التّشخيص المُبكّر لسُكّري الحمل قد يحدّ من التّعقيدات الّتي قد تعرّض سلامة الأمّ وجنينها للخطر. بحثٌ جديدٌ يطرح طريقة تشخيص ناجعة تعتمد على الكائنات الحيّة الدّقيقة في الجهاز الهضميّ

يكشف لنا بحثٌ جديد أنّ البكتيريا الّتي تعيش في أمعاء النّساء قد تشير إلى تطوّر سُكّري الحمل في الثّلث الأوّل من حملهنّ. يدور الحديث حول تشخيص مبكّر جدًّا مقارنةً بالأدوات الّتي نملكها حتّى الآن، وقد يمكِّن هذا التّشخيص إيجاد علاج سريع يحدّ من الضّرر الإضافيّ في سلامة الأمّ وجنينها.

سكّري الحمل حالة يستعصي على النّساء الحوامِل فيها امتصاص السّكّر في الأنسجة، لذلك فإنّ مستوى السّكّر في الدّم يزداد ويحيد عن توازنه. يجدر بالذّكر أنّ انتشار المرض في العالم آخذ بالازدياد مع السّنين، إثر الارتفاع في عدد المُصابين بالسّمنة الزّائدة وميل النّساء إلى الحمل في جيل متقدّم، إلى جانب أسباب أخرى. حتّى يومنا هذا، شُخّصت 10% مِن النّساء الحوامل من جميع أنحاء العالم كمُصابات بسُكّري الحمل.

قد لا تكون أيّة أعراض لسكّري الحمل في غالب الحالات، لكنّه مرض يعرّض الأمّ وجنينها للخطر على حدّ سواء. قد يتعلّق الأمر لدى الأمّ بتعقيداتٍ في الحمل كتسمّم الحمل، سكّري من النّوع 2 وأمراض القلب والأوعية الدّمويّة. أمّا الجنين فقد يعاني من انخفاض في مستوى السّكّر في الدّمّ (نقص السّكّر في الدّمّ- hypoglycemia) وعملقة الجنين (Macrosomia)- ولادة أطفال بأوزان كبيرة. كما أنّ هذا المرض يرفع من احتمال تعقيدات الولادة. للمدى البعيد، قد يعاني الأطفال لأمّهات عانين من سكّري الحمل مِن سمنة زائدة مستقبلًا، من مرض السُّكّريّ 2 وأمراض القلب والأوعية الدّمويّة.

مع اقتراب انتهاء الثّلث الثّاني من الحمل، أو بعد ذلك بقليل (في الأسابيع 24-28)، من الشّائع أن تقوم النّساء الحوامل بفحص السّكّر الحمليّ لتشخيص مرض السّكّريّ. كلّما شُخّص المرض في مرحلة أبكر، كان من السّهل الحدّ من التّعقيدات  المستقبليّة بأدوات بسيطة إلى حدّ ما، كتبنّي عادات تغذية صحّيّة والحفاظ على نشاط رياضيّ، وفي أصعب الحالات، تناول جرعات من الأنسولين، ومراقبة مشدّدة للأمّ والجنين خلال الولادة إذا لزم الأمر، للحدّ من أيّ مضاعفات.


هناك علاقة بين تكوين البكتيريا في الأمعاء وظاهرة سكّري الحمل. رسمٌ توضيحيّ للزّغابات المعويّة على سطح الجدار المعويّ الدّاخليّ | Troyan, Shutterstock

البكتيريا الّتي تسهم  في التّشخيص المبكّر 

خَلُصَ بحث علميّ لطاقم من الباحثين العالميّين بقيادة عمري كورن مِن كُلّيّة الطّبّ في جامعة بار إيلان، والّذي نُشر في مجلة Gut، إلى طريقة التّنبّؤ  بمرض سكّري الحمل في الثّلث الأوّل من الحمل، أي شهريْن قبل التّشخيص المُتّبع عادةً. لاحظ الباحثون أنّه في الثّلث الأوّل من الحمل هُناك، فعلًا، فروقات جوهريّة في البكتيريا، الّتي تعيش في الجهاز الهضميّ لدى النّساء المتعافيات بخلاف النّساء اللّاتي سوف يعانين من السّكّريّ في حملهنّ. تسمّى البكتيريا الموجودة في الأمعاء إلى جانب كائنات حيّة دقيقة أُخرى في الجسم بالميكروبيوم. كما تُظهِر النّساء المصابات بسكّري الحمل أعراض التهابٍ ، وقد يعانين من النّقص في المستقلبات (Metabolite) المفيدة - جزيئات ناتجة عن تفكيك الموادّ الغذائيّة وذات أهمّيّة لتوازن الطّاقة في الجسم.

