طوّرَ باحثون من تكساس، بالاستعانة بالذّكاء الصناعيّ، إنزيمًا قادرًا على تقليل الوقت الّذي يتحلّل فيه أحد البوليمرات الصناعيّة الشّائعة من عائلة البوليستر من عدّة سنوات إلى بضع ساعات

يُشكّلُ البلاستيك إحدى الموادّ الأكثر تلويثًا من بين الموادّ الموجودة في العصر الحاضر. منتجات الموادّ البلاستيكيّة موجودةٌ في كلِّ مكان: في عُبوّات تغليف الموادّ الغذائيّة وأدوات المطبخ والملابس وغيرها. تتحلّل هذه الموادّ ببطء شديد ويُشكّلُ ذلك مُشكلةً كبيرة. الطريقة المُتّبعة اليوم لمعالجة نفايات منتجات وعبوات الموادّ البلاستيكيّة هي دفنُها في الأرض، وتحتاج هذه النفايات عشرات السنين كي تتفكّك و تتحلّل. 

تشير التقييمات الحديثة إلى أنّ البشريّة أنتجت حوالي عشرة مليارات طنّ من البلاستيك منذ سنة 1900م، تُرِكَ 12-18 بالمئة منها في المجال العام دون أيّة محاولةٍ لعلاجها بالدفن في الأرض أو الحرق أو التّدوير. تُكلّفُ الطرق المتوفّرة لتدوير البلاستيك مبالغ طائلة كما أنّها تستهلك كميّاتٍ كبيرة من الطاقة وتتيح تدوير جزء بسيط من النفايات. يتحلّل البلاستيك المتروك دون علاجٍ إلى جسيمات صغيرة (مايكرو بلاستيك) تُلوّث مياه البحار والهواء الّذي نتنفّسه وقد تنجم عنها آثارٌ بيئيّة وصحيّة خطيرة. 

قد تُسهم التكنولوجيا الفريدة من نوعها، الّتي طوّرتها مجموعةٌ من الباحثين من جامعة تكساس في أوستن مؤخّرًا، في التغيير المرجوّ. فقد أفادَ الباحثون، في مقالٍ نُشرَ في مجلة Nature، أنّهم نجحوا، عن طريق الدّمج بين الهندسة الجينيّة والذّكاء الصناعيّ، في تطوير إنزيم قادرٍ على تقليل المدّة الزمنيّة الّتي يتفكّك خلالها البلاستيك ويتحلّل من عشرات السنين إلى بضع ساعات.

כדוריות מפלסטיק ממוחזר | Sergey Ryzhov, Shutterstock
الطرق المتوفرة لتدوير البلاستيك مُكلفةٌ جدًّا وتستهلك كميّات كبيرة من الطّاقة وتتيح معالجة أقلّ من عشرة بالمئة من إجمالي النفايات البلاستيكيّة. في الصورة: كريات من البلاستيك المُدوَّر | Sergey Ryzhov, Shutterstock

 

العُمّال البيولوجيّون

للبروتينات وظائفُ كثيرة في العمليّات البيولوجيّة. والإنزيمات عبارة عن بروتينات متخصّصة في تحفيز التفاعلات الكيميائيّة، وتُستخدم اليوم في مجالات صناعيّة. تضيف شركاتُ إنتاج موادّ التنظيف، على سبيل المثال، الإنزيمات الّتي تختصّ في تحليل الدّهون إلى مساحيق وسوائل الغسيل وصابون أدوات المطبخ وذلك لتحسين فاعليّتها. 

غالبيّة البلاستيك على أنواعه عبارة عن بوليمرات- وهي موادّ مُكوّنةٌ من سلاسل طويلة مبنيّةٍ من لَبِناتِ بناءٍ متطابقةٍ كثيرةٍ مترابطةٍ فيما بينها. يُستخدم البوليمر الصناعيّ الشائع من عائلة البوليستر بولي إثيلين تيريفثالات (PET)، من ضمن استخدامات أخرى، في تصنيع قناني المشروبات الخفيفة والكؤوس أحاديّة الاستعمال. يُشكّلُ هذا المُكوِّنُ حوالي ثُمْن إجمالي النفايات الصلبة الّتي تُنتَج على نطاق عالميّ. 

كان هدف الباحثين تطوير إنزيم صناعيّ قادرٍعلى تعجيل عمليّة تحلُّل الـ (PET) إلى مُكوِّناته الأصليّة بصورة ملحوظة بحيث يتمُّ التحلُّل في درجة حرارة منخفضة نسبيًّا وبسرعة عالية وبتكاليف زهيدة. اعتمد الباحثون لهذا الغرض على إنزيم معروف ومتوفر قادرٍ على تحليل البلاستيك. إلّا أنّ هذا الإنزيم يعمل ببطءٍ ويحتاج إلى وقتٍ طويلٍ ليقوم بوظيفته. النُّسخ المُحسّنة من هذا الإنزيم، القادرة على تفكيك البلاستيك خلال ساعات، لا تصل إلى مستوًى عالٍ من الفاعليّة إلا عند درجة حرارة أعلى من 70 درجة مئويّة، بعد أن تكون المنتجات البلاستيكيّة المُراد تحليلها قد خضعت مسبقًا لمعالجة أوليّة.

