في آسيا، إفريقيا، وكذلك في الغرب، بما في ذلك هنا في البلاد- حيثما تكون مناعة القطيع (Herd immunity) غير كافية، يفرِد المرض المعدي جناحَيه
الحصبة هي أكثر الأمراض الفيروسيّة المعدية الّتي عرفها الإنسان. في الماضي، اُعتبِر فيروس الحصبة جزءًا لا يتجزّأ من الحياة نظرًا لارتفاع وتيرة الإصابة به بحيث كاد يكون من المستحيل تجنّبه. تغيّر الوضع في سنوات السيتينيّات من القرن الماضي، عندما تمّ تطوير لقاح فعّال وآمن ضدّه. تصيب الحصبة البشر فقط، وبالتالي يمكن للّقاح أن يقضي على المرض تمامًا- إذا استخدمناه بشكل صحيح.
أدّت جائحة الكورونا، بالإضافة إلى آثارها الصحيّة المباشرة، إلى انخفاض عامّ في التطعيمات الروتينيّة للأطفال. لمنع انتشار فيروس الحصبة، من الضروريّ تحقيق معدّلات تطعيم عالية بين السكّان، حوالي 95 بالمائة تطعيم. عندما تنخفض نسبة التطعيم عن هذا الحدّ، تعود الحصبة وتنتشر بشكل ملحوظ في هذه المناطق. يتعرّض الأشخاص غير المطعّمين لخطر الإصابة بالمرض بنسبة تزيد عن 90 بالمائة، ما يضمن انتشاره على نطاق واسع في المجتمع، ويشكّل خطرًا كبيرًا على الأشخاص الّذين يعانون من ضعف المناعة، الرضّع قبل سنّ التطعيم، والأفراد الّذين لم ينجح اللقاح في حمايتهم.
شهد عام 2022 زيادة بنسبة 18 بالمائة في حالات الحصبة العالميّة مقارنة بعام 2021، حيث أدّت قيود فيروس الكورونا الواسعة النطاق إلى تقليل انتشار العديد من الأمراض أيضًا، بما في ذلك مرض الحصبة. استمرّت وتيرة انتشار مرض الحصبة في عام 2023، ولا يزال الوضع يتفاقم حتّى الآن، وذلك بسبب عدم تلقّي ملايين الأطفال في العالم لقاح الحصبة الّذي كان من المفترض أن يتلقّوه.
في الماضي، اُعتبِر فيروس الحصبة جزءًا لا يتجزّأ من الحياة نظرًا لارتفاع وتيرة الإصابة به بحيث كاد يكون من المستحيل تجنّبه. صبيّ يعاني من طفح جلديّ في وجهه | Shutterstock, happybas
في آسيا وإفريقيا
وفقًا للموقع الإلكترونيّ لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (Centers for Disease Control and Prevention - CDC) في الولايات المتّحدة، فإنّ اليمن تتصدّر العام في حالات الحصبة، حيث بلغ عدد المرضى المؤكّدة إصابتهم نحو 18,500 إصابة، في النصف الثاني من عام 2023. وتليها أذربيجان، ثمّ كازخستان، حيث إنّ معظم المرضى هم من الأطفال دون سنّ 14 عامًا. لم يتمّ تطعيم 70% من هؤلاء المرضى ضدّ الحصبة. تأتي بعدها في القائمة الهند، إثيوبيا (أولى الدول الإفريقيّة)، ثمّ روسيا، الّتي تتصدّر القائمة الأوروبيّة، مع أنّها تقع أيضًا في قارّة آسيا. تليها مرّة أخرى الدول الآسيويّة- العراق، حيث تمّ الإبلاغ عن زيادة مثيرة للقلق في حالات الحصبة في جميع أنحاء البلاد في عام 2023-2024، ثمّ باكستان، قيرغيزستان وإندونيسيا.
