أفاد باحثون إسرائيليون قاموا بفحص معطيات تعود لأكثر من مليون شخصٍ، تم نشرها في مجلة طبية هامة بأنَّ جرعة لقاح الكورونا المُعَزِّزَة (Booster) تُقلل خطر الإصابة بأعراض خطيرة بنحو 20 مرة، وخطر الإصابة بالعدوى بخمس مرات على الأقل. تُظهر البيانات أنَّ اللقاح الحالي فعال أيضًا ضد المتغيّر دلتا لفيروس كورونا

قبل حوالي شهرين، لاحظ باحثون إسرائيليون أنَّ الأشخاص الذين تلقوا اللقاح في بداية العام، في شهرَي كانون الثاني - شباط 2021، كانوا أكثر عرضةً للإصابة بالكورونا مقارنة بالأشخاص الذين لُقِّحوا لاحقًا، كما خُشي أن يكون اللقاح أقل فاعلية ضد المتغيّر دلتا. إضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون أنَّ مستويات الأجسام المضادة في الدم عند المُطعَّمين في مرحلة مبكرة كانت منخفضة نسبيا. والأمر ليس مفاجئًا، فمستويات الأجسام المضادة في الدم لا تبقى مرتفعة لفترة طويلة، وذلك ببساطة لانتفاء الحاجة إلى ذلك غالبًا. تعتمد الذاكرة المناعية في الأساس على نشاط خلايا الذاكرة. فعندما يتعرض الجسم مرة أخرى للفيروس الذي يعرفه جهاز المناعة مسبقا، تتعرف إليه خلايا الذاكرة وتُفعِّل استجابة مناعية سريعة وفعالة ضده. يعني ذلك أنه عندما يتعرض الشخص لفيروس مُعدٍ جدًّا مثل متغيّر دلتا لفيروس كورونا، ينجح الفيروس في التكاثر بشكل كبير قبل أن يتمكن جهاز المناعة من التعرف عليه، وهكذا تتم العدوى. بالمقابل، عندما تكون مستويات الأجسام المضادة مرتفعة، يتم التعرف على الفيروس والقضاء عليه قبل أن يتمكن من التكاثر.

لوحظ هذا التأثير لأول مرة في إسرائيل، إحدى الدول الرائدة في تطعيم جزء كبير من السكان. لذلك كان على وزارة الصحة اتخاذ قرار حول كيفية المضي قدمًا. هل يجب انتظار ظهور هذا التأثير أيضًا في الولايات المتحدة الأمريكية، وموافقة إدارة الغذاء والدواء (FDA) هناك على جرعة اللقاح الثالثة؟ هل ننتظر بضعة أشهر حتى تتم الموافقة على لقاح جديد تتم ملاءمته ضد المتغيَر دلتا؟ أم تكون الدولة الأولى في العالم التي توافق على حملة تلقيح واسعة بالجرعة الثالثة، مع القليل جدًا من المعلومات حول نجاعتها ضد المتغيَر دلتا؟ (هناك معلومات حول أمان اللقاح). لأنَّ ثمن الانتظار كان باهظًا في حياة الناس، قررت وزارة الصحة الشروع في التلقيح بالجرعة الثالثة، والبارحة (15 أيلول 2021) تم نشر نتائج أول دراسة مهمة حول تأثيرات الجرعة الثالثة في المجلة العلمية المرموقة New England Journal of Medicine.

قاد هذا البحثَ الواسع النطاق كلٌّ من عميت هوبرت من مستشفى شيبا، رون ميلو ويانون بار أون من معهد وايزمان للعلوم، شارون إلراعي برايس ونحمان آش من وزارة الصحة، إلى جانب يائير جولدبيرج من التخنيون، ميخا مندل من الجامعة العبرية، لورانس فريدمان من شيبا، ونير كلكشطاين وباراك مزراحي من معهد البحوث التطبيقية في الصحة الحاسوبية. راقب الباحثون حالة أكثر من مليون إسرائيلي يبلغ من العمر 60 عامًا فما فوق كان يحق لهم الحصول على الجرعة الثالثة في بداية حملة التعزيز المناعي، وقارَنوا كل شخص حصل على الجرعة الثالثة بشخصٍ آخر يحمل خصائص مشابهة لم يحصل على جرعة مماثلة. وجد الباحثون أنَّه بعد مرور 12 يومًا من الحصول على الجرعة الثالثة، انخفضت خطورة الإصابة بعدوى فيروس كورونا بنحو 5 أضعاف على الأقل، ووفق بعض التحليلات بنحو 11.4 مرة، كما انخفضت احتمالية الإصابة بمرض صعب بنحو 19.5 مرة. وبهذا الشكل، وصلت مستويات الحماية إلى مستوى مماثل لذاك الذي سُجِلَ عندما حصلوا على الجرعة الثانية في فترة الشتاء، وهو المستوى الذي أتاح آنذاك السيطرة على انتشار الإصابة بالمتغيّر ألفا (المتغيّر البريطاني) في إسرائيل. كما أظهرت دراسة سريرية صغيرة (اشترك بها 300 شخص فقط) قامت بها شركة "فايزر" نتائج مشابهة، تم نشرها البارحة.

