طوّرت الغوريلّا في حديقة الحيوانات صوتًا خاصًّا لجذب انتباه البشر. دراسة جديدة تُبيّن أنّ التنوّع الصوتيّ للشمبانزي في البريّة هو أكبر ممّا كنّا نظنّ

لاحظت روبرتا سالمي (Salmi) من جامعة جورجيا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة أصواتًا غريبة تصدرها الغوريلّا، عندما كانت تراقب سلوكها في حديقة الحيوانات في أتلانتا. لقد عرفت جيّدًا أصوات الأنين وَالهمهمات- الّتي تُصدرها الغوريلّا في كلّ مكان. ولكن كان هناك أيضًا صوتٌ آخر، ما بين السّعال والعطس، إذ أطلق عليه الباحثون اسم "عُطاسُعال" (Snough). تفتح الغوريلّا فمها بشكل كبيرٍ جدًّا وغير اعتياديّ- "وكأنّها مسرحيّة" حسب تعبير سالمي لموقع Science News.

من أين جاء هذا الصّوت، وما هو هدفه؟ في دراسة جديدة، أجرت سالمي وزملاؤها تجارب أظهرت أنّ القردة الكبرى تُخرج صوت "عُطاسُعال" عند محاولتها جذب انتباه البشر، وخاصّة العاملين في حديقة الحيوانات. يُظهر البحث، على عكس ما كنّا نعتقده سابقًا، أنّ هذه الحيوانات قادرة على ابتكار أصواتٍ جديدة ليست من ضمن مخزونها الفطريّ، وحتّى أنّها تتعلّمها من بعضها. 

סוקארי הגורילה בגן החיות של אטלנטה | מקור:  Zoo Atlanta, CC-BY 4.0
لاحظ الباحثون أنّ الغوريلّا تصدر صوتًا جديدًا وغير مألوف، بين السّعال والعطس. الغوريلّا سوكاري في حديقة الحيوانات في أتلانتا | المصدر: Zoo Atlanta, CC-BY 4.0 

 

أصوات خارج الصّندوق

كان هناك إجماعٌ في المجتمع العلميّ على مدى فترةٍ من الزمن على أنّ القِردة الكبرى، مثل معظم الحيوانات، تأتي إلى العالم مع أدمغةٍ مبرمجة لإصدار عددٍ محدود من الأصوات وفهمها. على عكس بني البشر، الّذين يتعيّن عليهم تعلّم الكلام، تُصدر القطط، أو الخيول أو البوم أنينها، وصهيلها وأصواتها بشكل طبيعيّ، حتّى لو أنّها كبرت دون سماع أيّ أحدٍ من جنسها. ولهذا السّبب فإنّ صوت نباح الكلب وخنخنة الخنزير الغينيّ يبدو متشابهًا في جميع أنحاء العالم: إذ لا توجد لغة محليّة يعلّمها الآباء لصغارهم. 

ومع ذلك، تُظهر العديد من الدّراسات في السّنوات الأخيرة أنّ الأصوات الّتي تُصدرها الحيوانات ليست ثابتةً تمامًا، وتخضع إلى حدّ ما إلى تأثير البيئة. وهذا الشيء صحيح بشكل خاصّ عند القردة والقِردة الكبرى. تُصدر الأورانجوتان والشمبانزي الّتي تعيش في حدائق الحيوانات، أصواتًا خاصّة لا تُصدرها في البريّة: تصفر الأورانجوتان، ويهزّ الشمبانزي شفاهَهُ عندما يمرّ بينهما الهواء. في كلتا الحالتين، فإنّ الفرضيّة هي أنّ هذه الأصوات إنّما هي لجذب انتباه البشر. نُشرت دراسة مؤخّرًا والّتي أظهرت أنّ التنوّع الصوتيّ للشمبانزي في البريّة هو أكبر ممّا كنّا نظنّ.

