1,300 عام على مولد الخيميائي جابر بن حيّان، والذي كان أول من طوّر علوم تصنيف المواد
يعتبر أبو موسى جابر بن حيّان ، والذي عاش على الأرجح في القرن الثامن الميلادي، من أعظم علماء العصر الذهبي للإسلام وهو أحد أهمّ العلماء الطّلائعيين العرب ويُعدُّ رائد الكيمياء العربيّة. بالتزامن مع الوقت الذي تجمدت فيه العلوم في أوروبا، كان ابن حيّان قد طور بالفعل طرقًا لفرز المواد وطبّق طرقًا عملية لفحص افتراضاته وخلق تفاعلات كيميائية معقدة.
تبدأ قصة حياة جابر بن حيّان في مدينة طوس (Tus) في إيران في القرن الثّامن الميلاديّ، مع أنّه قضى غالبيّة عمره في مدينة الكوفة (Kufah) في العراق وتوفِّي هناك. حكم الخلفاء العبّاسيّون العراق وغيرها من أقطار الامبراطوريّة الإسلاميّة في تلك الفترة الّتي تُعدّ العصر الإسلاميّ الذّهبيّ الّذي نمت فيه وتطوّرت وازدهرت التّجارة والثقافة والعلوم وتركّزت في مدينة بغداد.
أتاحت وفرة الأموال والغِنى في هذه الحقبة من الزّمن المجال للكثير من الأبحاث والاكتشافات اللافتة بينما كانت أوروبا غارقةً في سبات القرون الوسطى العميق. أخذت شتّى المجالات العلميّة والطّبّيّة والصّيدلة والرّياضيات والفلك والكيمياء بالتّطوّر مع افتتاح المكاتب والجامعات ومن ضمنها بيت الحكمة في بغداد. ليس مجال "الكيمياء" بالعلم البحثيّ الحقيقيّ وإنما هو مجالٌ يدمج العديد من المواضيع بما فيها الفلسفيّة والّتي جرت من خلالها محاولة فهم خواص الطّبيعة، وكانت غايتها الرّئيسية إيجاد طريقة لتحويل الفلزات إلى ذهب وإيجاد العقار الذي يمنح الحياة الأبديّة.
تحوّلت "الكيمياء" مع الزّمن، بفضل جابر بن حيّان، إلى الكيمياء الحديثة الّتي نعرفها اليوم.
اهتمّ جابر بن حيّان بمجالات كثيرة؛ إلّا أنّ الأثر الرّئيسيّ لأعماله كان في الـ "الكيمياء" من خلال آلاف الكتابات والكتب الّتي تركها بعد موته. كان جابر باحثًا مهمًّا مرموقًا قرّبه الخليفة العباسيّ هارون الرّشيد إليه وجعله "كيميائيّ" البلاط، كما كان طبيبًا لوزراء الدولة العبّاسيّة. هناك آلاف الكتب الّتي يتذيّلها توقيع جابر بن حيان مع أنّه يُحتمل أنّ تلاميذه ألّفوا قسمًا منها أو ساهموا في تأليفها إذ لا يتناسب تسلسل الأحداث فيها دائمًا مع فترة حياته. استخدم جابر بن حيّان في بعضٍ من كتاباته لغة مُشفّرة يفهمها تلاميذه المقرَّبون فقط، الأمر الّذي جعل البعض يعتقد أنّ كتبه تجمع في طيّاتها أمورًا بعيدة عن المنطق ليس إلّا. هناك من يدّعي أنّ مصدر الكلمة أو التّعبير "جِبريش" (الّتي تستخدم لوصف كتابة عسيرة القراءة والفهم) هو اسم جابر الّذي استخدم الشِّفرات المختلفة لإخفاء فحوى كتاباته.
يعتبر جابر بن حيّان من أعظم العلماء في العصر الذهبي للإسلام. المصدر: مكتبة الصور العلمية SCIENCE PHOTO LIBRARY
عناصر التنظيم
من ضمن ما تتناولته كتب جابر بن حيّان المختلفة الفلزات والعناصر الطّبيعيّة واهتمّ جابر، بكونه "الكيميائيّ"، بالسَّبائك الفلزيّة في تراب الأرض والمناجم و التَّبلور. قسّمََ جابر بن حيّان، من خلال رغبته في فهم العالم وتنظيم المواد الطّبيعيّة المختلفة، العناصر الطّبيعيّة إلى ثلاثة مجموعات وذلك في كتابه "Method of Balance" (طرق الموازنة) - المواد الّتي تتبخر بالتّسخين، الفلزات كالذّهب والنّحاس، والحجارة الّتي يمكن أن تتفتت إلى مساحيق.
اعتمد جابر في هذا التّقسيم على نظريّات أرسطو الّذي سبق بن حيّان بألف وثلاثمئة سنة، وأثَّر كثيرًا على "الكيمياء" في فترة الخلافة العبّاسيّة وذلك بعد أن تُرجمت الكثير من الكتابات من اليونانيّة. اعتقد جابر بن حيّان، بخلاف أرسطو الّذي أعطى أربع صفات للمادّة وهي البرودة والحرارة والجفاف والرّطوبة، أنّه يمكن لصفات بعض الفلزات أن تتغيّر عند دمجها مع مواد أخرى، وادّعى في إحدى كتاباته أنّ الفلزات تتكوّن من الزّئبق والكبريت، وقد اعتُمدت هذه النّظريّة على مدار أعوامٍ كثيرة بعد وفاته.
امتازت أعمال جابر بن حيّان بالتّجارب والاختبارات في حين تمحور اهتمام الباحثين الآخرين في "الكيمياء" في عصره حول النّظريّات والمعتقدات والأساطير. اتّخذ جابر منهجًا عمليًّا مميّزَا لإيجاد طرق للتّعامل مع المواد وتصنيعها. نجح جابر بن حيّان، إلى جانب دراساته الكثيرة، في تصنيع أحماض مختلفة لأوّل مرّة في التّاريخ مثل حمض كلوريد الهيدروجين وحمض النيتريك وحمض السّتريك. كم أنّ صَبغ الملابس وإعاقة صدأ الفلزات كانت عمليّات أخرى ضمن النّهج العمليّ الّذي قاد نظريّات "الكيمياء" نحو متطلَّبات الحياة اليوميّة.
تُرجمت بعض مؤلفات جابر بن حيّان إلى اللّاتينية وذُيّلَت هذه التّرجمات باسم جبر (geber) الأمر الذي أتاح المجال للعلماء الأوروبيّين قراءتها والاعتماد على استنتاجاته. ما زالت المصطلحات الكيميائيّة الّتي أوجدها جابر بن حيّان واستخدمها في كتاباته، كالحمض والقاعدة، تستخدم حتّى اليوم. هناك من يدّعي أنّ جابر بن حيّان هو اوّل من وضع لبِنات الأساس في علم الكيمياء بفضل البروتوكولات والمؤلّفات الّتي خلّفها، ذلك على الرّغم من تطوّر علم الكيمياء في أوروبا بعد وفاته.