رغم إثبات قدرة ريمديسيفير (Remdesivir) على علاج حالات الكورونا الصّعبة، إلّا أنّه ليست هناك حتّى الآن معلومات كافية لتحديد مدى فائدته وما هي إيجابيّاته ومحدوديته.

أحد التّحدّيات الّتي تواجه البشريّة اليوم في مواجهة وباء الكورونا (COVID-19) هو إيجاد دواء فعّال ضد مسبّب المرض (فيروس SARS-CoV-2). فبسبب عدم وجود لقاح، هناك تخوّف دائم أنّه عند إبطال قواعد التّباعد الاجتماعيّ والحفاظ على النّظافة الشّخصيّة، سيتفشّى المرض مجدّدًا بكامل قوّته، ما يؤدي إلى ازدياد حادّ في عدد المرضى والوفيّات. وبما أنّه فيروس، يرتكز مجهود الباحثين على البحث عن دواء مضادّ للفيروسات، وأحد أكثر الاتّجاهات الواعدة الآن هو الدواء ريمديسيفير (Remdesivir)، الّذي تمّ تطويره في الأصل لعلاج فيروس الإيبولا خلال التّفشّي الكبير للمرض في أفريقيا عام 2014.

ترتكز آلية عمل الدّواء على إعاقة تكاثر الفيروس في خلايا الجسم من خلال تعطيل عمل إنزيم رئيسيّ في عملية استنساخ جينوم الفيروس. فمن أجل مضاعفة المادّة الوراثيّة والتّكاثر، تحتاج الفيروسات مثل فيروس كورونا إلى إنزيم خاصّ من عائلة RNA polymerase. يعمل ريمديسيفير على تعطيل عمل الإنزيم RNA polymerase في فيروس الكورونا فقط، لا في الخلايا البشريّة.

لكي نفهم سبب كون ريمديسيفير علاجًا محتملًا للكورونا وكيفية عمله، يجب أن نفهم كيف يعمل الإنزيم الّذي يحاول الدّواء تعطيل عمله. يشبه الإنزيم الفيروسي RNA polymerase عامل بناء مختصّا في مضاعفة مادّة وراثيّة فيروسية من النوع RNA. تُسَمّى وحدات البناء الأساسيّة للمادّة الوراثيّة الأحماض النوويّة، وفي حالة المادة الوراثية من النوع RNA، هناك أربعة أحماض كهذه (A,U,G,C). يتمثل دور RNA polymerase الفيروسيّ في ربط الأحماض النوويّة المتوفّرة في الخليّة المُضيفة بالسلسلة الوراثيّة الّتي ستتطابق في النّهاية مع المادّة الوراثيّة للفيروس.

لتعطيل استنساخ الجينوم، يعمل الدواء ريمديسيفير مثل حصان طروادة الّذي يخترق حدود العدوّ ويهاجمه من الدّاخل. تشبه المادّة الفعّالة للدّواء الحمض النوويّ اللّازم لاستنساخ المادّة الوراثيّة للفيروس، وهذا التّشابه يؤدي إلى بلبلة الإنزيم الفيروسيّ RNA polymerase وإلى دمج الدّواء في عمليّة إنتاج نسخ جديدة من المادّة الوراثيّة. بمجرد دخول الدّواء إلى عمليّة الإنتاج، فإنه يعطّل عمليّة مضاعفة الجينوم ويؤدّي إلى توقّفها. يممكن تشبيه عمليّة إنتاج فيروس جديد بسلسلة مكوّنة من حلقات: ريمديسيفيرهو حلقة ضعيفة تتسلّل إلى السّلسلة وتؤدّي إلى تفكيكها.

