مادّة شائعة في مستحضرات الوقاية من الشمس، تُهدِّد سلامة المُرجان وشقائق نعمان البحر. بحثٌ جديد يكشف عن كيفيّة تكوّن الضّرر
يُعتبر الأوكسيبنزون (Oxybenzone) مركّبًا عضويًّا شائعًا في أنواع معيّنة من مستحضرات الوقاية من الشمس، وتتمثّل وظيفته في حجب الأشعة فوق البنفسجيّة. عندما يُلامس الأوكسيبنزون شقائقَ نعمان البحر، وهي أحد أقارب الشّعاب المرجانيّة، تتغيّر تركيبتها. في أعقاب التّغيير، يؤدّي التّعرّض الإضافيّ للضّوء في المادّة إلى تسريع عمليّات ضارّة، من شأنها قتل شقائق نعمان البحر أو الشعاب المرجانيّة التي تتعرّض لها.
تتعرّض معظم الشّعاب المرجانيّة في العالم اليوم للخطر، ويرجع ذلك في الأساس إلى التّغيير المناخيّ الذي يؤدّي إلى ارتفاع درجات حرارة مياه البحر. تعيش الشّعاب المرجانيّة جنبًا إلى جنب مع الطّحالب أحاديّة الخُليّة؛ حيث يوفّر المرجان للطّحالب مسكنًا وحمايةً، وفي المقابل، تُزوّده الطّحالب بالسُّكريّات التي تنتجها بمساعدة ضوء الشّمس في عمليّة التّمثيل الضّوئيّ. تُعتبر منتجات التّمثيل الضّوئيّ مصدر الغذاء الرّئيس للشّعاب المرجانيّة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الطّحالب الملوّنة هي التي تمنح الشّعاب المرجانيّة المظهر المُلوّن المُرتبط بها.
مع ذلك، عند ارتفاع درجة حرارة الماء، تُواجه الطّحالب صعوبةً في استخدام طاقة الشّمس لإنتاج السّكّريّات، حتّى أنّها تبدأ في إنتاج مواد ضارّة بالشّعاب المرجانيّة. يستجيب المُرجان لهذه التّغييرات عن طريق طرد الطّحالب، دفاعًا عن النّفس، وأثناء ذلك يفقد لونه ويصبح أكثر بياضًا. يمكن للشّعاب المرجانيّة أن تتعافى من التّبييض، ولكن لا يمكنها العيش بهذه الطّريقة لفترة طويلة، فإذا لم يزُلِ السّبب الذي أدّى إلى التّبييض في غضون أسابيع قليلة، فإنّ المرجان سيموت. أثناء التبييض، يكون المرجان أضعف وأكثر عُرضة للإصابة بالأمراض.
إنّ ارتفاع درجة حرارة مياه البحر ليس العامل الوحيد الذي يُهدّد الشّعاب المرجانيّة؛ إذ تُشكّل التغيّرات في حموضة البحر بسبب ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوّيّ، الأمراض والمُلوثات الناتجة عن النّشاط البشريّ والصّيد، عواملَ خطرٍ أخرى على الشّعاب المرجانيّة.
تتعرض الشُّعب لمخاطر كثيرة، معظمها ناتج عن النشاط البشري. شعبة مرجانية صحيّة في خليج تريتون بإندونيسيا | تصوير: GEORGETTE DOUWMA / SCIENCE PHOTO LIBRARY.
المرجان ومستحضر الوقاية من الشّمس
في السّنوات الأخيرة، تبيّن أنّ المُركّب العُضوي أوكسيبنزون، الذي يدخل في صناعة بعض مستحضرات الوقاية من الشمس، يتسبّب أيضًا في تلف الشعاب المرجانيّة. في دراسة أجريت في جُزر العذراء، قارن الباحثون الظروف في خليجين: أحدهما يجذب العديد من السُّياح، والآخر ذا تواجد بشريّ مُنخفض للغاية. وجد الباحثون تركيزات عالية من الأوكسيبنزون في ماء الخليج السيّاحيّ، ولم يشهد أيّ تجدّد للمرجان لمدّة خمس سنوات. في المقابل، لم يتمّ اكتشاف أوكسيبنزون على الإطلاق في الخليج المُجاوِر، ونمت الشّعاب المرجانيّة وازدهرت خلال فترة الدراسة.