في مثل هذه الدراسات، هناك قلق من انحياز النتائج الناتج عن سلوك المشتركين. على سبيل المثال، قد يكون الأشخاص الذين يختارون الحصول على اللقاح مبكرًا أكثر حرصًا بشكل عام ويتجنبون سلوكيات معينة تزيد من خطر الإصابة بالعدوى، مما قد يؤدي إلى انحراف المعطيات نحو الأسفل. ولكن لأنَّ عدد المشاركين في هذه الدراسة كبير جدًّا، والمتابعة تستمر عدة أسابيع، فإنَّ تأثير انحياز النتائج يقل حد التلاشي ويصبح أقل أهمية.

صورة تُظهِر عملية تطعيم بالجرعة المُعَزِّزَة ضد فيروس كورونا في مدينة أشكلون، آب 2021 | تصوير: Yuri Dondish, Shutterstock
ارتفاع مستوى الحماية إلى حد مماثل لما كان عليه بعد الجرعة الثانية. صورة تُظهِر عملية تطعيم بالجرعة المُعَزِّزَة ضد فيروس كورونا في مدينة أشكلون، آب 2021 | تصوير: Yuri Dondish, Shutterstock

اللقاح فعال ضد المتغيّر دلتا

تؤكد نتائج الدراسة صحة تقديرَين. الأول هو أنَّ الانخفاض في مستوى الحماية مرتبط بعامل الزمن. لذا من أجل اعادة تعزيز الوقاية المناعية والسيطرة على الجائحة هناكَ ضرورة لتوسيع حملة التطعيمات التعزيزية للّقاح لتشمل فئات عمرية إضافية، كما حصل سابقًا. أما التقدير الثاني فهو أنَّ التطعيم بالجرعتين الأوليَين كافٍ لمواجهة المتغيّر دلتا للفيروس. وكما أظهرت دراسات أخرى أُجريت في العالم، فإنّ الأشخاص الذين حصلوا على الجرعتين الأوليَين مؤخرًا يتمتعون بحماية كافية ضد هذا المتغيّر. هذه أخبار مشجعة، لأنها تُظهِر بأنَّ اللقاح فعال ضد مجموعة واسعة من المتغيّرات. ومن المحتمل جدًّا أن تكون صلاحية الجرعة الثالثة أطول، وقد لا نضطر للحصول على جرعة تعزيزية أخرى إلا بعد عامٍ أو أكثر. لكن من المحتمل أيضًا أن يتطلب الأمر الحصول على جرعة تعزيزية في غضون نصف عامٍ فقط، حتى نتمكن من السيطرة على الجائحة في النهاية.  

هناك أهمية حاسمة لهذه الدراسة على المستوى العالمي أيضًا. فيوم الجمعة، 17 أيلول 2021، ستناقش إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ما إذا كانت ستوافق على الجرعة الثالثة في الولايات المتحدة. ستُعرض في المناقشة معطيات وبيانات من فحص مصليّ قام به مستشفى شيبا يُشير إلى زيادة ملحوظة في مستويات الأجسام المضادة لدى الحاصلين على الجرعة التعزيزية، استطلاع أجرته خدمات الصحة الشاملة "كلاليت" يُظهِر أن الجرعة الثالثة لا تزيد من معدل الأعراض الجانبية بشكل غير طبيعي، إضافة إلى البيانات الجديدة التي تشير إلى انخفاض معدل الإصابة بالعدوى بنحو 10 مرات.

يُرجَّح أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالموافقة على اعتماد الجرعة الثالثة، وقد يكون ذلك خبرًا سيئًا للغاية لدول كثيرة ما زالت معدلات التطعيم فيها منخفضة جدًا. وكانت منظمة الصحة العالمية قد دعت الدول الغنية إلى الانتظار قبل إعطاء الجرعة الثالثة كي تُمنَح الفرصة لدولٍ أُخرى، خاصةً في القارة الأفريقية، لتطعيم سكانها بالجرعة الأولى. وحثَّ المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس (Ghebreyesus) الدول الغنية على تأجيل حملات الجرعة الثالثة حتى نهاية العام على الأقل، لمنح الفرصة للدول الفقيرة للوصول الى معدل تطعيم 10 في المئة من سكانها. ولكن نظرًا إلى سلوك الدول الغنية في الأشهر الماضية الأخيرة، لا يبدو أنَّ دعوته ستلقى اذانًا صاغية.

في الشهر المقبل، من المتوقع نشر نتائج التجارب السريرية للقاحات الأطفال التي قامت بها شركتا فايزر وموديرنا - في البداية النتائج العائدة للفئة العمرية من 5 إلى 11 عامًا، وبعد بضعة أسابيع النتائج العائدة للأطفال من جيل نصف عام حتى 5 أعوام. يعني ذلك أنّه في الشتاء المقبل سيكون من الممكن كما يبدو تطعيم الأطفال أيضًا، الأمر الذي سيقرّبنا من مناعة القطيع، أو على الأقل يقلّل معدلات الإصابة بالعدوى إلى مستوى مقبول. حتى ذلك الحين، نأمل ألا يؤدي انتشار المرض في دول أخرى إلى ظهور متغيّر جديد قد يضع تحديًا جديدًا أمام اللقاح، كما فعلَ المتغيّر دلتا.

0 تعليقات