تظهر دراسة جديدة أنّ الهيدروجيل، وهو جلّ على أساس الماء، يمكنه محاكاة لعبة "بونج" بل وحتّى تحسين أدائها - بفضل خصائص الذّاكرة

من أهمّ خصائص الكائنات الحيّة هي القدرة على التّعلّم من الذّاكرة الماضية - مواجهة موقف جديد، الاستجابة له، وتغيير الاستجابة، إذا لزم الأمر، عندما يتكرّر الموقف مرّةً أخرى. بالنّسبة للباحثين الّذين يطوّرون أنظمة التّعلّم الاصطناعيّ، تشكّل الذّاكرة عقبةً كبيرةً، لأنّ تحسين النّتائج يعتمد على التّعلّم من المواقف السّابقة. على الرّغم من أنّ تصميم أنظمة التّعلّم غالبًا ما يكون مستوحىً من الدّماغ البشريّ، فقد أثبتت دراسة جديدة إمكانيّة تحقيق الذّاكرة في مادّة أبسط كثيرًا، حيث أظهرت أنّ الهيدروجيل - وهي مادّة اصطناعيّة تستجيب لحقل كهربائيّ - قادرة على اللّعب بنسخة بسيطة من لعبة حاسوب وإظهار خصائص الذّاكرة.

كانت لعبة بونج واحدة من أولى ألعاب الفيديو الّتي اكتسبت شعبيّة في سبعينيّات القرن العشرين. هي لعبة مخصّصة لشخصين، تذكّرنا بلعبة تنس الطّاولة الحقيقيّة. تُقسَّم الشّاشة إلى نصفين، وهدف كلّ لاعب هو ضرب الكرة باتّجاه نصف الشّاشة الخاصّ بالخصم بواسطة تحريك خطّ عموديّ - والذي يمثّل المضرب - نحو الأعلى والأسفل. يجب تعديل وضع المضرب بحيث يضرب الكرة عندما تصل إلى جانبهم، حتّى يتمكّنوا من ضربها تجاه الخصم.

قبل عاميْن تقريبًا، أظهر باحثون من أستراليا أنّ الخلايا العصبيّة المأخوذة من الإنسان، والتي زُرعت في المختبر، كانت قادرة على لعب نسخة من لعبة بونج وتحسين أدائها. وشكّلت الخلايا شبكات من الاتّصالات فيما بينها، ممّا مكَّنها من التّواصل، على غرار الهياكل الموجودة في الدّماغ. لقد رُبِطت بنظام يحاكي اللّعبة ويعيّن أدوارًا مختلفة لمناطق مختلفة من شبكة الخلايا. وقد قدّم النظام ردود فعل إيجابيّة أو سلبيّة اعتمادًا على نشاط شبكة الخلايا، وبالتّالي خلق بيئة تعليميّة للنّجاح في اللّعبة. وكما ذكرنا، حاول باحثون من بريطانيا هذا العام تعليم مادّة اصطناعيّة تُسمّى الهيدروجيل القيام بمهمّة مماثلة.

لعبة بونج الأصليّة من عام 1972:

ذكريات في التّيّار

الهيدروجيل عبارة عن جلّ هلاميّ على أساس الماء وله خصائص استثنائيّة. وهو يتألّف من البوليمرات، وهي جزيئات طويلة مكوّنة من وحدات متكرّرة، تشكّل معًا شبكة متشابكة، تُحبس جزيئات الماء داخلها. تمنح هياكل الرّابطة في الشّبكات الهلام خصائص فريدة، مثل القدرة على الاستجابة للتّغيّرات البيئيّة - بما في ذلك الضّوء، الحرارة والتّيار الكهربائيّ. إذا لم يُطبَّق أيّ جهد كهربائيّ خارجيّ على الهلام، فإنّ الأيونات الموجودة فيه - الجسيمات الّتي تحمل شحنة كهربائيّة - تتوزّع بشكل موحّد داخله. عندما يُطبَّق جهد كهربائيّ من مصدر خارجيّ، يمرّ تيّار كهربائيّ عبر الهلام، وتنتقل أيونات الهيدروجين في جميع أنحاء المادّة، فتسحب معها جزيئات الماء وتخلق تغييرات في شكل المادّة. تنتقل الأيونات إلى موضع داخل المادّة، الّذي يسمح لها بتقليل كمّيّة الطّاقة المُضافة إلى النّظام عند تطبيق الجهد الخارجيّ.

عندما يُطبَّق الجهد الكهربائي، تتحرّك الأيونات بسرعة نسبيّة لهدف التّوازن، لكن عندما يوقَف تشغيل الجهد الكهربائيّ، يستغرق الأمر وقتًا أطول لتنتشر مرّةً أخرى في جميع أنحاء الجلّ. في مثل هذه الحالة، إذا طبّقنا جهدًا خارجيًّا مرّةً أخرى بعد فترة وجيزة من إزالة الجهد السّابق، فلن يكون لدى الأيونات الوقت الكافي للتّشتّت والعودة تمامًا إلى حالتها الأوّليّة - أي أنّ تأثير الجهد السّابق لا يزال واضحًا. في الواقع، يُعتبر توزيع الأيونات غير المنتظم بمثابة "ذاكرة" للجهد السّابق. إنّ الجهد الأوّل سيؤثّر على استجابة المادّة للضّغط الثّاني، وهذه خاصيّة الذّاكرة.

