العلاج بالمضادّات الحيويّة بعد الولادة مباشرةً يضرّ ببكتيريا الأمعاء للرُّضَّع لمدّة عام تقريبًا

أظهر بحث جديد أنَّ العلاج بالمضادات الحيويّة للرضع في الأسبوع الأوّل من العمر، يتسبّب في انخفاض كمّيّة البكتيريا الضروريّة، لهضم حليب الأم وزيادة كمّيّة البكتيريا الضارّة المقاومة للأدوية.
 

البكتيريا جزءٌ منّا

تعيش على أجسامنا وداخلها تريليونات من الكائنات الحيّة الدقيقة، معظمها من البكتيريا. تعيش هذه المخلوقات في الجهاز التنفسيّ، الفم، المعدة، الجهاز البوليّ والجلد، لكن يتواجد معظمها في الأمعاء. يسمّى العدد الإجماليّ للبكتيريا والمواد الجينيّة الخاصّة بها بالميكروبيوم. تشير التقديرات إلى وجود حوالي 400 نوع من البكتيريا في أمعائنا فقطوأنَّ الوزن الإجمالي للبكتيريا في الأمعاء هو 2-1 كجم. هناك خلافات حول ما إذا كان الجنين يعيش في بيئة معقَّمة تمامًا حتّى الولادة، لكن من الواضح أنّه أثناء الولادة وبعدها "يكتسب" العديد من البكتيريا من الأم والبيئة، وتعيش البكتيريا معه في علاقة متبادلة تستفيد الأطراف من بعضها البعض.

في السنوات الأخيرة، ازداد فهم مدى تعقيد العلاقة بيننا وبين البكتيريا في أجسامنا، ومدى تأثيرها على نموّنا وصحّتنا. تؤثر البكتيريا التي تعيش في أجسامنا على عملية الهضم، السمنة، عمل الجهاز المناعي وقدرتنا على محاربة الأمراض وحتّى على عمليّات التفكير، المزاج والسلوك.

 

ميكروبيوم المولود 

يختلف الميكروبيوم في أمعاء المولود الجديد تمامًا عن الميكروبيوم في أمعاء الطفل البالغ. في الوضع الطبيعيّ، يتغذّى الأطفال على حليب الأم منذ الولادة، حتّى يبدأوا في تناول الأطعمة الصلبة. يحتوي حليب الأم على كمّيّات كبيرة من السكّريّات التي لا يستطيع المولود هضمها بمفرده، وتساعده البكتيريا من نوع Bifidobacterium التي تعيش في الجهاز الهضميّ للطفل في عمليّة الهضم.

تمنح هذه القدرة البكتيريا تفوّقًا مقابل البكتيريا الأخرى الموجودة في الأمعاء، وهي تتكاثر وتتحوّل إلى المجموعة المسيطرة، وتوفّر للوليد الحماية ضدّ تكاثر البكتيريا الضارّة، في مرحلة لا يتمتّع فيها بعد بجهاز مناعي فعّال. وجود هذه البكتيريا في القناة الهضميّة له تأثير حاسم على نموّ الطفل وتطوّره، وعلى تثبيط تكاثر البكتيريا المسبّبة للأمراض. عندما ينمو الطفل ويبدأ في تناول الأطعمة الصلبة، ينخفض عدد بكتيريا ال Bifidobacterium في الأمعاء.

**תמונה של חיידקים במעיים**  לנוכחות של חיידק הביפידובקטריום במעי יש השפעה מכרעת על הגדילה וההתפתחות של התינוק ועל עיכוב ההתרבות של חיידקים גורמי מחלות. | צילום: Miljan Zivkovic Shutterstock
لوجود بكتيريا ال Bifidobacterium في القناة الهضميّة تأثير حاسم على نمو الطفل وتطوّره وعلى تثبيط تكاثر البكتيريا المسبّبة للأمراض. | الصورة: Miljan Zivkovic Shutterstock
 

العلاج بالمضادّات الحيويّة: إيجابيّات وسلبيّات

منذ اكتشاف البنسلين (Penicillin) في عام 1928، أحدثت المضادّات الحيويّة ثورة في الطبّ وأنقذت حياة العديد من المرضى، وخاصّة حديثي الولادة والأطفال الصغار. تُعدّ المضادّات الحيويّة اليوم أكثر الأدوية استخدامًا للرُّضّع والأطفال في العالم الغربيّ.

عند الاشتباه في إصابة الأطفال حديثي الولادة بتلوّث الدّم، من المهم جدًّا بدء العلاج بالمضادّات الحيويّة في أسرع وقت، حتّى قبل تلقّي نتائج الاختبار، لأنَّ تأخير العلاج قد يؤدّي إلى تهديد الحياة. يتمّ علاج حوالي 4 إلى 10 في المائة من جميع الأطفال حديثي الولادة بمضادّات حيويّة واسعة الطيف، والتي تعمل ضدّ مجموعة واسعة من البكتيريا، بسبب الاشتباه في وجود تلوّث في الدم، لكن تُظهِر الاختبارات لاحقًا، أنَّ واحدًا فقط من كلّ ألف طفل حديث الولادة عولج بالمضادات الحيويّة كان يعاني بالفعل من تلوّث في الدم، بالتالي فإنَّ جميع الآخرين تلقّوا علاجًا غير ضروريًّ بالمضادّات الحيويّة. ما تأثير العلاج بالمضادّات الحيويّة على الأطفال حديثي الولادة، وهل يمكن أن يسبّب ضررًا؟

في دراسة سريريّة أُجريت على 227 مولودًا جديدًا نُشرت في مجلة Nature Communications، فحص باحثون من المملكة البريطانيّة المتّحدة وهولندا كيفيّة تأثير العلاج واسع الطيف بالمضادّات الحيويّة على ميكروبيوم الأطفال حديثي الولادة.

