تعلّمت الببّغاوات في أستراليا فتح حاويات القمامة، ويقوم الإنسان بتطوير طرق إبداعيّة لمنعها من القيام بذلك
قبل بضع سنوات، لاحظ سكّان ضواحي مدينة سيدني في أستراليا أنّ هناك من يقوم بفتح حاويات القمامة الخاصّة بهم، ولم يكلّف نفسه عناء إغلاقها بعد ذلك. لم يكتف الزوّار الغامضون بذلك، بل كثيرًا ما قاموا بإخراج النّفايات من الحاوية ونثرها خارجها. لم يستغرق الكثير من الوقت لاكتشاف الفاعلين: ببّغاوات من نوع كوكاتو أصفر العرف (Cacatua galerita)، تعيش في المدينة، تعلّمت كيفيّة فتح الحاويات والبحث عن بقايا الطّعام. وقد قامت هذه الببّغاوات بإلقاء الطّعام الّذي لم يكن مناسبًا لها خارجًا؛ من أجل أن تكتشف ما الّذي يختبئ تحته.
لم يقف بنو البشر مكتوفي الأيدي بل بدأوا بتطوير طرقٍ تمنع الببّغاوات من فتح الحاويات. تعلّمت الببّغاوات التّغلّب على بعض هذه الطّرق، فاضطّر بنو البشر لتطوير طرقٍ أكثر تطوّرًا. في مقال جديد، يصف باحثون أستراليّون "سباق التّسلّح" الّذي يحدث في ضواحي سيدني الهادئة.
مقطع فيديو لببّغاوات تفتح حاويات القمامة:
تعلّم الببّغاوات من بعضها
بدأ كلّ شيء قبل عدّة سنوات، عندما اكتشف الكوكاتو الطّريق إلى "صناديق الكنز المليئة بالطّعام"، المعروفة أيضًا باسم حاويات القمامة. تستخدم الببّغاوات المنقار والقدم لرفع الغطاء، ومن ثمّ تمشي على حافّة الحاوية، ممسكةً الغطاء طوال الوقت، حتى تتمكّن من إسقاطه إلى الجانب الآخر، ومن ثمّ فتح الحاوية على مصراعيها. قام الباحثون بتتبّع هذا السلوك عن طريق استطلاعات قُدّمت إلى سكّان الأحياء الّتي تواجدت فيها الببّغاوات، كما أجروا المراقبة بأنفسهم في المناطق المعرّضة بشكل خاصّ لهذا النّوع من التّصرّف العبثيّ. استنتج الباحثون أنّ فتح الحاوية يتمّ تعلّمه بطريقةٍ اجتماعيّة، أي من ببّغاء إلى ببّغاء، وذلك بعد أن يتمّ اختراع الطريقة الأولى لأوّل مرّة من قبل كوكاتو شديد الذكاء. وهكذا انتشرت الطّريقة الجديدة للحصول على الطّعام في جميع أنحاء المدينة، ووجد المزيد من النّاس حاوياتهم مفتوحةً، حيث تزيّن القمامة غير الصالحة للأكل الرّصيف المجاور لهم.
لم يتأخّر ردّ فعل النّاس كثيرًا، ولكنّه لم يكن دائمًا فعّالًا. فهم لم يتمكّنوا من ربط حبل لمنع رفع الغطاء، أو أيّ شيء من هذا القبيل؛ لأنّه ما زال يتعيّن فتح الحاويات عندما تأتي الشّاحنة من أجل جمع القمامة، وتقليبها من أجل تفريغ محتوياتها. نظرًا لكون عمليّة فكّ حبل كلّ حاوية من قِبل عاملي النّظافة تستغرق وقتًا طويلًا؛ كان على سكان مدينة سيدني اتّخاذ إجراءات أخرى.
في المقال الجديد، أجرى الباحثون أنفسهم الّذين وصفوا ظاهرة فتح الحاويات استبيانات إضافيّة لفحص الطرق المختلفة الّتي طوّرها الإنسان كردّ فعل على ذلك، وكيف تعاملت معها الببّغاوات. أبسط طريقة كانت "وضع شيء ثقيل على الغطاء". يمكن أن يكون هذا الشيء الثقيل حجرًا، أو قطعة معدنيّة أو زجاجة مملوءة بالماء- أيّ شيء من شأنه أن يُثقِل الغطاء ويجعل من الصعب فتحه، ولكنّه سيسقط عند إفراغ الحاوية في شاحنة القمامة. اكتشف الباحثون أنّه طالما أنّ الجسم ليس ثقيلًا جدًّا، فإنّ الببّغاوات سرعان ما تتعلّم دفعه جانبًا.
