126 عامًا على وفاة ألفرد نوبل مخترع الديناميت ومؤسّس الصندوق الذي يمنح أهمّ جائزة في العالم
"سيتمّ توزيع جميع الممتلكات التي تبقّت في حوزتي على النحو التالي: سيتمّ استثمار الثروة من قبل منفِّذي وصيّتي، سيتمّ إنشاء صندوق يمنح كل عامّ خمس جوائز لمن حقّق أعظم الإنجازات لصالح البشرية خلال تلك السنة". التوقيع: ألفرد برنارد نوبل"، 27 تشرين الثاني، 1895
هذا هو الجزء الأخير والأهمّ من الوصيّة التي كتبها ألفرد نوبل، قبل عام من وفاته. بدأت قصّته في 21 تشرين الأوّل عام 1833، عندما ولد في ستوكهولم بالسويد للأبويْن، عمانوئيل وكارولينا أندريت. كان ألفرد ابنهما الثالث وواحدًا من ثمانية أطفال.
عمل أباه عمانوئيل مهندسًا وبنى جسورًا ومباني عديدة، لكنه فشل في مهنته، وبعد إعلان إفلاسه قرّر الهجرة بمفرده إلى مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا. هناك انطلق في حياة مهنيّة جديدة، وبدأ في تصنيع معدات عسكريّة للقيصر. من ضمنها، أنتج ألغامًا بحريّة لحماية ميناء المدينة، وهي خطوة اتّضح لاحقًا أنّها كانت ناجحة ومربحة للغاية، حيث أنّها منعت السفن البريطانيّة من الاقتراب إلى الميناء خلال حرب القرم (Crimean War).
بداية "العلاقة الغراميّة" لعائلة نوبل مع المتفجرات فقط للتوّ.
لقد ازدهرت أعمال الأب، وفي عام 1842 انتقلت العائلة بأكملها إلى روسيا وتلقّى ألفرد وشقيقه تعليمًا خاصًّا على أعلى المستويات. في سنّ السابعة عشر، أجاد ألفرد خمس لغاتٍ - السويديّة، الروسيّة، الألمانيّة، الفرنسيّة والإنجليزيّة، وأظهر إتقانًا كبيرًا في الأدب الإنجليزيّ، إضافةً إلى الفيزياء والكيمياء. أراد والده أن يكون ألفرد مهندسًا مثله، لذلك أرسله للدراسة في مختبرات الكيمياء في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتّحدة الأمريكيّة.
اللقاء الذي غيّر مجرى حياته
في إحدى رحلاته إلى باريس، التقى ألفرد الشاب بالكيميائيّ الإيطاليّ اسكانيو سوبريرو (Sobrero) الذي اكتشف في تلك الأيام النيتروغلسرين (Nitroglycerin)، وهي مادّة متفجّرة، سائلة وقويّة ولكنّها غير مستقرّة. في عام 1852 عاد ألفرد إلى روسيا، وبينما كان يساعد في تطوير الشركة العائليّة، استمرّ في محاولة إيجاد طريقة لإنتاج النيتروغلسرين بشكلٍ تجاريّ، دون التسبّب في انفجارات خطيرة أثناء عمليّة الإنتاج والنقل. لكن، بعد نهاية حرب القرم في عام 1856، قَلَّت طلبيّات الجيش الروسي، التي كانت تعتمد عليها شركات عائلة نوبل، ممّا أدّى إلى المزيد من الإفلاس. في عام 1863، عاد عمانوئيل وألفرد وشقيقه إميل إلى السويد. بقي شقيقان آخران في روسيا وأقاما شركة نفطيّة جديدة وناجحة للغاية.
واصل ألفرد جهوده في تثبيت النيتروغلسرين، لكن سلسلة من حوادث العمل المأساويّة، بما فيها، حادث قُتِل فيه شقيقه إميل والعديد من العمال، دفعت السلطات في ستوكهولم إلى حظر التجارب مع المواد المتفجّرة الإشكالية داخل المدينة نفسها. لم ييأس ألفرد، ومن منطلق إيمانه الكامل بالقدرة الهائلة للنيتروغلسرين "اللين" على المساعدة في المشاريع الهندسيّة وإنقاذ الأرواح البشريّة، نقل مختبره إلى قارب في بحيرة وواصل جهوده لتثبيت السائل المدمّر.
جاءت نقطة التحوّل في عام 1867. لتثبيت النيتروغلسرين، الذي مال إلى الانفجار بعد كلّ ضربة بسيطة، مزجه نوبل مع طين غنيّ بالسيليكون وكربونات الصوديوم. شكلت هذه المواد خليطًا كان أكثر استقرارًا، مع الحفاظ على خصائص النيتروغلسرين كمادّة شديدة الانفجار. كما مكّن المبنى الشبيه بالشمع المادّة الجديدة من تصميمه على شكل قضبان، يتمّ إدخالها في ثقوب الحفر. اليوم، يتمّ استبدال الطين بشكل عامّ بنشارة الخشب أو الدقيق.
