تتيح واجهة الدّماغ والحاسوب للأشخاص المشلولين الذين فقدوا القدرة على النُّطق أيضًا إمكانية التواصل مع بيئتهم - كما تُمَكّنهم من تحريك عضلات الوجه

إنّ من أصعب الأمور التي يمكن أن تحصل لشخصٍ ما، فقدان القدرة على التحكّم بعضلات الجسم بسبب حادثٍ أو مرض تنكُّسيّ. قد تتعدّى الحالةُ، في درجة خطورتها، فقدانَ القدرة على الحركة وتبلغ درجةَ فقدان القدرة الضرورية على التواصل مع البيئة المحيطة - إذ أنّ قدرتنا على النُّطق مرتبطة بعضلات الفم واللسان والشفتين. الأداة الرئيسة التي تساعد هؤلاء المعالَجين هي واجهة الدّماغ وَالحاسوب (Brain-Computer Interfaces)، التي تُغَطّي على الإعاقات الموجودة عند المُعالَج، وتُمكّنه من التّعبير عن نفسه بواسطة ترجمة نشاط دماغه إلى إشاراتٍ، يعالجها الحاسوب ويفكّ شفرتها. 

يمكن للمعالَجين، الذين يتمتّعون بالقدرة على التحكّم بعضلات الوجه وتركيز نظرهم، استخدامُ الواجهات اللاجراحيّة (غير الغازيّة) التي تَستقبل حركات الوجه والعينين، وتُحوّلها إلى رسائل شفويّة. توجد، مثلًا، أجهزة تقوم بمتابعة وملاحقة نظرات المُعالَج، وتُتيح له اختيار حروف من التي تظهر له على الشاشة، وتركيب الكلمات والجُمل. المثال المألوف على ذلك هو الفيزيائيّ ستيفن هوكينغ، الذي مرِض بمرض شلل العضلات ALS، إلّا أنّه كان قادرًا على كَمْش عضلات وجهه واختيار الحروف، من بين تلك المعروضة على شاشة الحاسوب والتواصل مع بيئته المحيطة. 

يمكن للمُعالَجين ذوي الحالات الأكثر صعوبةً، الاستعانة بواجهات الدّماغ والحاسوب الجراحيّة (الغازية) التي تشمل الكترودات تُغرَسُ في دماغ الشخص المُعالَج، وحاسوبًا يعالِج المعلومات التي تصل منها. وفقًا للدراسة التي نُشرت في مجلة Nature العلميّة في العام الماضي، كوّنَ الباحثون واجهةً قادرةً على تشخيص الحروف التي فكّر فيها المُعالَج، الأمر الذي مكّنه من النّقر على أزرار الكتابة بسرعة لا بأس بها. توجد أيضًا واجهات الدّماغ والحاسوب غير الجراحيّة التي تشتمل، مثلًا، على خوذةٍ تقيس الأمواج الدّماغية باستخدام طريقة مُخَطّط كهربية الدّماغ (EEG). تساعد هذه الواجهات، الجراحية منها وغير الجراحيّة، المُعالَجين غير القادرين على التحكُّم بعضلات وجوههم. تُسمّى هذه الحالة بمتلازمة المُنحبس (أو الانغلاق) وهي تلازم مرضى الضُّمور (أو الحثل) العضلي (مثل ALS) في مراحله المتطوّرة.

אחת מהאלקטרודות שהושתלו במוחו של המטופל במחקר החדש | Wyss Center
يمكن للمُعالَجين ذوي الحالات الصعبة الاستعانة بواجهات الدّماغ والحاسوب الجراحيّة (الغازيّة) التي تشمل الكترودات تُغرَس في دماغ المُعالَج. تظهر في الصورة إحدى الالكترودات المغروسة في دماغ المُعالَج في الدّراسة الجديدة | Wyss Center

 

أفكار عن الحركة 

كوّن الباحثون، وفقًا لدراسةٍ نُشرت في المجلّة العلميّة Nature Communications في وقت مُبكّر من العام الجاري، واجهة الدّماغ والحاسوب خُصِّصَت لمساعدة شخص مُعالَج عمره 34 عامًا، عانى من مرض الضّمور (الحثل) العضلي في مرحلة متقدّمة. لا يتحكّم هذا المُعالَج بعضلات وجهه ولا يقدر حتّى على فتح عينيه. كانت المُهمّة إذًا، تمكينه من التواصل مع العالم من حوله دون استخدام حركات العضلات، مثل تحويل نظره.