מולקולת התרופה רמדסביר (משמאל) ליד אנזים המטרה: RNA פולימראז | איור: JUAN GAERTNER / SCIENCE PHOTO LIBRARY
حصان طروادة. جزيء الدواء ريمديسيفير (من اليسار) بجانب إنزيم الهدف: RNA polymerase | الرسم التوضيحيّ: JUAN GAERTNER / SCIENCE PHOTO LIBRARY

 

هل هذا خبر سارّ؟

رغم أنّ  الأبحاث السّريريّة حول ريمديسيفير لم تكتمل بعد، إلّا أنّ نشر نتائج بحث سريريّ شامل على أكثر من 1000 مشترك يلقي ضوءًا على نجاعة هذا الدّواء ضدّ فيروس كورونا المستجدّ، وعلى طريقة إدارة بحث سريريّ في حالة الطّوارئ. خلال سباق تطوير أدوية لـ COVID19، يتفوق ريمديسيفير بسبب أقدميته، ،التي تعود إلى انتشار فيروس الإيبولا. وبعكس الأدوية الجديدة الّتي تحتاج إلى عبور عدّة مراحل لتحصل على موافقة من السلطات الصّحّية مثل الـ FDA (إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة)، فإنّ ريمديسيفير هو الآن في مرحلة الأبحاث السّريريّة، التي تهدف إلى إثبات نجاعته في علاج البشر المصابين بكورونا.

أوّل مرضى كورونا تلقّوا ريمديسيفير كعلاج كانوا المسافرين على متن سفينة Diamond Princess، الّتي شُخّص فيها أكثر من 700 مريض. لفحص نجاعة الدّواء ضدّ الكورونا، وُزّع المشاركون في البحث بشكل عشوائيّ على مجموعتين: واحدة عولجت بريمديسيفيروالثّانية بدواء وهميّ (placebo). يشمل مجرى البحث الأصلي تناول الدّواء لمدّة 15 يومًا وتقييمًا لحالة المرضى الصّحّيّة في نهاية الفترة وفقًا لسلّم من 1 إلى 8: 1 - الشّفاء الكامل، 8 - وفاة المريض. كان يمكن لتحليل هذه المعطيات أن يتيح تقييم أمان الدّواء ونجاعته. إلّا أنّ عناصر في NIH (المعاهد الوطنيّة للصّحّة في الولايات المتّحدة)، وهي الهيئة المسؤولة عن البحث، قرّرت أثناء التّجربة تغيير سؤال البحث خوفًا من أن يؤدّي العدد المنخفض للمشاركين إلى حَرف النّتائج. ورغم أنّ من غير المعتاد تغيير سؤال البحث أثناء التجارب على الأدوية، وفقًا للباحثين، فإنّ حالة ريمديسيفير مختلفة، إذ إنّ تفاصيل الفيروس ومدّة المرض لم تكن معروفة في تلك الفترة. وقد تخوّف الباحثون من أنّ قياسًا واحدًا فقط بعد 15 يومًا قد لا يمثّل تأثير الدّواء على الجسم إيجابًا أو سلبًا، إذا استمرّ المرض أكثر من 15 يومًا.

وبدلاً من التّركيز على السّؤال هل يحسّن ريمديسيفير حالة المريض بعد فترة زمنية معيّنة، قرّروا الإجابة عن السّؤال هل يقصّر الدواء مدّة المرض. وقد قاموا بذلك عبر متابعة حالة المرضى الصّحّيّة وحساب عدد الأيّام التّي مرّت حتى الوصول إلى الدرجة 3 حسب سلّم الأحوال الصّحّيّة المذكور أعلاه. وفقًا لفرضية البحث، يحتاج المرضى الّذين عولجوا بواسطة ريمديسيفير إلى وقت أقلّ من المرضى في المجموعة الثّانية الّذين عولجوا بالدّواء الوهميّ.