قال ريتشارد ميجور (Major)، أحد الباحثين الّذين وقّعوا على المقال، في مقابلةٍ صحفيّة مع صحيفة الجارديان: "لقد رأينا كثيرًا أنّ ببّغاوات الكوكاتو تدفع هذه الأغراض وتُسقِطها". "إنّه لأمر ممتع حقًّا أن تشاهد الكوكاتو تدفع الحجر عن الغطاء- يمكنك أن تستشعر الرّضى الّذي يشعر به عندما تقوم بذلك".
مقطع فيديو لببّغاء الكوكاتو حين دفعها للحجر عن الحاوية:
الاعتياد على الحياة مع ببّغاء الكوكاتو
ردًّا على ردّ فعل الببّغاوات، بدأ بعض النّاس بربط الأغراض بالغِطاء، حتّى لا تتمكّن الببّغاوات من إسقاطها. تضمّنت بعض الطّرق الأخرى وضع عِصِيّ أو أغراض أخرى مثل الأحذية، بالقرب من مفصل الغطاء- بحيث يمكن فتحه، ولكن ليس بالكامل. اعتادت الببّغاوات إسقاط الغطاء على الجانب الآخر من أجل فتحه على مصراعيه، وإذا لم تتمكّن من القيام بذلك، فلن تتمكّن من إبقاء الغطاء مفتوحًا أثناء بحثها عن الطّعام.
يبتكر النّاس طرقًا جديدة لِحماية الحاويات من ببّغاء الكوكاتو. حاوية مع أحذية | مصدر: Barbara Klump/Current Biology
هناك أيضًا طرق هدفها تخويف الببّغاوات، مثل وضع ثعبان وهميّ على الغطاء، أو منعها من المشي على حاوية النّفايات بواسطة مسامير خاصّة. وقالت باربرا كلامب (Klump) الّتي قادت الدراسة: "هنالك حتّى أقفال خاصّة للكوكاتو يمكن شراؤها من المتاجر". وهي أقفال تُفتَح بشكل أوتوماتيكيّ عند رفع الحاوية، بحيث لا تشكّل عائقًا لعمليّة جمع النّفايات".
ليس من الغريب أن يتعلّم النّاس الطرق المختلفة من بعضهم، وأن يتناقلوا النّصائح لكيفيّة مواجهة الطيّور المضرّة. وقالت كلامب "لا يقتصر التّعلّم الاجتماعيّ على ببّغاء الكوكاتو فقط، ولكنّه متواجد أيضًا بين النّاس". كما يبدو، فإنّ بني البشر يحتاجون بلا شكّ إلى ميزة التعلّم الاجتماعيّ: تنجح الببّغاوات أحيانًا في التّغلّب على العقبات الّتي يضعها أصحاب الحاويات أمامها، ما يجبر خصومها على ابتكار أساليب دفاعيّة جديدة.
قال أحد السّكّان في استطلاع أجراه الباحثون: نجحت فكرة وضع الأحجار لبعض الوقت، ولكن بعد ذلك أصبحت الـ "كوكيس" أكثر ذكاءً". "اقترح الجيران على الجانب الآخر من الطريق استخدام العصيّ. إنّها فعّالة". على الأقلّ حتّى تجد ببّغاء الكوكاتو طريقة للتّغلّب على هذه الطريقة أيضًا.
قال ميجور لصحيفة الغارديان: "ببّغاوات الكوكاتو- بفضل أدمغتها الكبيرة وانسجامها الاجتماعيّ- تكيّفت بشكل رائع مع الحياة عند البشر"، وأضاف: "على ما يبدو الآن، مع سباق التسلّح هذا، فإنّنا نُظهر أنّ النّاس يتأقلمون بشكل رائع مع الحياة بوجود ببّغاء الكوكاتو".