تؤدي الأدوية المستخدمة لمقاومة الفيروس المسبِّب للإيدز إلى خموله، ولكنّها لا تقضي عليه. علاج جديد قد يساعد جهاز المناعة في التّقليل من كميّة الفيروسات في الجسم

 هو الفيروس المسبّب لمرض الإيدز - متلازمة نقص المناعة المكتسب. يُلحِق الفيروس الضّرر بخلايا جهاز المناعة، ولذلك يستصعب الجسم التّعامل مع العدوى والأمراض الأخرى التي تصيبه. ينتقل الفيروس عن طريق الاتّصال المباشر بين سوائل الجسم، مثلًا في العلاقات الجنسيّة. وفقًا لمنظّمة الصّحة العالميّة، أصيب منذ تفشّي المرض حوالي 75 مليون شخص، وتوفّي حوالي 32 مليونا منهم. الفيروس منتشر بشكل خاصّ في بعض المناطق في أفريقيا، حيث تناهز نسبة حامليه 1 من كل 25 شخصًا تتراوح أعمارهم بين 15 و49 عامًا (نحو 4%)، مقارنة بنحو 0.8% في العالم.

تمّ اكتشاف الفيروس لأوّل مرة في الولايات المتّحدة في أوائل الثمانينات. وقد كان تطوير دواء ضده صعبًا بشكل خاص لأنّ الفيروس يطوّر خلال فترة قصيرة مناعة ضدّ الأدوية. عام 1995، ابتُدئ بعلاج مرضى الإيدز بمزيج مكوّن من ثلاثة أدوية. واليوم ثمة حبوب مثل Atripla و Stribild، تجمع بين عدّة أدوية في حبّة واحدة يتمّ تناولها مرّة واحدة في اليوم.

المشكلة هي أنّ الأدوية الموجودة لا تزيل الفيروس من الجسم، بل تدخله في حالة خمول، دون قدرة على التّكاثر، مع بقاء خلايا مصابة بالفيروس في الجسم. قد "يستيقظ" الفيروس عند إيقاف الدواء، ما يُبقي المريض متعلّقًا بالدّواء طوال حياته. وكلّما كانت الخلايا المصابة الخاملة أكثر، كان اندلاع المرض أسرع وأكثر شدّة. لهذا السبب، سعى باحثون من مختبر فرنر غرين (Greene) في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو (UCSF)، بقيادة باحث ما بعد الدكتوراة الإسرائيليّ إيتان هرتسوغ إلى فحص ما إذا كان يمكن قتل الخلايا المصابة، وبالتّالي تقليل خطر اندلاع المرض مجدّدًا في المستقبل.

ורנר גרין (משמאל) ואיתן הרציג | צילום: Gladstone Institutes
في الصّورة: الحفاظ على مستوى منخفض من الخلايا المصابة بالفيروس. فرنر غرين (من اليسار) وإيتان هرتسوغ| المصدر: Gladstone Institutes

محاربو جهاز المناعة

استخدم الباحثون، الّذين عملوا مع شركة التكنولوجيا الحيوية Xyphos، نوعًا من الخلايا التائيّة (خلايا T) المهندَسة. الخلايا التائية هي نوع من خلايا جهاز المناعة، وظيفتها تمييز الخلايا التي تحوّلت إلى سرطانيّة أو التي أِصيبت بفيروسات، وبعد ذلك القضاء عليها. تُضاف إلى هذه الخلايا المهندَسة مُستقبِلات خاصّة، تعتمد على الأجسام المضادّة. تميّز هذه المستقبلاتُ بنجاعة عالية الجزيئاتِ المُستهدَفة، الّتي تدعى مستضدّات، وهي في هذه الحالة جزيئات تظهر على الخلايا السّرطانيّة من الخارج، ولا تظهر على الخلايا السّليمة. تساعد المستقبلات الخلايا المهندَسة على تمييز خلايا الهدف، الارتباط بها، والقضاء عليها بنجاعة. تُدعى هذه الخلايا المستقبلات الخيمرية للخلايا التائية (CAR-T)، وهي نتاج تطويراسرائيليّ أثبت نجاحه في معالجة العديد من أنواع السّرطان.