عندما فحص الباحثون تأثير الأوكسيبنزون في "خُدّج" الشُّعب المُرجانيّة- وهي مرحلة مُبكّرة في دورة حياة المرجان - وجدوا أنّ زيادة تركيز المادة في الماء قد تسبّبت في فقدان الخُدّج قدرتها على السباحة، وأنّ الضرر كان أشد خطورة في الضوء ممّا كان عليه في الظلام. بعد هذه الدراسات، قرّرت السلطات التي تدير بعض الشواطئ في هاواي وجزر العذراء حظر استخدام مستحضرات الوقاية من الشمس التي تحوي الأوكسيبنزون.
مع ذلك، في دراسة أخرى، قام الباحثون بقياس تركيز الأوكسيبنزون في مياه البحر في مواقعَ عِدّة في هاواي، ووجدوا أنّه في كلٍّ منها كان تركيز المادة منخفضًا جدًّا، أقلّ من الحدّ الذي من الممكن ان يُعرّض المرجان للخطر. كان تركيز المادّة الموجود في المواقع السياحيّة الشهيرة أعلى بالفعل، مقارنةً بالمناطق الأقلّ جذبًا للسياح، وربما أسهمَ هذا في إلحاق الضّرر بالشّعاب المرجانيّة، بالإضافة للتّهديد الرّئيس لها - ألا وهو ارتفاع درجة حرارة المياه.
ضرر للشعاب المرجانية البالغة والخُدّج ولشقائق النعمان البحرية. التركيب الكيميائي لجزيء الأوكسيبنزون| رسم توضيحي: MOLEKUUL / SCIENCE PHOTO LIBRARY
إشعاع خطير
لا يزال السؤال المطروح إذًا، لماذا يؤدّي ضوء الشمس إلى تفاقم الضرر اللاحق بالشّعاب المرجانيّة؟ كيف يمكن أن تؤدّي نفس المادّة التي تحمينا من أضرار الأشعة فوق البنفسجيّة، إلى مزيدٍ من الإضرار بالشعاب المرجانية وشقائق نعمان البحر في ظلّ وجود هذا الإشعاع؟ في مقال نُشر مؤخرًا في مجلة Science، اكتشف باحثون في جامعة ستانفورد في الولايات المتّحدة الأمريكيّة أنّ شقائق نعمان البحر، القريبة من الشعاب المرجانيّة من حيث البنية التكوينيّة، تقوم بتغيير بنُية الأوكسيبنزون وتضيف إلى المركب جزيء سكّر يجعله قابلًا للذوبان في الماء. لا تحمي المادّة الجديدة من الأشعة فوق البنفسجيّة، بل تُشجّع على إنتاج الجُذور الحُرّة - وهي موادّ تميل إلى تشجيع التفاعلات الكيميائيّة كالأكسدة، ومن الممكن أن تُسبّب تلفًا للخليّة وموادّها الوراثيّة. تؤدّي الجذور الحرّة إلى تبييض شقائق نعمان البحر والشعاب المرجانيّة، مُتسبّبة في موتها في النهاية.
وجد الباحثون أيضًا أنّ شقائق نعمان البحر التي تعيش مع الطحالب أحاديّة الخلية أقلّ عرضةً للأوكسيبنزون، لأنّه يتراكم داخل الطحالب بدلًا من أنسجة الشقائق. نظرًا للتّشابه بين شقائق نعمان البحر والشعاب المرجانيّة، يمكن الاستدلال على أنّ الشعاب المرجانيّة التي تعاني من التبييض بسبب ارتفاع درجة الحرارة، هي أيضًا أكثر عرضة لأضرار الأوكسيبنزون نتيجة لذلك.
كيف يمكننا إذًا أن نكون أذكياء في الشمس، والامتناع عن إيذاء الشعاب المرجانيّة في آن؟ يُوصى أولًا بقراءة قائمة مكوّنات المستحضر، ويُفضّل استخدام المُستحضرات التي لا تحوي أوكسيبنزون، أو غيرها من الموادّ الضارّة بالشعاب المرجانيّة. تُعتبر مستحضرات الوقاية من الشمس ذات الأساس المعدنيّ الأكثر صحّة للشِّعاب المرجانيّة، في حين أنّ المستحضرات المُحتوية نانو-جُسيمات، قد تكون شديدة الضرر بالشعاب المرجانيّة. المستحضر المعدنيّ الذي يترك علامات بيضاء ولا يُمتص في الجلد هو واق بلا نانو-جسيمات، وبالتالي يعتبر أكثر أمانًا. وأخيرًا، يُنصح بارتداء ملابس طويلة، واعتمار قبعة لتقليل تعرّض بشرتنا للشمس، وبالتّالي لتقليل كمّيّة المستحضر التي نحتاجها.