سيتمّ قريبًا إطلاق المركبة الفضائيّة الأولى من نوعها لتستهدف وتصطدم بكويكب في الفضاء، في محاولة لتطوير نظام حماية للأرض مضادّ للكويكبات التي يمكن أن تصطدم بنا

في إحدى الأيّام المشمسة في المستقبل، دوَّت صفّارات الإنذار في غرفة العمليّات بوكالة الفضاء الأمريكيّة (ناسا) فجأةً. حين قام أحد التلسكوبات الذي يتتبّع حركة الكويكبات برصد كويكب يبلغ قطره بضعة كيلومترات في مسار اصطدام مع الأرض، ويظهر من حساب مداره حول الشمس إلى أنّ اصطدامه المتوقّع مع الأرض قد يحدث في غضون بضعة عقود؛ ليحدث دمارًا هائلًا في جميع أنحاء العالم. أصبحت البشريّة تواجه خطرًا حقيقيًّا على وجودها. فماذا سنفعل؟ هل "راحت علينا" أم لدينا فرصة لتفادي نهاية العالم؟

פגיעה שעלולה לגרום הרס עצום. אסטרואיד בדרך להתנגשות עם כדור הארץ | איור: solarseven, Shutterstock
صدام سيؤدّي إلى دمار شامل. كويكب في مسار تصادميّ مع الأرض | المصدر: solarseven, Shutterstock

بالرغم من أنّنا لا نعلم بوجود كويكبات كبيرة تهدّد الأرض أو أجزاء منه في نظامنا الشمسيّ، إلّا أنّ هُناك في الفضاء القريب منّا عدد من الكويكبات الأخرى والمبهمة التي قد تعرّضنا للخطر. فقد شهد كوكب الأرض عددًا لا بأس به من اصطدامات الكويكبات المدمّرة عبر التاريخ، والتي حتمًا ستتكرّر مرات أخرى في المستقبل إذا فشلنا في حماية الأرض منها. يمكننا مشاهدة آثار تلك الاصطدامات المدمّرة على شكل ندبات على سطح القمر، أو كفوّهات هائلة على وجه الأرض، كما يمكننا الاستدلال عليها من حدث انقراض الديناصورات الشهير.

تُقصف الأرض يوميًّا بأكثر من مائة طن من الجزيئات الصغيرة وحبيبات الرمل القادمة من الفضاء، والتي سرعان ما تحترق فور اختراقها للغلاف الجوّيّ. مرّة في كلّ عام تقريبًا، يخترق الغلاف الجوي كويكب بحجم سيارة تاركًا خلفه كرة ناريّة مذهلة. أمّا بالنسبة  للكويكبات الأكبر حجمًا، فتصادمها مع الأرض يحدث بوتيرة منخفضة. إنّ كويكبًا بحجم ملعب كرة قدم قد يتكرّر مرّة واحدة كلّ بضعة آلاف من السنين بالمعدّل، محدثًا أضرارًا جسيمة وواسعة النطاق، في حين أنّ اصطدام كويكب يبلغ قطره بضعة أميال، كالذي قد قضى على الديناصورات، هو أمر نادر يحتمل حدوثه مرّة واحدة فقط كلّ بضعة ملايين من السنين. وفقًا لعالم الفيزياء الراحل ستيفن هوكينج، فإنّ الاصطدام بكويكب هو أحد أكبر التهديدات لمستقبل الحياة الذكيّة في عالمنا.
 

نظام دفاع فضائيّ

صُمِّم نظام الدفاع الفضائيّ المضادّ للكويكبات ليعمل بشكل مشابه لمنظومة "القبّة الحديديّة" أو الأنظمة المضادّة للصواريخ الأخرى. تعتمد منظومة القبّة الحديديّة على الرادارات للكشف عن إطلاق صاروخ  وحساب مساره، وعلى تحديد إذا ما كان يشكّل خطرًا على منطقة مأهولة أو منشآت حيويّة. وفي حال تبيّن للمنظومة بأنّ الصاروخ يشكّل خطرًا فعليًّا، ستطلق المنظومة صاروخًا مضادًا ينفجر بقرب الصاروخ المعتدي ويدمّره.

سيعمل نظام الدفاع الكوكبي على نفس المبدأ تقريبًا، حيث ستُستخدم التلسكوبات لرصد الكويكبات وحساب حجمها ودورانها حول الشمس، وفحص مدى خطورتها على الأرض. في حال كان هُناك كويكبات يزيد قطرها عن 150 مترًا والّتي تدور في مدار قريب من الأرض، فإنّها ستخضع لرقابة متواصلة تحسّبًا من أن يتقاطع مدارها مع الأرض بفعل جاذبيّة الكواكب الأخرى. إنّ ارتطام كويكب بهذا الحجم  بالأرض سيطلق طاقة تفوق تلك التي أطلقتها أول قنبلة ذرية تمّ إسقاطها على مدينة هيروشيما في اليابان بألف مرّة على الأقلّ.


