هل يمكنُ تجنيدُ البكتيريا لتحويلِ غازِ الدفيئة، ثاني أكسيدِ الكربون، إلى موادَّ مفيدة؟

الأزمةُ المناخيّةُ هي كُبرى التّحدّيات التي تُواجه البشريّةَ في هذا العصر. الطريقُ نحو الحدِّ من احترار الكرةِ الأرضيّة، والانتقالِ إلى حياةٍ مستدامةٍ طويلٌ وصعب، ومن الواضح الآن أنَّ تحسينَ الكفاءةِ في استخدامِ الطّاقةِ والاعتمادَ على مصادرِ الطّاقةِ المُتجدّدةِ ليست كفيلَةً بمفردِها بتحقيقِ الأهدافِ، التي من شأنها أن تحُدَّ من ظاهرةِ احترارِ الكرةِ الأرضيّة. يتوجّب علينا، كي نُحقّقَ هذه الأهداف، التخلُّصُ الفعّال من مليارات الأطنانِ من ثاني أكسيدِ الكربون مباشرةً من الغلافِ الجوّيّ. لكن، ما الذي يمكننا فعلُه بهذه الكمّيّاتِ الهائلةِ من ثاني أكسيدِ الكربون؟ 

عَرضت الدراسة التي نُشرت في المجلّةِ العلميّةِ Nature Synthesis اقتراحًا للاستعانةِ بالبكتيريا، لتحويلِ ثاني أكسيدِ الكربون إلى وقودٍ صديقٍ للبيئةِ وإلى موادَّ مفيدةٍ أخرى.

 

مصانعٌ للتّخلُّص من ثاني أكسيدِ الكربون 

تعملُ مصانعُ ضخمةٌ في جميع أنحاءِ العالم على التقاط ثاني أكسيد الكربون مباشرةً من الهواء، ويجري الآن إنشاءُ المزيدِ منها. يلتقطُ أكبرُ هذه المصانع، الموجودُ في ايسلاندا، حوالي 4000 طن من ثاني أكسيدِ الكربون مباشرةً من الهواء في السّنة. تتعاونُ الشّركةُ السّويسريّةُ النّاشئةُ المسؤولة عن تكنولوجيا التقاطِ الغاز، مع الشركةِ الايسلنديّةِ المسؤولةِ عن تثبيت ثاني أكسيد الكربون، الذي يُلتقط في صخورٍ تحوي معادنَ كربونيّة. وذلك بواسطةِ طاقةٍ خضراءَ مأخوذةٍ من مصادرِ الطّاقةِ الحراريّةِ الأرضيّة، أي الطّاقةِ التي تُنتَجُ بواسطةِ حرارةٍ من الأرض. 

تُلبّي عمليّةُ تثبيتِ ثاني أكسيدِ الكربون في المعادنِ الموجودةِ في الصخور الغايةَ الرئيسةَ المنشودةَ، وهي تقليلُ تركيزِ غازِ الدّفيئةِ في الغلافِ الجوّيّ. إلّا أنّ الصخورَ متوفّرةٌ لدينا بكثرة. أَلا يمكنُنا استخدام ثاني أكسيد الكربون مادّةً خامّ لإنتاجِ منتجاتٍ مفيدة؟ يتوجّبُ علينا اعتبار ملياراتِ الأطنانِ من هذا الغاز، إذا تمّ التقاطها من الجوِّ في العقودِ القادمةِ، موردًا له استخداماتُه.

تُبذلُ الجهودُ في أنحاءِ العالم لتطويرِ تقنية حديثةٍ لِتحويلِ ثاني أكسيدِ الكربونِ إلى وقودٍ، وإلى موادَّ كيميائيّةٍ مفيدةٍ مثلِ الإيثانول أو الأسيتيلين أو البلاستيك، لتقليلِ استخدامِ مُنتجاتِ النّفطِ الخام في إنتاجه. معظمُ الاهتمامِ مُوجّهٌ اليوم نحوَ تطويرِعمليّاتٍ كيميائيّةٍ، تتيحُ تحويلَ الغازِ بشكلٍ ناجعٍ إلى موادَّ مفيدة، إلّا أنَّ البكتيريا بالذات هي التي قد تُحقّقُ هذا الحُلمَ مستقبلًا.