​בזכות מבני הקשרים ברשת הפולימרים הסבוכה הג'ל יכול להגיב לשינויים סביבתיים. פניני הידרוג'ל | Azizbekpm, Wikimedia
بفضل هياكل الرّابطة في شبكة البوليمر المعقّدة، يستطيع الجلّ الاستجابة للتّغيرات البيئيّة. لآلئ الهيدروجيل | Azizbekpm, Wikimedia

مثل اللّعبة، بدون الفيديو

على عكس عشّاق ألعاب الفيديو في السّبعينيّات، لا يستطيع الجلّ رؤية الكرة على الشّاشة، بالطّبع (أو أيّ شيء آخر). ولذلك، أنشأ الباحثون حالة تشبه لعبة بونج باستخدام المحاكاة. يُقسَّم ميدان اللّعبة إلى عدد من المربّعات، ويوصل الجلّ بعدد متساوٍ من الأقطاب الكهربائيّة الّتي تمثّل موقعًا. يعكس الجهد الكهربائيّ بين الأقطاب الكهربائيّة إلى الجلّ موضع الكرة في الملعب: عندما تكون الكرة في فتحة معيّنة، فإنّها تتلقّى تحفيزًا كهربائيًّا من القطب الكهربائيّ المقابل. هذه هي المجموعة الكهربائيّة التّي توفّر الإدخال للجلّ فيما يتعلّق بحالة اللّعبة.

لكي يتمكّن الجلّ من المشاركة في اللّعبة، الاستجابة لموقع الكرة وصدّها مجددًا، رُبطت مجموعة ثانية من الأقطاب الكهربائيّة به، والّتي استخدمها الباحثون لمحاكاة مضرب الجلّ. يمثّل كلّ قطب كهربائيّ في هذه المجموعة جزءًا من حافّة الطاولة حيث يُشغّل الجل. قاس الباحثون التّيّار الكهربائيّ الّذي ينقله الجلّ في المناطق الّتي تمثّل المحور الطّوليّ عند حافّة الطّاولة، وتوصّلوا إلى أنّ "المضرب" الموجود في الجلّ يقع عند النّقطة التي قيس فيها أقوى تيّار.

صُمّمت التّجربة على شكل "حلقة مرتدّة"، وهذا يعني أنّ المدخلات الخارجيّة تؤدّي إلى تفاعل داخليّ داخل المادّة، والّتي بدورها تستجيب للمدخلات، وتتلقّى ردود فعل خارجيّة حول استجابتها، وهكذا. يستقبل الجلّ معلومات حول موضع الكرة، ويوفّر معلومات حول موضع المضرب داخل المحاكاة، ويستقبل في المقابل معلومات حول موضع الكرة بعد الضّربة.

في الفيديو: صمّم العلماء محاكاةً تسمح للجلّ بلعب لعبة بونج

تحسّن في معدّلات الإصابة

"تتوزّع في البداية الأيونات [في مجموعة المضرب] بالتّساوي، ثمّ يضرب المضرب الكرة ولا يصيبها"، كما يصف فينسنت سترونج (Strong)، المؤلّف الأوّل للورقة البحثيّة. في مثل هذه الحالة، كانت فرص الجلّ في "إصابة" الكرة أو "إخفاقها" متساوية، وقد نجح في "إصابة" الكرة في نصف الحالات. مع مرور الوقت، زاد تركيز الأيونات في المكان الّذي كانت فيه الكرة. وهذا يعني أنّه في أغلب الحالات كان المضرب والكرة في وضع متطابق، وتمكّن الجلّ من "إصابة" الكرة. ارتفعت نسبة ضرب الكرة إلى 60 بالمئة.

قاس الباحثون طول اللعبة المستمرّة، أي عدد "التّمريرات" المتتالية الّتي يتمكّن الجلّ من "إصابة" الكرة. وأظهر الباحثون أنّه بفضل خصائص الذاكرة الّتي يتمتّع بها الجلّ، فإنّه يتمكّن من "إصابة" الكرة، بل ويتحسّن مع مرور الوقت. في غضون نصف ساعة تقريبًا من اللعب، وصل الجلّ إلى أطول تسلسل قيسَ ضمن هذا النّظام.

يأمل الباحثون أن يساعدَنا الدّليل على قدرة الموادّ الاصطناعيّة على التّذكّر، وحتّى التّعلّم من الذّاكرة، في اتّخاذ خطوة أخرى إلى الأمام، على طريق تطوير قدرات التّعلّم الاصطناعيّ المعقّدة وأنظمة التّعلّم الأكثر تطوّرًا.

0 تعليقات