حصل نوبل على براءة اختراع على اكتشافه، أطلق عليه اسم "الديناميت" المستوحى من الكلمة اليونانيّة Dynamis التي تعني القوّة. للتحكّم في توقيت انفجار قضبان الديناميت، أضاف إليه اختراعًا آخر من معامل اختراعاته - الصاعق، وهو جهاز صغير يحتوي على البارود، والذي يتمّ تشغيله عن بُعد.
كان للديناميت والصواعق إمكانيّات هائلة في تحسين الأساليب المستخدمة لتفجير الصخور، تعدين القنوات وحفر الأنفاق ومفاعل هندسية أخرى. زاد الطلب على المنتجات وكذلك ثروة نوبل الشخصيّة. استمرّ ألفرد في التطوير والاختراع، وعلى مرّ السنين سجل ما لا يقلّ عن 355 براءة اختراع، معظمها متعلّقة بمواد متفجّرة جديدة، وأنشأ 90 مصنعًا في 20 دولة.
جوائز لتطوير البشريّة
كان نوبل داعية سلام ومعارضًا للحروب. عندما اخترع الديناميت، كانت نيّته أن تُساعد هذه المواد البشر على التعامل مع المهام المعقّدة، لكنّ العديد من المصانع التي اشترت المواد المتفجّرة لم تستخدمها لحفر القنوات، بل لتصنيع ذخيرة للأسلحة. تمّ انتقاد نوبل لتورّطه في صناعة الأسلحة، وعندما توفّي شقيقه لودفيغ عام 1888، نشرت إحدى الصحف الفرنسيّة إعلانًا بالخطأ عن وفاة ألفرد تحت عنوان "وفاة تاجر الموت".
توفّي نوبل في الـ10 من كانون الأول عام 1896، عن عمر يناهز 63 عامًا. عندما فتح أفراد عائلته وصيّته، والتي بدّلها عدّة مرّات في السنوات الأخيرة من حياته، اكتشفوا مندهشين أنّه ترك 94 في المائة من ثروته الضخمة للصندوق الذي سيحمل اسمه. وكان مجموع المبلغ في الصندوق في ذلك الحين قرابة ال1.7 مليون جنيهًا، ويقدر اليوم المبلغ بنحو 500 مليون دولارًا.
من معدّل الفائدة المستقبليّ الذي سيحقّقه الصندوق باسمه، أمر نوبل بمنح خمس جوائز ماليّة بنفس المقدار كلّ عام، للأشخاص الذين قدّموا مساهمة كبيرة للجنس البشريّ. تبلغ اليوم قيمة الجائزة لكلّ مجال 8 ملايين كرونة سويدية، أي ما يُقارب 900 ألف دولار.
في البداية تمّ منح هذه الجوائز لمجالات الفيزياء، الكيمياء، علم وظائف الأعضاء أو الطبّ، الأدب والسلام. في عام 1968، احتفل البنك الوطنيّ السويديّ بالذكرى السنويّة الـ 300 لتأسيسه، وتبرّع بمبلغ إضافيّ من المال لصندوق نوبل لاستخدامه في منح جائزة إضافيّة للأشخاص الذين قدّموا مساهمات كبيرة في العلوم الاقتصاديّة. من المعتاد في أيامنا، تسمية هذه الجائزة أيضًا بجائزة نوبل، لكنّها في الحقيقة جائزة تحمل اسم نوبل - على الرغم من حصول فائزها على ذات المبلغ الذي يحصل عليه الآخرون.
في أعقاب العديد من الاستئنافات التي قُدّمها أفراد أسرة نوبل حول تجريدهم شبه الكامل من وصية نوبل، تمّ منح الجوائز الأولى فقط في عام 1901، أي بعد خمس سنوات من وفاة نوبل. من بين الفائزين الأوائل كان فيلهلم كونراد رونتغن (Wilhelm Röntgen)، الذي فاز بجائزة الفيزياء لاكتشافه الأشعّة السينيّة التي سميت باسمه (أشعة إكس أو أشعة رونتغن)، وياكوبس فانت هوف (Jacobus Henricus van 't Hoff) الذي حصل على جائزة في الكيمياء لاكتشافه قوانين الديناميك والضغط الإسموزي في المحاليل.
لم يكن موت الشخص الذي أُطلِق عليه بشكلٍ خاطىء "تاجر الموت" سوى بداية رحلة طويلة. فقد منح الصندوق الذي أمر بتأسيسه منذ أكثر من مائة عام جوائز لمئات العلماء والمفكرين والقادة، الذين قدّموا بلا شكّ مساهمة كبيرة للجنس البشري، وكانوا - وما زالوا - مصدر إلهامٍ من خلال إنجازاتهم لملايين الأشخاص حول العالم.