غُرست مجموعتان من الالكترودات في موقعين من قشرة دماغ المريض الحركيّة، وهي منطقة الدماغ المسؤولة عن تنشيط عضلات الجسم. كان المُعالَج قادرًا على إرسال تعليمات لكمش عضلاته، بالرغم من أنّ هذه العضلات لا تعمل، وذلك عن طريق تفعيل قشرة الدّماغ الحركيّة، فالتقطت الالكترودات المغروسة في دماغه نشاط الخلايا العصبيّة المجاورة وبثّته إلى الحاسوب. 

استخدم الباحثون في المرحلة التالية الأسلوب المسمّى الارتجاع البيولوجيّ، حيث يُعرض لِلشخص قيد الفحص مقياسُ نشاط جسمه، لتمكينه من محاولة التأثير فيه. أسمَعوا المُعالَجَ، في هذه الحالة، رنّاتٍ تُمَثِّل نشاط خلايا دماغه في المنطقة التي التقطتها الالكترودات، وطلبوا منه أن يُغَيّر وتيرة نشاط خلايا دماغه بشكل متعمّد. تغيّرت الرنّات وفقًا لِنشاط خلايا الدّماغ، ومنحه ذلك تغذية رجعيّة عن مدى نجاحه، وأتاح له مواصلة التمرين إلى أن نجح في المهمة. عندما كان المُعالَج قادرًا على تغيير سرعة نشاط الخلايا العصبية في محيط الالكترودات بشكل موثوق، أسمعه الباحثون الحروف الأبجديّة بالتسلسل، واختار المريض الحرف المرغوب عن طريق ضبط وتيرة نشاط الخلايا العصبية، بشكلٍ يدلُّ على إحدى الإجابتين المحتملتين: "نعم" أو "لا". استطاع المُعالَج، بهذه الطريقة، اختيار الحروف وتركيب الجمل وبالتالي، التواصل مع بيئته دون الحاجة إلى تشغيل عضلاته.

הפעילות של תאי עצב שונים, כפי שהיא מוצגת במחשב | Wyss Center
التقطت الالكترودات المغروسة في دماغ المُعالَج نشاط الخلايا العصبيّة المجاورة لها وبثّتها إلى الحاسوب. في الصورة: نشاط خلايا أعصاب مختلفة كما عُرضت على الحاسوب | Wyss Center

 

كانت الرسالة الأولى (والمؤثّرة) التي عبَّر عنها المريض ووجّهها إلى القائمين على رعايته "شكرًا جزيلًا". طلب المريض بعد ذلك تغيير الشّكل الذي رقدَ فيه في سريره، وتذوُّق بعض الأطعمة والاستماع إلى مقطوعة صوتيّة. استطاع المريض أيضًا، بمساعدة واجهة الدّماغ والحاسوب، أن يقول "أحبّ ابني الرائع" وأن يطلب مشاهدة فيلم ديزني "روبن هود" معه. 

لا تتوفّر حتّى يومنا هذا، لمزيد الأسف، طرقٌ لوقف تقدّم أمراض ضمور العضلات (الحثل العضليّ)، التي قد تضع المصابين بها في ظروف صعبة مُحزِنة. مع ذلك، فإنّ التقنيات الجديدة المُصمَّمة خصيصًا لتلبية الاحتياجات الخاصّة لهؤلاء المرضى تتيح لهم التعبير عن أنفسهم، والتواصل مع بيئتهم وأحبائهم. 

كلّنا أمل أن يصبح بالإمكان، مع الزمن، تطوير طرق أحدث وأفضل لتحسين جودة حياة المرضى الذين يعانون من الحثل العضليّ، وأن نتمكّن أيضًا من علاج هذه الأمراض في المستقبل.

فيديو للجامعة يعرض البحث:

 

 

0 تعليقات