هل تواجهون صعوبة في تمشيط شعركم؟ ربّما تعانون من "متلازمة الشعر غير القابل للتمشيط"، وهي حالة نادرة للغاية تمّ اكتشاف أسبابها مؤخّرًا

يواجه أهالٍ كثر صعوبةً كلّ صباح في تسريح شعر أبنائهم قبل مغادرتهم المنزل. يُصبح ترتيب الشعر أمرًا مُرهقًا خاصّةً عندما يتعلّق الأمر بالشعر الطويل أو المتشابك أو المجعّد. لكن تتضاءل هذه الصعوبات عند التعامل مع متلازمة الشعر غير القابل للتمشيط (Uncombable Hair Syndrome). هذه متلازمة وراثيّة نادرة للغاية: حتّى وقت قريب، عُرِف عن حوالي مئة شخص مصاب بها. كما يوحي اسمها، تتميّز المتلازمة بشعر جامح بشكل خاصّ، ينمو بغزارة ولا يمكن تسويته بمشط.

وُصِفت متلازمة الشعر غير القابل للتمشيط لأوّل مرّة في سنة 1973م، وتُعرف أيضًا باسم "متلازمة يوشع المجنون"، حيث سُمّيت على اسم بطل كتاب الأطفال الشهير للطبيب الألمانيّ هاينريش هوفمان (Heinrich Hoffmann)، الّذي نُشر سنة 1845م، وترجمه مارك توين بنفسه إلى الإنجليزيّة لاحقًا. ألقت دراسة جديدة، نُشرت في مجلّة JAMA Dermatology الضوء على أسباب المتلازمة.

שיער של ילד עם התסמונת | ויקיפדיה, Hana Kathryn Cobb, Alvin Yuhico Tiu
ينمو الشعر بشكل عموديّ على فروة الرأس ولا يمكن تسويته. شعر طفل مصاب بالمتلازمة | ويكيبيديا، Hana Kathryn Cobb, Alvin Yuhico Tiu

عادة ما تتجلّى المتلازمة في فترة الطفولة، بين سنّ 3 أشهر و12 سنة، وتتلاشى عند البلوغ حتّى أنّها تختفي تلقائيًّا. تبرز بشكل خاصّ لدى الأطفال ذوي الشعر الأبيض أو الأشقر وتلفت الأنظار جدًّا. يُصبح الشعر جافًّا ودقيقًا تدريجيًّا، أشقر فضيًّا أو شبيهًا بالقشّ. ينمو بشكل عموديّ على فروة الرأس ويتّجه إلى جميع الاتّجاهات، ومن المستحيل ترتيبه.

يكشف تحليل مجهريّ لمقطع عرضيّ من شَعرة أنّه بدلًا من أن تكون مستديرة، مثل الشَّعر الطبيعيّ، يكون شكلها بيضاويًّا، ومثلّثًا بعض الشيء على امتداد الشَّعرة.

משמאל: שערה רגילה עם חתך עגול. מימין: שערה של ילד עם התסמונת, בעלת חתך משולש | Jacopin, Bsip, Science Photo Library
كلّ شيء يبدأ في الشعرة. على اليسار: شعرة عاديّة ذات مقطع عرضيّ دائريّ. على اليمين: شعرة طفل مصاب بالمتلازمة، ذات مقطع عرضيّ مثلّثيّ |Jacopin, Bsip, Science Photo Library 

تغييرات في ثلاثة جينات

في سنة 2016م، بعد أكثر من أربعين عامًا من اكتشاف المتلازمة، حدّد فريق كبير من العلماء من ألمانيا وسويسرا 11 طفلًا يعانون من المتلازمة في ستّ دول أوروبيّة. تمكّن أعضاء الفريق من تحديد التغيّرات الجينيّة (الطفرات) في ثلاثة جينات مسؤولة عن نموّ الشعر الجامح. تَحمِل الجينات الثلاثة المعلومات اللازمة لإنتاج ثلاثة بروتينات تعمل معًا وتعطي الشعر هيكله وشكله المميّزَين. يسمح أوّل نوعَين من البروتينات للبروتين الثالث بالارتباط بالكيراتين (Keratin)- وهو البروتين الرئيس الّذي يُكوِّن الشعر. إذا كانت هناك طفرة في أحد الجينات، فسيحدث تغيير في شكل الشعر.

شَجّعَ نشر الدراسة الأوّليّة فريقَ الباحثين على البحث عن المزيد من الأشخاص الّذين يعانون أو عانوا من هذه المتلازمة كأطفال. لم تكن المهمّة سهلة، لأنَّ المتلازمة نادرة للغاية، كما أنّها لا تسبّب مشاكل طبيّة - لذلك لن تساعد قوائم المستشفيات في هذه الحالة. لتجنيد أكبر عدد ممكن من المشتركين، استعان الباحثون بمراكز، توجّهَ إليها المشتركون من جميع الأعمار، والأجناس والأصول للتسجيل بمبادرة منهم. في النهاية، قام الباحثون بتجنيد مجموعة من 107 أشخاص (82 امرأة و 25 رجلًا) كان لديهم سبب للافتراض أنّهم يعانون من المتلازمة. قاموا بجمع عيّنات الدم واللعاب منهم وإجراء التحليلات الجينيّة عليها لفهم أسباب المتلازمات بشكلٍ أفضل.

اكتشف الباحثون أنَّ لدى 80 من 107 أشخاص (74.8 في المئة) طفراتٍ في أحد الجينات الثلاث المرتبطة بالمتلازمة. لم يجدوا لدى الـ27 المتبقين أيّ تفسير وراثيّ للمظهر المميّز. بالنظر من كثب إلى الطفرات نفسها، وُجد أنَّ 76 من 80 شخصًا يحملون طفرات في أحد الجينات الثلاثة. في المجمل، تمّ العثور على 12 طفرة مختلفة في الجينة، ثمانٍ منها لم تكن معروفة من قبل. كان لدى شخصين آخرين طفرات في الجينة الثانية، ولدى اثنين آخرين في الجين الثالث. لبحث تأثير الطفرات على بنية البروتينات بشكلٍ أعمق، بنى الباحثون نماذج ثلاثيّة الأبعاد للبروتينات وخلصوا إلى أنَّ الطفرات تضعف استقرارها وقدرتها على ربط البروتينات الأخرى.

قد تساعد نتائج البحث الآباء المستقبليّين الّذين يشتبهون في أنَّ أطفالهم يعانون من متلازمة الشعر غير القابل للتمشيط. سيتمكّن الوالدان من الحصول على تأكيد لوجود المتلازمة من خلال اختبار جينيّ بسيط نسبيًّا. بالإضافة إلى ذلك، يستطيع طبيب العائلة طمأنة الوالدين والتأكيد لهم أنّها ليست حالة طبيّة خطيرة، وأنَّ الظاهرة، ستختفي على الأرجح بمرور الوقت.

 

0 تعليقات