 

توظيف الذّكاء الصناعيّ لتخطيط البروتينات الصناعيّة

المبنى الفراغيّ للبروتين، بما في ذلك الإنزيمات، هو أحد العوامل الرئيسة الّتي تُحدّدُ كيفيّة عمله.

تتكوّن البروتينات من سلاسل من الأحماض الأمينيّة المرتبطة فيما بينها بما يشبه خرزاتِ السلسلة. لكلّ بروتين تتابعٌ أو تسلسلٌ معيّن خاصّ من الخرزات، تنتظم عادةً في مبنى ثلاثيّ الأبعاد مُميّز لكلّ بروتين. ما زالت إمكانيّة تنبُّؤ كيفيّة تأثير تغيير الأحماض الأمينيّة الّتي يتكوّن منها البروتين في مبناه، ومنها في نشاطه، صعبةً جدًّا، ذلك على الرّغم من النجاحات المهمّة الّتي حصلت في مجال القدرة على تنبُّؤ المبنى الفراغيّ للبروتين بالاعتماد على معرفة تتابع الأحماض الأمينيّة الّتي يتكوّن منها وبالاستعانة بالذّكاء الصناعيّ. 

استعان الباحثون بالذّكاء الصناعيّ الّذي كانوا قد طوّروه في السابق والقادرعلى تنبُّؤ كيفيّة تأثير تغيير حمض أمينيّ معيّن موجود في البروتين، في مبناه ونشاطه، وذلك من أجل برمجة إنزيم مُحَسَّن. أتاح الباحثون، بالاستعانة بهذه الأداة، للحاسوب أن يفحص جميع التغيّرات الممكنة في الأحماض الأمينيّة الّتي يتكوّن منها الإنزيم. أجرى الباحثون بعد ذلك تجارب لِفحص نجاعة 159 نسخة من الإنزيم، كلّ نسخةٍ والتغيرات الخاصّة بها، في تفكيك البلاستيك وتحليله. كانت النسخة الأكثر نجاحًا هي تلك الّتي شملت تغيير خمسة أحماضٍ أمينيّة مقارنةً بالإنزيم الأصليّ. أظهرت هذه النُسخة زيادةً تُعادلُ حوالي 30 ضعفًا في كميّة لبِنات بناء البلاستيك الّتي انطلقت مع مرور الوقت عند درجة حرارة خمسين درجة مئويّة.

 

يوثّق الفيديو التالي عمليّة تفكيك الـ (PET) على مدار 48 ساعة (باللغة الانجليزيّة)

 

أنواع كثيرةٌ من البلاستيك 

توجد أنواع كثيرة جدًّا من البلاستيك، كما أنّ البلاستيك المُكوّن من مادّةٍ ما، والّذي يُعالَجُ بطرق مختلفة، يكتسب صفاتٍ مختلفة حسب طريقة معالجته. لذلك فحص الباحثون كيف يُحلّلُ الإنزيم الجديد الـ (PET) المأخوذ من أكثر من خمسين مُنتجًا مختلفًا، بما فيه بضعة أنواع من القناني والعبوّات البلاستيكيّة والملابس الّتي تحوي البوليستر. أبدى الإنزيم الجديد في جميع الحالات نشاطًا وفاعليّةً أعلى بكثير من جميع البدائل الأخرى المتوفرة اليوم حيث استطاع أن يُحلّل خلال أسبوع واحدٍ المنتجاتِ الّتي يستغرق تحلّلها في الطّبيعة سنين كثيرة. 

فحص الباحثون أيضًا، لتوضيح مدى فعاليّة طريقتهم في إعادة تدوير البلاستيك، وتبيّن من فحصهم أنّه يمكن إعادة استخدام نواتج تحليل البلاستيك بمساعدة الانزيم المُحَسَّن لإنتاج البلاستيك من جديد بنسبة فائدة عالية تبلغ 95% وبدرجة نقاوة تصل إلى 97%. 

يرى الباحثون أنّ توسيع استخدام طريقتهم إلى المقاييس الصناعيّة في متناول اليد، ذلك على الرّغم من أنّ فعاليّة الإنزيم المُحسّن فُحصَت بمقاييس صغيرة في المختبر. يقول البيوكيميائيّ أندرو إلينغتون (Ellington)، أحد رُوّاد الدّراسة: "تُجسّدُ هذه الحقيقة القوّة الكامنة في التعاون بين المجالات المختلفة- من البيولوجيا التّخليقيّة، مرورًا بالهندسة الكيميائيّة ووصولًا إلى الذّكاء الصناعيّ". 

0 تعليقات