يقترح باحثون نموذجًا جديدًا لبحث اكتساب اللّغة لدى الأطفال: فِراخ الببّغاء. فهي تُسمِع نداءاتٍ جزئيّة وهي ما تزال في العشّ، تمامًا كالأطفال الّذين يتعلّمون النّطق. وكذلك الهرمونات الّتي تؤثّر على هذه العمليّة مشتركة عندنا البشر وعند الطيور.

 

يبدأ الأطفال النّطق قبل بلوغهم جيل نصف العام، ممّا يعني أنّهم ما يزالون لا ينطقون الكلمات حقًّا، وبالتأكيد لا ينطقون جُملًا، لكنّهم يُسمِعون أصواتًا ومقاطع، ويكرّرون النّغمات الّتي يسمعونها من والدَيْهم. تُدعَى هذه الأصوات تَمْتَمَة (Babbling)، وهي ليست لطيفة فحسب، إنّما مهمّة لتطوّر اللّغة لدى الأطفال. في دراسة حديثة، وجد باحثون ظاهرةً شبيهةً جدًّا لدى فِراخ الببّغاء في أمريكا الجنوبيّة.
 

كلمات وتغريدات

لغة البشر مميّزة- حيث لا توجد لدى أي كائنٍ آخر لغة رمزيّة تشمل كلمات وقواعد نحْويّة. في محاولة لإيجاد نماذج تخدم أبحاث تطوّر النّطق، خلال حياة الإنسان، قام باحثون بتتبّع نماذج للتواصل ذات قاسم مشترك ومميّزات محدّدة شبيهة بلغتنا.أحد أكثر النماذج الّتي تمّ بحثها هو نموذج الطّيور المغرّدة. تُولد معظم الحيوانات وهي مُزوّدة بالمعرفة المطلوبة، كي تُسمِع الكمّ الهائل من الأصوات الّتي تُسمِعها مخلوقات من جنسها، فالكلب لا يحتاج لتعلّم النُّباح، والحصان لا يحتاج لتعلّم الصهيل. خلافًا لذلك، وشبيهًا بلغة البشر، تتعلّم الطيور المغرّدة الغناء الخاصّ بجنسها واحدةً من الأخرى، أو الأصحّ أحدهم من الآخر؛ لأنّ الذّكور غالبًا هم الّذين يغرّدون.

كما أنّ هناك ميزة أخرى مشتركة بيننا وبين الطيور المغرّدة: الفِراخ أو الأصحّ الكتاكيت الّتي بدأت تغادر العشّ ولم تبلغ بعد، فإنّها تُتَمْتِم. وقبل أن تتعلّم الغناء على أصوله، فهي تُسمِع سلاسلَ من المقاطع القصيرة، التي لا تُكوِّن أغنيةً فعلًا.


ذكور وإناث الفراخ يُتَمْتِمون أيضًا. ذكر (عن اليمين) وأنثى الببّغاء الخضراء | تصوير: Ninoska Zamora, via Flickr

والآن، يقترح باحثون من فِنزويلا والولايات المتّحدة الأمريكيّة نموذجًا جديدًا قريبًا لكنّه مختلف، ولديه -وِفقًا لادّعائهم- مزايا كثيرة مشتركة مع البشر: الببّغاوات. وبدقّة أكثر، الببّغاوات الصغيرة الخضراء من نوع (Forpus passerinus)، الّتي تعيش في شمال أمريكا الجنوبيّة. وقد أُجرِي البحث في فِنزويلا، حيث يتابع الباحثون منذ سنة 1988م مجموعة تضمّ أكثر من عشرة آلاف ببّغاء.

قام الباحثون بتركيب كاميرات تصوير في اثنَي عشر عُشًّا، وسجّلوا أصوات الكتاكيت في الأسابيع الأولى من حياتها. وهكذا اكتشفوا أنّ فراخ الببّغاء بدأت بالتَّمتَمة، بعد أن فقست من البيضة بثلاثة أسابيع، وهي ما تزال في العُشّ- ويُعتبر وقتًا مُبَكّرًا أكثر بكثير مقارنةً بفِراخ الطيور المُغرّدة. وبِخلاف الطيور المُغرّدة أيضًا، فإنّ الذكور والإناث أسمعوا أصوات التَمتَمة. ووجد الباحثون أنّها كانت تُتَمْتِم وهي في العُشّ مع إخوتها، وعندما كانت لوحدها كذلك. وكما يبدو، فإنّها لم تحاول التواصل عبر التَّمتَمة، وهذا الشّيء تفعله تمامًا كالأطفال.

شملت تَمتَمة الفِراخ 27 صوتًا مختلفًا. الباحث الكبير كارل بيرغ (Berg)، الذي وقّع على المقال، قال للمجلّة العلميّة Science، إنّه يُمكن تشخيص نداءاتٍ، من بين هذه الأصوات، تُستَخدم للتواصل بين الببّغاوات البالغة، بَدءًا بنداءات التحذير وحتّى تغريدات الطّلب. سمعَت الفِراخ هذه النّداءات من والدَيْها ومن ببّغاوات أُخرَيات ويبدو أنّها تعلّمت منها. وأضاف بيرغ: "كان هذا مفاجِئًا للغاية. فالفِراخ تعرف المخزون الصّوتيّ الكامل للببّغاوات البالغة".

هورمونات مُتشابهة

في المرحلة التّالية، قام الباحثون بفحص الهورمونات الّتي تؤثّر في التَّمتَمة واكتساب اللغة، أو في هذه الحالة، في نداءات الببّغاوات البالغة. لدى الأطفال علاقة بين اكتساب اللغة والهورمون كورتيزول المرتبط بالإجهاد، لكنّه موجودٌ أيضًا في الجسم بشكل طبيعيّ، ويرتفع مستواه في ساعات الصّباح تحديدًا. في المقابل، فإنّ الهورمون الرئيس الّذي يُشجّع التعلّم لدى الطيور المغرّدة هو هورمون النّوع التستوستيرون. مستوىً عالٍ من هورمون كورتيكوستيرون، وهو الهورمون المُعادِل للكورتيزول لدى البشر، قد يُعيق العمليّة.

في كلّ واحد من الأعشاش الاثني عشر الّتي فُحِصَت في البحث، قام الباحثون بإضافة هورمون الكورتيكوستيرون لدى واحد من الفِراخ في الأسبوع الرابع من حياته، أي في الأسبوع الّذي بدأت فيه الفِراخ بالتَّمتَمة. تبيّن أنّ الفراخ الّتي حصلت على هورمون الكورتيكوستيرون، ذكورًا وإناثًا، زادت من مخزونها الصوتيّ وأسمعَت ضعف الأصوات المختلفة، مقارنةً بالفِراخ الّتي لم تحصل على الهورمون.

إذا كان الأمر كذلك، فإنّ الببّغاوات تشترك مع البشر في ميزات مختلفة غير موجودة لدى الطيور المغرّدة: المرحلة الّتي تسبق التَّمتمة، وحقيقة أنّها وُجدت لدى الذكور والإناث، والهورمونات الّتي تؤثّر في تطوّر التَّمتَمة. لذلك؛ فمن الممكن أن نتعلّم من الببّغاوات طريقة تعلّم النطق لدى الأطفال.

استجابة واحدة

  • אנונימי

    ما احلى هذه المقالة انها

    ما احلى هذه المقالة انها غنية جدا ومعلومات مهمة