وتابع الباحثون 147 رضيعًا تمّ نقلهم إلى المستشفى بسبب الاشتباه في تعفّن الدم، وهي حالة يحدث فيها ردّ فعل شديد للجسم للعدوى البكتيريّة. وهي حالة طبّيّة خطيرة تتطلّب تدخّلًا فوريًّا لدى كلّ شخص، ولكن بشكل خاصّ للأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، مثل كبار السنّ والأطفال الصغار الذين تقلّ أعمارهم عن عام واحد. تلقّى الـ 147 رضيعًا الذين راقبهم الباحثون في الأسبوع الأوّل من الحياة، واحدًا من ثلاثة علاجات مختلفة بالمضادّات الحيويّة.

جمع الباحثون عيّنات من فتحة الشرج وبراز الأطفال قبل بدء العلاج، ثمّ بعد شهر، ثمّ أربعة أشهر وسنة من بدء العلاج، فحصوا التركيب البكتيريّ في العينات الذي يمثل تركيب الميكروبيوم لديهم. قارن الباحثون النتائج بمجموعة ضابطة تضمّنت 80 رضيعًا، لا يشتبه بإصابتهم بالتلوّث ولم يتلقّوا علاجًا بالمضادّات الحيويّة. بالإضافة إلى ذلك، قاموا باختبار عيّنات الحمض النوويّ DNA للبكتيريا المعروفة بمقاومتها للمضادّات الحيويّة.

**תמונה של כפית**  כאשר מתעורר חשד לזיהום בדם אצל יילודים, חשוב מאוד להתחיל טיפול אנטיביוטי מוקדם ככל האפשר. | צילום: Miljan Zivkovic Shutterstock
عند الاشتباه في إصابة الأطفال حديثي الولادة بتلوّث الدم، من المهمّ جدًّا بدء العلاج بالمضادّات الحيويّة في أسرع وقتٍ ممكن. | الصورة:Miljan Zivkovic Shutterstock
 

الإخلال بالتوازن بين البكتيريا النافعة والضارّة

وجد الباحثون أنّه لدى جميع الأطفال حديثي الولادة الذين عولجوا بالمضادّات الحيوية، كان هناك انخفاض كبير في عدد بكتيريا ال Bifidobacterium، مقارنةً بالأطفال الذين لم يتلقّوا علاجًا بالمضادّات الحيويّة. هذه البكتيريا مهمّة لهضم حليب الأم، ولدعم صحة الأمعاء لحديثي الولادة، وللوِقاية المناعيّة ضدّ العدوى الضارّة. بالإضافة إلى ذلك، سببت تغييرًا في التوازن بين البكتيريا المفيدة والضارة. في المجموعات التي تلقّت المضادّات الحيوية، لوحظ زيادة في عدد البكتيريا التي يمكن أن تكون خطيرة ومسبّبة للأمراض. وممّا يثير القلق بشكل خاصّ، هو الزيادة الكبيرة في عدد نوعين من البكتيريا المسبّبة للأمراض والمقاومة للأدوية، التي قد تعرِّض الرُّضّع للخطر. جميع مجموعات المضادّات الحيويّة التي تمّ اختبارها، قد ألحقت ضررًا في ميكروبيوم حديثي الولادة، ولكن العلاج بمزيج من المضادّين الحيويّين، البنسلين والجنتاميسين (Gentamicin) تسبّب بأقلّ الأضرار.

كان الوقت اللازم لتعافي التجمّعات البكتيرية أطول من المتوقّع. على الرغم من إيقاف العلاج بالمضادّات الحيويّة في معظم الحالات بعد 48 ساعة، إلّا أنَّ التجمّعات البكتيريّة لم تعد إلى حالتها الطبيعيّة والمألوفة لمدّة عام تقريبًا، ولم تعوّض الرضاعة الطبيعيّة، والمعروف أنّها تساعد جهاز المناعة لدى الطفل، عن الانخفاض الكبير في أعداد البكتيريا النافعة. يفترض الباحثون أنّه في أجسام الأطفال الصغار جدًّا، على عكس كبار السن، لم تتطوّر بعد تجمّعات بكتيريّة مستقرّة و"طبيعيّة" من بكتيريا الأمعاء، لذلك تواجه صعوبة في التعافي.

في بيان صحفيّ للإعلام، قالت الكاتبة الرئيسية، البروفيسور دابي بوجارت: "لقد فُوجئنا من شدّة تأثير المضاد الحيوي واسع الطيف ومُدّته على ميكروبيوم الرُّضّع، مقارنةً بتأثير ذات المضادّات الحيوية على ميكروبيوم البالغين. من المحتمل أن يكون العلاج بالمضادّات الحيويّة، قد أُعطي في وقت قد تلقّى فيه الأطفال أوائل البكتيريا من أمّهاتهم، ولم يطوّروا بعد ميكروبيومًا مقاومًا".

ليس هناك شكّ في أنّه عندما يكون هناك اشتباه في وجود تلوّث في الدم، فمن المهمّ بدء العلاج على الفور، وذلك بسبب الخطر الكبير على حياة الطفل - حتّى لو ظهر بعد ذلك أنَّ العلاج كان غير ضروريّ. لكن نظرًا لأنَّ العلاج له أيضًا آثار جانبيّة ضارّة، فمن المهمّ استثمار الموارد في تطوير تقنيّات دقيقة وسريعة للكشف عن البكتيريا، لتقليل نطاق العلاجات غير الضروريّة. في حال كانت هناك حاجة للعلاج، يجب اختيار دمج صحيّ بين أنواع المضادّات الحيويّة التي تسبّب أقل ّالأضرار أو إذا أمكن، استخدام بدائل مناسبة.

 

0 تعليقات