كشفت دراسة حديثة أنّه خلال مليار سنة، أدّت العلاقة بين جاذبيّة القمر وبين الإشعاع الشمسيّ إلى أن يكون طول اليوم الزمنيّ أقصر كثيرًا ممّا هو عليه اليوم

كلّنا نعرف أنّ طول اليوم على الكرة الأرضيّة هو 24 ساعة. لتوخّي الدقّة، اليوم هو المدّة الزمنيّة الّتي تُكملُ فيها الكرة الأرضيّة دورة واحدة حول محورها، ويستغرق ذلك أقلّ قليلًا من 24 ساعة. لكن، بيّنَت  دراسة نُشِرت مؤخّرًا، بأنّه مرّت فترات كان فيها اليوم في الكرة الأرضيّة يستغرق 19 ساعة فقط. كان ذلك خلال عصر البروتيروزويك الجيولوجيّ الّذي بدأ قبل نحو 2.5 مليار سنة وانتهى مؤخّرًا (بمصطلحات جيولوجيّة) قبل نصف مليار سنة تقريبًا.  

كانت الكرة الأرضيّة، وفقًا للدراسة، خلال الفترة الّتي كان فيها طول اليوم 19 ساعة فقط مختلفة تمامًا عمّا هي عليه اليوم. أظهرت دراسات سابقة أنّ نشاط الصفائح التكتونيّة وتطوّر الحياة قد تباطأ كثيرًا في تلك الفترة الزمنيّة. لهذا السبب، سمّيت هذه الفترة الزمنيّة بـ "المليار المُمِلّ" (Boring Billion).


المحور الزمنيّ الجيولوجيّ وتطوّر الحياة على الكرة الأرضيّة. بدأ عصر البروتيروزويك قبل 2.5 مليار سنة تقريبًا واستمرّ إلى ما قبل نصف مليار سنة تقريبًا (باللون الزهريّ) | Gary Hincks / Science Photo Library

حِفظ العزم

يؤثّر الجُرمان السماويّان اللّذان يدور كلّ منهما حول محوره وأحدهما حول الآخر، مثل الأرض والقمر، بقُوى عزوم من شأنها أن تؤثّر بدورها في دورانهما. العزم هو قيمة فيزيائيّة تساوي حاصل ضرب مقدار القوّة المؤثّرة بالمسافة، كالّذي يُحسب مثلًا عند وصف عمل الرافعة. تَنقل عزوم القوى العاملة بين الكرة الأرضيّة والقمر الزخمَ الزاويَّ (أو عزم الدوران، الّذي يشبه اندفاع الجسم الّذي يتحرّك بحركة دورانيّة) من أحدهما إلى الآخر. من شأن هذا التأثير المتبادل ما بين الجسمين أن يؤدّي إلى تغيير سرعة دوران كلّ منهما حول محوره، إمّا إلى تعجيل الدوران أو إبطائه.

أجرى الباحثان، روس ميتشيل (Mitchell) من أكاديميّة العلوم الصينيّة وإيڤا كيرشنر (Kirscher) من جامعة كيرتن الأستراليّة، تحليلًا إحصائيًّا لحركة الكرة الأرضيّة في عصر البروتيروزويك. أخذ الباحثان  بالحسبان كلًّا من عزم المدّ الأتموسفيريّ المتراكم، والّذي مصدره من الشمس، وعزم مدّ المحيطات، والّذي مصدره جاذبيّة القمر.


يؤثّر كلّ من الكرة الأرضيّة والقمر في بعضهما بِقوى وعزوم، و تؤثّر هذه في دورانهما. الكرة الأرضيّة والقمر يدوران حول الشمس | Aphelleon, Shutterstock

في أعقاب المدّ والجزر

تؤدّي قوة جاذبيّة القمر إلى حصول الظاهرة المعروفة لنا بالمدّ والجزر في المحيطات. يوجد مدٌّ وجزرٌ في الغلاف الجويّ أيضًا، وذلك نتيجةً لاستيعاب بخار الماء والأوزون الموجودَين فيه لأشعّة الشمس. يؤدّي المدّ الّذي يسبّبه القمر إلى إبطاء سرعة دوران الكرة الأرضيّة فيطول اليوم، وبالمقابل، تزداد سرعة دورانها بفعل مدّ الغلاف الجويّ (الأتموسفيريّ). أدّت الظروف السائدة على وجه الكرة الأرضيّة، خاصّة مستويات الأكسجين والأوزون في الغلاف الجويّ، في الفترة المذكورة إلى حصول توازن بين هذَين العزمين- العزم الناجم عن مدّ المحيطات والعزم الناجم عن مدّ الغلاف الجويّ- بحيث أبطل الواحد منهما الآخر. تسمّى هذه الحالة بالرنين (الرزونانس).

كان القمر في تلك الفترة البروتيروزويكيّة، أقرب كثيرًا إلى الكرة الأرضيّة ممّا هو عليه اليوم. امتصّ القمر، مع مرور الزمن، زخمًا زاويًّا من الكرة الأرضيّة أدّى إلى دفعه نحو مسار أكثر بعدًا عنها. أدّى ابتعاد القمر إلى إبطاء دوران الكرة الأرضيّة حول محورها حتّى وصل طول اليوم إلى ما نعهده اليوم. في الواقع، استمرّ اليوم بالطول على امتداد مليارات السنين، ما عدا في عصر "المليار المُملّ" إذ استقرّ طوله عند 19 ساعة. 

توجد عدّة طرق لفحص طول يوم الكرة الأرضيّة في العصور المختلفة. يمكن، على سبيل المثال، فحص المعطيات البيولوجيّة، مثل سُمك حلقات جذوع الأشجار وشرائط نموّ المرجان. إلّا أنّ الأشجار والمرجان، ومُتحجّراتها طبعًا، ظهرت على مسرح التطوّر في عصور متأخّرة نسبيًّا. بالمقابل، من الصعب العثور على شهادات تدلّ على وتيرة المدّ والجزر في الماضي البعيد. اعتمد الباحثون في دراستهم هذه على معلومات جيولوجيّة جديدة تراكمت في السنوات الأخيرة، مثل التغيّرات الدوريّة في حركة الكرة الأرضيّة والّتي تُسهم في تحليل الأنماط المناخيّة، والتوصّل إلى المفاهيم المثيرة للاهتمام في دراستهم. بذلك، فلربّما لم يكن المليار المملّ مملًّا بالفعل.

 

0 تعليقات