باحثون: تقوم الحيوانات الّتي تلتفّ في فقاعات مخاطيّة ضخمة بتصفية كميّات هائلة من الكربون من الماء وترسيبها في القاع؛ ممّا يساعد على تقليل انبعاث غازات الدّفيئة في الغلاف الجويّ

تسبح أصداف الأبينديكولاريا (Appendicularia) أو اللارفا على عمق عشرات بل مئات الأمتار تحت سطح الماء وهي مُحاطة بما يبدو كأنّه محارة شفّافة. ينتمي هذا النّوع من الأصداف إلى الغلاليّات (Tunicata) وهي كائنات حيّة تسبح بشكل مستقلّ من بداية حياتها وتقضي أيّامها عند بلوغها ملتصقة بالصّخور أو في قاع القوارب، ولكنّها كما يُفهَم من اسمها، تحافظ على شكل اللارفا طوال حياتها. "محارها" مصنوع من…. مُخاط وهي تستعين به لتقوم بتصفية الماء ونقل غذائها الّذي هو عبارة عن كائنات بحريّة صغيرة جدًّا (البلانكتون)، إلى أفواهها. 

غالبيّة هذه الأصداف صغيرة جدًّا ويصل طولها إلى بضعة مليمترات. يصل قطر "البيت المخاطيّ" الّذي تبنيه بضعة سنتمترات على الأكثر. بالمقابل، يصل طول الصّدفة أو اللارفا الضّخمة (Bathochordaeus) بضعة سنتمترات وهي تبني "بيوتًا" طولها متر وأكثر. يتبيّن الآن أنّ هذه الأصداف تقوم بدور مهمّ في "اصطياد" ثنائيّ أوكسيد الكربون من الغلاف الجويّ. 

كان من الصّعب حتّى اليوم قياس مقدار ما تأكله الأصداف (اللارفا) الضّخمة؛ لأنّ بيتها المخاطيّ رقيق جدًّا بحيث لا يمكن التقاطها من الماء دون الإضرار به (ببيتها). عندما جمع الباحثون أصداف اللارفا بدون بيوتها وقاموا بتنميتها في المختبر لم تبنِ الأصداف بيوتًا جديدة. الطّريقة الوحيدة لدراسة الأصداف الضّخمة، حتّى الآن على الأقلّ، هي متابعتها في بيئتها الطّبيعيّة في أعماق البحار.

بنى باحثون من كاليفورنيا الـ DeepPIV لهذا الغرض وهو جهاز يَستخدم أشعّة الليزر للتّعرّف على التّيّارات المائيّة الّتي تحمل البلانكتون وتُدخله إلى بيت الصّدفة المخاطيّ دون إصابتها بأيّ ضرر. يُثَبَّت الجهاز على غوّاصة صغيرة تُشَغَّل بجهاز التّحكّم عن بعد ثمّ تُرسَلُ لمتابعة الأصداف. 

لقد تبيّن للباحثين أنّ الأصداف الّتي في خليج مونتيري في كاليفورنيا تقوم بتصفية الماء بوتيرة عالية جدًّا تصل إلى 20 ميللترًا في الثّانية. إنّها تُحطّم بذلك، حسب ما يقول الباحثون، الرّقم القياسيّ في سرعة تصفية الماء. تستطيع الأصداف إذا قامت بتصفية الماء بهذه الوتيرة تصفية كلّ مياه الخليج على عمق مئة حتّى مئتي مترٍ خلال ثلاثة عشر يومًا لا أكثر. 

ضبط الاحترار العالميّ
ما هي أهميّة سرعة تصفية الماء عن طريق الأصداف؟ البلانكتون والجسيمات الّتي تقوم الأصداف بتصفيتها تحتوي على الكربون وعندما تمرّ من خلال مصافي "البيوت المخاطيّة" للأصداف فإنّها تترسّب مع الكربون الّذي فيها إلى قاع المحيط - بطريقتين مختلفتين. إنّها تُفرز ما تأكله كبُراز على شكل كريات مضغوطة ترسب إلى القاع بسرعة أكبر بكثير من السّرعة الّتي يترسّب بها البلانكتون نفسه. عندما تمتلئ مصافي الأصداف بالجسيمات، ويحدث ذلك مرّة واحدة في اليوم تقريبًا، تخلع البيت المخاطيّ بأكمله وتبني بيتًا جديدًا.  بذلك تجد الموادّ الّتي لم تصل إلى أفواه الأصداف طريقها هي الأخرى في المسار السّريع إلى القاع.  

يشمل البلانكتون كائنات تقوم بعمليّة التّركيب الضّوئيّ، أي أنّها تقتنص الكربون من الغلاف الجويّ وتبني به السّكريّات وجزيئات أخرى. هناك أنواع من البلانكتون لا تقوم بعمليّة التّركيب الضّوئيّ بنفسها ولكنّها تتغذّى على البلانكتون الّذي يقوم بها، ويساهم هو الآخر باقتناص الكربون من الغلاف الجويّ. تقوم اللارفا بترسيب هذا الكربون في قاع المحيط حيث الفعاليّة البيولوجيّة الّتي من شأنها أن تعيده إلى السّطح قليلة جدًّا. ثنائي أوكسيد الكربون هو أحد غازات الدّفيئة الّتي تؤدّي إلى احترار الكرة الأرضيّة وتساهم اللارفا في ضبط الاحترار عن طريق إزالته من الغلاف الجويّ. 

توجد لفهم هذه العمليّات وسرعة حصولها أهميّة في نماذج التّغيّر المناخيّ. تؤكّد الدّراسة الجديدة أهميّة اللارفا الضّخمة في دورة الكربون كما تعرض مثالًا لأهميّة أنواع التّكنولوجيا الجديدة، مثل جهاز الليزر والغوّاصة الّتي يجري التّحكّم بها بجهاز التّحكّم عن بعد، في دراسة الفعاليّة البحريّة لكائنات غالبًا ما تكون مخفيّة عن أعيننا. 

 

0 تعليقات