على الرغم من أنّ إثيوبيا تتصدّر القائمة الإفريقيّة، إلّا أنّها بالتأكيد ليست الدولة الوحيدة في قارّة إفريقيا الّتي تعاني من تفشّي الحصبة. فعلى سبيل المثال، أبلغت دولة بوركينا فاسو عن 960 حالة حصبة، و5 حالات وفاة في عام 2023. استمرّ تفشّي المرض أيضًا في عام 2024، حيث تمّ إحصاء 4 حالات وفاة من بين أكثر من 1200 حالة يُشتبه في إصابتها بالحصبة حتّى العاشر من شهر شباط الماضي. لذلك، يجري التخطيط لحملة تطعيم واسعة النطاق في هذه الدولة، والّتي سيتمّ إطلاقها قريبًا.
تتفشّى الحصبة كذلك دون سيطرة في نيجيريا، والّتي تعاني أيضًا من وباء الخناق أو ما يعرف بالديفتيريا (Diphtheria) والسعال الديكيّ (Bordetella Pertussis). عانت نيجيريا منذ فترة طويلة من انخفاض في مناعة القطيع أو المناعة الجماعيّة بسبب الإقبال المنخفض على التطعيم، ويدفع الأطفال ثمن ذلك. في السنغال، والّتي تتمتّع بمعدّل تطعيم أفضل، دفعت سبع حالات حصبة في منطقة واحدة إلى القيام بحملة تطعيم لآلاف الأطفال.
يجد الأهل صعوبة في تطعيم أطفالهم في بلدان مختلفة في إفريقيا، والنتيجة هي تفشّي مرض الحصبة والأمراض الأخرى. طفل إفريقيّ يتلقّى جرعة لقاح | Shutterstock, Riccardo Mayer
في الغرب
يواجه الأهل في بلدان مختلفة في إفريقيا صعوبة في تطعيم أطفالهم- وتكمن المشكلة أحيانًا في عدم إمكانيّة الوصول، وفي بعض الأحيان يكون هناك نقص في اللقاحات. لا ينبغي أن تكون هناك مشكلة كهذه في الدول الغربيّة؛ نظرًا لأنّ اللقاحات متاحة للجميع، وعادة ما تكون مجانيّة، ويوجد برنامج تطعيم موصى به بجدول منظّم. مع ذلك، فإنّ المناعة الجماعيّة آخذة في الانخفاض في عدد لا بأس به من دول العالم الأوّل أيضًا. الدعاية التخويفيّة من التطعيمات هي السبب الكامن وراء ذلك، بحيث تجعل الأهل يتردّدون في تطعيم أطفالهم. كان هذا هو السبب وراء انتشار وباء الحصبة في العقد الماضي، وهو كذلك السبب لانتشاره مجدّدًا في يومنا هذا.
بعد غياب تامّ لحالات الحصبة خلال عام 2022 في البلاد، تمّ تسجيل 36 حالة منذ شهر تشرين الأوّل عام 2023، في سلسلة انتشارات صغيرة منفصلة عن بعضها. بدأت كلّ حالة من حالات التفشّي بمريض أُصيب بالعدوى في خارج البلاد، والّذي عادة لا يكون قد تلقّى التطعيم. حتّى لو تمكّنت السلطات الصحيّة من إيقاف التفشّي الحاليّ، فمن الممكن أن تصل حالات جديدة في أيّة لحظة على متن رحلة جويّة من خارج البلاد. كما ذكرنا، هناك العديد من الدول الّتي يمكن نقل العدوى فيها.
في المملكة البريطانيّة، يشعرون بالقلق الشديد بشأن العدد المتزايد من حالات الحصبة. تمّ إحصاء 69 حالة حصبة في أسبوع واحد في إنجلترا وحدها، ليصبح المجموع يزيد عن 650 مريضًا منذ 1 تشرين الأول عام 2023. في أسكتلندا، تمّ اكتشاف 5 حالات خلال هذه الفترة، جميعها مرتبطة بالسفر. وفي إيرلندا الشماليّة، تمّ الكشف عن أوّل حالة لإصابة محليّة بالمرض منذ 10 سنوات لدى شخص بالغ. ويأتي هذا التشخيص بعد وقت قصير من وفاة شخص بالغ في جمهوريّة إيرلندا بسبب نفس المرض- الحصبة. تمّ إحصاء أربعة مرضى في إيرلندا خلال عام 2023.
