار الاقتصادي للدول التي تنتج القهوة أو تستهلكها. فقد وفّرت صناعة القهوة في الولايات المتحدة وحدها عام ؟؟ مليون ونصف مليون وظيفة، بقيمة 225.2 مليار دولار (1.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي). وبالنسبة للدولة، يعني ذلك 30 مليار دولار من عائدات الضرائب.

تواجه الدول المنتجة للقهوة اليوم تحديات صعبة بسبب تغير المناخ، تشمل ارتفاعًا متوقعًا قد يصل إلى 6 درجات مئوية في متوسط ​​درجة الحرارة العالمية بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، تغيرات مستقبلية في متوسط ​​هطول الأمطار في إفريقيا، وزيادة وتيرة حدوث  ظاهرة "التردد الجنوبي إل نينيو" (ENSO)، ما يؤدي إلى انتشار الجفاف في بعض المناطق والفيضانات في مناطق أخرى. من المتوقع أن تؤثر هذه التغيرات في الظروف المناخية على حالة الآفات الزراعية أيضًا - حيث إن لدرجة الحرارة تأثيرا مباشرا وكبيرا على نمو الحشرات، تكاثرها، و فرص بقائها على قيد الحياة. علاوة على ذلك، تم تكييف صناعة القهوة إلى حد كبير مع نباتات البن التي تنمو في الشمس، مما أدى إلى إزالة الغابات المطيرة على نطاق واسع. تؤكد هذه التحديات الحاجة إلى زيادة جودة المشروب إلى الحد الأقصى وتقليل كمية الحبوب اللازمة لإعداده.

בריסטה מכניס גרגרי קפה למכונת אספרסו | Shutterstock, luckyraccoon
نشرب المزيد من القهوة، ونُقدّر النكهات الأكثر تعقيدًا. عامل تحضير قهوة (باريستا) يضع حبوب القهوة في ماكينة إسبريسو | Shutterstock, luckyraccoon

رحلة الحصول على قهوة أفضل

بين جميع أشكال القهوة المختلفة، يُعَدّ الإسبريسو حساسًا بشكل خاص للتغييرات في جودة الحبوب. تُعرّف جمعية القهوة المختصة (SCA) الإسبريسو بأنه مشروب بحجم 25 - 35 مل (حوالي 20 - 30 جم) ينتج عن تدفق الماء الساخن في ضغطٍ عالٍ عبر 7 - 9 جرامات من حبيبات البن المطحونة. ورغم أنّ هذا المقياس لا يُمثل الوصفات المتعارف عليها اليوم في معظم المقاهي، يميل مشغلو آلات الإسبريسو إلى تفضيل كتلة أكبر من القهوة الجافة وحجم أكبر من المشروبات.

هناك العديد من المتغيرات التي تؤثر على جودة المشروب. تحدد درجة طحن الحبوب حجم حبيبات القهوة، وبالتالي مساحة سطحها أيضا؛ بعد الضغط على الطبقة الحُبيبية، يؤثر حجم الحبيبات على النفاذية للماء، وبالتالي على معدل التدفق. في صناعة القهوة، يتم تعريف استخلاص القهوة على أنه النسبة بين كتلة القهوة المذابة وكتلة القهوة الجافة المستخدمة في صنعها. توصي جمعية القهوة باستخلاص 17 - 23 في المائة للحصول على ألذّ قهوة. عادة ما تكون القهوة الكثيفة مرة، في حين أن مشروبات القهوة المخففة تكون حامضة نوعًا ما. في الواقع، نشرب القهوة بنكهات غير موحّدة، يمكن تحسينها بشكلٍ كبير.

في دراسة حديثة نُشرت في المجلة العلمية Matter، قام فريق من الباحثين من مختبرات جيمي فوستر (Foster) وكريستوفر هندون (Hendon) بفحص استخلاص القهوة، بسبب تأثيره الكبير على مذاق القهوة وكلفتها. للقيام بذلك، ابتكر الباحثون نموذجًا رياضيًّا لاستخلاص الإسبريسو، يمكن تطبيقه بسهولة على أنواع أخرى من القهوة. يقترح النموذج تغيير درجة الطحن، حجم القهوة المطحونة، حجم كأس المشروب، وضغط الماء، للحصول على قهوة فاخرة أكثر.