اِشتركت في البحث 394 امرأةً حاملًا تتراوح أعمارهنّ بين 18-40، واللّاتي تلقّين الرّعاية في مراكز الصّحّة النّسائيّة التّابعة للخدمات الطّبّيّة في كلاليت في السّنوات 2016-2017. أُخذت منهنّ عيّنات من البراز والدّم في الثّلث الأوّل من حملهنّ. بعدها، شُخّصت 11% من هذه النّساء بأنّهن يعانين من سكّري الحمل عقب إجرائهنّ فحص السّكّر الحمليّ في الثّلث الثّاني من حملهنّ كما هو شائع. أمّا باقي النّساء، واللّاتي كُنَّ متعافيات من المرض، فاستُخدمن كمجموعة ضابطة.

اِستخدم الباحثون العيّنات الّتي أخذوها من النّساء الحوامل لتمييز مجموعات البكتيريا المعويّة لديهنّ، وتركيبة المستقلبات، الهرمونات والبروتينات الالتهابيّة في جرعات الدّم. وثّق الباحثون، أيضًا، نظامهنّ الغذائيّ وأنماطهنّ الحياتيّة كالتّدخين، وتاريخهنّ المرضيّ. 

خلُص تحليل المُعطيات إلى أنّ النّساء اللّاتي أُصبن لاحقًا بسُكّري الحمل، تميَّزن بأعلى مستويات مِن البروتينات الالتهابيّة في الدّم، وبأقلّها مِن سلاسل الأحماض الدّهنيّة القصيرة (Short-chain fatty acid) الّتي تُسهم في تنظيم مستويات السّكّر في الدّم، مقارنةً بالنّساء اللّاتي لم يصبن بالمرض.

كما وجدوا أنّ مجموعات البكتيريا المعويّة تختلف في المجموعتين بشكل جوهريّ. تشير هذه البكتيريا إلى علامات بيولوجيّة قد تحذّر مِن خطر الإصابة بالمرض في الحمل. يعتقد الباحثون أنّ هذا الاختلاف يرتبط بتطوّر سيرورة التهابٍ ما ومقاومة الأنسولين في مرحلة مبكّرة من الحمل، في عشرة أسابيع قبل موعد التّشخيص المُعتمَد والشّائع.

وفقًا لهذه المعطيات، استعان الباحثون بالذّكاء الاصطناعيّ لبناء نموذج يتنبّأ بشكل دقيق جدًّا بالنّساء اللّاتي سوف تُصاب بسكّري الحمل. لإلغاء أيّ تحيّزات ثقافيّة وجغرافيّة، اختبروا قدرة النّموذج على التّنبُّؤ على نساءٍ حوامل في الصّين. على الرّغم من الفروقات في أنماط الحياة والوراثة لدى هذه النّساء، وجدوا أنّ مجموعة البكتيريا المعويّة قادرة على التّنبُّؤ بسكّري الحمل في مرحلة مبكّرة لدى النّساء الصّينيّات أيضًا.

في الخِتام، ولفحص ما إذا كانت هذه البكتيريا المعويّة ترتبط بشكلٍ مباشر أو غير مباشر بالإصابة بمرض السّكّريّ، طهّر الباحثون أمعاء الفئران من البكتيريا، ثمّ زرعوا فيها  عيّنات من البراز التي استخلصت من نساء في بداية حملهنّ وأُصبن لاحقًا بسكّريّ الحمليّ. أظهرت الفئران علامات سكّري الحمل، ممّا يشير إلى أنّ هذه البكتيريا تساهم في الإصابة بالمرض. مع ذلك، لا يمكننا إلغاء فكرة أن  يكون سبب التّغيير في تركيبة مجموعة البكتيريا هو من انتشار المرض وليس مسبّبًا له. كما قد يظهر المرض لدى الفئران بسبب عوامل أخرى موجودة في البراز، كالمستقلبات، أو كائنات حيّة  أحاديّة الخلايا أو فيروسات.

على أيّة حال، يبدو أنّ العلاقة القويّة بين تركيبة مجموعة البكتيريا وظاهرة المرض يمكنها أن تسهم في التّشخيص المبكّر لمرض السّكّري الحمليّ أو التّنبّؤ به. وهكذا يمكن بدء العلاج للأمّ في مرحلة مبكّرة من حملها، والتّوفير عليها وعلى جنينها عبء المواجهة الصّعبة لأضرار المرض.

 

0 تعليقات