أكّدَت دراسة أنّ تفاعل العطور المضافة إلى المنظّفات المنزليّة مع طبقة الأوزون في الهواء يمكن أن تنجم عنه ملوّثات ضارّة
تعتبر الأشهر الربيعيّة والصيفيّة مواسم للتنظيف العميق والتجديدات في المنازل، حيث يقوم غالبيّة الناس باستغلال ارتفاع درجات الحرارة لتهوية المنزل وتجهيزه للمناسبات والسهرات والأعياد، وبالطبع الاستعداد لتغييرات الفصول والتجديد الّذي يأتي به الربيع بداية ثمّ الصّيف.
كجزء من التنظيف، نستخدم مجموعة متنوّعة من المستحضرات، بعضها مُعطّر، حيث تنبعث من هذه المستحضرات رائحةٌ عطرة في المنزل. لكن حسب دراسة تمّ نشرها في مجلّة Science Advances في شهر شباط من هذا العام، فإنّ هذه الروائح قد تكون ضارّة بصحّتنا. وفقًا للباحثين، فإنه أثناء استخدام منظّفات كهذه، يمكن أن تتفاعل العطور مع غاز الأوزون في الهواء وتُنتج سمومًا ضارّة، رغم أنّ تركيزها غير ضارّ بشكل عام.
لعل معظمنا سمع عن الأوزون باعتباره غازًا موجودًا في الجزء العلويّ من الغلاف الجوّيّ، يساعد على تصفية الإشعاع الّذي يصل إلى الأرض، وربّما قرأنا أيضًا منشوراتٍ حول الأضرار الّتي لحقت بطبقة الأوزون بسبب النشاط البشريّ. لكنّ الأوزون موجودٌ أيضًا على مستوى سطح الأرض. من بين أمورٍ أخرى، يصدر الأوزون كمنتج ثانويّ للوَقود المحترق، لذلك فهو موجودٌ بكثرة في الهواء في المناطق الّتي تنشط فيها حركة المركبات، كما هو الحال في المدن الحديثة مثلًا، ما يعني أنّه يخترق منازلنا أيضًا .
كجزء من التنظيف، نستخدم مجموعة متنوّعة من المستحضرات، بعضها مُعطّر. مجموعة من عبوات المنظّفات | Shutterstock, Vitalii M
تحوي العديد من المنظّفات الّتي نستعملها عطورًا تُسمَّى "مونوتيربينات" (monoterpenes). تدخل في تركيبة هذه العطور مجموعة كبيرة من الموادّ العضويّة القابلة للذوبان في الدهون، والّتي تُعتبر شائعة جدًّا في الطبيعة في الزيوت العطريّة، مثل زيت المنثول الموجود في النعناع، وزيت الأوكالبتوس أو الكافور الموجود في أوراق شجرة الأوكالبتوس، المألوف لنا من المستحضرات المخصّصة للجلد. فحص الباحثون في هذه الدراسة منظّفًا يحتوي على الليمونين- المكوّن الرئيس في زيت قشر الحمضيّات - وقاموا بتحديد تأثيره في جودة الهواء.
يُعدّ الليمونين غير سامّ في حدّ ذاته، لكن عند استخدام المنظّفات، يتمّ إطلاق كميّة كبيرة منه في الهواء على وجه الخصوص. عند تواجد جزيئات الليمونين في الهواء، يمكن أن تنشأ تفاعلات كيميائيّة حتّى بوجود كميّات صغيرة نسبيًّا من الأوزون. تنشأ هذه التفاعلات من بين أمورٍ أخرى الجذور الحرّة (Free radicals)، الّتي تتفاعل بسرعة مع موادّ أخرى، ويمكن أن تتسبّب كميّاتٌ كبيرة منها في تلف خلايا الجسم، ويؤدّي الاستخدام المستمرّ والتركيزات العالية لهذه الموادّ في الهواء إلى تهيّج الرئتين والجلد.
يبدو أنّه مع الاستخدام المعقول وقصير المدى للمنظّفات المعطّرة في المنزل، لا تصدر منها كمياتٌ من الجذور الحرّة من شأنها إلحاق ضرر حقيقيّ بأولئك الّذين يتعرّضون له. لذا تكمن أهميّة الدراسة، في الدرجة الأولى، في قدرتها على مساعدة السلطات الصحيّة في تحديد مخاطر المهنة للأشخاص الّذين يتعرّضون لكميّات كبيرة من هذه الموادّ أثناء عملهم بمرور الوقت، مثل عمّال النظافة مثلًا. تتأثّر احتماليّة الضرر بشكل كبير بتكرار الاستخدام، ومدى التهوية في أماكن العمل، وكذلك حجم هذه الأماكن ومستوى جهد مستخدمي هذه الموادّ. يزداد التركيز بسرعة عالية في الأماكن الصغيرة، كما يزداد معدّل التنفس ومعه حجم الهواء الّذي يستنشقه المستخدم في الرئتين أثناء بذل الجهد. إضافةً إلى ذلك، يزداد التعرّض للجذور الحرّة.
من أجل تقليل الخطر بشكل كبير، يُوصَى بتهوية الغرفة جيّدًا وفتح النوافذ أثناء التنظيف. كما يُنصح بشدّة بأخذ فترات استراحة بين الحين والآخر، والانتقال إلى غرفةٍ أخرى بعد استخدام المنظّف المعطّر بشكل مكثّف، إلا أن تتم تهوية الغرفة بشكلٍ جيّد.
عيد مبارك، ونظيف وصحيّ!