ملخّص مهمّة DART. اضغط هنا لتكبير الصورة | رسم: NASA/Johns Hopkins Applied Physics Lab
ترجمة الرسم للعربيّة: د.عمّار أبو قنديل

خلافًا لمنظومة القبّة الحديديّة والأفلام الهوليوديّة مثل "ارماجيدون"، حيث دُمّرالكويكب الخطير، فإنّ التوجّه الأكثر واقعيّة هو إبطاؤه أو تعديل مداره بعيدًا عن الأرض. لذلك ستقوم وكالة الفضاء الأمريكية بفحص هذه الإمكانيّة من خلال تجربة أوليّة مستخدمين المركبة الفضائيّة الأولى من نوعها لهذا الغرض المسماة DART أي (Double Asteroid Redirection Test). ومن المتوقّع أن تستهدف المركبة DART بالكويكب ديمورفوس (Dimorphos) وتصطدم به بعد حوالي عام من إطلاقه، علمًا أنّ ديمورفوس هو كويكب يبلغ قطره حوالي 160 مترًا، يسير في مدار حول كويكب ديديموس (Didymos) الذي يبلغ قطره 800 متر تقريبًا.

ستقوم المركبة الفضائيّة بدور الصاروخ المضاد، بهدف تغيير حركة الكويكب ديمورفوس قليلًا، ودراسة قدرة تقنيّة تكنولوجيّة كهذه على تحييد  الكويكبات الخطرة عن مدارها في المستقبل. على غرار صاروخ القبّة الحديديّة المضادّ، ستتمّ برمجة المركبة الفضائيّة لتشخيص الكويكب والتحرّك نحوه بشكل مستقلّ بواسطة تقنيات جديدة سيتمّ اختبارها في الفضاء لأوّل مرّة. ستمكِّن التقنيات هذه المركبة بالعمل بشكل مستقلّ من مسافة كبيرة عن الأرض، حيث يستحيل التحكُّم في المركبة الفضائيّة في الوقت الفعليّ نظرًا لقيود سرعة الضوء.

ستبثّ المركبة الفضائيّة صورًا مباشرة إلى الأرض حتّى لحظة الاصطدام. إضافة إلى ذلك، ستنفصل كاميرا صغيرة  عن المركبة لحظات قبيل الاصطدام لتلتقط لحظة الاصطدام وتوثّق الجسيمات التي ستطير من الكويكب، والحفرة التي ستتشكّل  جراء الاصطدام.  من ثمّ سيقيس علماء الفلك التغيير في حركة الكويكب بدقّة فائقة، كما ستطلق وكالة الفضاء الأوروبّيّة مركبة فضائيّة مخصّصة لهذا الهدف. سيسمح دراسة التصادم بالتحقّق من مبنى الكويكب، وتحسين النماذج المعقّدة لتوجيه المراكب الفضائيّة نحو الكويكبات. وهكذا سنكون قادرين على تحسين جاهزيّتنا في حال احتجنا إلى تحييد كويكب خطير عن مداره المتقاطع  مع الأرض.

فيديو: محاكاة لمهمة DART: 

مراقبة وثيقة

أفاد الدكتور ديفيد بوليشوق، عالم الفيزياء الفلكيّة في معهد وايزمان للعلوم وعضو في الفريق العلمي للبعثة، بأنّ "المهمة تهدف إلى تغيير مدار الكويكب حول الكويكب الأكبر دون أن  يغيّر الاصطدام مدار الكويكب حول الشمس، أو التسبّب في انحراف المدار المشترك لكليهما". وأضاف: "نظرًا لدوران الكويكب المستهدف حول الكويكب الرئيسيّ مرّتين في اليوم تقريبًا، سنتمكّن من مراقبة التغييرات في مدار الكويكب بشكل دقيق ومتواصل، من خلال حساب الوتيرة التي يحجب بها الكويكب المستهدف ضوء الشمس المنعكس من الكويكب الرئيسيّ، وذلك على غرار الطريقة التي تحجب بها الكواكب خارج النظام الشمسي بعض ضوء النجوم التي تدور حولها.

سيكون الفريق الإسرائيليّ من بين الفرق القليلة في العالم التي ستشاهد الاصطدام في الوقت مباشرةً. بحسب الدكتور بوليشوق: "سيحدث التصادم في وقت تكون فيه معظم أكبر التلسكوبات في العالم في وضح النهار، بينما يسود الليل في إسرائيل. الأمر الذي يملي أهمّيّة قصوى للمشاهدات التي ستُجرى هنا في إسرائيل، من أجل تحديد كمّيّة المواد المنبعثة من الكويكب أثناء الاصطدام وماهيّتها". "إنّ تأثير الاصطدام على الكويكب نفسه سيمكّننا من حساب مقدار طاقة الاصطدام التي استغلَّت لدفع الكويكب ومقدار الطاقة التي هدرت، أي مقدار الطاقة التي امتصَّها الكويكب، وأدّت إلى تشكيل فوّهة على سطحه وانبعاث مواد منه إلى الفضاء بعد الاصطدام. فهذه المعلومات قيّمة وغاية في الأهمّيّة لمواجهة الكويكبات الأكبر حجمًا، والّتي قد تؤدّي إلى دمار عالميّ عظيم".

فيديو جامعة جونز هوبكنز عن مهمة DART:

 

0 تعليقات