أمّا في الولايات المتّحدة، فقد تمّ اكتشاف مرض الحصبة في 15 ولاية. في فلوريدا، تفشّى مرض الحصبة في مدرسة ابتدائيّة، ورفض كبير مسؤولي الصحّة في الولاية، الدكتور جوزيف لابيدو، منع الأطفال غير المطعّمين من الذهاب إلى المدرسة، على الرغم من أنّهم قد يكونون حاملين للفيروس. كما ذكرنا، هناك خطر بنسبة 90 بالمائة للإصابة عن طريق مخالطة الأشخاص المصابين بالمرض، ويمكن لفيروس الحصبة أن يعيش في الهواء حتّى بعد ساعتَين من مغادرة المريض للمكان. في الوقت الحالي، تمّ تشخيص شخص بالغ إضافيّ بالحصبة في منطقة أخرى من البلاد. وصل فقط ربع مقاطعات ولاية فلوريدا إلى مستوى التطعيم اللازم للقضاء على مرض الحصبة، والوضع هناك مثير للقلق. ترِِد تقارير إضافيّة عن الحصبة من أريزونا، كاليفورنيا، جورجيا، نيويورك، نيوجيرسي وغيرها.
تمّ إحصاء 36 حالة حصبة في البلاد منذ تشرين الأوّل سنة 2023. فتاة مريضة تعاني من طفح جلديّ | Shutterstock, NatUlrich
خطر الإصابة بأمراض ومضاعفات خطيرة
في الأرجنتين، أُصيب طفل صغير يبلغ من العمر 13 شهرًا بالمرض مؤخّرًا، بعد إصابته من شقيقه غير المطعّم، والمقيم في برشلونة بإسبانيا. تمّ إحصاء تسع حالات في البرتغال منذ 11 كانون الثاني. وآخر حالة هي صبي يبلغ من العمر 16 عامًا ولا يعيش حتّى في البلاد.
بالرغم من أنّ تايوان تتمتّع بمعدّلات تطعيم عالية، إلّا أنّه تمّ اكتشاف حالة لشخص بالغ، وهي أولى الحالات المحليّة منذ أيلول 2022. هذه هي الحالة الرابعة فقط في الجزيرة منذ عام 2020. لم يتّضح بعد كيف أُصيب الرجل بالعدوى، ما قد يشير إلى وجود حالات أخرى غير معروفة للسلطات.
تحمي جرعتان من لقاح الحصبة بنسبة 97% من الإصابة، وإذا تمّ تطعيم كلّ من يستطيع ذلك، فلن يتفشّى المرض بين السكّان. يعاني مرضى الحصبة من الحُمّى، سيلان الأنف، السعال، الطفح الجلديّ والتهابات العين. يُعتبر كلٌّ من الأطفال دون سنّ الخامسة، والبالغون فوق سنّ 20 عامًا، والنساء الحوامل اللاتي يعانين من ضعف المناعة، معرّضين بشكل متزايد لخطر الإصابة بمضاعفات الحصبة الّتي يمكن أن تؤدّي إلى مرض خطير وحتّى الوفاة. معدّل وفاة مرضى الحصبة في الدول الغربيّة هو واحد من كلّ ألف مريض، وفي دول العالم الثالث قد يتفاقم الوضع إلى حدّ وفاة واحد من كلّ مائة مريض. في بعض الأحيان تسبّب الحصبة أضرارًا لا يمكن إصلاحها، بحيث قد يعاني أولئك الّذين تعافَوا من التهاب الدماغ الشامل المصلّب تحت الحادّ (SSPE). مرض الحصبة معدٍ للغاية لدرجة أنّه يكاد يكون من المستحيل تجنّبه بدون لقاح. ينتشر مرض الحصبة الآن على نطاق واسع في العالم، و قد تنتهي أيّة رحلة إلى خارج البلاد بالإصابة بفيروس الحصبة إذا لم يتمّ تلقّي التطعيم اللازم. تحقَّقوا من سجّلات التطعيمات وإذا كنتم في شكّ، استشيروا طبيب الأسرة أو طبيب الأطفال.