أفادت دراسة بأنّ التلوّث الضوئيّ في جميع أنحاء العالم يضرّ بالفَلَك ويؤثّر في عمل معظم المراصد الفلكيّة الكبيرة

منذ بداية العصر الكهربائيّ، قبل حوالي 150 عامًا، امتلأت بيئتنا بالإضاءة الاصطناعيّة، وفي السنوات الأخيرة ازدادت بفضل التكنولوجيا مثل إضاءة LED، والّتي تتيح إضاءة قويّة مع استهلاك منخفض للكهرباء.

تُسمَّى إضاءة بيئتنا الطبيعيّة الناجمة عن النشاط البشريّ أيضًا باسم التلوّث الضوئيّ، يشير الاسم  إلى أنّه بالإضافة إلى المزايا، هناك العديد من الجوانب السلبيّة: يضرّ التلوّث الضوئيّ بجودة نوم الإنسان ويعطّل حياة الحيوانات الليليّة. فحصت دراسة جديدة تأثيرًا آخر للتلوّث الضوئيّ، وهو تشويش إجراء الدراسات الفلكيّة.

الأداة الرئيسة الّتي نستخدمها في دراسة الظواهر الفلكيّة هي المقراب (التلسكوب). يجمَع المقراب الإشعاع الّذي يصل إلينا من الأجرام السماوية البعيدة؛ ما يسمح للعلماء بدراستها والتعرّف على طبيعة الكون. تعمل المقارب الضوئيّة في الضوء المرئيّ (خلافًا للمقراب الراديويّ)، وتزوّدنا بالقدرة على تكبير الأجسام البعيدة. يؤثّر التلوّث الضوئيّ في  الملاحظات البصريّة ويمكن أن يعطّلها؛ لأنّه في كثير من الحالات تراقب المقارب أجسامًا باهتة، والّتي لا يمكن رؤيتها إلّا إذا كانت ساطعة أكثر من السماء القاتمة.

ومع ذلك، عندما تكون السماء أكثر صفاءً، حتّى في الليل، بفضل الإضاءة الاصطناعيّة، يكون من الصعب جدًّا رؤية أجرام السماء الباهتة حتّى بواسطة المقارب. غالبًا ما تتواجد مقارب ضوئيّة كبيرة في مناطق معزولة لتقليل التلوّث الضوئيّ، ولكن وفقًا للبحث الجديد، قد لا تكون محميّة منه أيضًا.

فحص الباحثون، من إسبانيا، تشيلي وإيطاليا، بمساعدة البيانات الّتي تمّ جمعها من الأقمار الصناعيّة مستوى التلوّث الضوئيّ بالقرب من 28 مرصدًا للكواكب، والّتي تشغل أكبر المقارب البصريّة في العالم. قاموا بفحص خمسة عوامل متأثّرة من التلوّث الضوئيّ: مستوى سطوع ذروة السماء (سمت الرأس) فوق المقراب، المتوسّط الموجود ​​على مسافة 60 درجة قوس من سمت الرأس، متوسّط ​​السطوع فوق السماء بأكملها، متوسّط ​​السطوع فوق الأفق وسطوع الأفق نفسه. وجدوا مستويات عالية من التلوّث الضوئيّ بالقرب من هذه المقارب: تجاوز التلوّث في ثلثَيها، 10 في المائة من الحدّ الضارّ للملاحظات الفلكيّة، والوضع يزداد سوءًا كلّ عام.

وفقًا للباحثين، يجب اتّخاذ إجراءات صارمة لا هوادة فيها من أجل الحدّ من التلوّث الضوئيّ وآثاره، وإتاحة  استمرار البحث الفلكيّ، وبالطبع للوقاية من الآثار البيئيّة للتلوّث الضوئيّ، مثل الأضرار بالتنوّع البيولوجيّ.

أحد هذه الإجراءات، هو تقليل استخدام الإضاءة الاصطناعيّة أو استخدام إضاءة أضعف تنثر الضوء باتّجاه الأرض بدلاً من السماء. طُرِحَت للنقاش في السنوات الأخيرة قضيّة الحاجة  لحماية المناطق المظلمة من خلال تعريفها كمحميّات لضوء الكواكب. على أيّ حال، فإنَّ زيادة الوعي هي الخطوة الأولى نحو حلّ المشكلة.


ظلام غير كافٍ. تلسكوب على خلفيّة أضواء المدينة الساطعة الّتي تعيق الملاحظات الفلكيّة | الصورة:Martin Podzorny, Shutterstock

الأقمار الصناعيّة تشوّش أيضًا 

تنضمّ الدراسة الجديدة إلى سلسلة من الدراسات الأخرى حول هذا الموضوع، وتطرح نتائج مثيرة للقلق حول مستويات التلوّث الضوئيّ حول العالم.

هناك ظاهرة جديدة أخرى أثّرت في البحث الفلكيّ في السنوات الأخيرة، وهي مرور العديد من الأقمار الصناعيّة في مجال رؤية المقراب. أدّت زيادة عمليّات إطلاق الأقمار الصناعيّة في السنوات الأخيرة إلى مرور أكبر للأقمار الصناعيّة عبر مجال رؤية المقراب أثناء التصوير الفوتوغرافيّ للسماء بالتعريض الطويل؛ ما تسبّب في حدوث تشويشات في التصوير.

يدور الحديث في الأساس عن أقمار الاتّصالات الصغيرة من شبكة ستارلينك التابعة لشركة SpaceX. حيث تضمّ الشبكة آلاف الأقمار الصناعيّة، وتعتزم الشركة إطلاق آلاف الأقمار الصناعيّة الأخرى في السنوات القادمة. لا تُعتبَر ستارلينك شبكة الأقمار الصناعيّة الوحيدة. تعمل المزيد من الشركات على إنشاء شبكات أقمار صناعيّة، ومن المتوقّع أن تزداد مشكلة التشويشات في الأرصاد الفلكيّة سوءًا.

 

0 تعليقات