פולי קפה נטחנים במטחנה חשמלית | Shutterstock, Bobkov Evgeniy
تغيير درجة الطحن للحصول على قهوة أفضل. طحن البن بواسطة مطحنة كهربائية | Shutterstock, Bobkov Evgeni

هندسة الإسبريسو

كما ذكرنا سابقًا، أحد أهم المتغيرات التي تحدد جودة القهوة هو حجم حبوب البن المطحونة. يؤثر عدد الحبيبات، مساحتها السطحية، وحجمها على نفاذية طبقة القهوة. يتحكم حجم الجزيئات في استخلاص القهوة من الحبيبات، لأنه يحدد المسافة التي ستمر بها المياه، ومدة الوقت الذي تتدفق فيه عبر الحبيبات، حتى تمتزج الحبيبات الأخيرة في الماء.

في التجربة، قام الباحثون بطحن حبوب البن إلى حبيبات دقيقة جدًّا كما هو شائع في المقاهي. واكتشفوا أنه في هذه الحالة تنتج طبقة متكتلة وغير متجانسة من القهوة، بحيث يتوقف تدفق المياه من خلالها جزئيًّا، وتكون كفاءة استخلاص القهوة منخفضة نسبيًّا. لا تسمح الكتل أيضًا بإعادة استخدام القهوة، ما يؤدي إلى تبذير كبير جدًّا. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي التدفق غير المتساوي للمياه في الخليط إلى توازن غير دقيق للنكهات المستخرجة من الحبوب، في ما يصفه المستهلكون بالمذاق المر أو الحامضي. في المقابل، عندما قاموا بتغيير طريقة الطحن لتشكيل حبيبات أكبر، لوحظ ازدياد سرعة تدفق المياه عبر القهوة، الأمر الذي أدى للحصول على قهوة ألذّ.

علاوةً على ذلك، وخلافًا لتوصيات جمعية القهوة، يوصي النموذج بتجاهل مدة تدفق المياه عبر القهوة. فقد أثبت الباحثون أنه يكفي فقط تغيير كتلة القهوة وحجم الماء للتحكم في استخلاص القهوة.

لاختبار النموذج وتقييم فوائده الاقتصادية، طبّق الباحثون توجههم في مقهى محلي في يوجين بولاية أوريغون. فلإعداد القهوة، استخدموا كمية أقل من حبوب البن المطحونة بنعومة، ثم صبّوا الماء عبرها بضغطٍ منخفض. خلال سنة، أنتج المقهى 27،850 فنجانًا من الإسبرسو. في السابق، احتوى كل فنجان على 20 جرامًا من الكتلة الجافة من القهوة. أتاح  خفض هذه الكتلة بمقدار الربع للمقهى توفير 13 سنتًا للكوب، ما زاد الإيرادات بمقدار 3,620 دولارًا سنويًّا.

بالإضافة إلى ذلك، تم تقصير وقت التحضير بشكل كبير، مما أدى إلى تسريع وقت التقديم للزبون بصورة ملحوظة. بالنظر إلى بيع 124 مليون فنجان من المشروبات القائمة على الإسبريسو في الولايات المتحدة يوميًّا، فإنّ طريقة التحضير التي يوصي بها الباحثون قد توفر 3.1 ملايين دولار يوميًّا، أو 1.1 مليار دولار سنويًّا. ويُتوقع أن يكون لهذا النهج تأثير اقتصادي كبير يؤدي إلى استهلاك مستدام للقهوة، وخاصة القهوة الألذّ.

 
 
الترجمة للعربيّة: بنان مواسي
التدقيق اللغوي: أ. موسى جبران
اإشراف والتدقيق العلمي: رقيّة صبّاح أبو دعابس

 

0 تعليقات