**תמונה של ציאנובקטריה** החיידקים הכחוליים (ציאנובקטריה), יודעים להשתמש באנרגיית אור השמש כדי לקבע פחמן דו-חמצני. | צילום: MAREK MIS / SCIENCE PHOTO LIBRARY
تَستخدِمُ البكتيريا الزرقاء (Cyanobacteria) الطاقةَ الشّمسيّةِ لتثبيت ثاني أكسيدِ الكربون. | تصوير: MAREK MIS / SCIENCE PHOTO LIBRARY

خطُّ الإنتاجِ البيوكيميائيّ داخلَ أنبوبةِ اختبارٍ تحوي البكتيريا 

تستخدمُ بعضُ أنواعِ البكتيريا، مثل مجموعة البكتيريا الزّرقاء (Cyanobacteria) - الأكثر شهرةً في هذا الشّأن - طاقةَ الشّمس لتثبيتِ ثاني أكسيدِ الكربون، وتحويلِه إلى سُكَّريّات من خلال عمليّة التمثيلِ الضَّوْئيّ. كيف يمكن إذًا استخدامُ قدرةِ البكتيريا على تثبيتِ ثاني أكسيدِ الكربون للحدِّ من احترارِ الكرةِ الأرضيّة؟ اقترحَ باحثون من المختبر الوطنيّ الأمريكيّ للطّاقةِ المتجدّدة (NREL) استخدامَ صيغةٍ مُحَسّنةٍ من التخمُّرِ البكتيري، لتحويلِ ثاني أكسيدِ الكربون إلى موادَّ خام تتيحُ إنتاج وقودٍ صديقٍ للبيئة. أحدُ أنواعِ التخمُّرِ البكتيري هو تحليلُ السُّكّريّاتِ المختلفةِ إلى ثاني أكسيدِ الكربون والكحول (الغَوْل). أمّا في هذه الحالةِ فإنّ التخمُّرَ البكتيريّ هو من نوعٍ آخر، حيث تربِطُ البكتيريا فيه ثاني أكسيدِ الكربون بجزيءٍ آخر موجودٍ في الخليّةِ، وينتجُ منهما جزيءٌ مفيدٌ غنيٌّ بالطّاقةِ اسمه استيل مرافق الإنزيم A. 

هناك إشكاليةٌ في هذه العمليةَ الطّبيعيّةَ؛ فهي لا تُناسبُ تثبيتَ ثاني أكسيدِ الكربون بمقاييسَ صناعيّةٍ بسبب التكاليفِ الباهظةِ والفائدةِ الآليّةِ المُنخفضةِ نسبيًّا. استعانَ الباحثون، لهذا السبب، بنموذجٍ مُحَوسَبٍ مُتقّنٍ لتطويرِعمليّةٍ جديدةٍ للغايةِ لتثبيتِ ثاني أكسيدِ الكربون في البكتيريا. جعلَ الباحثون، عن طريقِ مجموعةٍ من التلاعبات الجينيّةِ، البكتيريا تقومُ بعمليّةٍ أخرى تعتمدُ على عمليّتَيْ إنتاجٍ دائريَّتَيْن جديدتَيْن. قدَّرَ الباحثون أنّ الدّمجَ بين البكتيريا المُهندسةِ جينيًّا والبكتيريا العاديّةِ مُثبِّتةَ الكربون، قادرٌ على تحسينِ السُّرعةِ والفائدةِ الآلية لعمليّةِ تحويلِ ثاني أكسيد الكربون تحسينًا كبيرًا، ويتيحُ تطبيقِها بمقاييسَ صناعيّةٍ في المستقبل. 

حقًّا، هناك فارقٌ كبيرٌ بين هذا التطويرِ والواقع الّذي نرجو أن يتمّ فيه التقاطُ كمّيّاتٍ هائلةٍ من ثاني أكسيدِ الكربون، والاستعانة بالبكتيريا لتحويلِ الغازِ إلى وقودٍ أو إلى موادَّ كيميائيّةٍ مُفيدة. إلّا أنَّ النتائجَ الأوّليّةَ واعدةٌ، ويُحَتِّمُ الواقعُ المناخيّ علينا التفكيرَ خارجَ الصندوقِ، واختبار كلِّ تقنية تكمنُ فيها الفائدة لهذا المجال.

تمّت الترجمة بتصرّف

 

0 تعليقات