بحث جديد يعزّز الفرضيّة بأنّ ظاهرة النّينو ساهمت في الانقراض البرميّ-الثّلاثيّ العظيم، قبل 250 مليون سنة
على مدى تاريخ الأرض، تطوّرت وانقرضت أنواع بيولوجيّة عديدة. لكن في خمس ظواهر انقراض جماعيّ كان معدّل الانقراض مرتفعًا بشكلٍ استثنائيّ، ممّا أدى إلى تقليص التّنوّع البيولوجيّ على الأرض بنسبة 75% على الأقل، خلال فترة زمنيّة قصيرة نسبيًّا، 2 مليون عام أو أقلّ. هناك أسباب متنوّعة لهذه الانقراضات الجماعيّة الخمسة، منها: اصطدام كويْكب بالأرض، نشاطات بركانيّة وتغييرات حادّة في مستوى سطح البحر نتيجة العصور الجّليديّة.
من بين الانقراضات الجماعيّة الرئيسيّة، يُعتبر الانقراض البرميّ-الثّلاثيّ (Permian-Triassic Mass Extinction)، قبل حوالي 250 مليون سنة، الحدث الانقراضيّ الأخطر. سُمّي الانقراض بهذا الاسم نسبةً للحُقبتيْن الجيولوجيّتيْن اللتين حدث بينهما، وأدّى حينها إلى انقراض 90% من أشكال الحياة على وجه الأرض. لكن ما زال سبب هذا الانقراض غير واضح. حتّى الآن، نُسِبَ الانقراض إلى ثورات بُركانيّة ضخمة في منطقة سيبيريا تسبَّبت في ارتفاع حرارة الأرض. لكنَّ مشكلة هذا الادّعاء أنّه لم ينجح في تفسير عدم حدوث انقراضات عظيمة نتيجةً لنشاطات بركانيّة مماثلة بالقوّة. بالإضافة إلى ذلك، بدأ الانقراض العظيم قبل ارتفاع حرارة المناخ. إذن، ما هي العوامل الإضافيّة التي ساهمت في هذا الانقراض الهائل؟
نُسِبَ الانقراض لثورات بركانيّة ضخمة في منطقة سيبيريا تسبّبت في ارتفاع حرارة الأرض. درجات الحرارة في الشّهر الأكثر حرارة، في الفترة الأشدّ احترارًا من عصر الانقراض البرميّ-الثّلاثىّ | University of Bristol and China University of Geosciences (Wuhan)
دمج الكوارث في جميع أنحاء العالم:
دراسة حديثة تدّعي بأنّ ظاهرة النّينيو (El Niño) وهي ظاهرة مناخيّة تحدث كلّ عدّة سنوات وتؤثّرعلى النّظام المناخيّ للكرة الأرضيّة بأكملها، قد لعبت دورًا أساسيًّا في الانقراض البرميّ-الثّلاثيّ. في سنوات النّينيو، يكون المحيط الهادئ أكثر دفئًا، وترتفع درجة الحرارة حوله، ممّا يؤدّي إلى ارتفاع متوسّط درجة الحرارة على كوكب الأرض بأكمله، وتشهد بعض المناطق جفافًا أعلى من المعدل. كما وتُؤثّر هذه الظاهرة على حركة الرياح ومعدّل سقوط الأمطار. من المتوقّع أن تحدث ظاهرة النّينيو وظاهرة لانينا (La Niña)- وهي الحالة العكسيّة، مرّة كلّ عقد. أمّا في معظم الأحيان، يكون المناخ محايدًا، أي لا نينيو ولا لانينا.
في عصرنا الحاليّ، تستمرّ ظاهرة النّينيو لبضعة أشهر أو سنوات قليلة على الأكثر. وعلی العكس من ذلك أظهَرت العديد من النّماذج الحسابيّة والقياسات الجيولوجيّة أنّ ظاهرة النّينيو اشتدّت وامتدّت لفتراتٍ أطول بكثير في نهاية الحقبة البرميّة. كما أنّ النّشاط البركانيّ الكبير خلال فترة البرميّ-الثلاثيّ أدّى إلى انبعاث كمّيّات هائلة من غازات الدّفيئة الى الغلاف الجوّيّ. حيث بيّنت الدّراسة الجديدة أنَّ الزّيادة في تركيز غازات الدّفيئة قد أدت إلى امتداد ظاهرة النّينيو من أشهر معدودة إلى عقد من الزّمن، ممّا زاد من تأثيرها على النِّظام المناخيّ بشكلً كبير.
في سنوات النّينو يكون المناخ حارًّا وجافًّا أكثر من المعتاد. تربة تحمل علامات جفاف قاسٍ | University of Bristol and China University of Geosciences (Wuhan)
إذن، كيف أدّت هذه التّغييرات في ظاهرة النّينيو إلى حدوث انقراض عظيم بهذا الشكل؟ وضّح الباحثون أنّ تغييرات في نمط ظاهرة النّينيو أثّرت بشكل كبير على معدّل درجات الحرارة، وعلى كمّيّات الهطول المطريّ حول العالم. كما ذُكر سابقًا، تمتاز سنوات النّينيو بمناخٍ حارّ وجافّ أكثر من المعتاد. لذلك، فإنّ النّينيو الممتدّ أدّى إلى فتراتٍ طويلةٍ من الحرّ والجّفاف في جميع أنحاءِ العالم. بينما تمكّن النّظام البيئيّ من تجاوز فترات الجّفاف القصيرة النَّاتجة عن أحداث النّينيو القصيرة والضّعيفة، إلّا أنّه انهار وتأثّر بشكلٍ كبيرٍ من فترات الجّفاف المستمرّ والشّديد، التّي تسبّبت فيها أحداث النّينيو المطوّلة والقوية - ما يسمّى بـ "ميغا نينيو". تسبّبت الميغا نينيو في جفاف الغابات، وعلى الأرجح، في حرائق هائلة أدّت بدورها إلى خسائر كبيرة في التّنوّع الحيويّ النّباتيّ والحيوانيّ، وانخفاض في معدلات التّمثيل الضّوئيّ وإطلاق كمّيّات إضافيّة من غازات الدّفيئة.
تسلّط هذه الدراسة الضّوء على أعظم انقراض قد عَرِفته الكرة الأرضيّة، حيث تدّعي وجود علاقة وثيقة بين تركيز غازات الدّفيئة في الغلاف الجويّ وظاهرة النّينيو، والتّغيّيرات التّي تطرأ على المناخ العالميّ. تكتَسِبُ هذه الدّراسة في الأثناء أهمّيّة خاصّة أكثر من أيّ وقتٍ مضى،لأن تركيز غازات الدّفيئة في الغلاف الجويّ يتزايد اليوم أيضًا نتيجةً لمسبّبات بشريّة. يرجّحُ العلماء أنّ هذه الظّاهرة ستؤدّي إلى حدث انقراض جماعيّ سادس. لذلك، علينا استخلاص العبر من حوادث الانقراض السّابقة حتى نتجنّب حدوثها من جديد.