137 عامًا على وفاة تشارلز داروين، واضِع نظرية التطور

في 19 أبريل 1882 أنهى تشارلز داروين حياته في البيت الذي عاش فيه   مدةَ أربعين عامًا، في قرية صغيرة هادئة في ضواحي لندن، محاطًا بزوجته وأطفاله. توقع داروين البالغ من العمر ثلاثة وسبعين  عامًا أن يُدفن في الكنيسة المحلية في القرية، لكن زملاءَه أصرُّوا على دفنه في كنيسة وستمنستر، حيث دُفِنت هناك أجيال من الملوك والمثقفين والشخصيات الأخرى التي تركت بصماتها على المجتمع البريطاني. لقد حصل داروين بإنصاف على مكانته بين كبار الشّخصيات . وبعد كل شيء، كان الباحث الفيكتوري ذوالصوت الهادئ  مسؤولاً عن إحدى الثورات العلمية العظيمة في التاريخ.

قبل ذلك بستّة وأربعين  عامًا، في العام 1836، عاد داروين من رحلته الشهيرة على سفينة البيغل  - رحلة بحرية استمرت خمس سنوات، دار خلالها حول العالم وزار، من بين أماكن أخرى، أمريكا الجنوبية، أستراليا وأفريقيا. خلال الرحلة، بدأت تتبلور أفكاره حول تغيير الأجناس:  لقد لاحظ أنه كلما كانت المُتحجِّرات مدفونة في طبقة أعمق، كانت أكثر اختلافًا عن الحيوانات الموجودة اليوم. ولا يقل أهمية عن ذلك أنه لاحظ أن الطيور والسلاحف التي صادفها  في جزر غالاباغوس المنعزلة تبدو مختلفة من جزيرة الى أخرى.

المحادثات التي أجراها مع زملائه بعد عودته، والرؤى الجديدة حول العينات التي جمعها خلال رحلته، دفعته إلى استنتاج أن جنسًا معيَّنًا يمكن أن يتحوّل بالفعل إلى جنس آخر. مع حلول العام 1837 كان داروين  قد رسم في دفتره شجرةً ذات غصون متفرعة، كانت بمثابة الفكرة الأولى عن الانقسام التطوري الذي شكّل أساسًا لنظريته.

على مدار العشرين عامًا التالية، بحث  داروين وكتب عن الجيولوجيا والبيولوجيا - وخاصة حول البرنقيل (نوع من أنواع المحار). طوال تلك الفترة استكمل أفكاره حول التطور، وخاصّة فكرته المبتكرة العظيمة - الآلية التي تحرك التغيير، التي سماها "الانتقاء الطبيعي".

بدأ داروين في كتابة الكتاب الذي سيعرض فيه أفكاره، لكنه لم يكن قد نشر  أي شيء عنها. ثم جاء التشجيع من اتجاه غير متوقع. في العام 1858، جمع ألفريد راسل والاس عينات من الحيوانات والنباتات الموجودة  في أرخبيل جنوب شرق آسيا. كان عالم الطبيعة الشاب على دراية بالنظريات التي كانت موجودة آنذاك حول تنوع الأجناس، وكان يعتقد أنه تمكّن من إيجاد الآلية التي تحرك هذا التغير.

مثل داروين، أدرك والاس أن  الحيوانات لا تعيش جميعها في كل الأجيال وتلِد ذرية، وأن الحيوانات التي تبقى على قيد الحياة هي الأكثر  ملاءَمة للظروف البيئية. هكذا، مع مرور الوقت، ستغير الأجناس سماتها وفقًا للبيئة التي تعيش فيها. أرسل والاس إلى داروين رسالة  يشرح فيها نظريته. لم تتوفَّر لديه الأدلة الداعمة الكثيرة التي جمعها داروين بجد خلال عشرين عامًا، لكن الفكرة في جوهرها كانت مماثلة لفكرة الانتقاء الطبيعي. لقد  أدرك داروين فجأة خطورة تأجيل النشر.

في 1  يوليو 1858، نُشِرَت الصِّيغة  الأولى لنظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي، في مؤتمر للجمعيَّة اللينيَّة في لندن ، في مقال  مشترك لداروين ووالس معًا. لم يترك الحدث انطباعًا خاصًّا على المجتمع العلمي، واستغرق الأمر عامًا آخر حتى ترسَّخت  النظرية.

في نوفمبر 1859،نُشِرِ كتاب داروين، "أصل الأنواع" عن طريق الانتقاء الطبيعي أو الحفاظ على الأجناس  المفضلة في صراع الحياة"، الذي يحتوي على وصف النظرية بتفصيل أكبر بكثير مع إرفاق العديد من الأمثلة. منذ تلك اللحظة اكتسبت فكرة الانتقاء الطبيعي زخمًا.  جميع نسخ الإصدار الأول، البالغ عددها 1.250 نسخة، تم بيعها في غضون يوم واحد، وأصبحت فكرة التطور حديث السَّاعة في الأوساط العلمية، وكذلك لدى الجمهور الواسع.

 


داروين في صِباه | المصدر: ويكيبيديا
 

الموافقة والاختلاف 

الجدل العلمي حول صحة نظرية داروين، الذي احتدم خلال  العقود التي تلت نشر النظريَّة،  هدأ منذ فترة طويلة. لقد تقبلت الأوساط العلميّة  المبادئ الأساسية للنظرية، على الرغم من أن المجال قد تطور كثيرًا منذ القرن التاسع عشر، وتبيّن أن العديد من التفاصيل غير دقيقة أو تم دحضُها. على سبيل المثال، لم يكن داروين يعرف شيئًا عن علم الوراثة، و فرضيته حول الآلية الوراثية كانت خاطئة تمامًا. لكن مبادئ النظرية نفسها تأكَّدت  مرارًا، وتُعتبر الآن حقيقة علمية مثبتة.

أحد أسباب خوف داروين من نشر النظرية الثورية في ذلك الوقت هو غضب رجال الدين المتوقع. إذا كانت أجناس جديدة قد  تطورت بحكم التطور، فهذا يعني أن الإله الواحد لم يخلقها جميعًا كما ورد في المصادر، وبالتأكيد لم تحدث العملية في الجدول الزمني المذكور في الكتب المقدسة. رجال الدين لم يتخاذلوا، ووصلت المصادمات بين مؤيدي نظرية التطور وخصومها إلى المحكمة.على  الرغم من أن البابا فرانسيس ذكر في العام 2014 أن النظرية التطورية لا تتعارض مع المعتقد الكاثوليكي، إلا أن العديد من المؤمنين ما يزالون يجدون صعوبة في قبولها، والجدل حول نظريَّة داروين يظهر من وقت لآخر، خارج عالم العلوم.

نظرية التطور من خلال الانتقاء الطبيعي لم  تُشَكِّل علم الأحياء، ومن خلاله الطب الحديث، فقط، ولكنها أثرت على التفكير في مجالات علم النفس، علم الاجتماع، السياسة وغيرها. لقد غير داروين الطريقة التي نرى من خلالها  عالم الطبيعة ، وخاصة المكان الذي يدركه البشر. لذلك، ليس من المستغرب أن يكون اسم داروين معروفًا في كل منزل تقريبًا.

 

الترجمة للعربيّة: رغدة سمارة
التدقيق اللغوي: خالد صفدي

0 تعليقات