على الرّغم من الجهود الكثيرة الّتي بُذلت لاستخدام هذه الخلايا ضدّ فيروس HIV، إلّا أنّه لم يتمّ إيجاد علاج ناجع لدى البشر حتّى اليوم. ليس السّبب واضحا بعد، ولكن من المعروف أنّ خلايا CAR-T الّتي استخدمت حتّى الآن هُندست لاستخدام مستقبلات ضدّ مستضدّ معيّن، وليس ضدّ مجموعة متنوّعة من المستضدّات. وبما أنّ للفيروس المسبّب لمرض الإيدز مجموعة كبيرة من المستضدّات، قد نحتاج إلى توسيع قدرة الخلايا التائية على تمييز المستضدّات. وقد تمّ بالفعل إنتاج خلايا تسمّى convertible CAR-T أو cCAR-T على يد هرتسوغ وزملائه، حيث تمّت هندسة جيناتها لتحوي مستقبلات تميّز، في آنٍ واحد، عدّة مستضدّات تشير إلى أنّ الخليّة مصابة بفيروس HIV.

قام الباحثون بسحب خلايا دم من حاملي فيروس HIV ووضعها في حضانة في المختبر مع الخلايا المهندَسة. نتيجة لذلك، تمّ القضاء على 50 - 60 بالمئة من الخلايا المصابة خلال يومين فقط، أي أنّ عدد الخلايا المصابة قد انخفض بشكل كبير، وربما يمكن تقليله أكثر في حال دام  العلاج مدة أطول. لم تُلاحَظ أيّة إصابة في خلايا أخرى، ما يعني أنّ فعاليّة الخلايا التائية أصابت الهدف.

إحدى إيجابيّات هذه الطّريقة هي أنّه يمكن تفعيلها في جسم الإنسان في الوقت المطلوب، عبر إضافة أجسام مضادّة لا تكون خلايا CAR-T فعّالة دونها. يتيح حقن أجسام مضادّة للمريض أو لحامل الفيروس التّحكم في توقيت تفعيل الخلايا المُهندَسة في جسم المعالَج.

أظهر بحث آخر أنّ خلايا CAR-T تعيش في الجسم 10 سنوات. فإذا عاشت cCAR-T لمدة مماثلة، يمكن تفعيلها بين الحين والآخر لتقليل عدد الخلايا المصابة، إذا لزم الأمر.

لا تزال هناك بعض العقبات التي يجب التّغلب عليها لاستخدام هذا العلاج على البشر في الوقت المناسب. العقبة الأولى هي أنّه لتمييز الخلايا المصابة، يجب إخراج الفيروس من حالته الخاملة، وإلّا فإنّ مستضدّات الفيروس لن تظهر على جدران الخلايا المصابة. لكنّ طرق التّفعيل المُستخدَمة حاليّا ليست ناجعة بما فيه الكفاية. فبعضها ضعيف جدًّا ولا ينتج مستضدّات كافية، والبعض الآخر يمكن أن يلحق الضّرر بالخلايا السّليمة أيضًا.

بالإضافة إلى ذلك، هناك خوف من أن يرفض جهاز المناعة خلايا cCAR-T المزروعة. ويمكن حلّ هذه المشكلة إذا تمّت هندستها من خلايا المُعالَج نفسه. ولكن تبقى المشكلة أنّ هذا الإجراء مكلف جدًّا، ويجب إيجاد طريقة لخفض تكلفته كي يُتاح استخدامه في العلاج الروتينيّ.

 

 

الترجمة للعربيّة: د. ريتا جبران
التدقيق اللغوي: أ. موسى جبران
الإشراف والتحرير العلمي: رقيّة صبّاح

0 تعليقات