اكتشف الباحثون أنّ الطيور الورديّة تبني صداقات مع أفراد في السّرب تتشابه معها في الطّباع الشخصيّة

تَظهر طيور النُّحام الورديّ (الفلامنجو) في الصُّور دائمًا كجزء من سرب كبير. تقف العشرات من الطيور الفارعة، ذات الرقاب الطويلة والنّاعمة، واللون الورديّ اللامع، جنبًا إلى جنب في المياه الضحلة لبحيرةٍ أو نهر. يَصعب علينا تمييزالفُروقات بين طائر فلامنجو وآخر، وربّما بسبب ذلك، يصعب علينا أيضًا تصوّرها كأفراد ذوي خصائص وطِباع مختلفة. ومع ذلك، لا تواجه طيور الفلامنغو نفسها مثل هذه المشكلة. فهي تعرف أعضاء فرقتها وتُميّز بينهم، ولكلّ منهم يوجد، بالإضافة إلى شريك أو شريكة، العديد من الأصدقاء الّذين يعتادون قضاء  وقتهم معهم. في دراسة جديدة، أظهر علماء من بريطانيا أنّ الطيور تتواصل مع تلك الّتي تشبهها من حيث الشخصيّة: حيث إنّ الفلامنجو الاجتماعيّ والواثق من نفسه سيكون له أصدقاء اجتماعيّون، بينما سيجد الفلامنجو الخجول نفسه محاطًا بأصدقاءً خجولين مثله.

الجريء مع الجريئين، الخجول مع الخجولين

أُجريت الدراسة على سربَيْن من طيور الفلامنجو، يضمّ كل ّمنهما أكثر من مائة فرد،  تعيش في محميّة في بريطانيا. يتكوّن أحد الأسراب من طيور الفلامنجو الأمريكيّة (Phoenicopterus ruber)، والآخر من الجنس المُشابه من الفلامنجو التشيليّ (Phoenicopterus chilensis). ساعدت الحلَقَات الّتي تمّ لفّها على أرجل الطيور الباحثين في التعرّف على كلّ واحد منها، وبعد شهور من المُراقبات، عرف الباحثون بالضبط من كان يتجوّل مع من. بالإضافة إلى ذلك، قاموا ببناء "ملفّ تعريف الشخصيّة" لكلّ فلامنجو بناءً على سلوكه: من يميل إلى تهديد الآخرين، على سبيل المثال، ومن يُفضّل التنحّي جانبًا وتجنُّب النزاعات.

في المرحلة التالية، استخدم الباحثون طُرقًا إحصائيّة لتحليل شبكات اجتماعيّة، للتحقُّق ما إذا كانت سِمات الشخصيّة نفسها تؤثّر في اختيار الطيور الورديّة لأصدقائها. اتّضح أنّ الإجابة كانت إيجابيّة. في كلا السّربيْن، اختارت طيور الفلامنجو زملائها الّذين كانوا مُشابهين لها في السلوك. قال بول روز (Rose) من جامعة إكستر، والّذي قاد الدراسة مع فيونيلا ماككلي (McCully)، "على سبيل المثال، بنَت الطيور الأكثر جرأة وعدوانيّة روابط قويّة وطويلة الأمد مع الطيور الأخرى الّتي لديها مثل هذه السِّمات، بينما كانت الطيور الأكثر طواعيّة وخوفًا  تميل إلى قضاء وقتها مع طيور الفلامنجو الّتي تُشبهها في السّمات ".

في سرب الفلامنجو الأمريكيّ، وجد الباحثون أنّ سمات الشخصيّة تُحدّد أيضًا الدور الاجتماعيّ الّذي تلعبه الطيور. كان للطيور الأكثر ثقة وعدوانيّة أصدقاء أكثر، وقضت مجموعاتها وقتًا أطول معًا مقارنة بالمجموعات الأصغر من طيور الفلامنجو الخجولة. تقول ماككلي: "يبدو أنّ طيور الفلامنجو، مثل البشر، تجد نفسها في أدوار مختلفة في المجتمع، بناءً على شخصيّاتها". ومع ذلك،  لم يتمّ العثور على مثل هذه العلاقة بين سِمات الشخصيّة وعدد الأصدقاء في الطيور التشيليّة، ولا يزال الباحثون غير متأكّدين من مصدر الاختلاف بين الأنواع.


تحديدًا، للطيور العدوانيّة أصدقاء أكثر. فلامنجو أمريكيّ يصبّ غضبه على زملائه في السّرب| تصوير:  Paul Rose, UNIVERSITY OF EXETER

صداقة حيوانيّة

حتّى وقت ليس ببعيد، رفض العديد من الباحثين في مجال السلوك الحيوانيّ فكرة "الصداقات" بين الحيوانات، واعتبروها شكلًا من أشكال التأنيس- إعطاء سمات الإنسان لأفراد حيوانيّة في الأبحاث. لكن، بدأ هذا النهج بالتّغيير في السنوات الأخيرة، حيث يقوم المزيد والمزيد من الباحثين بفحص مجموعة متنوّعة من أنواع الحيوانات عن كثب، وتعلُّم كيفيّة التعرّف عليها كأفراد، مع الأخذ بعين الاعتبار مميّزاتها الفريدة. في هذه العمليّة، يتمّ الكشف أيضًا عن الروابط بين الحيوانات، والّتي غالبًا ليس لها تعريف أكثر دقّة من "الصّداقات". وقد لوحظت مثل هذه الروابط ، على سبيل المثال، في الحيوانات الأقرب إلينا، القردة المُتطوّرة (البشرانيّات، Apes) والقرود. أظهرت دراسة من عام 2014 أنّ قرود الشمبانزي تختار أصدقائها، وتميل إلى اختيار أولئك الّذين يشبهونها في الشخصيّة- تمامًا مثل ما تمّ اكتشافه الآن عن طيور الفلامنجو. وجدت دراسات أخرى أنّ الصداقات مهمّة جدًّا للقردة المُتطوّرة، حتّى أنّ لديهم طُرقًا لمُعالجتها بعد النّزاعات.

حيوان آخر والّذي لوحظت عنده صداقات شُجاعة وطويلة الأمد- والّذي رُبّما يكون مفاجئًا للبعض- هو الخفّاش مصّاص الدماء. كما يوحي اسمها، فإنّ هذه الخفافيش، والّتي تعيش في أمريكا الجنوبيّة والوسطى، تتغذّى على الدم. إذا لم يتمكّن الخفّاش مصّاص الدماء من العثور على مصدر غذائيّ، فقد يطلب من صديقه "التبرّع بالدم": يتقيّأ الخفّاش الشّبِع بعض الدم الّذي أكله في فم الخفّاش الجائع. أظهرت الدراسات أنّ الخفافيش لا تتبرّع بطعامها لأيّ شخص: فهي تقيم علاقات وثيقة مع أفراد مُعيّنين، تبنيها تدريجيًّا، وتحافظ عليها مع مُرور الوقت.

بالنظر إلى ما تعلّمناه عن صداقات القردة المُتطوّرة، الخفافيش، والحيوانات الأخرى، ربّما ليس من المُستغرَب أن توجد مثل هذه الروابط أيضًا في الطيور، مثل طيورالفلامنجو. بعد كلّ شيء، كتب روز ومككلي في مقال على موقع The Conversation: "إذا كان البشر بحاجة إلى أصدقاء ليكونوا سعداء، فهل هي حقًّا قفزة فكريّة كبيرة إذا ما اعتقدنا بأنّ طيور الفلامنجو ستحتاجهم أيضًا؟"

 

0 تعليقات