 
אחד ממבני המחקר במטה מכוני הבריאות הלאומיים של ארצות הברית, סמוך לוושינגטון | צילום: bakdc, Shutterstock
قرار مثير للجدل. أحد مباني الأبحاث في معاهد الصحّة الوطنيّة في الولايات المتّحدة، بالقرب من واشنطن | الصّورة: bakdc, Shutterstock
 

هل من سبيلٍ لتقييم نجاعة الدّواء؟

كان للتّغيير الّذي أُجري على سؤال البحث تأثير كبير على تقدّم التّجربة السّريريّة على ريمديسيفير. ففي ظلّ التّعريفات الجديدة لتقييم أداء الدّواء، وُجد أنّ لريمديسيفير تأثيرا إيجابيّا ذا دلالة إحصائيّة (مستوى الثّقة > %95) في تقصير مدّة مرض الكورونا. نتيجةً لذلك، قرّرت الـ NIH إتمام فحص الدّواء في تجربة سريريّة أكبر (تشمل 1,063 متلقي علاج) وفقًا للمعايير الجديدة لقياس مدّة المرض. في الوقت نفسه، اجتمعت لجنة خارجيّة لمراقبة تحليل البيانات والسّلامة  بهدف تقييم نتائج الدّراسة والسّلامة الدوائية في وقت إجراء التّجربة، لمعرفة ما إذا كان يمكن تقصير مدّة التجربة في حال كانت النّتائج إيجابيّة أو سلبيّة بصورة شاذّة.

أظهرت النّتائج عند مُجمل المرضى أنّ استخدام ريمديسيفير يقلّل زمن التّعافي من ​​15 يومًا في المتوسط لدى المجموعة الّتي تلقّت الدّواء الوهميّ إلى 11 يومًا لدى المرضى الّذين عولجوا بواسطة ريمديسيفير. وقد طرأ التّحسّن ذو الدّلالة الإحصائيّة الأكبر على مجموعة المرضى بدرجة خطر 5 (مرضى تلقّوا علاجًا بأكسجين منخفض التّدفّق). في درجات الخطر 4 (لا استخدام للأكسجين)، 6 (أكسجين عالي التّدفق أو جهاز تنفّس اصطناعيّ غير جراحيّ)، و 7 (مرضى يخضعون لعناية مكثّفة أو يُستخدَم معهم جهاز تنفّس اصطناعيّ جراحيّ)، أدّى الاختلاف الكبير في وتيرة تعافي المرضى إلى نتائج ذات دلالة إحصائيّة أقلّ. قد يكون التّفسير المحتمل للاختلاف بين المرضى في مجموعات الخطر هو الاختلاف في عدد المرضى في كلّ مجموعة. وفقًا للباحثين، كانت المجموعة رقم 5 هي الأكبر، إذ تضمنت حوالي 39.7% من المشاركين في التّجربة، ويُرجَّح أن يكون هذا هو سبب وضوح البيانات الإحصائيّة في هذه المجموعة.

إثر هذه النّتائج، وبعد تعافي 482 مريضًا من أصل 1059، أوقفت اللّجنة التّجربة، وأوصت بفحص نجاعة ريمديسيفير في المرحلة التّالية مقارنةً بدواء يدعى أولوميانت، دون الحاجة إلى مجموعة ضابطة (تتلقّى العلاج الوهميّ Placebo).

قبلت معاهد الصحة الوطنية (NIH) توصية اللّجنة بوقف استخدام الدّواء الوهميّ في بحث ريمديسيفير، إلّا أنّ القرار أثار جدلًا في المجتمع العلميّ حول صحّته. تستند الادّعاءات ضدّ قرار الـ NIH إلى أنّ الهدف الأساسيّ لتطوير دواء ضدّ الكورونا هو تجنّب الموت وليس تقصير مدّة المرض، لذا فإنّ تقييم الدّواء بناءً على قدرته على تقصير مدّة المرض هو خاطئ. كما يدّعي المعارضون أنّ قرار إيقاف استعمال الدّواء الوهميّ في المجموعة الضابطة، رغم تعافي 482 مريضًا فقط بين 1063، يعيق القدرة على الاستنتاج ما إذا كان الدّواء يزيد من احتمال بقاء المرضى على قيد الحياة.

