أظهرت دراسة أوّليّة صغيرة نتائج مبشّرة في إصلاح جينِ مَعيب يسبِّب تنكّس خلايا الشّبكيّة في العين، ما قد يمهّد الطّريق لاستعادة حاسّة البصر
تسبّب الأمراض التّنكّسيّة لشبكيّة العين ضعفًا شديدًا في البصر، والّذي قد يؤدّي إلى العمى في نهاية المطاف. وعادة ما تحدث هذه الأمراض بسبب طفرة جينيّة، أي خلل في أحد الجينات المسؤولة عن الأداء السّليم للعين. ونتيجةً لهذا الخلل، لا يتمكّن الجين من أداء وظيفته الممتثّلة بإنتاج بروتين أساسيّ لحاسّة البصر، فإمّا ينتهي عن إنتاجه أو ينتج نسخًا غير سليمة من البروتين عوضا عن لك. في هذا الخصوص، يمكن أن ينجم مرض التّنكّس الشّبكيّ المعروف باسم ليبر (Leber) عن خلل في واحد أو أكثر من عشرين جينًا مختلفًا. وقد يؤدّي نقص بعض البروتينات الحيويّة في الخلايا المستقبِلة للضّوء الموجودة في شبكيّة العين إلى موت هذه الخلايا تدريجيًّا، ممّا يتسبّب في فقدان شبه كامل للبصر. إلّا أنّ هذا المرض يبقى نادرًا نسبيًّا، حيث يصيب أقلّ من عُشر بالمائة من السّكّان.
في مقال نُشر مؤخّرًا، درس الباحثون إمكانيّة إصلاح إحدى الطّفرات الشّائعة الّتي تسبّب المرض، والّتي تظهر لدى 77% من المرضى في الولايات المتّحدة، مستخدمين لهذه الغاية أداة الهندسة الوراثيّة كريسبر، وهي تقنيّة لتعديل الجينات، تتيح قطع أجزاء محدّدة من الحمض النّوويّ (DNA) واستبدالها بأجزاء أخرى عند الحاجة. بهذه الطّريقة يمكن هندسة الكائنات لتتمتّع بصفات مرغوبة، مثل: إنتاج محاصيل زراعيّة مقاومة للأمراض، أو فئران مختبرات مُعدَّلة خصّيصًا لأبحاث معيّنة. بالإضافة إلى ذلك، يُتيح استخدام هذه الطّريقة أيضًا إصلاح العيوب الجينيّة.
تجربة صغيرة واعدة
العيب الذي حاول الباحثون إصلاحه هو طفرة في الجين CEP290، والّتي تؤثّر على البروتينات المسؤولة عن الكشف عن الضّوء في العين. تمّ في التّجربة حقن 14 مريضًا يعانون من مرض التّنكّس الشّبكيّ المعروف باسم ليبر، تتراوح أعمارهم بين 9 و63 عامًا، بفيروسات معدّلة وراثيًّا تحتوي على آليّة لتعديل الحمض النّوويّ في خلايا الشّبكيّة. قُسِّم المرضى إلى ثلاث مجموعات تلقّت جرعات مختلفة من الفيروسات. حيث تلقّى كلّ مريض العلاج في إحدى عينيه، واستمرّت المتابعة لمدّة ثلاث سنوات تقريبًا.
تمّ حقن المرضى بفيروسات معدّلة وراثيًّا تحتوي على آليّة لتعديل الحمض النّوويّ في خلايا الشّبكيّة، وتمّ تنفيذ الحقن بواسطة أحد الأطباء | Mass Eye and Ear.
تمّ تعديل الفيروسات المحقونة لتصبح خاملة بحيث لا تتمكّن من التّكاثر في الخلايا الّتي تصيبها، وبالتّالي لا تشكّل خطرّا على المرضى ولا تتمكّن من الانتقال لإلى أشخاص آخرين. كما تمّ تعديل شيفرات إضافيّة لتوجيه الفيروس إلى خلايا شبكيّة العين بشكلٍ محدّد. وعند اختراق الفيروس المعدّل للخليّة المناسبة، يقوم بتفعيل آليّة التّعديل الوراثيّ المدمجة فيه ويزيل الجزء التّالف من الجين المعنيّ.
يحِدّ عدد المشاركين المحدود في هذه التّجربة من إمكانيّة الوصول إلى استنتاجات دقيقة حول فعاليّة الطّريقة في تحسين القدرات البصريّة أو مستوى أمان الجرعات المختلفة. ومع ذلك، أظهرت التّجربة نتائج واعدة، حيث أظهر ستّة من المرضى تحّسنًا في القدرة البصريّة في النّهار، وتركّز التّحسّن بشكلٍ خاصّ في مركز مجال رؤيتهم. كما حقّق أربعة منهم تحسّنًا في الرّؤية يقارب الحدّ الأقصى الّذي يمكنهم تحقيقه باستخدام العدسات التّصحيحيّة. بالإضافة إلى ذلك، أبلغ ستّة من المرضى عن تحسّن عامٍّ في جودة حياتهم المرتبطة بالرّؤية.
وبالإضافة الى فعاليّة العلاج، فقد أظهرت التّجربة أنّ الطّريقة آمنة للاستخدام على البشر على الأرجح. إذ تُشير النّتائج إلى أنّه لم تُسجَّل أعراض جانبيّة غير معتادة نتيجة حقن الفيروس في أيّ من الجرعات الّتي تمّ اختبارها، وأنّ 41% من ألاعراض الجانبيّة الّتي سُجّلت كانت مرتبطة بالإجراء نفسه، مثل النّزيف في موقع الحقن. وبذلك، تفتح هذه التّجربة الباب لاختبار فعاليّة هذا العلاج، والعلاجات الوراثيّة المماثلة، على نطاق أوسع.