تشير إحدى الدّراسات إلى أنّ الأفاعي تحبُّ الاجتماعيّات وأنّها تكوّن علاقات مع أفراد آخرين وتفضّل قضاء الأوقات معها
كيف تبدو الحياة الاجتماعيّة للأفاعي؟
يتراءى لنا، عادةً، أنّ الزّواحف، وخاصّة الأفاعي، تفضّل قضاء حياتها وحيدة بمعزل عن المخلوقات الأخرى، وربّما تنقصها القدرة العقليّة اللّازمة للعيش ضمن مجموعة- القدرة على تذكّر الآخرين وتمييزهم، ومعرفة مَن الصّديق ومَن الغريب. لكن، في السّنوات الأخيرة كثرت الدّراسات الّتي تُظهر وجود أفاعٍ تحبّ العيش ضمن مجموعات. أظهرت دراسة جديدة، قام بها باحثون كنديّون، أنّ أفاعي الرّباط (الغرطر) تفضّل قضاء وقتها معًا، وأنّها تكوّن علاقات صداقة مع أفاعٍ أخرى، منها ما هو صدوقٌ ودودٌ بدرجات متفاوتة.
من الطّبيعيّ أن تجتمع الأفاعي مع بعضها بدافع التّكاثر، وتتجمّع بعض أصنافها معًا بأعداد كبيرة خلال فترة السّبات الشّتويّ. لسنواتٍ خلت، لم يكن واضحًا فيما إذا كانت هذه الأفاعي تكوّن علاقات اجتماعيّة مع أفراد معيّنين، أو تنجذب لأفاعٍ من الصّنف نفسه دون التّفريق بينها أو التّعرّف إليها. تتوفّر دلائل، اليوم، على صحّة الإمكانيّة الأولى في بعض الحالات على الأقلّ، فقد أظهرت دراسة عام 2012 أنّ أفاعي الحِربش (Crotalus horridus) تعرف أفراد عائلتها، واتّضح في دراسة أخرى أنّ أفاعي بايثون الصّخور الأفريقيّة (Python natalensis) تعتني بصغارها، واتّضح سنة 2017 أنّ أفاعي البواء الكوبيّة (Chilabothrus angulifer) تتعاون فيما بينها وقت الصّيد.
خَمّنوا مَن انضمّ للمجموعة!
فحص الباحثون، في دراسة جديدة، العلاقات الّتي تقيمها أفاعي الرّباط (Thamnophis sirtalis) الّتي لا ترتبط مع بعضها بصلات عائليّة. أدخلوا 40 أفعى صغيرة إلى أقفاص، 10 أفاعٍ في كلّ قفص، ووضعوا علامات ملوّنة على رأس كلّ منها بهدف تشخيصها. تقضي الأفاعي معظم وقتها في الطّبيعة في الجحور وبين الصّخور، ولذلك تمّ إنشاء أربعة مخابئ مناسبة في كلّ قفص.
تبيّن أنّ الأفاعي تفضّل مقاسمة المخابئ مع عدد كبير من الأفاعي الأخرى. عندما تواجدت أفعى معيّنة مع مجموعة أخرى من الأفاعي في مخبأ معيّن، فضّلت أن تبقى هناك وقتًا طويلًا دون أن تخرج أو تنتقل لمخبأ آخر. ولوحظ أنّ الأفاعي بقيت خارج المخابئ عندما كان أحد أصدقائها أو عدد منها يدور (يتجوّل) خارج المخبأ بمجموعات. وثّق الباحثون قيام الأفاعي بإخراج رأسها من مخابئها لتفحص ما يحدث خارجًا: اِزداد احتمال خروجها من المخابئ عندما لاحظت وجود أفعى أو اثنتين خارج المخبأ.
يخمّن الباحثون أنّ الأفاعي الصّغيرة تتجمّع معًا لحماية نفسها من الحيوانات المفترسة. لن يجرؤ حيوان مفترس، اعتاد على مهاجمة أفعى منفردة، على الاقتراب من مجموعة أفاعٍ كبيرة مجتمعةً، وإذا فعل ذلك زاد احتمال تملّص (نجاة) كلّ أفعى. يمكن تفسير خروج الأفاعي بمجموعات من المخابئ بطريقة مشابهة: عندما تلاحظ إحدى الأفاعي أنّ أفعى أخرى تركت مخبأها وأخذت تتجوّل في الخارج دون أن يهاجمها أحد، قد تستنتج أنّ المنطقة آمنة نسبيًّا، فتخرج هي الأخرى من المخبأ.
تبقى معًا عند استيقاظها أيضًا. استفاقة أفاعي الرّباط من سبات الشّتاء في كندا| تصوير: HUW CORDEY / NATURE PICTURE LIBRARY / SCIENCE PHOTO LIBRARY
مَنْ أبعدَ أصدقائي عنّي؟
على الرّغم من ذلك، لم يعتمد سلوك الأفاعي على مبدأ: "أفعل كما يفعل الآخرون". قد يكون الاستنتاج الأكثر إثارة من هذه الدّراسة، هو أنّ اختيار الأفاعي لمَن تقضي وقتها معها ليس اختيارًا عفويًّا. قام الباحثون "بخلط" الأفاعي مرّتين في اليوم- نقلوا قسمًا منها لمخابئ أخرى فغيّروا، بهذه الطّريقة، مبنى المجموعات الّتي تكوّنت سابقًا. ولكن، عادت المجموعات ذاتها وتكوّنت من جديد وبسرعة. لكلّ أفعى "أصدقاء" وأشياء تفضّل أن تمكث معها، وقد عادت وعثرت عليها بعد ما قام به الباحثون من تشويش وبلبلة. يقول مورجان سكينر (Skinner) رئيس طاقم الباحثين لموقع Science: "تشبه البنية الاجتماعيّة لمجموعة الأفاعي الصّغيرة، في بعض مفاهيمها وبشكل مفاجئ، البنية الاجتماعيّة لدى الثدييّات، ومن ضمنها الإنسان".
لا تساعدنا نتائج أبحاث سكينر وزملائه على فهم أكثر لتصرّفات الأفاعي فقط، وتغيير مفاهيمنا السّابقة تجاهها بأنّها مخلوقات تفضّل العزلة وتمتنع عن الاجتماعيّات، إنّما قد تكون لها إسقاطات (تداعيات) عمليّة في مجال الحفاظ على الزّواحف عديمة الأرجل. ضمن مساعي الحفاظ عليها، تُنقل الأفاعي، أحيانًا، من مكان لآخر لإجلائها عن أماكن تُقام فيها عمليّات بناء، أو ضمن محاولة لاستعادة تشكيل مجموعة من أفاعٍ في مكان ما كانت قد اندثرت منه. في كثير من الحالات، لا تبقى الأفاعي المنقولة في مكانها، بل تنتقل لأماكن أخرى وبذلك تعرّض حياتها للخطر، وقد تدخل أماكن مأهولة. يقول الباحثون: "بعد أن تيقّنّا أنّ الأفاعي تحبّ الاجتماعيّات، يمكن نقلها بمجموعات، أو نثر رائحة الأفاعي في المنطقة المختارة علَّ ذلك يُبقيها فيها.
فيديو قصير من جامعة ويلفريد لورييه حول الدّراسة:
التدقيق والتحرير اللغوي: د. عصام عساقلة
الإشراف والتدقيق العلمي: رقيّة صبّاح أبو دعابس