أظهرت النّتائج الأوليّة أنّ الدّواء يخفض فعلًا نسبة الوفيّات من 11.9% إلى 7.1%، ولكن وفقًا للتّحاليل الإحصائيّة التّي لا تأخذ بالحسبان التّغيير في نسبة الوفيّات فحسب، بل حجم العيّنة أيضًا، وجدوا أنّ الفرق لم يكن ذا دلالة إحصائيّة كافية لتلبية معايير البحث، التي غالبًا ما يكون مستوى الثّقة فيها 95% على الأقل. يدّعي معارضو الـ NIH أنّه لو لم توقف اللّجنة الخارجيّة البحث الأصلي، كان للأطبّاء احتمال أكبر في الوصول إلى استنتاجات واضحة حول قدرة الدّواء على إنقاذ حياة المرضى. كما ادُّعي أيضًا أنّ عدم استعمال الدّواء الوهميّ يجعل ريمديسيفير هو "المعيار" في الحرب ضدّ الكورونا، رغم أنّه من غير الواضح بعد ما إذا كان الدّواء ناجعًا بما يكفي ليكن معيارًا. وفي حالة ريمديسيفير، يعني ذلك أنّه عند دراسة أدوية ضدّ الكورونا في المستقبل، سيتمّ فحص نجاعتها حسب قدرتها على تقصير مدّة المرض، رغم أنّه من غير المؤكّد بعد إذا كان هذا هو المقياس الملائم لإيجاد علاج ضدّ الكورونا في المستقبل.

بالتباين، هناك من يعتقد أنّ قرار الـ NIH كان صائبًا، بالذّات من ناحية أخلاقيّة، مدّعيًا أنّه لا يجوز منع المرضى من علاج أُثبتت نجاعته ويمكنه إنقاذ حياتهم. لذلك، بمجرّد الاستنتاج أنّ ريمديسيفير فعّال، توجَّب إيقاف استخدام الأدوية الوهميّة في البحث. بالإضافة إلى ذلك، يدّعي داعمو الـ NIH أنّه رغم أنّ  الدّلالة الإحصائيّة للنّتائج لم تكن كبيرة وفقًا للمعايير العلميّة (مستوى الثّقة > 95%)، إلّا أنّها لم تكن صغيرة أيضًا (81%)، وفي زمن وباء مثل COVID19، لا يجوز حرمان المرضى من علاج قد ينقذ حياتهم.

في ختام المقال، أشار الباحثون إلى أنّ النّتائج الأوّليّة تدعم إعطاء ريمديسيفير لمرضى COVID-19 الّذين يستعينون بالأكسجين كجزء من علاجهم. ومع ذلك، نظرًا لنسبة الوفيّات العالية رغم استعمال ريمديسيفير، من الواضح أنّ العلاجات المضادّة للفيروسات لا تكفي وحدها. ففي الوقت الحالي، توافق إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة على استعمال ريمديسيفير لحالات الكورونا الطّارئة فقط. لم يمنع الأمر الشّركة المنتِجة للدّواء من التّوقيع مع 127 دولة على اتّفاقيّة توزيعه. لا تشمل الاتّفاقيّة حاليًّا عوائد الملكيّة الفكريّة للدّواء، ولن تتغيّر الحال طالما COVID-19 مُعرَّف كوباء عالميّ، أو إلى أن تتمّ الموافقة على دواء جديد من قبل السلطات الصّحّية. يبدو أنّ علينا انتظار نتائج جديدة لرؤية جميع التّفاصيل في الصّورة الأكثر شموليّة.

 

 

الترجمة للعربيّة: د. ريتا جبران
التدقيق اللغوي: أ. موسى جبران
الإشراف والتدقيق العلمي: رقيّة صبّاح أبو دعابس

0 تعليقات