يعمل العلماء على استعادة المبنى الخاص الذي تميزت به ديدان الدم متعددة الشعيرات، على أمل أن يستوحوا من ذلك إنتاج مواد صناعيّة قوية تقوم ببناء نفسها من تلقاء نفسها

على شواطئ المحيطات، تعيش ديدان حمراء بلون الدّم، مزوّدة بأعضاء لا نتوقّع أن نجدها لدى الدودة: أسنان سوداء حادّة. هذه الأسنان قويّة للغاية، ومكوّنة من نسبة عالية جدًّا من البروتينات والنّحاس. هذه الطّريقة الّتي تتكوّن بها الأسنان من شأنها أن تُعتبر مصدر إلهام لعمليّات إنتاج تلقائيّة لموادّ صناعيّة قويّة. 

ديدان الدّم جليسيرا ديبرانكياتا (Glycera dibranchiata)، كما تُدعَى هذه الديدان أو العلقيّات، ديدانٌ بحريّة على شكل حَلَقات من فصيلة متعدّدة الشُعيرات (Polychaete). حظِيَت باسمها بفضل جلدها الشفّاف، الّذي من خلاله يمكن رؤية دمها الّذي يحوي هيموجلوبين أحمر اللون. تعيش على عمق أمتار معدودة في رمال قاع البحر، في الأماكن الّتي لا يزيد فيها عمق المياه عن 24 مترًا. تتغذّى ديدان الدّم على ديدان أخرى وعلى سرطان البحر الصغير، الّتي تصطادها بواسطة جذع عضليّ قابل للسّحب، في طرفه أربعة أسنان مجوّفة سوداء لامعة متّصلة بغدّة السمّ. يمكن أن يبلغ طول الديدان إلى 35 سنتيمترًا، وعضّتها تسبّب ألمًا لدى كلّ من البشر والحيوانات الكبيرة الأخرى.

أسنان ديدان الدّم قويّة للغاية بُغية اختراق قذائف السرطانات البحريّة، وصلابتُها قريبة من صلابة أسنان الإنسان ومُقاوِمة جدًّا للتّآكل. مع ذلك، فإنّ التركيبة الكيميائيّة لأسنانها السوداء تختلف كثيرًا عن تركيبة أسنان الفقاريّات. 

تحتوي مينا الأسنان- وهي الطّبقة الصّلبة الّتي تُغطّي تاج السنّ في فم الإنسان - في الأساس على 95% معادن، تمنح الأسنان ميزتَي الصّلابة والضّغط، والباقي عبارة عن 4% بروتينات، والقليل من الماء 1%. في المقابل، تتكوّن أسنان ديدان الدمّ في الأساس من 50% بروتينات، 10% نحاس وَ40% ميلانين. 

رغم أنّ النحاس مطلوب بكمّيّة قليلة لبعض العمليّات البيولوجيّة في الجسم، إلّا أنّه الكمّيّة العالية في السنّ، ومن الممكن أن تكون سامّة بالنسبة للخلايا بجرعات عالية. تَحَمُّل الدودة للتركيز العالي من النحاس ليس واضحًا، لكنّ الباحثين يُخمّنون أنّ للمعادن دورًا في تنشيط السمّ الّذي تنفثه الدودة عن طريق السنّ. إنّ لون الأسنان الأسود سببه الميلانين، وهو صبغ شائع يمنح جلدنا اللون الدّاكن عندما نتعرّض لأشعّة الشمس. 

תמונת מיקרוסקופ אלקטרונים סורק של השן | Herbert Waite
أسنان ديدان الدّم قويّة للغاية بُغية اختراق السرطانات البحريّة المحصّنة. صورة مجهر الإلكترونيّ يمسح السنّ | Herbert Waite

 

تصنيع أسنان الدودة في المختبر

أثارَت التركيبة المختلفة لأسنان الديدان فضول باحثين من كاليفورنيا، حيث حاولوا كشف النقاب عن كيفيّة تكوّن الأسنان. في بحث نُشِر مؤخّرًا اكتشف الباحثون أنّ البروتين الّذي تتكوّن منه السنّ مركّب من نوعَين من الأحماض الأمينيّة فقط: الجلايسين والهيستيدين، حيث يُشكّلان أكثر من 80% من البروتين. قام الباحثون بتصنيع البروتين في المختبر، وخلطوه بذرّات نحاس مشحونة بالكهرباء. بعد إضافة النحاس للمحلول السائل الّذي يتواجد فيه البروتين، التصق بالنحاس وتركّز على شكل قطرات صغيرة جدًّا. قام الباحثون في المرحلة التالية بإضافة الحامِض الأمينيّ الدوبا (DOPA) المُستخدَم لإنتاج الميلانين، فأصبحت القطرات داكنة، متكاثفة وأكثر قوّة. بفضل وجود البروتين المتّصل بأيونات النحاس؛ فإنّ الميلانين بتركيبته العاديّة كصبغ مركّب بشكل عامّ من جزيئات صغيرة، شكّل أليافًا بطول 2 مليمتر.

ليس واضحًا إذا كانت أسنان ديدان الدمّ تكوّنت بنفس الطريقة؛ لأنّ عمليّة الإنتاج أُجرِيت في المختبر. على الرغم من ذلك، من المدهش أنّ بروتينًا بسيطًا جدًّا مسؤول عن الإنتاج المعقّد لأسنان ديدان الدمّ القويّة. قام الباحثون بقياس قوّة المادّة الّتي صنعوها، واكتشفوا أنّها قويّة للغاية وتذكّرنا بألياف النايلون. قال هربرت وايت (Waite)، أحد كاتبي المقال، لموقع NewScientist: "قد تكون هذه النتائج مصدر إلهام لتطوير عمليّات إنتاج الموادّ المعقّدة كالباطون والإطارات المطاطيّة، الّتي تستطيع بمفهوم معيّن أن تبني نفسها".

 

0 تعليقات