في الدّراسة الجديدة، فحصت سالمي وزملاؤها الأصوات الّتي أصدرها ثمانية من قِردة الغوريلّا، ستّ  إناث وذكران، في حديقة الحيوانات في أتلانتا. سجّل الباحثون أصواتَها عندما كانت بمفردها أو بوجود غوريلّا أخرى في ثلاث حالات مختلفة: عندما تواجد أحد عمّال حديقة الحيوانات بجانب الحظيرة، وعندما تواجد بقربه دلو من العنب الّذي تحبّه الغوريلّا كثيرًا، وعندما وقف العامل بجانب الحظيرة مع دلو العنب. 

أصدرت نصف الغوريلّات الّتي تمّ اختبارها صوتَ عُطاسُعال، وكانت جميعها من الإناث. كانت ثلاث منها قريباتٍ من بعضهنّ: شقيقتان وابنة إحداهنّ. يعتقد الباحثون أنهنّ تعلّمن الصّوت من بعضهنّ. كشفت المقارنة بين الحالات المختلفة، أنّ الغوريلّا أصدرت غالبًا صوت العُطاسُعال عندما تواجد كلٌّ  من العامل والعنب معًا بجانب الحظيرة. حتّى أنّها أتبعت ذلك طرقًا أخرى لجذب الانتباه، مثل التّصفيق براحة اليدين، أو التّطبيل على الصدر، أو الضّرب على السّياج بواسطة اليد. لكن عندما تواجد العنب أو العامل فقط بالقرب منها، بقيت الغوريلّا هادئة. من هنا استنتج الباحثون أنّ هدف الصّوت الجديد هو بالفعل استدعاء عمّال حديقة الحيوانات، وفي هذه الحالة إقناعهم بإعطائهم بعض العنب اللّذيذ الّذي بحوزتهم. 

 

مقطع فيديو للغوريلّا سوكاري وهي تصدر صوت العُطاسُعال | المصدر: Salmi et al., 2022, PLOS ONE, CC-BY 4.0

صوت العُطاسُعال في أنحاء أمريكا

كانت الخطوة التّالية للباحثين هي التّواصل مع العاملين في 19 حديقة حيوانات في الولايات المتّحدة وكندا، والّتي تعيش فيها 118 غوريلّا، وسؤالهم إذا سمعوا صوت العُطاسُعال، أو أصواتًا أخرى غريبة تُصدرها هذه القِردة الكبرى. تبيّن أنّه في 17 حديقة من حدائق هذه الحيوانات أنّ الغوريلّا تصدر أصواتًا خاصّة عندما تحاول جذب انتباه العمّال، وأنّ في 11 حديقة، توجد غوريلّا واحدة على الأقلّ، تُصدر صوتًا قريبًا جدًّا من صوت عُطاسُعال الغوريلّا في جورجيا. 

كيف ظهر هذا الصّوت في العديد من الأماكن؟ لا تستطيع جميع الغوريلّات تعلّمه من بعضها؛ لأنّ العديد منها لم يلتقِ أبدًا في السّابق. تدّعي فرضيّة سالمي أنّ القِردة الكبرى تعلّمت لأيّ من الأصوات يستجيب العاملون في حديقة الحيوانات بشكلٍ أسرع، وعلى حدّ قولها: "إنّ السّعال والعطاس علاماتٌ على وجود حالة نزلة البرد، وأنّ المعالجين يولون اهتمامًا خاصًّا لمثل هذه العلامات". تُظهرهذه النّتائج، مجدّداً، أنّ القِردة الكبرى قادرة على إبداع سلوكيّات جديدة، والتّكيّف مع الظّروف المختلفة. حتّى أنّه تبيّن أنّ مخزونها الصوتيّ مرِنٌ، والّذي اعتقدنا سابقًا أنّه ليس لديها القدرة على تغييره.

 

تمّت الترجمة بتصرّف

0 تعليقات